في 28 كانون الثاني/يناير، وقّع الرئيس ترامب أمراً للجيش الأمريكي يقضي بمراجعة الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») ووضع خطة حاسمة لهزيمته في غضون 30 يوماً. ونظراً للتهديدات التي يطرحها التنظيم على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، فإننا نعتبر أن هذه هي المقاربة الصحيحة. غير أن تدمير "دولة" تنظيم «داعش» في العراق وسوريا في سياق الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، والسعي الإيراني للهيمنة الإقليمية، وعودة روسيا إلى الساحة الدولية ستشكّل أحداث مثيرة لم يشهد الشرق الأوسط مثيلاً لها منذ زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق عام 2007. وسترسم القرارات التي تتخذها واشنطن حالياً معالم المنطقة لعقود من الزمن. وحالما يتمّ تحرير الموصل في شمال العراق من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» خلال الأشهر المقبلة، سيكون من الممكن تحقيق انتصار ضد تنظيم «داعش» كـ "دولة" هذا العام بواسطة قوات عسكرية منظمة مع سقوط معقل التنظيم الأخير في الرقة، سوريا. لكن ليس هناك ما يضمن على أن الشرق الأوسط سوف يكون أكثر أماناً بعد ذلك.
وبالتالي، فمن وجهة نظر عسكرية وسياسية على الولايات المتحدة أن تختار الإستراتيجية التي ستعتمدها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لتعزيز سيناريو "اليوم التالي" الذي يُبقي الولايات المتحدة في المنطقة ويحافظ على العلاقات الحديثة (السورية الكردية) والقديمة (التركية والعراقية) معها، ويحتوي إيران، ويدير الوجود الروسي في المنطقة.
وقد عوّلت إستراتيجية إدارة أوباما لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة على «قوات سوريا الديمقراطية» المؤلفة من ميليشيا سورية- كردية تُعرف باسم «وحدات حماية الشعب» ومجموعة صغيرة بل متنامية من العرب السنّة تضم أكثر من 25,000 مقاتل من قوات كردية وعربية غير نظامية. ومن المرجّح إلى حدّ كبير أن يتمثّل ردّ الجيش الأمريكي على [الأمر الذي وقّعه] الرئيس ترامب بمواصلة اعتماد هذه السياسة القائمة على دعم «قوات سوريا الديمقراطية» ولكن باستخدام أسلحة ثقيلة وآليات مدرعة والمزيد من "عوامل التمكين" للجيش الأمريكي من أجل تحرير الرقة بشكل سريع.
وربما تكون هذه أفضل خطة عسكرية، إلا أنه يجب تسليط الضوء على العيوب السياسية التي تشوبها. فالوحدة العربية ضمن «قوات سوريا الديمقراطية» ضعيفة والأكراد الذين يهيمنون عليها لا يتمتعون بتأييد شعبي كبير في المناطق العربية مثل الرقة. فضلاً عن ذلك، يعتبر البعض هناك أن تنظيم «الدولة الإسلامية» الجهادي يمثّل أيضاً حركة "عربية قومية" ضد الأكراد. كما أننا نجهل أهداف «وحدات حماية الشعب» على المدى الطويل تجاه الحكومة السورية أو تركيا أو إيران أو روسيا.
أما المشكلة الأكبر في هذه الإستراتيجية فهي تركيا. فأنقرة محقة في رؤيتها لـ «وحدات حماية الشعب» كفرع من الحركة القومية التركية الكردية «حزب العمال الكردستاني» الذي تخوض معه تركيا صراعاً داخلياً منذ عقود، واشتدت حدّته بشكل خاص منذ عام 2015. وتعتقد أنقرة أن «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب» يسعيان إلى السيطرة على كامل حدود تركيا الجنوبية مع سوريا، وقد يكون ردّ فعلها عنيفاً إذا زادت الولايات المتحدة تعاونها مع «وحدات حماية الشعب».
وكما حصل في السابق، بإمكان الأتراك أن يصعّبوا استخدام الولايات المتحدة لـ "قاعدة إنجرليك الجوية" في جنوب تركيا وغيرها من الأصول العسكرية، وبالتالي قد تجد واشنطن نفسها مجبرة على دعم العمليات الإقليمية من دون هذه القدرات. وعوضاً عن ذلك، اقترحت تركيا أن تقوم قواتها الخاصة شمالي سوريا وحليفها «الجيش السوري الحر»، الذي يتألف من قوات عربية سورية محلية، بشنّ الهجوم على الرقة. غير أن القوات التركية - «الجيش السوري الحر» أنهت لتوها معركة شاقة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال سوريا حول مدينة الباب، ومن المستبعد أن تتمكن من الاستيلاء على الرقة بمفردها.
