- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
ترامب يبني علاقة في إسرائيل؛ هل تُرسم سياسات قادمة؟
كانت زيارة الرئيس ترامب لإسرائيل متماشية مع موضوع جولته الأولى فى الشرق الأوسط وهو تحديد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين فى المنطقة. وتستمع دول الخليج وإسرائيل حالياً إلى لهجة أمريكية أكثر حزماً ضد إيران وتنظيم «الدولة الإسلامية» والجهات الفاعلة المماثلة، وذلك على النقيض تماماً من السياسة المتصوّرة لإدارة أوباما والمتمثلة في نزع فتيل التوترات عبر الدبلوماسية مع طهران.
ولم يخفِ القادة الإسرائيليون رضاهم عن التباين. فقد استحوذ الرئيس ريؤوفين ريفلين على هذا الشعور على أفضل وجه عندما وقف إلى جانب ترامب المبتسم وأعلن، "نحن سعداء لرؤية عودة أمريكا إلى المنطقة". وبالمثل، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لترامب: "أردتُ أن تعرف مدى تقديرنا للتغيير الأمريكي في السياسة تجاه إيران".
لكن ما زال من غير الواضح حتى الآن، ما الذي تغيّر باستثناء نبرة واشنطن. ففي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، تنازلت الإدارة الأمريكية عن عقوبات معينة على إيران، وأكدت أن الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاق النووي الموقّع عام 2015. ومع ذلك، لم يطعن المسؤولون الإسرائيليون في هذا النهج، لذلك قد يكونون راضين عن التلميحات العامة (وربما الضمانات الخاصة) لزيادة الحزم الأمريكي في المستقبل.
وحول القضية الاسرائيلية الفلسطينية، ربما لم يريد ترامب إفساد زيارته الأولى بالتركيز على الأمور التى قد تزيد من الخلافات الأمريكية الإسرائيلية. وبدلاً من ذلك، بدا أنه عازم على بناء علاقة شخصية مع القادة الإسرائيليين، وذلك باستخدام لهجة حازمة خلال تصريحاته العامة واتخاذ خطوات رمزية لها صدى لدى الجمهور. على سبيل المثال، شرع في جولات مرئية للغاية إلى "الحائط الغربي" و "كنيسة القيامة المقدسة" (وهي المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس أمريكي بمثل هاتين الزيارتين)، من بين مواقع هامة أخرى. وتأثر العديد من الإسرائيليين أيضاً من خطابه يوم الثلاثاء في "متحف إسرائيل" حيث قال إنه لن ينسى أبداً زيارته إلى "الحائط الغربي" وأعلن أن الولايات المتحدة لن تنحني إلى ايران أو الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، فإن ملاحظاته العامة أغفلت تقريباً جميع قضايا السياسة [المتعلقة بالنزاع] الإسرائيلي الفلسطيني. فهو لم يذكر التزامه بحل الدولتين أو استئناف مفاوضات السلام أو نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس. كما أنه لم ينطق بكلمة "مستوطنات" أو يتطرق إلى أي شيء باستثناء تعليق عام جداً ضد التحريض الفلسطيني والمكافآت الفلسطينية على الإرهاب. وبالمثل، لم يسفر نقاشه في بيت لحم مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس - وهو اجتماعهم الثاني خلال هذا الشهر - عن أي إعلانات حول إمكانية إجراء محادثات مع إسرائيل، رغم استعداد عباس المعلن سابقاً للتخلي عن الشروط المسبقة والاجتماع مع نتنياهو تحت رعاية ترامب.
وعلى الرغم من أن نتنياهو وعباس قد تنفّسا الصعداء على الأرجح من هذا النهج الخالي من الضغط، إلّا أنّ المراقبين الآخرين سوف يتساءلون بلا شك عما يعنيه غياب الحديث السياسي موضع البحث. فهل كان ذلك جهداً متعمّداً لوضع جدول لمزيد من التصريحات الموضوعية في المرحلة القادمة؟ أم أن ترامب يخبر الأطراف بشكل أساسي بأن الولايات المتحدة لن تضع حملاً ثقيلاً على كاهلها من أي نوع حول هذه القضية، وأن المسؤولية تقع على عاتقهم لدفع العملية إلى الأمام؟ وإذا كان هذا الأخير هو الخيار موضع البحث، فإن ذلك يمثل تحولاً كبيراً يتعيّن على واشنطن توضيحه.
إن أحد أبعاد الزيارة الذي حظي باهتمام عام قليل نسبياً في إسرائيل كان الكيفية التي يمكن بموجبها أن تساهم الدول العربية في النهوض بالسلام مع الفلسطينيين - وهو إغفال مفاجئ نظراً لوجود ترامب في عطلة نهاية الأسبوع في المملكة العربية السعودية التي تضمنت مؤتمرات للقمة الإسلامية طوال فترة العطلة. وفي مرحلة ما، أشار ترامب إلى أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني يمكن أن يسهم في السلام الإقليمي، ولكن يبدو أن نتنياهو يشير إلى العكس، ويتمثل ذلك، بأن إحراز تقدم بين إسرائيل والدول العربية هو الذي سيؤدي إلى التحرك مع الفلسطينيين. كما أعرب رئيس الوزراء عن حماسه النادر إزاء التحول في المواقف العربية تجاه إسرائيل، قائلاً إنها كانت المرة الأولى التي يستطيع أن يتذكر مثل هذا التحول خلال فترة حياته. وفي حين أن فكرة المشاركة العربية في عملية السلام قائمة منذ عقود، إلّا أنّ العديد من المراقبين يأملون الآن في أن يؤدي التقاء الأفكار الإسرائيلي - السني المتزايد حول إيران والحركات الجهادية إلى خلق تناظر جديد: أي قيام الحكومات العربية السنية باتخاذ خطوات نحو إسرائيل في الوقت الذي تتخذ إسرائيل أيضاً خطوات نحو الفلسطينيين، وإتاحة مجال سياسي أكبر للجميع. ولم تُذكر أية خطوات من هذا القبيل بصورة علنية، ولكن من الممكن أن ينقل المسؤولون الأمريكيون رسائل خاصة بهذا المعنى نظراً لقرب فترة زياراتهم إلى كل من السعودية وإسرائيل.
وباختصار، سواء كان الموضوع هو إيران، أو محادثات السلام الفلسطينية، أو العلاقات العربية الإسرائيلية المحتملة مع إسرائيل، فقد يخطط ترامب لمتابعة رحلته مع مجموعة جديدة من السياسات التي توفر إحساساً بالاتجاه نحو المستقبل. أما الآن، فلا يزال من غير الواضح ما هي الخطوات التالية التي ستُتخذ بشأن هذه القضايا الرئيسية.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. وتشمل منشوراته الورقة الانتقالية 2017 "نحو صيغة جديدة لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" التي كتبها مع دينيس روس.