- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3661
تقييم الحكومة العراقية الجديدة: مقاييس للحفاظ على المصالح الأمريكية
عكست العملية المطولة التي أعقبت الانتخابات العراقية السير خطوة إلى الوراء بالنسبة للديمقراطية العراقية، لذلك من الضروري أن تراقب واشنطن عن كثب تصرفات القيادة الجديدة وتُلزم بغداد على اتباع معايير قابلة للقياس.
في 17 تشرين الأول/أكتوبر حدثت أخيراً حلحلةً في عملية تشكيل الحكومة العراقية مع استلام الرئيس الجديد عبد اللطيف رشيد منصبه بعد مرور أكثر من عام على انتخابات عام 2021. وسيحاول الآن رئيس الوزراء القادم محمد شياع السوداني المصادقة على حكومته في جلسةٍ لمجلس النواب ستُعقد في 22 تشرين الأول/أكتوبر. وإذا نجح كما هو متوقع، فقد تغلق بغداد أخيراً الدورة الانتخابية الأكثر إثارةً للمشاكل في تاريخها - وهو فصل كاد فيه تصويت شعبي واضح أن يفشل في تحقيق انتقال سلمي للسلطة، ودفعت فيه الفصائل الخاسرة الفائز الأكبر للتخلي عن مجلس النواب من خلال أحكام قضائية فاسدة.
وفي ظل هذه الظروف المحزنة، من الضروري أن تسعى الحكومة الأمريكية وشركاؤها، بهدوءٍ بل بإصرار، لإجراء انتخابات مبكرة شاملة لإعادة الشرعية إلى العملية الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، على جميع أصدقاء العراق مراقبة الحكومة الجديدة بعينٍ ثاقبة لضمان عدم قيام الميليشيات والسياسيين الفاسدين بتحييد التكنوقراطيين، أو شن حملةٍ ضد المسؤولين ذوي الميول الغربية، أو تغطية أعمال الفساد الماضية، أو إطلاق موجة جديدة من "استنزاف الأصول" عبر مؤسسات الدولة. وبعد عدة إنذارات خاطئة، أصبح الحفاظ على علاقة العراق الوثيقة مع الغرب، حقاً على المحكّ في الوقت الحالي، ولا يمكن ضمان استمرار هذه الشراكة إلا من خلال وضع توقعاتٍ حازمة.
التحديات للمصالح الأمريكية
عندما يشكّل رئيس الوزراء المنتخب حكومته، سيشعر العديد من المراقبين الدوليين بالارتياح لأسباب مفهومة. وبصفته وزيراً ومحافظاً سابقاً، يُعتبر السوداني رجل سياسة محترف ويتمتع بالجاذبية، وستلبي حكومته بعض المعايير من حيث المؤهلات التكنوقراطية لأعضائها، وشمولها عدة عرقيات وطوائف. ومع ذلك، ففي ظل هذا المظهر الجذاب، من المرجح أن تشوب الحكومة عدة شوائب مزعجة لا يمكن للولايات المتحدة وشركائها الآخرين تجاهلها:
- بداية غير ديمقراطية. وصل السوداني إلى منصبه نتيجة عملية انتخابية فاشلة تم فيها بشكل مطّرد تقويض تصويت ناجح، تحت إشراف الأمم المتحدة، من قبل الأحزاب الخاسرة - التي يرتبط أبرزها بميليشيات مدعومة من إيران والتي تشكل رسمياً جزءاً من «قوات الحشد الشعبي» لكنها تعمل خارج سلطة الدولة. فقد هددت أولاً باللجوء إلى العنف الجماعي، ومن ثم حاولت قتل رئيس الوزراء الحالي بهجوم بطائرة مسيرة في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وعندما باءت المحاولة بالفشل، قامت بحشد القضاة الفاسدين لتغيير قواعد اللعبة القانونية بحيث لم تعد الأغلبية البسيطة التي نالها التكتل الفائز كافية لتشكيل حكومة. ويتمثل التحدي الذي يواجهه أنصار الديمقراطية في العراق في أن هذه النتيجة قد تقضي بصورة تامة على الآمال الضئيلة أساساً التي يعلّقها المواطنون على العملية السياسية وتزيد من ضعف الإقبال على المشاركة في التصويت. علاوةً على ذلك، قد يستغل الفائزون المظلومون في انتخابات العام الماضي - وهم أنصار مقتدى الصدر - الوضع لتبرير زعزعة الاستقرار في العراق الخاضع لإدارة خصومهم.
