- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2672
تونس تشهد تشكيل حكومة وحدة وطنية
من المتوقّع أن يُعلن المشرّعون التونسيون في الأيام المقبلة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية. وستحلّ الحكومة الجديدة، إذا وافق عليها البرلمان، محلَّ حكومة رئيس الوزراء السابق الحبيب الصيد الذي تنحّى عن منصبه بعدما حجب البرلمان الثقة عن حكومته في 30 تمّوز/يوليو. ويؤكد مؤيّدو هذا التغيير أنّ حكومةً تمثّل شريحة أوسع من المجموعات السياسية ستأتي على عملية الإصلاح المعطّلة بزخمٍ هي في غاية الحاجة إليه. وسيعتمد حدوث ذلك على تشكيل مجلس الوزراء المقبل، وعلى الإرادة السياسية للقادة التونسيين لاتّخاذ قرارات سياسية صعبة في الأشهر المقبلة. ووسط تقارير حول زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً، ينتظر المراقبون داخل النظام الديمقراطي المتنازِع وخارجه ليروا كيف سيواجه مهد "الربيع العربي" هذا التحوّل.
ما الذي دفع هذا التغيير؟
يتوّج تشكيل حكومة وحدة وطنية عمليةً بدأت في 2 حزيران/يونيو، عندما اقترح الرئيس الباجي قائد السبسي استبدال حكومة الصيد بأخرى أكثر تمثيلاً تضم الأحزاب الرئيسية ومنظمات المجتمع المدني في البلاد، وخاصة نقابات القطاعين العام والخاص. ففي الواقع، شملت حكومة الصيد التي تشكّلت بعد الانتخابات التشريعية عام 2014 أربعة أحزاب فقط من أصل عشرات الأحزاب في تونس، وهي "حزب نداء تونس" التابع للرئيس السبسي، و"حزب النهضة" الإسلامي الذي يتزعّمه راشد الغنوشي، و"الاتحاد الوطني الحر"، و"حزب آفاق تونس" الليبيرالي الجديد، إلى جانب عدد من الوزراء المستقلين.
ويبدو أنّ اقتراح الرئيس التونسي هو وليدُ ثلاثة اعتبارات على الأقل، أوّلها القلق الواسع النطاق من الوضع الأمني غير المستقر، إذ تخلّلت فترة حكم الصيد ثلاثة هجمات إرهابية ضخمة عام 2015، فضلاً عن هجوم آذار/مارس 2016 في مدينة بنقردان على بعد 20 ميلاً من الحدود الليبية. ففي الحادثة الأخيرة، استهدف حوالي 50 مقاتلاً موالين لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» مواقع للشرطة والحرس الوطني قبل أن تصدّهم القوات المسلحة. ورأى كثيرون في هذا الهجوم نقطة تحوّل لأنّ جميع مرتكبيه مواطنون تونسيون بدوا عازمين على الاستيلاء على أراضي، وليس عناصر خارجية تستهدف مدنيين. ووفقاً لذلك، واجهت حكومة الصيد انتقادات لفشلها في وضع استراتيجية أكثر فعالية لمواجهة الإرهاب.
ثانياً، يدرك السبسي من دون شكّ تزايدَ حالة الإحباط لدى الشعب إزاء تردي الوضع الاقتصادي في البلاد. فمنذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالحكم الاستبدادي لزين العابدين بن علي الذي دام فترة طويلة، تعاني تونس من استمرار ارتفاع معدلات البطالة، والنمو الضعيف، وبيئة تنظيمية متعِبة تعرقل مشاريع الأعمال الجديدة والاستثمارات الأجنبية، وقطاع سياحي يكافح من أجل أن يتخطى الهجمات الإرهابية، وصناعة فوسفات متجمدة بسبب خلافات عمالية، واقتصاد مزدهر في السوق السوداء في المناطق الجنوبية المهملة عادة، حيث ساءت الظروف المعيشية لكثير من المواطنين في السنوات الخمس الماضية.
