- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3829
تصاعد التهديدات على الحدود الأردنية وسط اضطرابات إقليمية
تتخذ المملكة موقفاً حازماً ضد تهريب المخدرات وتهريب الأسلحة وتسلل الطائرات المسيّرة وغيرها من التهديدات، لكنها لا تزال بحاجة إلى قدرات دفاعية معززة ومساعدات حاسمة أخرى من واشنطن.
في 8 كانون الثاني/يناير، نفّذ سلاح الجو الملكي الأردني" ضربات ضد تجار مخدرات مشتبه فيهم ومستودعات مشبوهة في سوريا، في عملية هي الرابعة من نوعها في الأشهر الأخيرة. وحصلت هذه الضربات وسط تقارير عسكرية تفيد بازدياد محاولات التهريب - التي تشمل المخدرات في المقام الأول، ولكن الأسلحة أيضاً - عبر الحدود الشمالية للمملكة. وفي الفترة بين كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس 2023 فقط، تم تسجيل إجمالي 194 محاولة تهريب وتسلل، شملت 88 منها استخدام طائرات مسيّرة.
وأدت بعض الحوادث عبر الحدود إلى وقوع اشتباكات مع عناصر الأمن الأردني، ومن ضمنها ثلاث حوادث وقعت مؤخراً: اشتباك في 12 كانون الأول/ديسمبر أسفر عن مقتل جندي واحد، ومعركة في 18 كانون الأول/ديسمبر دامت أكثر من عشر ساعات وضُبط فيها للمرة الأولى سلاح مضاد للدبابات على الحدود، واشتباك في 6 كانون الثاني/يناير قُتل فيه خمسة مهربين واعتُقل خمسة عشر شخصاً. ويعزو المسؤولون العسكريون الأردنيون جميع هذه المحاولات إلى الجماعات الموالية لإيران في سوريا.
علاوةّ على ذلك، يستخدم المهربون أسلحة متطورة على نحو متزايد - بما في ذلك القنابل الصاروخية والألغام والطائرات المسيّرة - ونتيجة لذلك خلص مسؤولون أردنيون إلى أن هذه المساعي الإجرامية تهدد الأمن الوطني على نطاق واسع. ومن شأن المساعدة الإضافية من الولايات المتحدة أن تشجع المملكة على تكثيف جهودها للتصدي لهذا التهديد في زمن الأزمة الأوسع نطاقاً التي تشهدها المنطقة.
تحدي طويل الأمد يصل إلى ذروته
منذ عام 2020، يواجه الأردن تصاعداً حاداً في تهريب المخدرات - وخاصة الكبتاجون - عبر حدوده. فهذا الإتجار غير المشروع يجري بمعظمه بتدبير من عناصر في النظامَين السوري والإيراني، ويثقل كاهل الأردن على صعيد موارد الأمن وإنفاذ القانون، ويزيد المخاوف المحلية بشأن التأثير الاقتصادي والاجتماعي للمخدرات. وتدرك عمّان أيضاً كيف يمكن أن يؤثر هذا التهريب على مكانتها الإقليمية - ففي النهاية، خفضت دول "مجلس التعاون الخليجي" مؤخراً علاقاتها مع لبنان بعد عدم نجاح بيروت مراراً وتكراراً في وقف تدفق المخدرات عبر حدودها.
ويشكل استخدام الطائرات بدون طيار للتهريب مصدر قلق كبير أيضاً. وتم تصميم بعض هذه الطائرات المسيّرة خصيصاً لتسليم المخدرات في عمليات غير مشروعة. وقد اعترض الأردن 11 شحنة جوية من هذا القبيل بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر 2023. وفي حالات أخرى، تم اكتشاف طائرات مسيّرة تحمل أسلحة مثل بنادق من نوع "إم 4" وقنابل يدوية ومتفجرات "تي إن تي". وتتطلب المعالجة الفعالة لهذا التحدي الأمني الحدودي الجديد تحديث قدرات الأردن في المراقبة والاستجابة السريعة.
