- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2601
توضيح أمريكي محتمل لأنظمة العقوبات المالية
في 1 نيسان/أبريل، ردّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التقارير التي أفادت بأنّ الولايات المتحدة تفكّر بتقديم تنازلات جديدة حول العقوبات المفروضة على إيران في أعقاب شكاوى إيرانية من صعوبة إعادة تأسيس علاقات مصرفية منذ بدء تنفيذ رفع العقوبات في كانون الثاني/يناير. وبعد أن أشار إلى أنّ واشنطن والبلدان الأخرى "ستوفر الوضوح للشركات حول التبادلات المسموح بها في الواقع"، أضاف: "ليس من الضروري أن نعتمد مقاربة دخولهم مرحلة التبادلات المقوّمة بالدولار". فما هي مضامين توضيحه حول استخدام الدولار الأمريكي؟
الخلفية
مُنعت المصارف الأمريكية من التعامل مباشرةً مع المصارف الإيرانية بدءً من عام 1995. إلّا أنّ إعفاءً "جذرياً" قد سمح للمصارف الأمريكية بإجراء تبادلات بالدولار الأمريكي نيابة عن إيران طالما أنّ المدفوعات تتمّ من خارج إيران من قِبل مصرف أجنبي غير إيراني وتمرّ عبر النظام المالي الأمريكي فقط في طريقها إلى مصرف أجنبي غير إيراني آخر. وهذا الإعفاء - الذي تمّ إبطاله في عام 2008 - سمح لإيران بالحصول على مدفوعات بالدولار عن مبيعات النفط في مصارف أجنبية، التي لا تستطيع بشكل عام القيام بتحويلات كبيرة - بين المصارف - مقوّمة بالدولار دون الاعتماد على حساباتها الخاصة بالدولار في المصارف الأمريكية.
بيد، حتّى قبل الإبطال "الجذري"، كان من الصعب على إيران التعامل بالدولار الأمريكي بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على عدد من أكبر مصارفها ("بنك سبه" و"بنك ملي" و"بنك صادرات"، على سبيل المثال)، إلى جانب الإجماع المتزايد على أنّ مثل هذه المؤسسات قد عملت بشكل مخادع للتهرّب من العقوبات. وبحلول عام 2008، قام "فريق العمل المعني بالإجراءات (العمليات) المالية" وهو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بوضع المعايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بإصدار عدّة تحذيرات حول الأخطار التي تشكّلها أوجه القصور في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الإيراني. كما أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1803 الصادر في آذار/مارس 2008 دعا إلى توخي الحذر في التعامل مع المصارف الإيرانية. وعلى الرغم من تلك الإجراءات التي اتخذت عام 2008 والتي منعت إيران من الولوج القانوني إلى الدولار الأمريكي لتسوية مدفوعات النفط عبر المصارف، استطاعت طهران الاستمرار في بيع النفط، موحيةً أنّ الولوج للدولار لم يكن أساسياً بقدر ما كان يُفهم ضمنياً أحياناً. ولم تنخفض مبيعات النفط الإيراني بشكل كبير حتى عام 2012، عندما اعتمدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، حيث تراجعت بنسبة 47 في المائة من العام المالي الإيراني 2011/2012 وحتى 2012/2013.
إجراءات قيد النظر
في خطاب ألقاه وزير الخزانة الأمريكي جاكوب لو في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" في 30 آذار/مارس، قال الوزير إنّ الولايات المتحدة ستمتثل "ضمنياً وفعلياً" بالتزاماتها للتخفيف من العقوبات بموجب الاتفاق النووي، الأمر الذي فسّره البعض بولوج إيراني أكبر إلى الدولار. إلّا أنّ مسؤولين في الإدارة الأمريكية أكّدوا الصيف الماضي أنّه لن يتمّ السماح لإيران بالولوج المباشر أو غير المباشر إلى النظام المالي الأمريكي لتسديد الدفعات بالدولار، وقد شدّدوا على هذا الزعم في الأسابيع الأخيرة. وقد تمّ فهم ذلك بشكل واسع على أنّ إعادة قبول الإجازة "الجذرية" تبقى ممنوعة. ويبدو أنّ موضوع النقاش اليوم هو السماح للمصارف الأجنبية، وليس إيران، بالولوج إلى الدولار الأمريكي لصرف العملات الأجنبية دعماً للتجارة القانونية مع إيران. وبموجب هذا الاقتراح، لا يمكن لهذه التبادلات أن تشمل الريال الإيراني، أو تبدأ أو تنتهي بالدولار الأمريكي، أو تعني كياناً فُرضت عليه عقوبات. إنّ التمييز المهمّ بين هذا الاقتراح وإعادة الإجازة "الجذرية" هو أنّ إيران لن تجمع أرصدتها بالدولار نتيجة لذلك، أي أنّه لن يكون لديها "وعاء من الدولارات" تستخدمه كما تراه مناسباً.