إنّ مواجهة مثل هذه التحديات مهمّةٌ شاقة بالنسبة لأي حكومة، وقد مرّر الصيد فعليّاً عدّة إصلاحات بنّاءة، مثل إصلاح "البنك المركزي"، وصياغة قانون استثمارات جديد من شأنه أن يخفف القيود التجارية ويستقطب استثمارات خارجية إذا وافق عليه البرلمان. إلّا أنّ الصيد واجه انتقادات لفشله في تطويع النقابات العمالية الرئيسية وحلفائها في البرلمان الذين يستمرون في معارضة تحرير الاقتصاد بشكل أوسع. وسمح غياب الإصلاحات الاقتصادية الشاملة الناتج عن ذلك للرئيس السبسي ببلورة فكرة حكومة وحدة وطنية كمحاولة لكسر الجمود من خلال إشراك جماعات نافذة مثل "الاتحاد العام التونسي للشغل" وحلفائه اليساريين في مجلس نواب الشعب.
أمّا المبرّر الثالث المحتمل لخطوة السبسي فهو سياسي. فمنذ أن فاز حزبه في انتخابات عام 2014، أصبح يعاني من منافسات داخلية وتنافر إيديولوجي ونقص في الهياكل الإدارية. وانفصل "حزب نداء تونس" في آذار/مارس 2016 بعدما قرّر أمينه العام محسن مرزوق تركه لتشكيل حزب جديد وهو "حزب مشروع تونس". ونتيجة لهذا الانفصال، انخفض عدد نواب "حزب نداء تونس" في البرلمان إلى 64، مما سمح لـ "حزب النهضة" بأن يتصدّر باقي الكتل مع 69 مقعداً. وعبر تزعّمه مفاوضات الوحدة الوطنية، من المرجّح أنّ السبسي كان يأمل في أن يتمكن من إنقاذ حزبه وتأمين منصب مضمون لابنه حافظ الذي تولّى قيادة "حزب نداء تونس" بعد تنحي مرزوق.
وفي النهاية، أسفرت هذه المفاوضات عن "اتفاق قرطاج"، وهو وثيقة تتضمّن ستّ أولويات سياسية للحكومة الجديدة وهي مكافحة الإرهاب، وتسريع النموّ الاقتصادي مع التركيز على خلق وظائف، ومقاومة الفساد، وتحسين سياسات البلاد المالية والاجتماعية، وإرساء مبادرات تنموية هادفة على المستويين الإقليمي والمحلي، وتعزيز فعالية الحكومة. ووقّعت على الاتفاق تسعة أحزاب سياسية، إلى جانب "الاتحاد العام التونسي للشغل"، و"الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية"، و"الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري". وتم استبعاد الصيد عن المشاورات إلى حد كبير وبعد ذلك أُجبر على التنحي في تموز/يوليو.
وعد - وثمن - توافق الآراء
في 3 آب/أغسطس، عيَّن السبسي، يوسف الشاهد، العضو في "حزب نداء تونس" ومهندس في الاقتصاد الزراعي البالغ من العمر 40 عاماً، رئيساً للوزراء، وكلّفه بتشكيل حكومة جديدة. إلّا أنّ هذا التعيين أثار رد فعل سلبي نظراً للعلاقة القريبة التي يبدو أنها تربط الشاهد بابن السبسي، وأيضاً بسبب تناقل خبر ارتباطه بعلاقة عائلية مع الرئيس عن طريق الزواج.
فضلاً عن ذلك، تشير الدلائل الأولية إلى أنّ عنوان "الوحدة الوطنية" قد يتحول إلى تسمية خاطئة: وفي الواقع، فحتى الآن، لم تؤكّد على المشاركة في حكومة الشاهد إلّا الأحزاب الأربعة التي كانت تشكّل الحكومة السابقة، وقد يبرز "حزب النهضة" بينها كأكبر الفائزين. وتفيد بعض التقارير إنّ "الحزب الإسلامي" الذي خسر عشرين مقعداً في انتخابات عام 2014 ولم ينل إلّا حقيبة وزارية واحدة في حكومة الصيد يسعى إلى الحصول على ستة من المناصب الثلاثين المتوقعة في حكومة الشاهد - وهي حصيلة قد تمكّن الحزب من تصدُّر الانتخابات المحلية في العام المقبل. وفي الوقت نفسه، فمن بين الأحزاب التي وقّعت على "اتفاق قرطاج" سحبت بعضها دعمها للحكومة الوليدة، وأفاد حلفاء "الاتحاد العام التونسي للشغل" في الكتلة اليسارية المعروفة بـ"الجبهة الشعبية" بأنهم سيبقون في المعارضة.
