- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2657
«تقرير "اللجنة الرباعية"» (الجزء الثاني): مواجهة التحريض والعنف الفلسطيني
"هذه المقالة هي الجزء الثاني من المرصد السياسي المكوّن من جزئين الذي يحلل «تقرير "اللجنة الرباعية"» الدولية حول الشرق الأوسط الذي صدر في 1 تموز/يوليو. وركز الجزء الأول على المستوطنات والتحديات الإسرائيلية الأخرى؛ ويركز هذا الجزء على التحديات الفلسطينية".
عموماً، يكون لتقرير "اللجنة الرباعية" التأثير الأكبر عندما يعرض تقييماً مدعماً بالحقائق عن الوضع على الأرض، بما في ذلك الأعمال الفلسطينية التي تؤذي الإسرائيليين أو التي تعمد بطريقة أخرى إلى تفاقم التوترات. ومع أنه يقدّم سياسة تتضمن اقتراحات حلول فإنه يعجز أحياناً عن إيضاح كيفية الانتقال من نقطة إلى أخرى.
العنف والتحريض
نظراً إلى الرؤية الفلسطينية العامة التي تعتبر أن الصراع ينتج بشكل كامل تقريباً عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، احتجّ المسؤولون الفلسطينيون على الانتقاد الذي وُجّه إلى الفلسطينيين في «تقرير "اللجنة الرباعية"». ووفقاً لوجهة نظرهم، فإن انتقاد التقرير للتحريض والإرهاب يؤكد صحة الادعاءات الإسرائيلية التي تفيد بأن السلوك الفلسطيني يشكل عائقاً أمام تطبيق حل الدولتين. وقال الأمين العام "لمنظمة التحرير الفلسطينية"، صائب عريقات، إن التقرير "لا يلبي تطلعاتنا" لأنه "يحاول أن يساوي بين مسؤوليات شعب خاضع للاحتلال ومسؤوليات محتل عسكري أجنبي." ودعا رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس مجلس الأمن الدولي إلى رفض التقرير. وفي الواقع، من النادر جداً أن ترفع "اللجنة الرباعية" مستوى مسألة التحريض على العنف وتمجيد العنف - فضلاً عن العجز عن إدانة بعض الهجمات الإرهابية المحددة بشكل صريح - باعتبارها عائقاً رئيسياً أمام التوصل إلى حل الدولتين.
وبدوره، أعلن «تقرير "اللجنة الرباعية"» أن "استمرار العنف وأعمال الإرهاب الأخيرة التي تستهدف الإسرائيليين والتحريض على العنف [هي عناصر] تتعارض بشكل جذري مع التقدم نحو التوصل إلى حل سلمي على أساس [قيام] دولتين وتفاقم انعدام الثقة بين المجتمعات بشكل أساسي. إن الالتزام بالتعهد القاضي بالعمل بشكل فعال على مكافحة العنف والإرهاب والتحريض أمر بالغ الأهمية لإعادة بناء الثقة وتجنب التصعيد الذي من شأنه أن يقوض فرص السلام." ويشير التقرير أيضاً إلى أن موجة العنف الأخيرة شملت 250 هجوماً ومحاولات لشن هجمات من قبل الفلسطينيين على الإسرائيليين الأمر الذي أدى إلى حصد أرواح 30 إسرائيلياً على الأقل. وفي المرحلة الأكثر احتداماً، استهدفت ثلاث إلى أربع هجمات يومياً جميع أنحاء إسرائيل، والقدس، والضفة الغربية. ويضيف التقرير أن "هذه الهجمات الإرهابية، التي شن معظمها شبان غير منتسبين [لمنظمة ما]، ساهمت في تعزيز شعور الإسرائيليين بالعيش في ظل خطر مستمر. وفي خلال هذه الفترة، قتل 140 فلسطينياً على الأقل وهم يشنون أو وفقاً لبعض التقارير كانوا يشنون هجمات. وقتل 60 فلسطينياً أيضاً على الأقل على يد «قوات الأمن الإسرائيلية» خلال المظاهرات الفلسطينية، أو الاشتباكات، أو العمليات العسكرية."
