- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3778
"تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" يصبح عالمياً: العمليات الخارجية انطلاقاً من أفغانستان
بعد عقدين من هجمات 11 أيلول/سبتمبر، أصبحت أفغانستان مجدداً تحت حكم حركة "طالبان" ملاذاً للأنشطة الإرهابية في الخارج، ولكن هذه المرة من قبل فرع محلي لتنظيم "الدولة الإسلامية".
على مدى العقود الثلاثة الماضية، سعت التنظيمات الجهادية المتعاقبة إلى تنفيذ عمليات خارجية تتعدى ساحات قتالها المحلية، وغالباً من ملاذات آمنة في الخارج. وتشمل القائمة الطويلة جهات فاعلة مثل "الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية (عندما اختطفت رحلة "الخطوط الجوية الفرنسية رقم 8969" في عام 1994)، وتنظيم "القاعدة"، (أشهرها هجمات 11 أيلول/سبتمبر، ولكن أيضاً من خلال مؤامرات الفروع المحلية لتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، و"حركة الشباب"، و تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»)، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (على سبيل المثال، في سوريا وليبيا).
واليوم، تَبنّى "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" الاستراتيجية ذاتها في أفغانستان. ولكن على عكس العديد من الجماعات السابقة التي اعتمدت على ملاذات آمنة مستقرة لكسب المزيد من الوقت والمساحة للتخطيط والتدريب، أصبح "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" فعلياً أضعف في أفغانستان خلال العام الثاني من حكم "طالبان" - ولكن من قبيل المفارقات، قام بتوسيع قدرته على العمليات الخارجية. وفي الذكرى السنوية لهجمات 11 أيلول/سبتمبر، يعد الوضع تذكيراً صارخاً بأن أفغانستان تحت حكم "طالبان" هي قوة موجهة رئيسية للعمليات الجهادية في الخارج.
تدهور "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" داخل أفغانستان
بعد فترة وجيزة من استيلاء حكومة "طالبان" الحالية على السلطة، أنشأت ذراعها للأمن الداخلي - هي "المديرية العامة للاستخبارات" - في تشرين الأول/أكتوبر 2021. لكن الوكالة لم تبدأ بالإبلاغ عن اعتقالات أعضاء "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" حتى تموز/يوليو 2022. وتنبع هذه الفجوة جزئياً من رغبة "طالبان" في ترسيخ شرعيتها من خلال التعتيم على الواقع وإقناع المجتمع الدولي بأن البلاد كانت خالية من التهديدات الإرهابية عند استيلائها على السلطة - وهو الهدف الذي سعت إليه "طالبان" من خلال معلومات مضللة قوية.
على سبيل المثال، بعد أن أصدرت "القيادة المركزية الأمريكية" تقريراً في آذار/مارس 2022 يشير إلى أن "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" قد توسع في ظل حكم "طالبان"، نشرت "المديرية العامة للاستخبارات" تغريدة واصفةً الخبر بأنه "دعاية استخباراتية". وواصلت تغريدة لاحقة هذا الوصف: "الخوارج [في إشارة إلى "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان"] كانوا مشروعاً استخباراتياً للمحتلين [أي قوات التحالف] اختفى تماماً بعد انتهاء الاحتلال وحالياً ليس [لديه] أي وجود مادي في أي جزء من البلاد". ومع ذلك، كان هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، وسيتعين على "طالبان" قريباً التعامل مع واقع "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" في أفغانستان. فمنذ أن تم الإبلاغ عن أول اعتقال لأعضاء في "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" من قبل "المديرية العامة للاستخبارات" في تموز/يوليو 2022، نفذت "طالبان" ستاً وثلاثين غارة لمكافحة الإرهاب ضد التنظيم.
