في 14 آب/أغسطس، عيّن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي آية الله محمود هاشمي الشاهرودي في منصب الرئيس الجديد لـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام". كما عيّن خمسة أعضاء جدد، من بينهم محمد باقر قليباف، رئيس بلدية طهران والمنافس الرئيسي لحسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وإبراهيم رئيسي، الوصي على مؤسسة "أستان- قدس رضوي" [سدانة "الروضة الرضوية المقدسة"] ومنافس رئاسي آخر؛ ومحمد مير محمدي في منصب نائب شؤون المحاسبة والتدقيق في مكتب المرشد الأعلى. ويبدأ الآن "مجلس مصلحة النظام" - الذي يحدد سياسات النظام فى حالة وقوع خلاف بين "مجلس صيانة الدستور" والبرلمان الإيراني المعروف بـ "مجلس الشورى" - فترة ولايته الجديدة التي تستمر خمس سنوات وهو يضم عدد أكبر من المتشددين من المجلس السابق، فضلاً عن تمتعه بسلطة أكبر فى السيطرة على فروع الحكومة الثلاثة فى إيران. وفي أعقاب وفاة أكبر هاشمي رفسنجاني في كانون الثاني/يناير الماضي، وهو المعروف في الغرب بأنه المسؤول الأكثر واقعية في إيران، تردد خامنئي لعدة أشهر في تسمية بديل.
روحاني في مواجهة خامنئي
إن تضارب المصالح بين الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى متجذر في نظام السيادة المزدوجة في البلاد، كما ينص عليه دستور الجمهورية الإسلامية. غير أن الانفتاح والصرامة في الديناميكية الحالية بين روحاني وخامنئي فريدان من نوعهما. فلم يكتف المرشد الأعلى بالإمتناع عن تهنئة روحاني بفوزه في الانتخابات في بداية ولايته الرئاسية الثانية فحسب، بل انتقد باستمرار مواقف الرئيس بشأن قضايا تتراوح بين المسائل الثقافية والاتفاق النووي وصولاً إلى العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي . وحتى أن خامنئي ذهب إلى حد كبير إلى إجراء مقارنة بين مكانة روحاني وتلك التي تمتع بها أبو الحسن بني الصدر الذي كان أول رئيس للجمهورية الإسلامية ولكنه أُجبر على المنفى بعد عام واحد، مما يشير إلى وجود تهديد واضح لروحاني إذا لم يتبع إرشادات خامنئي. ولن يوفر منصب روحاني المنتخب ديمقراطياً، أي حماية له في مثل هذه الظروف.
وعلى الرغم من الصراع الحقيقي على السلطة، لا يزال خامنئي يستفيد من استخدام الرئيس المعتدل في بلاده لحماية مصالحه داخل البلاد وخارجها على السواء. وعلى وجه الخصوص، يقدر المرشد الأعلى مهارات روحاني الدبلوماسية المتميزة وصورته الإيجابية في المجتمع الدولي، التي حالت دون تضافر الضغوط الاقتصادية والأمنية الغربية ضد الجمهورية الإسلامية. ولم يكن رئيسي ولا أي مرشح رئاسي متشدد آخر قد تمكن من توفير مثل هذا الدرع الواقي لسياسات إيران القمعية الداخلية أو أجندتها العدوانية في المنطقة، الأمر الذي يوضح سبب عدم تكلّم خامنئي بكل قوة ضد روحاني خلال حملة الانتخابات الفعلية.
روحاني في مواجهة «الحرس الثوري الإسلامي»
في بداية السنة الأولى من رئاسته، انتقد روحاني «الحرس الثوري الإسلامي» ودوره المتزايد في السياسة والاقتصاد الإيراني. وقد كثّف هذا الهجوم خلال حملة الانتخابات الرئاسية لهذا العام. ولكن، بخطوة غير مفاجئة على الأرجح، سرعان ما خفف من حدة خطابه بعد فوزه، مانحاً في الوقت نفسه المزيد من الامتيازات لـ «الحرس الثوري» بشكل فعال. ففي 13 آب/أغسطس على سبيل المثال، ورداً على العقوبات الجديدة التي أقرّها الكونغرس الأمريكي، زاد "مجلس الشورى" الميزانية العسكرية للحكومة بمقدار 540 مليون دولار، نصفها مُخصص لتعزيز برنامج الصواريخ الذي يديره «الحرس الثوري الإسلامي»، والنصف الآخر إلى «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري». ومثّل إقرار مشروع القانون - الذي يترجم تقريبا إلى "مواجهة مبادرات أمريكا الإرهابية ومغامراتها" - بالإجماع في البرلمان دعم روحاني الكامل له.