ويشير التقرير أيضاً إلى أن "العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين بما في ذلك الاعتداءات وأعمال التخريب وتدمير الممتلكات، يشكل مصدر قلق كبير. وبينما تراجع عدد الهجمات بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أنه حصلت بعض الحوادث العنيفة جداً، ومنها الهجوم المروّع الذي أدى إلى حدوث حريق في دوما في عام 2015 والذي خلّف ثلاثة قتلى وحرق شاب فلسطيني حتى الموت في عام 2014."
وحول تمجيد العنف، علّق التقرير أن "الفلسطينيين الذين ينفذون هجمات إرهابية غالباً ما يُمَجّدون بشكل علني ويلَقبون بـ ' الشهداء الأبطال '. وغالباً ما تُظهر الصور، التي تنتشر على نطاق واسع، المهاجمين مع شعارات تشجع على العنف. واكتسب انتشار التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي زخماً منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، وأصبح يؤثر بشكل خاص على الشبان." إلا أن التقرير يتجنب ذكر الدفعات الكبيرة التي تقدمها "السلطة الفلسطينية" إلى عائلات الإرهابيين.
وفي حين يوجه التقرير أصابع الاتهام نحو حركة «حماس» لقيامها بأفظع أشكال التحريض، فهو يلقي اللوم أيضاً على «فتح». وبشأن «حماس»، يدعي التقرير أن "«حماس» والفصائل المتطرفة الأخرى تتحمل مسؤولية أكثر أشكال التحريض وضوحاً وانتشاراً. وتستخدم هذه الجماعات وسائل الإعلام لتمجيد الإرهاب وتدعو صراحة للعنف ضد اليهود، بما في ذلك إرشاد المشاهدين حول كيفية تنفيذ الطعنات. وعقب تفجير الحافلة الإسرائيلية في نيسان/أبريل 2016 الذي أدى إلى جرح 21 شخصاً على الأقل، نظّمت «حماس» تظاهرة للاحتفال بالهجوم". وفي ما يتعلق بـ «فتح» أعلن التقرير أن: "بعض عناصر حركة «فتح» قد دعموا الهجمات ومرتكبيها بشكل علني وشجعوا أيضاً على المواجهة العنيفة. وفي خضم هذه الموجة الأخيرة من العنف، وصف مسؤول بارز في حركة «فتح» مرتكبي هذه الأعمال على أنهم ' أبطال وتاج يكلل رأس كل فلسطيني '. وقد أظهرت حسابات الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي المهاجمين الذين تمت إضافة صورهم إلى جانب القادة الفلسطينيين."
وعلاوة على ذلك، يشير التقرير إلى فشل "السلطة الفلسطينية" في إدانة الهجمات، التي استهدفت الإسرائيليين، مباشرة. وذكر أن: "قيادة ' السلطة الفلسطينية ' قد صرّحت مراراً وتكراراً أنها ترفض العنف ضد المدنيين، وأن المسؤولين البارزين قد حافظوا على الالتزام علناً بالمقاومة اللاعنفية. إلا أنه من المؤسف أن القادة الفلسطينيين لم يدينوا بعض الهجمات الإرهابية المحددة بثبات ووضوح. وقد أُطلق على الشوارع والساحات والمدارس أسماء الفلسطينيين الذين ارتكبوا الأعمال الإرهابية." وفي المقابل، وإن لم يأت التقرير على ذكر ذلك، يدين المسؤولون الإسرائيليون صراحة الاعتداءات التي تطال الفلسطينيين كالحادثة التي وقعت في فصل الصيف المنصرم عندما اختُطف مراهق فلسطيني وقتل في "غابة القدس". ويثير مثل هذا التناقض القضية الأشمل المتمثلة بكيفية رد المسؤولين الحكوميين من الطرفين على الهجمات الإرهابية التي ترتكبها العناصر المنتمية لكليهما. وعلى هذا الصعيد، ووفقاً للتقرير، تراجعت الهجمات اليهودية المتطرفة من قبل جماعة "بطاقة الثمن" [الهجمات الانتقامية] التي تستهدف الفلسطينيين، إلا أن مرتكبيها لا يُزجّون دائماً في السجن. ومن الواضح أن هذه تفاصيل مهمة.