- اليد العليا للميليشيات المدعومة من إيران. فاز أعضاء من جماعات مصنّفة على لائحة الإرهاب الأمريكية على غرار «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» وغيرهما من وكلاء إيران بمقاعد في مجلس النواب الجديد، وقد يصبح بعضهم قريباً وزراء في الحكومة. والجدير بالملاحظة أن السوداني لا يخفي علاقته بسياسيين ينتمون إلى ميليشيات خاضعة لعقوبات من أمثال فالح الفياض وحسين مؤنس. ويبدو الوضع مشابهاً لما كان عليه عندما شكّل عادل عبد المهدي حكومته في عام 2018 والتي منحت جماعات إرهابية مدعومة من إيران ووكلاء آخرين أدواراً قيادية في الدولة. على سبيل المثال، تم تعيين محسن المندلاوي من "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران نائباً جديداً لرئيس مجلس النواب، وقد سبق له أن التقى بأبو فدك، زعيم ميليشياوي خاضع لعقوبات أمريكية. كما أن بعض هذه الميليشيات يساعد النظام الإيراني في حملة القمع التي يشنها حالياً ضد المحتجين في الجمهورية الإسلامية، لذلك من المرجح جداً أن تستأنف هذه الميليشيات العمل بأسلوب قتل المحتجين الذي مارسته في العراق في أواخر عام 2019، أي في آخر مرةٍ سيطرت فيها على الحكومة. وبالفعل فرضت واشنطن عقوبات على الفياض بسبب دوره في "توجيه عمليات قتل المتظاهرين العراقيين المسالمين والإشراف عليها" في ذلك العام.
- احتمال تفكك الدولة والأزمات الأمنية المستقبلية. عندما تولّت الميليشيات الحكم في العراق لآخر مرة خلال عهد حكومة عبد المهدي (2018-2019)، كثّفت عمليات سلب أصول الدولة، بما فيها احتياطات الدولار الأمريكي، وصادرات النفط، والميزانية العسكرية، وعائدات الموانئ، والمطارات الدولية. وتستعد حكومة السوداني المقبلة الآن للعودة إلى هذا المسار، على الأرجح مع استمرار نفس السياسيين من الميليشيات (فياض، ونوري المالكي، والإرهابي المصنف من قبل الولايات المتحدة قيس الخزعلي، وهادي العامري) تولي مناصب على رأس القيادة. وسيكون رئيس "مجلس القضاء الأعلى" البارز فائق زيدان في صفهم لمساعدتهم عبر أحكام معدّة خصيصاً حسب الطلب تصدر عن "المحكمة العليا الاتحادية"، بحيث يصبح ارتكاب هذه الانتهاكات وغيرها ممكناً حتى على نطاقٍ أوسع. فضلاً عن ذلك، تزامنت هذه الأنشطة المنفّذة بين عامَي 2018 و2019 مع ازدياد التهديدات الأمنية ضد المواطنين الأمريكيين المتواجدين في العراق وارتفاع وتيرة الهجمات المدعومة من الميليشيات ضد الدول المجاورة.
مؤشرات قياس الشراكة العراقية
كادت علاقة بغداد بواشنطن أن تنهار في المرة الأخيرة التي حكمت فيها الميليشيات البلاد. فقد اقتحمت الجماعات المدعومة من إيران السفارة الأمريكية، وكان البيت الأبيض على وشك طلب انسحابٍ عسكري كامل. وقتلت القوات الأمريكية أعداداً كبيرة من عناصر الميليشيات، بمن فيهم شخصيات بارزة على غرار الجنرال الإيراني قاسم سليماني وقائد «قوات الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس. لكن ميليشيات إيران قد تنتهج نمطاً مختلفاً في الظاهر هذه المرة، يقوم على المزيد من الخداع، وتقليل هجماتها ضد الأمريكيين والحد من تواجد قادتها. إلا أن العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق سوف تتعثر في النهاية - ربما بشكل أبطأ إذا حافظ الديمقراطيون على البيت الأبيض والكونغرس (في الانتخابات الأمريكية)، ولكن النتيجة ستكون حتماً ذاتها. ويبدو أن بعض التداعيات المحتملة الفورية التي قد تترتب على ذلك صارخة:
- إذا قامت الميليشيات بتطهير، أو تهميش شركاء الولايات المتحدة الموثوقين في الجيش و"جهاز المخابرات الوطني العراقي" بهدوء، فقد تخفض واشنطن على الفور تصنيف بغداد كشريكٍ يمكن ائتمانه على معلومات استخبارية وتكنولوجيات حساسة.
- إذا حاولت الميليشيات ووكلاء إيران الآخرون مجدداً استغلال "البنك المركزي العراقي" كمصدر تمويل بالدولار، فمن المرجح أن تبدأ وزارة الخزانة الأمريكية في منع بغداد من النفاذ إلى الدولار والنظام المالي العالمي.
وستحمل العودة إلى مسار عامَي 2018 و 2019 الأثر المدمّر نفسه على الصعيد المحلي. فقد تَسبب هذا النهج في النهاية باندلاع انتفاضاتٍ شعبية واسعة النظاق ضد الحكومة الخاضعة للميليشيات، وحتى أنه اجتذب المؤسسة الدينية العراقية. وقد يكون السوداني ودوداً وقادراً، ولكن علينا أن لا ننسى أن عبد المهدي كان كذلك أيضاً عندما استلم السلطة، قبل أن يسلّم زمام الأمور إلى وكلاء إيران دون تردّد.
يجب أن يردّ صناع السياسة الأمريكيون بإعادة إحياء نسخةٍ معززة من "قواعد الطريق" التي اتُبعت في الفترة 2018-2019، والتي تنص على أن العراق تحت الاختبار ويخضع لمراقبة مشددة من واشنطن وأعضاء نافذين آخرين ضمن التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» - وهو تجمع لا يزال يعمل كنوع من إطار "أصدقاء العراق". على هذه الدول أن تدرك أن علاقتها ببغداد قد تتدهور قريباً بشكلٍ كبير ما لم تلبِّ حكومة السوداني مجموعةً من المعايير القابلة للقياس للحد من نفوذ الميليشيات والفساد الذي يدمّر الدولة. يتعيّن على المسؤولين في واشنطن التركيز على المقاييس التالية لتبرير قرار الحفاظ على الشراكة الكاملة مع العراق:
- الالتزام السريع بإجراء انتخابات مبكرة بموجب قانون انتخابي عادل. قد تؤدي هذه الخطوة إلى تحسين فرص الحفاظ على الديمقراطية، وكبح جماح عدم الاستقرار، بناءً على وعد بأن المستقلين والصدريين والإصلاحيين سيحاولون "خوض المعركة الانتخابية مجدداً" ضمن انتخابات يتم فيها تحديد قواعد تشكيل الحكومة "قبل" إعلان النتائج وليس بعدها. وسيتطلب ذلك إجراء إصلاحات قضائية وتعزيز الإجراءات الأمنية المتخذة لحماية المرشحين المستقلين. ومن شأن الامتناع عن اتخاذ هذه الخطوات أن يشير للبيت الأبيض والكونغرس الأمريكي أن العراق ليس دولةً ديمقراطيةً فعلية، بل دولة تجري فيها المساومات على الانتخابات منذ بدايتها أو تُلغى نتائجها على يد جهازٍ قضائي فاسد.
- عدم قمع المحتجين المدنيين. من بين مؤيدي السوداني في "الإطار التنسيقي" أفراداً معروفين بالإشراف على قتل المحتجين، على غرار فالح الفياض وقيس الخزعلي. لذلك يتعين على الكونغرس مطالبة إدارة بايدن بإحاطة المشرّعين بما يجري بانتظام للتأكد من عدم لجوء العراق مجدداً إلى القمع الجماعي خلال عهد حكومة السوداني. وفي حال عدم تحقيق هذا المقياس، فيمكن عندئذ تقليص المساعدات المخصصة للعراق في الميزانية الأمريكية. ويتمثل مقياس آخر ذو صلة في مدى استعداد السوداني على الفور لمنع أعضاء «قوات الحشد الشعبي» الذين يتقاضون رواتبهم من الدولة من عبور الحدود لمساعدة طهران في حملة القمع التي تشنها ضد المحتجين الإيرانيين.
- منع استخدام الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة بصورةٍ قابلة للقياس. من المقاييس الأمنية المهمة الأخرى استعداد السوداني وقدرته على كبح هجمات الميليشيات ضد "إقليم كردستان" والقوات الأمريكية والدول المجاورة. ومجدداً، يجب أن يحصل الكونغرس على إحاطات منتظمة تؤكّد تراجع وتيرة هذه الحوادث وخطورتها.
- تجنّب عمليات التطهير والتسييس. كما ذكرنا سابقاً، على واشنطن أن تقيّم أداء السوداني إستناداً إلى ما إذا كانت المؤسسات الحساسة مثل "جهاز المخابرات الوطني العراقي" و"البنك المركزي" والمطارات ستشهد عمليات تطهير مفاجئة أو زاحفة ضد الموظفين. وينطبق الأمر نفسه على إمكانية تسييس القيادة العسكرية (كما كانت في عهد رئيس الوزراء المالكي في الفترة 2010-2014، مما أدى إلى آثار كارثية)، أو إذا انتهى الأمر بالمسؤولين المقربين من الميليشيات إلى تقلّدهم مناصب وكلاء وزارات أو مدراء عامين في مؤسسات رئيسية. على الإدارة الأمريكية إحاطة الكونغرس بانتظام بالتغييرات التي تطرأ على المناصب العليا في المؤسسات الرئيسية والتأكيد بأن التعيينات الجديدة لا تمثّل نمطاً من التطهير والتسييس.
- جهود مكافة الفساد. على حكومة السوداني أن تثبت عزمها على العمل وبذلها جهوداً حقيقية على هذا الصعيد، بدءاً بشن حملةٍ بمساعدة الولايات المتحدة لمعرفة ما حلّ بالودائع الضريبية التي اختفت من وزارة المالية والبالغة قيمتها 3.7 تريليون دينار (2.5 مليار دولار) خلال العام المالي 2021. وإذا أسفر هذا التحقيق عن اتهام حلفاء السوداني، فعلى واشنطن التنبّه إلى ما إذا كان هذا الأخير سيتخذ إجراءاتٍ بحقهم أم لا.
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن وأحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" التابعة للمعهد.