- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2387
تركيا و «حكومة إقليم كردستان»: مصلحة اقتصادية مشتركة غير معلنة
في عام 2007، وفي الوقت الذي بلغت فيه العلاقات التركية الكردية أدنى مستوى لها، اتخذت «حكومة إقليم كردستان» العراقية قراراُ استراتيجياُ باللجوء إلى تركيا، إذ رأى الأكراد العراقيين في تركيا حليفهم المستقبلي ضد إيران وسوريا والحكومة المركزية في العراق. وكانت تركيا في ذلك الوقت تنتهج موقفاُ عدائياُ ضد «حكومة إقليم كردستان» لسببٍ رئيسي تمثل في امتلاك «حزب العمال الكردستاني» لقواعد داخل الإقليم استغلتها هذ الجماعة الإرهابية لشن هجمات داخل تركيا. ومع ذلك، بادلت تركيا موقف الانفتاح الذي أعربت عنه «حكومة إقليم كردستان» متخذة في النهاية خطوات اقتصادية تمثلت في إرسال رجال الأعمال وشركات الطيران والبضائع إلى «إقليم كردستان». ومنذ ذلك الوقت، ساهمت العلاقات الاقتصادية المزدهرة في تغيير الطابع العام للعلاقات التركية الكردية. وبعد مرور ثماني سنوات على هذا التحول، تجري تركيا الآن مباحثات سلام مع «حزب العمال الكردستاني»، كما تُزود أنقرة الأسلحة لـ «حكومة إقليم كردستان» لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية». بل ربما الأهم من ذلك هو أن تركيا و «حكومة إقليم كردستان» أصبحتا تتشاركان في مصلحة اقتصادية مشتركة غير معلنة.
عوامل المصلحة الاقتصادية المشتركة بين تركيا و «حكومة إقليم كردستان»
منذ عام 2007، تستغل الشركات التركية قُربْ السوق العراقية وطلب المستهلكين القوي في «إقليم كردستان». وفي الوقت ذاته، عززت الثقافة التجارية العابرة للحدود للأتراك والأكراد العراقيين ووجود الشركات المحلية المتمرسة الصغيرة والمتوسطة الحجم التي يعود إنشاؤها إلى أيام تهريب النفط والعقوبات الاقتصادية خلال نظام حكم صدام حسين، في تسهيل التعاون التجاري. بالإضافة إلى ذلك، فإن تصميم «حكومة إقليم كردستان» على خلق مناخ موات للتجارة والاستثمار، إلى جانب روح المبادرة التجارية للقطاع الخاص التركي وتطبيع العلاقات بين أنقرة وأربيل، قد ساهمت في قيام تعاون اقتصادي كبير بين الجانبين.
«حكومة إقليم كردستان» : ثالث أكبر سوق تصدير لتركيا
شهدت الصادرات التركية إلى العراق، بما فيها البضائع المعاد تصديرها من المنطقة الخاضعة لإدارة «حكومة إقليم كردستان» إلى سائر أنحاء العراق، انتعاشة كبيرة خلال العقد الماضي. وبناءً على تقديرات تستند على إجمالي الصادرات التركية إلى العراق، بلغ حجم الصادرات إلى المنطقة الخاضعة لإدارة «حكومة إقليم كردستان» 1.4 مليار دولار في عام 2007، ليحتل «إقليم كردستان» المرتبة التاسعة عشرة في قائمة أكبر الأسواق المستوردة من تركيا. وفي عام 2011، أصبحت «حكومة إقليم كردستان» سادس أكبر سوق للصادرات التركية، حيث بلغت هذه 5.1 مليار دولار. وبحلول عام 2013، قفز «إقليم كردستان» ليصبح ثالث أكبر سوق للصادرات التركية التي بلغت قيمتها 8 مليار دولار. وعلى سبيل المقارنة، كانت قيمة الصادرات العراقية إلى تركيا، باستثناء النفط والغاز، - ولكنها تشمل أيضاً صادرات «إقليم كردستان» - ضئيلة إذ تراوحت بين 87 و153 مليون دولار في الفترة ما بين عامي 2007 و2014.
الشركات التركية تهيمن على قطاعات الأعمال الاستراتيجية في «إقليم كردستان»
في زيارة قام بها إلى تركيا في نيسان/إبريل 2012، أشار وزير التجارة والصناعة في «حكومة إقليم كردستان» سنان جبلي إلى أن هناك 25 شركة تركية يتم تأسيسها كل شهر في الإقليم وأن عدد الشركات التركية يزيد عن نصف عدد الشركات الأجنبية المسجلة في الإقليم. وفي عام 2009 بلغ عدد الشركات التركية العاملة في «إقليم كردستان» 485 شركة تقريباُ؛ وبحلول عام 2013، ارتفع ذلك العدد إلى حوالي 1500 شركة. ويبدو الوجود التجاري التركي في المنطقة الخاضعة لإدارة «حكومة إقليم كردستان» أكثر وضوحاُ مقارنة مع وجود أي دولة أخرى في جميع أنحاء «إقليم كردستان». فالعلامات التجارية التركية منتشرة في كافة أرجاء الإقليم بدءاُ من مراكز التسوق ووصولاً إلى مشاريع الإسكان ومتاجر الأثاث والسلع التجارية والاستهلاكية. وكما هو موضح في الإنفوجراف المدرج في نسخة الموقع من هذا المقال، تشارك الشركات التركية في مجموعة واسعة من القطاعات، بما فيها الزراعة، والخدمات المصرفية والمالية، والبناء، والتعليم، وأنظمة الطاقة الكهربائية، والرعاية الصحية، واستخراج النفط/الغاز والخدمات، الاتصالات السلكية واللاسلكية، والنقل، والسياحة، والصناعة المتعلقة باستغلال المياه.