وفي هذا الإطار، حققت المملكة في تشرين الأول/أكتوبر 2022 إنجازاً مهماً من خلال إطلاقها أول موقع اختبار في المنطقة للمنظومات الجوية غير المأهولة، والتكنولوجيا المضادة للمنظومات الجوية غير المأهولة، والحرب الإلكترونية. وتتضمن هذه المبادرة الرائدة سلسلة اختبارات تشمل التسليم بالطائرات المسيّرة والطلعات الجوية الاستطلاعية، وتشكل بذلك تقدماً جوهرياً في قدرة الأردن على التصدي للتهديدات غير المتكافئة، وتحديداً تسلل الطائرات المسيّرة من مناطق الصراع مثل سوريا والعراق. ومع ذلك، لم يحقق الأردن كامل إمكاناته، ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى عدم كفاية التمويل ودعم التطوير.
ومثل هذا الدعم لن يمكّن الأردن من الاستفادة الكاملة من هذا "المختبر الحي" للابتكار في مجال الدفاع فحسب، بل سيعزز أيضاً دوره كحصن ضد انتشار حرب غير متكافئة تشنها شبكة وكلاء إيران. إلا أن عدم تأمين المزيد من الدعم منذ افتتاح الموقع أثار مخاوف بشأن الاستعداد والقدرة على الاستجابة. ومن خلال تعزيز قدرات عمان في مجال المنظومات الجوية غير المأهولة ومكافحتها، تستطيع الولايات المتحدة تحسين آليات الدفاع الإقليمية بشكل كبير والتأكيد مجدداً على التزامها بأمن المملكة.
تأثير غزة
تزيد الحرب بين "حماس" وإسرائيل من تعقيد هذه القضية من خلال إرغام الأردن على تركيز المزيد من الموارد على حدوده الغربية. وحتى قبل الحرب، كان تهريب الأسلحة المتزايد إلى الضفة الغربية يثير توترات دبلوماسية كبيرة، حيث أن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لعام 1994 تُلزم البلدين بمنع التهريب عبر الحدود في إطار التزاماتهما الأمنية واسعة النطاق. وبعد اندلاع حرب غزة، فاقمت "جبهة العمل الإسلامي" الأردنية التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" هذه التوترات، إذ دعت إلى تنظيم احتجاجات ضد إسرائيل على الحدود، مردّدة دعوات مماثلة أطلقها قادة "حماس" وحثوا فيها الأردنيين على النزول إلى الشوارع وتكثيف الضغوط على القيادة السياسية.
علاوةً على ذلك، أفادت التقارير أن الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا شنت مؤخراً ثلاث هجمات بطائرات بدون طيار عبر المجال الجوي الأردني باتجاه إسرائيل، وذلك في 9 تشرين الثاني/نوفمبر و22 كانون الأول/ديسمبر و31 كانون الأول/ديسمبر. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخروقات لا تعرض سيادة المملكة للخطر فحسب، بل تضع أيضاً عمّان في موقف صعب مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، زاد "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" الضغوط بتعطيله إمدادات النفط العراقي إلى الأردن عن طريق وكلائه في "الحشد الشعبي" الممَّول من الدولة في بغداد. وعلى الرغم من أن التعطيل الرئيسي استمر لمدة يومين فقط في بداية الحرب ولم يؤثر على توافر الوقود في المملكة، إلا أنّه سلط الضوء على الطرق المتعددة التي يمكن بها لطهران استغلال أزمة غزة - من توسيع سوق المخدرات الخليجية عبر الأردن (وهو ما يمكن أن يؤثر على فئة الشباب في المملكة وعلى التماسك الاجتماعي الأوسع نطاقاً) إلى وضع البلاد كنقطة عبور للأسلحة أو حتى نقطة انطلاق لهجمات ضد إسرائيل. وإذا حققت إسرائيل هدفها المتمثل بتفكيك "حماس" في غزة، فقد تقرر طهران ووكلاؤها تركيز المزيد من طاقاتهم على محاولة زعزعة استقرار الضفة الغربية باستخدام الأردن كقناة للأسلحة وغيرها من طرق الدعم.
تاريخ من التعاون الأقوى خلال الصراعات
تعود المحاولات الحالية لزعزعة استقرار الأردن إلى الأيام التي كانت فيها الجهات الفاعلة المخربة، مثل مصر في عهد جمال عبد الناصر وسوريا في عهد حافظ الأسد، تعتبر المملكة الحلقة الأضعف بين الدول العربية المعتدلة. وخلال مثل هذه الأحداث، استطاع الأردن، بفضل مرونته الداخلية وتحالفه مع واشنطن وتعاونه القوي مع إسرائيل، من دحض هذه التصورات، وستكون هذه العناصر الثلاثة كافة ضرورية للتغلب على تحديات اليوم أيضاً.