وخلال هذه الفترة، انخفضت هجمات "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" داخل أفغانستان بشكل ملحوظ، استناداً على الادعاءات الرسمية التي أعلنها تنظيم "الدولة الإسلامية" عن مسؤوليته. وفي الفترة 2022-2023، انخفضت الهجمات أكثر مما كانت عليه في الفترة 2019-2020، عندما اتخذ التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات الأمن الأفغانية إجراءات منسقة ضد "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" وقبل أن يتولى زعيم التنظيم الحالي، شهاب المهاجر، زمام الأمور:
• آب/أغسطس 2018 – 2019: 400 هجوم
• آب/أغسطس 2019 – 2020: 157 هجوم
• آب/أغسطس 2020 – 2021: 275 هجوم
• آب/أغسطس 2021 – 2022: 314 هجوم
• آب/أغسطس 2022 – 2023: 69 هجوم
وربما ينبع هذا التراجع بالكامل من الحملة التي تشنها "طالبان" لقمع القدرات الهجومية المحلية لـ "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان"، وفي المقابل - أو بالإضافة إلى ذلك - قد يعكس قراراً متعمداً اتخذه التنظيم بتغيير أنماط هجومه. فقد تضمن العدد الصادر في 28 آب/أغسطس من مجلة التنظيم باللغة البشتونية "خراسان غاغ" ("صوت خراسان") مقالاً يزعم أن هذا التراجع يعود إلى "سياسة الصمت الاستراتيجي" التي ينتهجها شهاب المهاجر. وعلى الرغم من صعوبة التحقق من مثل هذه الادعاءات، إلا أن الوثائق الداخلية التي تم تسريبها في ربيع وخريف عام 2020 أظهرت أن تنظيم "الدولة الإسلامية" الأم لم يبلغ عمداً عن ادعاءاته بالمسؤولية عن الهجمات في بعض أنحاء سوريا، سواء لأغراض استراتيجية (على سبيل المثال، زرع الفتنة بين الأعداء) أو لأسباب عملية (على سبيل المثال، عدم توفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت لنشر المطالبات). ويحدث شيء مماثل بشكل معقول مع "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" في أفغانستان، على الرغم من أن إثبات ذلك يتطلب المزيد من الوقت والبيانات.
واتبع "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" استراتيجية ذات شقين في تحوله من التركيز المحلي/الإقليمي إلى وضعية أكثر عالمية. الشق الأول هو حملة دعائية مستمرة. فبخلاف فروع تنظيم "الدولة الإسلامية" الأخرى، طور "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" بنية إعلامية مستقلة من خلال مؤسسة "العظيم" الإعلامية التابعة له، والتي تنتج محتوى باللغات العربية والإنكليزية والفارسية والبشتو والطاجيكية والأردية والأوزبكية. وقد استهدف هذا المحتوى إلى جانب "طالبان" مجموعة واسعة من الأهداف الأجنبية، من الدول المجاورة (الهند وإيران وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان) إلى الدول ذات الوزن الثقيل في الشرق الأوسط (إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة) إلى الأعداء من القوى العظمى في أماكن أبعد (الصين وأوروبا وروسيا والولايات المتحدة).
أما الشق الثاني فيقوم على التخطيط للهجمات وتنفيذها في الخارج، سواء أكانت موجهة أو منظمة أو مستوحاة. وعلى الرغم من أن حركة "طالبان" ادّعت مراراً وتكراراً أن أفغانستان لن تُستخدم كقاعدة لمثل هذه المؤامرات، إلّا أن البيانات التي جمعها مشروع الخريطة التفاعلية للأنشطة العالمية المختارة لتنظيم "الدولة الإسلامية" التابع لمعهد واشنطن تشير إلى أن معدل الحوادث ارتفع منذ استيلاء الحركة على السلطة.
على سبيل المثال، تواصل عناصر "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" تنفيذ هجمات داخل باكستان، وقد سبق أن شنت هجمات صاروخية عبر الحدود ضد طاجيكستان وأوزبكستان. كما هاجم التنظيم أيضاً أهدافاً في جزر المالديف (شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2020) ومدينة شيراز في إيران (تشرين الأول/أكتوبر 2022 وآب/أغسطس 2023؛ ولم يعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجوم الثاني، لكن إيران أعلنت أن "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" هي المتهمة الرئيسية). بالإضافة إلى ذلك، تم التصدي لما لا يقل عن خمسة عشر مخططاً آخر لـ "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" من قبل سلطات إنفاذ القانون في الهند (3) وإيران (4) وألمانيا (3) وجزر المالديف (1) وقطر (1) وتركيا (3). وقد برزت أربع من هذه المؤامرات قبل استيلاء "طالبان" على السلطة، لكن المؤامرات الإحدى عشرة الأخرى تكشفت في ظل مراقبتها: خمس في عام 2022 وست حتى الآن في عام 2023. وتشير هذه النتائج إلى أن جهود "مكافحة الإرهاب" المزعومة من قبل "طالبان" تقتصر على احتياجاتها الأمنية المباشرة وليس احتياجات الدول الأخرى - وهو النهج الذي يتعارض بشكل مباشر مع هدف الحكومة المعلن المتمثل في الحصول على الدعم الدولي والاعتراف الرسمي.
