- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2689
تقييم الحملة العسكرية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»
"في 9 أيلول/سبتمبر، خاطب مايكل نايتس، جيمس جيفري، مايكل آيزنشتات، وأندرو تابلر منتدى سياسي في معهد واشنطن. ونايتس هو زميل "ليفر" في المعهد ومقره في بوسطن ومؤلف التقرير الذي أصدره المعهد باللغة الإنكليزية، "الطريق الطويل: إعادة تفعيل التعاون الأمني الأمريكي في العراق". وجيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق في العراق تركيا. وآيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد، ومؤلف التقرير، "برنامج تدريب وتجهيز معزز للمعارضة السورية المعتدلة" (مع جيفري وايت). وتابلر هو زميل "مارتن جي. غروس" في برنامج السياسة العربية في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
مايكل نايتس
تغيَّر المشهد في العراق بشكل ملحوظ منذ أيلول/سبتمبر 2014، حيث بدأ يُقدم بعض العِبر المهمة الرئيسية بشأن طبيعة الصراع المحلي. فقبل عاميْن، كان تنظيم «الدولة الإسلامية» قد أحكم قبضته على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق. غير أن الهجمات التي شنّها في «إقليم كردستان» دفعت بالولايات المتحدة ودول أخرى إلى زيادة تدخّلها. وفي ذلك الوقت، اعتقد بعض العراقيين أن واشنطن تردّدت لفترة طويلة في التحرك بعد سقوط الموصل بخلاف جهات فاعلة أخرى كانت قد كثّفت جهودها لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» خلال الفترة نفسها، مثل إيران وروسيا و«قوات الحشد الشعبي» الشيعية.
واليوم، تدهورت القدرات العسكرية والدفاعية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق، كما تداخلت خسارة الجماعة لأراضٍ مهمة مع قدرته على التجنيد، وبثّ الذعر في النفوس، والاستفادة من أصول النفط. وكانت هذه الإنجازات ممكنة إلى حدّ كبير بفضل الشراكة بين قوات الأمن العراقية و"قوة المهام المشتركة"، وهو التحالف العالمي الكبير المكلف بمهمة الاضطلاع بتنفيذ »عملية الحل المتأصل«. وأثبتت هذه الشراكة نجاحها الباهر في تحرير مدن عراقية رئيسية، رغم أن السؤال لا يزال يتمثّل بالكيفية التي سيتذكّر فيها العراقيين عوامل الصراع الحاسمة [في المستقبل].
وعلى كلّ حال، يمكن استخلاص ثلاث عِبر من الحملة العسكرية حتى الآن. أولاً، أهمية القيادة في الحرب. فلم تكن إخفاقات القوات العراقية والكردية العادية هي التي مكّنت تنظيم «الدولة الإسلامية» من التوسّع بين عاميْ 2011 و2014، إنما عجز القيادة عن التصرّف بحزم في مواجهة التحذيرات المتكررة بأن التنظيم سيشنّ قريباً هجمات كبيرة.
ثانياً، كررت الحملة التأكيدعلى أهمية القوات الصغيرة العدد والباسلة في ملاحقة العدوّ رغم نقص قواها البشرية. وعلى الرغم من أن قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على اكتساب قابليّة تحرّك متفوّقة وتركيز قواته على خطوط المواجهة الأمامية ساهمت في النجاح الذي حقّقه في وقت مبكر، إلا أن أعداءه تمكنوا منذ ذلك الحين من إثقال كاهله وتقويض قدراته.
ثالثاً، شكّل عاملا الوقت والإنهاك سلاحاً فعّالاً لكافة الأطراف المشاركة في الحرب. لكن الأحداث قد أظهرت أيضاً أنه غالباً ما تكون لهذا السلاح نتائج عكسية.