في كلمة أمام "مجلس الشورى"، قال عباس عراقشي، نائب وزير الخارجية وكبير المفاوضين النوويين، بأن "حكومة روحاني ممتنة [لـ "مجلس الشورى"] على مثل هذا القانون ' الحاسم والذكي ' وتدعمه". وعلى نحو منفصل، عندما أطلق مسؤولو «الحرس الثوري» الصواريخ نحو شرق سوريا في حزيران/يونيو الماضي، حاول روحاني المشاركة في الفضل من خلال التأكيد بأن "مبادرة «الحرس الثوري» الإيراني ... لم تكن قراراً اتخذه شخص واحد أو قسم عسكري، بل أن 'المجلس الأعلى للأمن القومي' هو الذي يتخذ مثل هذه القرارات". غير أنه في 21 حزيران/يونيو، وبعد ساعات قليلة فقط من تصريحات روحاني، أصدر «الحرس الثوري» بياناً شدّد فيه على أن "عملية إطلاق الصواريخ حصلت في الواقع بالتنسيق مع القوات المسلحة، وفقاً لأمر من المرشد الأعلى"، مشيراً إلى أن الكلمة الفصل في هذه العملية كانت لخامنئي ولم يكن للرئيس قول فيها.
وما يعكس الفجوة على نحو أكبر بين خطاباته الانتخابية وأعماله الرئاسية، كان إقدام روحاني، في 25 تموز/يوليو - أي بعد فترة وجيزة على وصفه «الحرس الثوري» بأنه "حكومة تحمل سلاحاً، لا يجرؤ أحد على المنافسة معها" - على تسهيل إبرام اتفاق مع "مقر شركة خاتم الأنبياء للبناء والإعمار"، التي هي ذراع «الحرس الثوري» الإيراني. ووفقاً للاتفاق، بإمكان «الحرس الثوري» أن يحلّ محل كل من القطاع الخاص والشركات الأجنبية في جميع العقود الحكومية التي تبلغ قيمتها أكثر من 52.4 مليون دولار. وفي الواقع يحتكر الآن «الحرس الثوري» جميع مشاريع الدولة، بما فيها تلك التي تشمل حقول النفط ومصافي النفط، فضلاً عن البناء والتجارة. وفي اليوم الذي سبق إبرام الصفقة، في 24 تموز/يوليو، أوضح غلامرضا تاج كردون، الذي يرأس "لجنة الميزانية والتخطيط" التابعة لـ"مجلس الشورى"، أنه "خلال السنوات الأربع الأخيرة، تعاونت حكومة روحاني بشكل كامل مع «الحرس الثوري» حول مخصصات الميزانية".
روحاني في مواجهة الشعب
في الأنظمة الاستبدادية الانتخابية مثل الجمهورية الإسلامية - حيث تُعتبر الانتخابات ضرورية للحفاظ على شرعية النظام السياسي - تمّ تجريد الانتخابات نفسها من معناها الفعلي واستبدالها بمجموعة مبطنة من تقنيات التلاعب المتطورة. وتساهم مختلف المؤسسات غير الديمقراطية ومراكز السلطة في تعزيز هذه التدابير، حيث تسعى لإضعاف السلطات المنتخبة واعتبارها عميلة، حتى إذا فاز هؤلاء المسؤولون المنتخبون بهوامش ساحقة. وحيث تعلم مراكز السلطة غير الرسمية بأنه لا يمكنها إلغاء الانتخابات فعلياً، فهي تسعى بدلاً من ذلك إلى التصدي بقوة ضد أي جدول أعمال يتنافى مع مصالحها.
وفي مثل هذا السياق، فبالنسبة إلى خامنئي يُعتبر الرئيس المثالي رجلاً ضعيفاً بما يكفي ليذعن لضغوط الآلة السياسية- العسكرية التابعة للمرشد الأعلى. وعلى وجه الخصوص، تدخّل خامنئي بشكل غير مسبوق في اختيار أعضاء حكومة روحاني. ووفقاً لعضو في "مجلس الشورى" التابع لـ"حركة الإصلاح" عبدالله ناصري، رفض خامنئي الاجتماع مع روحاني إلا بعد مرور أسبوعين على الانتخابات، ومن ثم، كما أعلن نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، تشاور الرئيس مع خامنئي بشأن تشكيل الحكومة التي لم تبدُ أكثر اعتدالاً من سابقتها. ومن خلال الإبقاء على المعيّنين المقربين سياسياً من خامنئي و«الحرس الثوري»، عجز روحاني بشكل متزامن عن الوفاء بالوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية المتمثلة بتعيين وزراء من النساء والأقليات، مما أثار غضب مؤيدي هذه الكتل وخيّب آمال الناخبين العاديين.