ومن جانبه، أشار الشاهد إلى أنّ أولويته ستكون إشراك تونسيين شباب في مؤسسات الدولة بصرف النظر عن مكوّنات حكومته، وذلك بهدف الحد من الفساد وزيادة فرص العمل ومكافحة الإرهاب. ويعكس هذا التوجّه جزئيّاً الرأيَ العام، إذ تبيّن بعد استطلاع للرأي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" في أيار/مايو أنّ التونسيين يعتبرون التحديات الأمنية والاقتصادية أهم أولويات الحكومة الجديدة. كما واعتبرت أكثرية قوامها 40 في المائة أنّ الفساد هو مجال السياسة العامة المحدد الذي يجب أن يحظى بالاهتمام.
ولا يبقى سوى الانتظار لمعرفة إذا ما سينجح الشاهد في الوفاء بوعوده هذه ويقرّ إصلاحات اقتصادية طال انتظارها. وتسود في تونس فرضية تعتبر أنّ حكومةً تمثّل شريحة أوسع من الأحزاب ستتمتع برأس مال سياسي أهم لإقرار إصلاحات يراها كثيرون محورية لمرحلة الانتقال الديمقراطي الحساسة في البلاد. إلّا أنّ هذا الاتجاه نحو ائتلاف واسع النطاق بشكل مفرط قد يُضعف هذه الإصلاحات نفسَها التي ستحاول حكومة كهذه تنفيذها فعليّاً. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يؤدي الاستمرار في منح توافق الآراء اعتباراً فوق غيره إلى إعاقة ثقافةَ الخلافات وتقديم التنازلات الضرورية في كل نظام ديمقراطي سليم. وإلى جانب تعيين رئيس وزراء جديد والمناورات السياسية لإعادة تشكيل الحكومة، ستعتمد إمكانية تونس على مواجهةَ التحديات الكثيرة التي تهدد المرحلة الانتقالية في البلاد على مدى استعداد قادتها لاتخاذ قرارات صعبة.
السياسة الأمريكية في المرحلة القادمة
أمام هذه القرارات، يجب أن تدرك الحكومة المقبلة أنّ الولايات المتحدة لا تزال حليفاً ثابتاً. وستكون المساعدات الاقتصادية والأمنية أساسية في هذا الصدد، حيث أنّ هذين المجالين متشابكان في تونس اليوم.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت تونس سندات بقيمة 500 مليون دولار في السوق الدولي بضمانة من واشنطن، وهي الثالثة من نوعها التي تصدرها البلاد بدعم أمريكي منذ الانتفاضة. وكانت شروط ضمان هذه القروض تميل إلى التركيز على سياسات الاقتصاد الكلي في تونس، محرّكةً إجراءات مثل الإصلاح الضريبي، وإصلاح الجمارك، وتنظيمات دقيقة للاستثمارات، وهي إجراءات اعتبرتها تونس أهداف مهمة. ومع ذلك، يجب أن يدرس صنّاع القرار الأمريكيون في تخطيطهم لضمانات ومساعدات اقتصادية مستقبلية أخرى تحريكَ إصلاحات تستهدف المناطق الأقل تطوراً في البلاد، حيث أن الاقتصاد الضعيف وغياب الدعم الحكومي بشكل عام ولّد وهماً في ما يتعلق بالتجربة الديمقراطية، مما أفسح المجال أمام الجماعات الجهادية لشق طريقها. وعلى الأخص، بالرغم من التقدّم الذي أحرزته تونس على مدى السنوات الخمس الماضية، لا تزال البلاد أكبر مصدّر للمقاتلين الجهاديين إلى سوريا والعراق وليبيا.
وإلى جانب المساعدات الملموسة، يجب ألّا تقلّل واشنطن من شأن المبادرات الرمزية. ففي الشهر الماضي، بعثت جماعة تضم 121 خبيراً أمريكيّاً في السياسة الخارجية برسالة إلى الرئيس أوباما لحثّه على زيارة تونس قبل انتهاء ولايته، وقد تكون بادرة كهذة ضرورية لطمأنة تونس حول الالتزام الأمريكي المستمر.
سارة فوير هي زميلة "سوريف" في معهد واشنطن.