ويدعو التقرير، في قسم التوصيات، "السلطة الفلسطينية" إلى بذل كل ما في وسعها لوقف التحريض على العنف بما في ذلك "إدانة كافة الأعمال الإرهابية بوضوح"، وإلى تعزيز التنسيق الأمني مع إسرائيل، وطرح اقتراحاً قلّما اعتُمد يقضي بزيادة عمليات تبادل الأشخاص بين الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني، وهي سياسة تنحرف للأسف عن الموقف العام "للسلطة الفلسطينية"، وبالطبع عن موقف حركة «حماس».
الحوكمة الفلسطينية
يلقي التقرير اهتماماً قليلاً على موضوع الحوكمة الفلسطينية، واكتفى بالقول أن "على القيادة الفلسطينية أن تستمر في بذل الجهود الرامية إلى تعزيز المؤسسات وتحسين الحوكمة وإقامة اقتصاد مستدام. ويتعين على اسرائيل أن تتخذ كافة الخطوات اللازمة لتمكين هذه العملية تماشياً مع توصيات «لجنة الإتصال المخصصة»." وتتألف هذه اللجنة من مجموعة تضم 15 عضواً، وقد تأسست خلال السنوات التي شهدت التوصل إلى اتفاقات أوسلو، وهي تركز على المساعدة الاقتصادية الإنمائية المقدمة للفلسطينيين.
السلاح وعدم الاستقرار في قطاع غزة
في ما يتعلق بقطاع غزة، انتقد التقرير حركة «حماس» لامتلاكها ترسانة أسلحة بقوله: "لا تزال «حماس» وغيرها من الجماعات الفلسطينية تكدّس الأسلحة غير الشرعية في غزة ... ومثل هذه الأنشطة تزيد من خطر تجدد الصراع، وتحوّل الموارد بعيداً عن الجهود الإنسانية، وتهدد حياة المدنيين في إسرائيل وقطاع غزة ... و في حين أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة من عام 2014 بقي نافذاً إلا أنه لا يزال هشاً، حيث تم إطلاق ما لا يقل عن 160 صاروخاً وقذائف هاون على إسرائيل، مما عرّض الآلاف من الأشخاص من كلا الجانبين إلى خطر الهجمات المستمر." كما يتناول التقرير خطر الأنفاق عبر الحدود: "في سياق النزاع الذي حصل عام 2014، اكتشفت إسرائيل 14 نفقاً يخترق أراضيها. ومؤخراً، تم اكتشاف نفقين آخرين مما أدى إلى تصعيد مؤقت أَطلقت خلاله الجماعات المسلحة 40 قذيفة هاون وثمانية صواريخ على إسرائيل كما شن "جيش الدفاع الاسرائيلي" 13 غارة جوية. وقد قُتل أربعة مدنيين على الأقل في الغارات الإسرائيلية على غزة منذ وقف إطلاق النار عام 2014."
أما فيما يتعلق بوضع غزة الإنساني، فيقول التقرير إنه على الرغم من إحراز بعض التقدم لا يزال الوضع أليماً: "ويساهم كل من الفقر المدقع، ومعدل البطالة الهائل، والنقص المزمن في نمو غزة، في تعزيز انعدام الاستقرار والإحباط مما قد يخلق الظروف المؤاتية لتجدد الصراع. ويحتاج ١٬٣ مليون شخص من سكان غزة إلى المساعدة الإنسانية المستدامة بما في ذلك المأوى المؤقت والمواد الغذائية. ولا ينعم معظم الناس بالكهرباء إلا أقل من نصف الوقت، بينما تقتصر نسبة المياه الصالحة للاستهلاك البشري على 5 في المائة فقط. ويضيف التقرير: "لا تزال عملية إعادة الإعمار أيضاً غير كافية، على الرغم من إجراءات التسهيل البارزة التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية وبعض العلامات الواضحة على التقدم. وبفضل الدعم الدولي، تم إصلاح أو إعادة بناء أكثر من 90 في المائة من المدارس بالإضافة إلى 80 في المائة من البنية التحتية الخاصة بالكهرباء و60 في المائة من البنية التحتية الخاصة بالمياه وذلك بعد انتهاء الصراع في غزة عام 2014. ومنذ الصراع الأخير أُدخل ١٬٣ مليون طن من مواد البناء إلى غزة، بما في ذلك المعدل الذي سجل حديثاً والذي يفوق 10000 طن يومياً، مما يسمح بإعادة إعمار البنية التحتية للمساكن والكهرباء والمياه بالإضافة إلى إنعاش القطاع الخاص. ومع ذلك، لم يتم بعد إصلاح أكثر من ثلاثة أرباع المنازل التي تعرضت لأضرار شديدة، ويعود ذلك جزئياً إلى أنه لم يتم تسليم سوى 40 في المائة من أموال المانحين التي تم التعهد بها لغزة في القاهرة عام 2014."