ومن خلال ممارسة نفوذه على خيارات حكومة روحاني، لم يكن خامنئي يسعى فقط إلى الحفاظ على سيطرته على الذراع التنفيذية، بل أيضاً إلى تشويه صورة روحاني كشخصية معتدلة مزمعة على تجريد أجندة الجمهورية الإسلامية السياسية والاقتصادية الرئيسية من إيديولوجيتها. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تضعف بشكل كبير قاعدة الدعم التي يتمتع بها روحاني وتشوّه سمعة أفراد "إصلاحيين" و"معتدلين" آخرين يدعمونه، مما يقوّض بالتالي قدرتهم على حشد الدعم خلال مواجهات مستقبلية مع المتشددين.
هل هذا ممر نحو الهيمنة العسكرية في المستقبل؟
من شأن رؤية خامنئي الجديدة لـ"مجلس تشخيص مصلحة النظام" أن تمنح "مجلس الشورى" حرية أكبر مع تمكين "مجلس صيانة الدستور" في الوقت نفسه، و"المجلس" هو الهيئة التي تضمّ 12 عضواً مؤلفين من 6 آية الله و6 سلطات قانونية. وبالفعل، لم يعمد خامنئي إلى تطبيق مضمون كتاب أرسله إلى "مجلس الشورى" في عام 2014 يتعلق بالإجراء الواجب أن يعتمده "مجلس تشخيص مصلحة النظام" في مراجعة مشاريع القوانين البرلمانية، إلا بعد وفاة رفسنجاني. وبموجب هذا الإجراء، تُقدَّم كافة مشاريع القوانين أولاً إلى "مجلس تشخيص مصلحة النظام". وإذا وجد التقييم الذي أعقب ذلك أنها تعارض "السياسات العامة للنظام" - وهو معيار ذاتي بالطبع - يجب أن يأمر "مجلس الشورى" بإجراء التعديلات اللازمة، حيث أن عجزه عن القيام بذلك يؤدي إلى بعض الرفض من "مجلس صيانة الدستور".
وإلى جانب دوره في مراجعة التشريعات، بإمكان "مجلس تشخيص مصلحة النظام" أن يوسّع محفظته في حقبة ما بعد خامنئي من خلال زيادة صلاحية "مجلس القيادة المؤقت" - وهو كيان يتولى السلطة إذا لم يتم تسمية زعيم جديد على الفور - ولا سيما صلاحياته العسكرية. ووفقاً للدستور، لا يتشارك المجلس المؤقت الصلاحيات الكاملة للمرشد الأعلى نفسه. وخلافاً للمرشد الأعلى، على سبيل المثال، لا يمكن للمجلس المؤقت أن يستبدل آية الله الستة في"مجلس صيانة الدستور" أو أي فرد عسكري، بمن فيهم قائد «الحرس الثوري» الإيراني. كما لا يمكن للمجلس المؤقت أن يعلن الحرب أو السلم. فهذه المهمة منوطة فقط بـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي يمكنه التوصل إلى مثل هذه النتيجة وبثلاثة أرباع الأصوات.
وترمي كافة التحولات الأخيرة التي أجراها المرشد الأعلى إلى عزل قوى النظام المتشددة عن تلك المعتدلة - والحفاظ على طابعها الثوري. ومن جانبه، يسلك روحاني طريقاً سبق أن سار فيه أسلافه المعتدلون،حيث الإصلاحات الحقيقية بعيدة المنال في أحسن الأحوال. وفي غضون ذلك، يمكن أن يؤدي تمكين المتشددين إلى تمهيد الطريق أمام «الحرس الثوري» ووزارة الاستخبارات ووزارة العدل وغيرها من الكيانات غير المنتخبة القوية إلى السيطرة على الحكومة حالما يغادر خامنئي الساحة، دون قلق جدي حول الإصلاحيين الداخليين أو المجتمع المدني، أو حتى المؤسسة الدينية.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.