وستتضمّن المراحل القادمة من هذه الحرب الاقتتال في الأراضي العراقية غير الخاضعة للسلطة. ومن أجل التصدّي لأي هجمات قد يشنّها تنظيم «الدولة الإسلامية» في المستقبل من هذه الأراضي، على الولايات المتحدة مضاعفة تعاونها مع قوات الأمن العراقية، وتسليحها وتدريبها في مجالات مكافحة الإرهاب، وضبط أمن الحدود، وتقنيات الاستخبارات، واستهداف مواقع محدّدة، من بين أمور أخرى. ويتعيّن على واشنطن أيضاً العمل عبر تحالف مجموعة "الدول العشرين" على تعزيز الإصلاح والتعاون بين القوات العراقية و"قوات البشمركة الكردية"، إلى جانب تنفيذ مشاريع حوكمة في المناطق السنّية والشيعية على حد سواء.
جيمس جيفري
على الرغم من النجاحات التي قد تحقّقها «عملية الحل المتأصل«، يبقى تنظيم «الدولة الإسلامية» قوة فعّالة في العراق وسوريا، حيث لا يزال يُحكم قبضته على معاقله في الرقة والموصل ويواصل تأدية مهامه كدولة. فهو لا يزال قائماً رغم تحالف يضمّ ستين دولة، لها عدد كبير من الطائرات، بالتعاون مع القوات العراقية وقوات "البيشمركة" و«قوات الحشد الشعبي» على الأرض، التي تعمل جميعها ضد التنظيم.
وفي ظل هذه الخلفية، فالسؤال هو لماذا لم تتم هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» ودحره؟ تكمن الإجابة في التحديات والحسابات السياسية التي تواجهها كل جهة فاعلة في هذه الحرب.
وبالنسبة لبغداد، ساهم الاستقرار على خطوط المواجهة الأمامية بإزالة موضوع دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» بوصفها مسألة ذات أولوية [للحكومة]، رغم الخوف الناتج عن الانتصارات الأولية للجماعة. فضلاً عن ذلك، طغت التحديات الأمنية الأخرى على المعركة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، من بينها توسُّع إيران عبر وكلائها، وامتداد الصراع الطائفي في المنطقة، وتزايد العنف بين العشائر السنّية في العراق.
لكن الحسابات تختلف بالنسبة لقوات "البيشمركة" التي أثبتت أنها من أبرز حلفاء واشنطن الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التنظيم. ورغم التحدّي المتمثّل بحشد وتعبئة قوات كبيرة على طول جبهة القتال والتعامل مع أعداد غفيرة من اللاجئين، يتمتّع الأكراد بقدرات قوية وبالمحفزات السياسية والاقتصادية (في إشارة إلى: السيطرة على قطاع النفط) لمواصلة المعركة.
من جهتها، لم تتحرّك الولايات المتحدة بسرعة حتى بعد سقوط الموصل في حزيران/يونيو 2014، وانتظرت لغاية آب/أغسطس لإطلاق حملتها الجوية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية». ولا ترتبط التحذيرات والتقاعس التي تعرقل سياسة إدارة أوباما تجاه العراق بطبيعة التهديد، بل تنبع مباشرةً من تردد مبدئي في استخدام القوة العسكرية في تلك البلاد. ووفقاً لذلك، لا يكمن التحدّي الفعلي في احتمال إساءة فهم إعادة الإعمار بعد دحر تنظيم «الدولة الإسلامية»، بل في إمكانية أن يؤدي الخوف من الفشل إلى إعاقة اتّخاذ إجراءات حاسمة بشكلٍ كلي.
على صعيد آخر، تنظر إيران إلى أي مسألة في المنطقة من خلال العدسة نفسها: توسيع رقعة نفوذها وتحسين مكانتها على المدى الطويل. ووفقاً لذلك، سعت إلى التوسّع في العراق خلال السنوات القليلة الماضية من خلال علاقاتها مع جماعات شيعية وأكراد، وستواصل القيام بذلك. غير أن طهران لا ترغب في الانخراط في حرب ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، لذلك فمن غير المرجح أن تلتزم التزاماً كاملاً بتدميره.