ويتميز التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة وإسرائيل بتاريخ غير اعتيادي يحفل بالإنجازات. ففي عام 2015، نقلت إسرائيل ست عشرة طائرة من طائراتها المروحية المسلحة الأقدم عهداً من طراز "إيه إتش-1 كوبرا" إلى عمان، مما عزز قدرة المملكة على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" والتأكيد على عمق العلاقة الدفاعية التعاونية بين البلدين.
وبعد ذلك بعامين، زاد البلدان من تنسيقهما العسكري رداً على استعادة نشاط نظام الأسد وتنامي نفوذ طهران في سوريا والعراق. وتُعزى هذه الزيادة جزئياً إلى رغبة مشتركة لمواجهة نشاط إيران العسكري ونشاط وكلائها بالقرب من حدودهما من خلال المساعدة الاستخباراتية والأمنية المتبادلة.
وفي الآونة الأخيرة، في كانون الثاني/يناير 2023، وقعت الولايات المتحدة على صفقة بالغة الأهمية بقيمة 4.2 مليارات دولار لتزويد الأردن بطائرات مقاتلة متطورة من طراز "بلوك 70 إف-16"، بما يعزز خطة تمت الموافقة عليها أساساً في عام 2022. ومع ذلك، ففي حين أن العقد الحالي لـ "لوكهيد مارتن" الذي ينص على اثني عشرة طائرة سيعزز إلى حدّ كبير من قدرات المملكة في القتال الجوي، إلّا أن الوضع يتطلّب المزيد من المساعدة نظراً للتهديدات المتطورة في المنطقة.
أما بالنسبة إلى التهريب ومشاكل الحدود الأخرى، فقد عزز سابقاً البنتاغون و"وكالة وزارة الدفاع الأمريكية المعنية بخفض التهديدات"، قدرات عمان عبر مبادرات مثل "برنامج أمن الحدود الأردنية" و"برنامج الارتباط العملياتي الأردني". وعلى مدى الفترة 2009-2017، وفر هذان البرمجان للجيش التقنية والمعدات والتدريب لتحسين ردع عمليات نقل الأسلحة غير المشروعة ورصدها واعتراضها.
واليوم، يستلزم تعزيز دفاعات الأردن ضد كل من المهربين والجهات الفاعلة الأجنبية المعادية تحديثاً استراتيجياً لقدراته العسكرية، ويشمل ذلك تزويد طائراتها الهجومية بتقنيات عصرية متقدمة لتحسين القدرة على المناورة والدقة في التضاريس الحدودية المتنوعة التي تتشاركها مع سوريا والعراق.
كما طلبت عمان من واشنطن نشر منظومات الدفاع الجوي "باتريوت" داخل المملكة - وهو طلب صدر بعد أن أطلقت قوات الحوثيين في اليمن صاروخ "كروز" عبر المجال الجوي الأردني في تشرين الأول/أكتوبر. وقيل أن الصاروخ كان في طريقه إلى إسرائيل عندما تحطم بالقرب من بلدة المدوّرة في جنوب الأردن، وذلك على الأرجح بسبب عطل فني أو نفاذ الوقود. ويُذكّر طلب عمان بطلبها في عام 2013، عندما تم نشر بطاريات "باتريوت" في الأردن بعد أن تحوّلت الانتفاضة السورية إلى حرب أهلية شاملة.
وتسير عمان على درب محفوف بالمخاطر في ظل الاضطرابات الجيوسياسية الحالية، مما يجعل دعم الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء أكثر أهمية من أي وقت مضى. وإذا حصلت المملكة على المزيد من المساعدة العسكرية والتعزيز الاستراتيجي لقدراتها الدفاعية - بما في ذلك نشر صواريخ "باتريوت" وأنظمة أخرى - ستكون من جديد في وضع أفضل لإثبات أنها ليست الحلقة الأضعف بين حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.
عبد الله الحايك وأحمد شعراوي هما مساعدان باحثان في معهد واشنطن.