زيادة في الزيارات
تسلط حركة الأفراد بين تركيا و «إقليم كردستان» الضوء على ترابط المنطقة. وتنبع أغلب هذه الحركة من تركيا حيث يزيد عدد المواطنين الأتراك الذين يدخلون العراق باطراد منذ عام 2006 حين بلغ عددهم 481,371. وشهد عام 2010 دخول 1,298,319 مواطن تركي إلى «إقليم كردستان» عبر منفذ خابور، وهو المعبر الحدودي الوحيد بين تركيا و«إقليم كردستان»، ولم يتغير العدد كثيراً في عام 2013. وغالباُ ما يسافر المواطنون الأتراك إلى «إقليم كردستان» لأغراض تجارية بينما يسافر الأكراد العراقيين إلى تركيا للترفيه والعلاج الطبي والتجارة أيضاً.
زيادة الرحلات الجوية
يأتي عدد الرحلات الجوية بين تركيا و«إقليم كردستان» كخير دليل على زيادة حركة الأفراد بين المنطقتين خلال العقد الماضي. وقد بدأ العمل على إنشاء "مطار أربيل الدولي" في عام 2004 على يد شركتين تركيتين هما "ماك يول للإنشاءات والصناعة والسياحة والتجارة"، و"شركة جنكيز القابضة"، وافتتح المطار أبوابه أمام الرحلات المحلية والدولية في عام 2010. وفي عام 2012، بدأ العمل على إنشاء مطار دولي ثالث في «إقليم كردستان» وهو "مطار دهوك الدولي" بميزانية إجمالية بلغت 450 مليون دولار. ومن المقرر افتتاح هذا المشروع المشترك الذي تضطلع به الشركتان التركيتان نفسهما - اللتان عملتا على بناء "مطار أربيل الدولي" - بتنفيذه إلى جانب "شركة مطار إنتشون الدولي" الكورية في مطلع عام 2016. وتجدر الإشارة إلى أن التأثير المالي للحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» قد أضطر «حكومة إقليم كردستان» إلى تعليق العمل في بعض أجزاء هذا المشروع.
وفي الوقت الحالي تنظم ست شركات طيران رحلات جوية بين تركيا و «إقليم كردستان» وهي: "أطلس غلوبال" و"الخطوط الجوية العراقية " و"طيران أونر" و"بيجاسوس" و"الطيران التركي" و"طيران زاغروس". ووفقاُ للمعلومات المتوفرة على مواقع الإنترنت الخاصة بشركات الطيران، وشركة "كابا" المتخصصة في تحليل سوق الطيران، والمقالات الصحفية، وجداول رحلات المطارات، شهد عام 2014 تنظيم 78 رحلة طيران أسبوعية على الأقل بين تركيا والمنطقة الخاضعة لإدارة «حكومة إقليم كردستان» خلال موسم الصيف الذي يشهد رواجاُ في رحلات الطيران. ويمثل هذا العدد زيادة كبيرة مقارنة بعام 2007 الذي شهد انعداماً لنشاط الطيران بين المنطقتين وعام 2011 الذي شهد تنظيم 40 رحلة جوية فقط.
المحصلة
تلتزم كل من أنقرة وأربيل بتطوير البنية التحتية في «إقليم كردستان»، الأمر الذي يزيد من تعميق الترابط الاقتصادي بين الجانبين. وسيؤدي إنشاء منطقة صناعية على الحدود العراقية التركية، وإقامة معبرين حدوديين إضافيين، والمزيد من خطوط النفط والغاز، والمطارات، والطرق السريعة المحسنة، إلى تعزيز التعاون بين الجانبين وإلى دعم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة على المدى الطويل. وتستورد تركيا 95 بالمائة مما تستهلكه من النفط والغاز الطبيعي، وتشتري حالياً ثلاثة أرباع ما تحتاجه من النفط والغاز من روسيا وإيران، وترغب أنقرة في الوقت الحالي تقليل اعتمادها على هذين البلدين في مجال الطاقة. ويأتي عزم تركيا على تنويع مصادر النفط والغاز الطبيعي التي تحتاج إليها بهدف تجنب حالات التعطل التي قد تكبل الاقتصاد التركي كحافز كبير لتعزيز العلاقات مع «حكومة إقليم كردستان». ورغم اتسام العلاقات في السابق بالشك والإزدراء ، تتشارك تركيا مع «حكومة إقليم كردستان» في مصلحة قوية في الحفاظ على شراكتهما الاقتصادية، الأمر الذي يعود بالنفع الاجتماعي الاقتصادي على الجانبين.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين" الذي سُمّي من قبل "جمعية السياسة الخارجية" كواحد من أهم عشرة كتب صدرت في عام 2014.
كريستينا باش فيدان هي طالبة دكتوراه في "جامعة وارويك" وزميلة أبحاث في "مركز الدراسات الدولية والأوروبية" في "جامعة قادر هاس" في اسطنبول.
ايجة كانسو ساسيكارا هي مساعدة باحثة في زمالة ايفون سيلفرمان في المعهد.