وكلّما طالت الحرب، تراكمت تكاليفها. وسيواصل العديد من المدنيين العراقيين مواجهة خطر العيش تحت حكم تنظيم «الدولة الإسلامية»، وسيلقى المزيد من المقاتلين حتفهم، كما سيستمر المجتمع الدولي في مواجهة الهجمات الإرهابية وأصدائها السياسية. ومن هذا المنطلق، أياً كانت التطوّرات التي ستأتي لاحقاً في الموصل والرقة، فإنها ستكون أفضل من سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على المدينتين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو بأي سرعة ستسعى الإدارة الأمريكية المقبلة إلى تدمير التنظيم وبأي ثمن.
مايكل آيزنشتات
في سوريا، تضمّنت «عملية الحل المتأصل« حملة جوية لتدمير الأصول البرية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» (بما فيها البنية التحتية المرتبطة بالنفط)، وتوفير دعم جوي كبير للحلفاء، واستهداف قادة تنظيم «الدولة الإسلامية». كما شنّت "قوات العمليات الخاصة الأمريكية" غارات وقدّمت النُصح وساعدت "وحدات حماية الشعب"، من بين حلفاء آخرين. وقد شملت النجاحات استعادة 20 في المائة من أراضي التنظيم، والحدّ من إيراداته النفطية، وربما خفض عدد المقاتلين الأجانب الذين يسافرون إلى العراق وسوريا للانضمام إلى صفوفه. ويتمثّل أحد المؤشرات الرئيسية على الضرر الذي أُلحق بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» بواقع أنه لم يشنّ أي هجمات عسكرية كبيرة منذ سيطرته على الرمادي (في العراق) وتدمر (في سوريا) خلال أيار/مايو 2015.
ومع ذلك، يبقى السؤال: كيف سيتمّ إلحاق الهزيمة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في النهاية؟ يقول البنتاغون إنه يعتزم "محاصرة وتدمير" تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة والموصل، لكن هذا الأمر قد لا يُترجم بالضرورة إلى هزيمة: ففي أفغانستان خلال عام 2001 وفي العراق في عام 2003، أدّى انهيار مقاومة العدو إلى عودة العناصر كمتمرّدين. وتزداد احتمالات مثل هذه النتيجة بشكل خاص نظراً إلى الفراغ المستمر في السلطة في معظم أنحاء البلاد.
كما علينا ألا ننسى كيف أثّرت الجهود المبذولة لتدريب المعارضة السورية وتجهيزها في «عملية الحل المتأصل«. فقد بدأت الولايات المتحدة بتسليح ما يسمّى بـ "الثوار" المعتدلين سرّاً في عام 2013، للضغط على نظام بشار الأسد من جهة، وكبح الحلفاء العرب والأتراك الذين كانوا يسلّحون الجماعات المتمردة الأكثر تطرفاً من جهة أخرى. غير أن الموارد التي تغذّي هذه المساعي بقيت ضئيلة، مما دفع بالعديد من المقاتلين إلى الانخراط في صفوف جماعات متطرّفة تتمتّع بتمويل أكبر على غرار «جبهة النصرة» [التي غيّرت اسمها لـ «جبهة فتح الشام» بعد فك ارتباطها بـ تنظيم «القاعدة»] و تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد أدى إصرار واشنطن على إبرام اتفاق نووي مع ايران إلى تفاقم هذا الاتجاه من خلال إقناع بعض المتمردين بأن أمريكا متحالفة ضمنياً مع طهران وعميلها في دمشق. وفي غضون ذلك، فإن فشل برنامج واشنطن الأكثر علنيةً في عام 2014 لتدريب القوات المعادية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وتزويدها بالعتاد، قد أدّى إلى زيادة تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف «عملية الحل المتأصل« بشكل إضافي.