وسيتناول الاقتراح أيضاً الالتباس في كيفية تطبيق العقوبات الأمريكية على عمليّات صرف العملة الأجنبية. ولا يلزم التوضيح وفقاً لأحكام «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني، كما أنّ ترك الشروط مبهمة قد خدم لردع المصارف المتجنّبة للمخاطر. والتوضيح بأنّه يُسمح القيام بمثل هذه المعاملات - سواء من خلال توجيه جديد أو إجازة عامّة يصدرها "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية - من شأنه أن يسهّل التجارة الدولية مع إيران. وستكون الفوائد التي ستعود على إيران حقيقية بل متواضعة؛ وستكون العملية المسموحة معقّدة، وليس من الواضح ما هو عدد المصارف التي ستقدّم مثل هذه الخدمة أو ما هي قيمة التعريفات التي ستفرضها.
كيفية عمل الآلية الجديدة
إن إحدى الطرق التي قد تعمل بها الآلية الجديدة هي من خلال «اتحاد المقاصة الآسيوي». وقد أعلنت الحكومة الهندية الشهر الماضي، أنّها تسعى إلى استئناف حل النزاعات التجارية مع إيران من خلال «اتحاد المقاصة الآسيوي». وكانت المصارف المركزية الإقليمية قد أسّست هذا "الاتحاد" في عام 1974 واتخذت من طهران مقرّاً رئيسياً له، وهو يساعد على تسهيل التجارة البينية والحفاظ على موارد الصرف الأجنبي، لا سيّما للدول الأعضاء التي تفرض ضوابط رأسمالية تقيّد الولوج إلى العملة الصعبة، من بينها الهند التي تُعدّ عميلاً مهمّاً للنفط الإيراني. وتؤمّن المصارف التجارية المحلّية "دولارات «اتحاد المقاصة الآسيوي»" التي يمكن تحويلها إلى الدولار الأمريكي، ويتمّ التبادل التجاري من خلال المعاوضة لتخفيف تكاليف المعاملات. لذلك، فبينما يتمّ النشاط في الخارج، هناك تبادل مرتبط بالدولار يمسّ بالنظام المالي الأمريكي.
في عام 2009، وبعد إلغاء الإعفاء "الجذري"، وجّهت الهند وإيران شركاتهما لاستخدام «اتحاد المقاصة الآسيوي» لتسوية المدفوعات التجارية. وأعلنت "وكالة أنباء فارس" الإيرانية أنّ هذه الشركات "لا يجب أن تقلق من الآن فصاعداً بشأن الحظر الأمريكي على جميع المعاملات بالدولار التي تعني المصارف الإيرانية والشركات الإيرانية". ومع ذلك، ففي ظلّ الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة، أوقف "البنك الاحتياطي الهندي"، الذي هو البنك المركزي في البلاد، عملية تنفيذ مدفوعات النفط الخاصة بـ «اتحاد المقاصة الآسيوي» بعد ما يقرب من عامين. ووفقاً لتقارير إعلامية، أعربت واشنطن عن قلقها من أنّ وظيفة المعاوضة التي قام بها «اتحاد المقاصة الآسيوي» قد حجبت الأطراف المقابلة وعرّضت المصارف الهندية لخطر ممارسة التداولات التجارية نيابة عن عناصر إيرانية سيئة.