ويشدد التقرير أيضاً على التقدم المتواضع الذي طال صادرات غزة منذ أن خففت إسرائيل القيود قبل عامين: "في عام 2014، رفعت إسرائيل جزئياً الحظر الذي فرضته على جميع الصادرات من غزة إلى إسرائيل والضفة الغربية لمدة سبع سنوات، مما أدى إلى زيادة البضائع التي تخرج من غزة. ومع ذلك، فإن معدل الصادرات من قطاع غزة يساوي حالياً 17 في المائة فقط من معدل الصادرات الذي سُجل قبل سيطرة «حماس» [على القطاع]."
وفي الوقت نفسه، يتناول التقرير بحذر حقيقة أن "السلطة الفلسطينية" لا تلعب دوراً فاعلاً في غزة التي تسيطر عليها «حماس» - وإن كانت "السلطة الفلسطينية" تدفع الكثير من الرواتب في غزة. ويشير التقرير بشكل مختصر إلى "انعدام سيطرة ' السلطة الفلسطينية ' على قطاع غزة." ويؤكد أيضاً أنه يجب على الفلسطينيين أن يكونوا موحدين لكنه يتجنب شرح السبب الذي يحول دون تحقيق ذلك. ويعلن بشكل غامض أن "لمّ شمل الفلسطينيين تحت سلطة فلسطينية واحدة، ديمقراطية وشرعية مبنية على برنامج «منظمة التحرير الفلسطينية» ومبادئ «اللجنة الرباعية» لا يزال يشكل أولوية." إلا أن هذه الأولوية لا تزال مستترة. وفي حين ادعت "السلطة الفلسطينية" و «حماس» أن حدوث تقدم كبير في مفاوضات الوحدة منذ خمس سنوات، إلا أن الوحدة الفعلية لم تبدأ [بعد]. وتتمثل الحقيقة في أن «حماس» لا تريد أن تتنازل عن السيطرة في غزة إلى "السلطة الفلسطينية"، كما لم تعد "السلطة الفلسيطينية" تطالب بغزة ما دامت «حماس» هي التي تتولى السلطة هناك.
ويذهب التقرير إلى حد التحذير من "زيادة خطر حدوث تصعيد جديد للأعمال العدائية" نظراً لعجز "السلطة الفلسطينية" في فرض سيطرتها على غزة وبسبب الأزمة الإنسانية. وما هذه إلا طريقة دبلوماسية للتعبير عن احتمال كبير لاندلاع حرب أخرى في قطاع غزة.
ثمن الشلل
لا يشكّل «تقرير "اللجنة الرباعية"» مخططاً لأعمال الولايات المتحدة إذ لم يبق أمام إدارة أوباما سوى شهور معدودة من ولايتها. (لم يتم التداول بالمسائل الجوهرية، التي ستبنى عليها الدولة الفلسطينية المقترحة والتي قد يتناولها قرار نهائي صادر عن مجلس الأمن الدولي، علماً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد سخر كثيراً من هذه المسائل ووصفها "بالحل المفروض".) إلا أن التقرير يشكل تحذيراً لكلا الطرفين بأن للشلل ثمن. وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن ثمن قيام المستوطنات، كما نوقش في الجزء الأول من هذا المرصد السياسي، هو واقع الدولة الواحدة. ويعارض القادة الإسرائيليون حل الدولة الواحدة لأنه يتعارض مع رغبتهم في أن تبقى إسرائيل دولة قومية لليهود يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن ثمن عدم إدانة بعض الحوادث الإرهابية وعدم توحيد الصفوف حول غزة يعني استمرار العنف والفوضى. وعلى هذا النحو، يجب أن تقوم الأطراف بمراجعة داخلية عوضاً عن الاندفاع إلى لوم بعضها البعض أو توجيه أصابع الاتهام نحو الولايات المتحدة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. وكان مستشار سياسي بارز للمبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وزارة الخارجية الأمريكية بين 2013 و 2014.