وعموماً، ركّز قسم كبير من السياسة الأمريكية في سوريا على إيجاد حلول على المستوى الوطني. وستبقى سوريا دولة مدمّرة في المستقبل المنظور، لذلك على واشنطن التخلّي عن ميلها نحو "إيجاد الحلول المناسبة لكافة المشاكل" والتركيز عوضاً عن ذلك على السيطرة على النزاع من خلال إيجاد ترتيبات محلية تصاعدية (من خلال البدء بالتفاصيل ثم التعبير عن التصورات العليا). وانطلاقاً من نفس الاعتبار، عليها أن تبقى منخرطة في سوريا. وعلى الرغم من أن الإرهاب لا يشكّل تهديداً وجودياً إلا أنه يملك القدرة على تغيير المشهد السياسي المحلي في أوروبا (لصالح روسيا) والولايات المتحدة. وأخيراً، يتعيّن على واشنطن اتّخاذ خطوات لضمان أن تدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة والموصل لا يدفع ببساطة بعناصره إلى الدول المجاورة والتسبّب بزعزعة استقرارها بشكل أكبر.
أندرو تابلر
تؤدي الجوانب الدبلوماسية للحرب السورية، لا سيما غياب أي حل سياسي فعلي، إلى جعل الأمر أكثر صعوبة لمواصلة الحملة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية». وكانت المفاوضات التي أجرتها "المجموعة الدولية لدعم سوريا" العام الماضي قد أرست الأساس لوقف الأعمال العدائية التي تمّ اعتمادها خلال شباط/فبراير من هذا العام، لكن في حين ساهم الاتفاق في التخفيف من حدّة العنف في بادئ الأمر، سرعان ما أدى عناد الأسد إلى تقويض استدامته. وفي الوقت نفسه، فإن الهجمات التي شنّتها قوات الأسد والمعارضة قد عكّرت المفاوضات ودفعت بالأسد إلى إشعال فتيل الحرب مجدداً في المناطق المحيطة بحلب.
وقد كشفت هذه الإستراتيجية القائمة على ممارسة الضغوط على المعارضة لانتزاع تنازلات عن نقطة ضعف رئيسية: وفي وقت لا يزال فيه النظام منخرطاً بشكل كامل في حلب، قوّض العجز في القوى البشرية الجهود التي بذلها لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية» في أماكن أخرى. وبتعبير أعم، وضع النظام محاربة عناصر آخرين من المعارضة على سُلّم أولوياته، لتبقى معركته ضدّ التنظيم مفتقرة إلى الموارد اللازمة. وتمثّلت إحدى العواقب الأخرى لنقص القوى البشرية في واقع أن التقدّم ضدّ المتطرّفين السنّة قد أتى مع مقايضة، ألا وهي: توسُّع «حزب الله» وميليشيات شيعية أخرى في سوريا.
ومع انهيار وقف الأعمال العدائية، برز اتفاق محتمل آخر سيوقف بموجبه النظام استهداف المعارضة مقابل التعاون العسكري الأمريكي مع روسيا لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات متطرّفة أخرى. وتشير مؤشرات راهنة إلى أن واشنطن تسعى إلى تهيئة الأرضية اللازمة لحل سياسي أكثر شمولاً للحرب. وتشمل العوامل الرئيسية التي تؤثّر على مثل هذه التسوية استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، والعلاقة بين تركيا و «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا و «حزب العمال الكردستاني» [في تركيا]، فضلاً عن قدرة مختلف الجماعات على الاستحواذ على أجزاء من وادي نهر الفرات والاحتفاظ بها، بما فيها الرقة.
وعلى نطاق أوسع، يمكن للمرء استخلاص عدة عِبر من الصراع حتى الآن. أولاً، يعني عناد النظام أنه من غير المرجح أن تتغيّر العوامل السياسية الرئيسية، كما أن مشكلة الدولة المدمّرة ستبقى قائمة سنوات طويلة على الأرجح. ثانياً، سيحدّ النقص في القوى البشرية من احتمال خوض حرب أهلية ومن الحملة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» على حد سواء. ونتيجةً لذلك، ستواصل الدول المجاورة توسيع مجال نفوذها داخل دولة سوريا المقسّمة. وأخيراً، إن إلحاق هزيمة عسكرية بالتنظيم قد يتسبّب ببساطة بانتشار عناصره، مما يجعل شبح الإرهاب يقترب من الغرب بصورة أكثر، وحتى من الولايات المتحدة نفسها.
أعدّت هذا الموجز كيندل بيانكي.