وبالتالي، فإن الميل إلى تجاهل تركيا والتنسيق مع «وحدات حماية الشعب»، كما حصل مع الإدارة الأمريكية السابقة، يبدو مغرياً إلى حد كبير. لكن، بصرف النظر عن نقاط الضعف الكامنة في دعم «قوات سوريا الديمقراطية» و «وحدات حماية الشعب» التي سبق ذكرها، يُعتبر أي تصادم كبير مع تركيا خطوة غير حكيمة. فإثارة غضب تركيا إزاء الولايات المتحدة لتجاهلها مخاوف أنقرة الأمنية الوجودية في ما يخص «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب»، وإعادتها النظر في توجهاتها الغربية بأكملها، قد يؤدي إلى تبني تركيا قضية مشتركة مع روسيا وإيران، مما يقوّض المبادرة الإقليمية الأخرى لإدارة ترامب، وهي: الحدّ من سياسات إيران التوسعية في الدول العربية.
وقد يتمّ التوصل إلى إستراتيجية حل وسط نظراً إلى ظروف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتاريخه مع «حزب العمال الكردستاني». فهو يسعى الآن إلى إدخال تعديلات على الدستور التركي يتمكن بموجبها من زيادة صلاحياته كرئيس بشكل كبير على حساب البرلمان. وتحقيقاً لهذه الغاية، يحتاج إلى الفوز بالإستفتاء الذي سيجري في 17 نيسان/أبريل وهو أمر مرجح. ولضمان فوزه، يقوم أردوغان بتأجيج القومية المعادية للأكراد، وبالتالي ليس لديه مجال للتعامل مع أي قضية كردية قبل الاستفتاء. وبعد التصويت، قد يعتمد أردوغان مواقف أكثر ليونة تجاه «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب»، لأنه في النهاية سيحتاج إلى الأكراد السوريين كحاجز وقائي من عدم الاستقرار الذي تشهده سوريا، تماماً كما عمل حلفاؤه الأكراد العراقيون على حمايته من الاضطرابات التي سادت العراق.
فضلاً عن ذلك، نظراً إلى سجل أردوغان الحافل بإساءة معاملة أعدائه، ثم التوصل إلى اتفاق سلام معهم، حالما يضمن رئاسة يتمتع فيها بصلاحيات تنفيذية، فقد يعيد حرية التعبير لزعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان القابع في السجون التركية منذ فترة طويلة والمحتجز بمعزل عن العالم الخارجي منذ عام 2015. ويحتاج أردوغان إلى دعم من القوميين الأكراد للفوز في الاستفتاء، ولكنه لا يحتاج إلى تأييدهم لاحقاً؛ فقد توصل سابقاً إلى اتفاقات مع «حزب العمال الكردستاني» وأوجلان ويمكنه أن يفعل ذلك مرة أخرى. وباعتباره القائد الديني الأكثر إجلالاً للحركة القومية الكردية في تركيا وسوريا، يتمتع أوجلان بتأثير كبير على «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب»، ويتمتع بالحافز لجمع الطرفين على طاولة المفاوضات مع أردوغان، كما فعل من قبل؛ ولكن مقابل خروجه من السجن هذه المرة.
ولكن إذا انتظرت الولايات المتحدة إلى ما بعد الاستفتاء التركي، ستكون أمامها فرصة أفضل بكثير للتقدم باتجاه تحرير الرقة بالتعاون مع «وحدات حماية الشعب»، وبدعم عسكري من تركيا و«الجيش السوري الحر»، بدلاً من سيناريو تكون فيه تركيا مهمشة خلال عملية استعادة الرقة ولا تدعم السياسة الإقليمية الأمريكية الأوسع نطاقاً.
إن قيام تحالف سياسي-عسكري من هذا القبيل قد يحبط أيضاً الفكرة السيئة المتمثلة بـ"التعاقد من الباطن" مع الروس والإيرانيين والرئيس السوري بشار الأسد لتولي الجزء الأكبر من المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». كما أن ذلك قد يشجع المصالحة بين «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب» وتركيا، ويمنح الولايات المتحدة حلفاء أقوى لمواجهة التحديات التي يطرحها سيناريو "اليوم التالي": أي الحفاظ على وقف إطلاق النار في سوريا المتفق عليه في الأستانة، وكبح جماح نزعة المغامرة الإيرانية في سوريا والعراق ودول أخرى، وإدارة عودة روسيا إلى المنطقة.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق. سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.
"سايفر بريف"