وبالإضافة إلى التخطيط للهجمات، اعتقلت السلطات في بلدان مختلفة أيضاً أعضاء من "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" وأنصاره بتهمة تجنيد الأعضاء وجمع الأموال في بضع مناسبات منذ عام 2020، بما في ذلك بريطانيا (2) والهند (3) وتركيا (1) وباكستان (1) والولايات المتحدة (2). وفي تموز/يوليو 2023، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية ثلاثة عشر شخصاً في جزر المالديف على قائمة الإرهاب لنشاطهم المتعلق بـ "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان"، بمن فيهم زعيم الفرع المحلي، عبد الله شريف، وممثله في أفغانستان، علي شافيو. وتوضح الخريطة أدناه النطاق الكامل لأنشطة الجماعة في مختلف الولايات القضائية:
ويتمثل أحد أبرز الجوانب الملفتة في شبكات العمليات الخارجية لـ "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" في ضلوع مواطنين طاجيكيين في العديد من مؤامرات الهجمات ومخططات التمويل وجهود التجنيد، وتحديداً في ألمانيا وإيران وتركيا. ومع ذلك، لم تكشف طاجيكستان علناً عن أي أنشطة من هذا القبيل على أراضيها. ويذكّر هذا الوضع بالشبكة الجهادية في تونس قبل الثورة التي شهدتها البلاد عام 2011، والتي تضمنت قدراً ضئيلاً نسبياً من النشاط الجهادي محلياً، ولكن على تعبئة كبيرة في الخارج ــ وهو اكتشاف لم يصبح واضحاً تماماً إلى أن أنشأ التونسيون نظاماً سياسياً مفتوحاً.
التداعيات السياسية
إن التهديد العالمي المنبثق عن قاعدة "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" في أفغانستان هو تهديد حقيقي، سواء على شكل هجمات مباشرة، أو جهود لتوجيه الأفراد عبر الإنترنت، أو محاولات لإلهامهم عن طريق المواد الدعائية. ولو لم تحبط السلطات الكثير من المؤامرات المشار إليها أعلاه، لكان المجتمع الدولي سيمارس على الأرجح المزيد من الضغوط على حركة "طالبان" على خلفية سماحها على ما يبدو لـ "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" بتنفيذ عمليات إرهابية واسعة النطاق من أراضيها. وخلافاً لما حدث في عام 2001، عندما كانت "طالبان" متحالفة مع الجهة الفاعلة الجهادية الإشكالية المعنية (تنظيم "القاعدة")، فمن الواضح أن "طالبان" تعتبر اليوم "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" عدواً لها. ومع ذلك فمن الصعب أخذ المزاعم الأمنية للحكومة على محمل الجد عندما تصر على أن الدول الأجنبية لا تواجه أي تهديدات من جانب أفغانستان. وعلى الرغم من قمعها لهجمات "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" في الداخل، فقد تزايدت المؤامرات الإرهابية في الخارج بشكل يمكن التحقق منه في العامين اللذين أعقبا استيلاء "طالبان" على السلطة، مما يشير إلى أن الحكومة إما غير قادرة على احتواء هذه العمليات أو غير راغبة في ذلك. ولن يؤدي هذا الوضع إلا إلى تقويض فرصها في اكتساب الشرعية على الساحة العالمية.
ويضع هذا الوضع واشنطن أيضاً في موقف صعب. فقد استهدف العديد من مؤامرات "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" شركاء مقربين من الولايات المتحدة مثل ألمانيا والهند وقطر وتركيا، إلا أن السلطات (الأمريكية) لم تعد تمتلك الشبكات الاستخباراتية ذاتها التي كانت لديها قبل الانسحاب من أفغانستان. لذلك، على واشنطن أن تدرس إمكانية استئناف النهج الذي اتبعته عند استهداف زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في تموز/يوليو 2022، أي التركيز على ضربات الطائرات بدون طيار ضد عناصر "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" المشاركين في تخطيط العمليات الخارجية. وبالاقتران مع النهج الحالي لإنفاذ القانون القائم على الاستخبارات، يمكن أن تساعد هذه الاستراتيجية في الحد من قدرة "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" على شن هجمات ناجحة في الخارج، تماماً كما أدت الجهود الأمريكية إلى تقليص قدرة الجماعات الجهادية الأخرى على شن عمليات خارجية على مدى العقدين الماضيين.
هارون ي. زيلين هو "زميل ريتشارد بورو" في المعهد ومؤسس موقع "Jihadology.net".