ومن الطرق الأخرى التي قد تسير بها العملية الجديدة هي إذا قامت المصارف بتسديد الدفعات "على حساباتها"، إن جاز التعبير. إنّ "تحويلات الحسابات" هي تلك التي تتمّ من حساب إلى آخر داخل المؤسسة المالية نفسها. وقد تُستخدم هذه الآليّة لتسديد دفعة لمستفيد إيراني أو لحسابه، فضلاً عن إجراء عملية صرف عملة أجنبية. وقد اعتُبر مثل هذا النشاط في بعض الأحيان منطقة رمادية في نظام العقوبات؛ لكنّ عدداً من الإجراءات التنفيذية والغرامات الكبيرة قد استهدف مصارف أجنبية تسعى إلى تمرير الدولار بشكل مخادع لحساب بلدان فُرضت عليها عقوبات عبر مصارف أمريكية غير مُدرِكة. فعلى سبيل المثال، وكجزء من التسوية مع "بي أن بي باريبا" عام 2014 والتي شملت غرامة بلغت حوالى 9 مليارات دولار لانتهاك المصرف العقوبات الأمريكية على إيران وكوبا والسودان، اعترف المصرف باستخدامه حسابات مراسلة في مصارف غير أمريكية لإجراء تحويلات حسابات بالدولار متعلقة بالسودان. وبالاضافة إلى الطبيعة المخادعة لهذه الممارسة، فإنّ الفرق بين ما فعله "بي أن بي باريبا" والاقتراح قيد النظر حالياً هو أنّ المصارف قد تُمنع من تزويد إيران بالدولار الأمريكي. ويمكن للخزانة الأمريكية أن توضح أنّ بعض تحويلات الحسابات قد تكون مسموحة طالما أنّ الخدمات المؤمّنة من قِبل المصارف الأمريكية تعود بالنفع على شركاء التجارة الآسيويين أو الأوروبيين، وليس إيران نفسها.
الخاتمة
في الأسبوع الماضي، قال وزير الخزانة الأمريكي إنّ تعقيدات الامتثال للعقوبات تخاطر بدفع التبادلات المالية بعيداً عن الدولار الأمريكي، مما قد يؤدّي إلى خطر الإطاحة به كعملة احتياط عالمية. وليس هذا الخوف جديداً ولحسن الحظ أنّه ليس خطراً قريب الأمد، فكما يظهر الجهد الذي تبذله إيران لإعادة الاندماج في النظام المالي الدولي، ليس هناك بديل فعلي للدولار الأمريكي. إنّ ما يجعل العقوبات الأمريكية أكثر فعالية هو التحول الذي حصل في نظرة المصارف إلى مخاطر العقوبات. وفي أعقاب إجراءات إنفاذ لم يسبق لها مثيل، تقوم المؤسسات المالية بشكل متزامن بإعادة تقييم خطر العقوبات وبالاستثمار بشكل كبير في مراقبة العقوبات والامتثال لها. وهذه مساعٍ تمتدّ لعدّة سنوات، وفي غضون ذلك، تقوم العديد من المصارف بالانسحاب من الأعمال أو الهيئات ذات الأخطار الكبيرة.
وليس هذا السبب الوحيد الذي تسعى طهران لأجله لإعادة تأسيس علاقاتها المصرفية. فعندما تنظر المؤسسات الأجنبية إلى إيران، ترى مخاطر كثيرة تتخطّى مخاطر العقوبات، ومنها التمويل غير القانوني والقضايا التنظيمية ومخاوف السمعة، ومعظمها هي من صنع إيران نفسها (انظر المرصد السياسي 2600، "إيران تعزل نفسها عن النظام المالي الدولي بينما تلقي اللوم على واشنطن"). وهكذا، فإنّ الوضوح الإضافي أو التنازلات الجديدة من قبل واشنطن قد لا تنفع كثيراً لتغيير الديناميكيات الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، فإن التداعيات السياسية لتوضيح القيود أو تلطيفها هي قيام الولايات المتحدة بمنح أولويّة لتخفيفات إضافية للعقوبات. وقد يعزّز ذلك التصوّر المنتشر بأنّ العقوبات ستزول تدريجياً، ربّما لأنه لن يتم فرضها بنفس الزخم كما في السابق. وسيكون من الصعب القول إنّ تخفيف العقوبات هو ردّ على الأفعال الإيرانية التي تتخطّى نصّ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، نظراً إلى استمرار إيران بالإصرار على أنّها حرّة باختبار الصواريخ الباليستية، فضلاً عن اعتراض العديد من شحنات الأسلحة الإيرانية المتوجّهة إلى الحوثيين خلال الأشهر الأخيرة على الرغم من الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن على هذه الصادرات. ولذلك، يجب على الإدارة الأمريكية النظر في تذكير إيران بأنّها إذا استمرّت في قراءة خاطئة متعمّدة لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، بإمكان واشنطن الرد بالمثل.
كاثرين باور هي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية.