- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3456
توسيع نطاق المساعدات الإنسانية للسوريين في ظل اقتراب موعدين نهائيين
تدهورَ الوضع الإنساني في سوريا بشكل سريع وخطير خلال العام الماضي. فأوضاع السوريين حالياً هي أسوأ مما كانت عليه في بداية عام 2020. وقد لا تشكل سوريا أولوية بالنسبة لإدارة بايدن، لكن مؤتمر تعهدات بروكسل والتصويت في تموز/يوليو على آلية الأمم المتحدة العاملة عبر الحدود يعني أنه لم يعد بإمكان الجهات المانحة الرئيسية إبقاء الوضع الإنساني الكارثي في مأزق أو توقع قيام المنظمات غير الحكومية بحله بمفردها.
على الرغم من الانخفاض النسبي في أعمال العنف في سوريا، إلّا أن الوضع الإنساني تدهور بشكل سريع وخطير خلال العام الماضي. فأوضاع السوريين حالياً هي أسوأ مما كانت عليه في بداية عام 2020، وعلى كافة الأصعدة تقريباً - من معدلات الفقر ونقص الغذاء وإلى الحصول على المياه النظيفة. وسيواجه المجتمع الدولي قريباً اختبارين لقدرته على مواجهة هذا التحدي الملح: الاختبار الأول في الأسبوع المقبل، والثاني في تموز/يوليو.
أربع حقائق إنسانية في صراع واحد
اعتباراً من كانون الأول/ديسمبر، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 80٪ من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر. ووفقاً لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، يحتاج 11.1 مليون مواطن إلى مساعدات إنسانية اعتباراً من هذا العام، بينما يقدّر "برنامج الغذاء العالمي" أن 12.4 مليون شخص - أو 70٪ من السكان - يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهي زيادة بنسبة 50٪ عن العام الماضي.
لكن حتى هذه الأرقام المقلقة لا تعكس الحجم الكامل للمشكلة. فبالإضافة إلى الوضع المحلي المزري، فإن ما لا يقل عن ربع السوريين - 5.6 مليون شخص - هم لاجئون حالياً في البلدان المجاورة، وتعني العوائق التي تحول دون معرفة العدد الدقيق أن هذا الرقم هو بشكل شبه مؤكد أقل من الواقع. ووفقاً لتحديث "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" في شباط/فبراير، يمثل اللاجئون حالياً ما يقرب من ثلث جميع السوريين المحتاجين.
وفي المجموع، يحتاج ما لا يقل عن 16.7 مليون سوري إلى مساعدة إنسانية في جميع أنحاء المنطقة. (إنظر إلى الخريطة التي توضح الوضع الإنساني). ومع ذلك، فإن هذه الاحتياجات والأنظمة التي تهدف إلى تلبيتها معقدة ومجزأة للغاية. فالصراع السوري أسفر عن ما لا يقل عن أربع حقائق إنسانية مختلفة:
أراضي النظام السوري. إن أسباب التدهور السريع للوضع الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد عديدة ومعقدة: فهي تشمل تدمير واسع النطاق لمناطق المعارضة التي تمت استعادتها، والأزمة المالية في لبنان المجاور، وتشويه المساعدات من قبل النظام، والتضخم المحلي الخارج عن السيطرة، والعقوبات الدولية، من بين أمور أخرى. وقد ارتفع سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء ثلاثة أضعاف منذ أوائل عام 2020، مما جعل السلع الأساسية باهظة الثمن حتى بالنسبة للمقيمين سابقاً من سكان الطبقة الوسطى. وارتفعت تكلفة سلة الغذاء لإعالة أسرة مكونة من خمسة أفراد لمدة شهر خمسة أضعاف منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتوضّح الروايات المتداولة عن الطوابير التي تقف بانتظار الخبز المدعوم وغيره من السلع الأساسية التي تزداد ازدحاماً بسرعة أن الأزمة في الأراضي التابعة للنظام قد تفاقمت في الأسابيع الأخيرة.
المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا. تشير التقديرات إلى أن حوالي 4 ملايين شخص يعيشون في هذه المنطقة اعتباراً من العام الماضي، من بينهم 2.7 مليون نازح داخلياً من أماكن أخرى في سوريا. ومن هذا العدد، تقدر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 3 ملايين شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية. وبسبب الاكتظاظ الشديد للسكان، فإن منطقة إدلب التي يسيطر عليها التنظيم الجهادي «هيئة تحرير الشام» بحاجة ماسة بشكل خاص إلى المساعدة في إدارة النظافة والحصول على المياه النظيفة. ومن بين 2.7 مليون نازح، يقدر "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" أن 1.5 مليون شخص مزدحمين في مواقع "الملاذ الأخير"، والتي تُعد مفرطة السعة بشكل كبير. ووفقاً لبيانات المسح التي تم الإبلاغ عنها في كانون الثاني/يناير من قبل "مبادرة ريج" (the REACH initiative)، قدمت الجهود التي نسقتها الأمم المتحدة المياه النظيفة إلى 2.1 مليون شخص من سكان شمال غرب البلاد في ذلك الشهر، لكن أكثر من 44٪ من السكان المحليين يعتمدون على المياه باهظة الثمن بشكل غير مستدام التي توفرها الشاحنات الخاصة.
شمال شرق سوريا. اعتباراً من 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019 - وهو أحدث تاريخ تتوفر حوله أرقام شاملة - كانت منطقة شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها إلى حد كبير «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة موطناً لأكثر من 3 ملايين شخص، من بينهم 1.8 مليون مواطن هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى المعونات منخفضاً، ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام قد تغيرت كثيراً في أعقاب جائحة "كوفيد-19" وتطورات أخرى. على سبيل المثال، في مسح الاحتياجات الذي أجرته "مبادرة ريج" في كانون الثاني/يناير 2021، أفاد نصف مجتمعات النازحين داخلياً في الشمال الشرقي من البلاد وثلثي المجتمعات غير النازحة داخلياً بعدم إمكانية وصولهم إلى السلع والخدمات الإنسانية على الإطلاق، بينما ذكر 98٪ من المستجيبين أن السكان في مجتمعاتهم لم يحصلوا على الغذاء الكافي.
اللاجئون في الدول المجاورة. على الرغم من السهولة النسبية في توفير المساعدات إلى السوريين في تركيا ولبنان والأردن (أكبر ثلاث دول مضيفة)، إلا أنه تتم تلبية جزء ضئيل جداً من احتياجاتهم فقط. وقد أدى اكتظاظ السكان، ونقص التمويل، والحواجز التي تحول دون دخول سوق العمل الرسمي إلى وضع يائس لكثير من اللاجئين.
الأنظمة الإنسانية المخترقة والملغاة
يتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه الجهات الفاعلة الإنسانية في الوصول إلى المحتاجين، لأن عمليات الحصار وإغلاق الحدود وأوامر أخرى انتهكت مراراً المبدأ الدولي الخاص بوصول المساعدات دون عوائق. ويُعتبر نظام الأسد المسؤول الأول عن هذه الانتهاكات، حيث يقوم باستمرار بالاستيلاء على المساعدات أو تقييدها كأداة للحرب وحتى الذهاب إلى أبعد من ذلك بقصف المنشآت الإنسانية، كما حدث في شمال غرب سوريا في 21 آذار/مارس. ومثل هذه الأعمال موثقة جيداً، لكن "المصارعة" حول تفسير القانون الإنساني قد سمح لروسيا والصين بحماية النظام من العواقب من خلال استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي.
وعلى وجه التحديد، يجادل الأسد بأنه يملك الحق المطلق في التحكم بتوزيع المساعدات الإنسانية داخل سوريا، وحتى في المناطق غير الخاضعة لسيطرته، وقد دعمت موسكو هذا الإصرار في مجلس الأمن الدولي. وخضعت "منظمة الصحة العالمية" وغيرها من المنظمات المحايدة ظاهرياً لإرادة الأسد، حيث تقدم المزيد من المساعدات إلى الموالين للنظام أكثر مما توفره للفئات الأخرى لكي يبقى النظام راضياً عنها. ونتيجة لذلك، تمارس دمشق سيطرة كبيرة على توزيع المعونات، على الرغم من واقع كَوْن أكثر من 60٪ من السوريين المحتاجين يعيشون خارج أراضي النظام. وفي الواقع، تشكّل حجة الأسد وموسكو حول السيادة انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي، والذي يُفهم منذ فترة طويلة على أنه يحظر تعليق المساعدة لأي مجموعة من السكان لأسباب "تعسفية أو متقلبة".
ومن أجل تقديم المساعدة بشكل أفضل للمحتاجين، وضع المجتمع الدولي نظاماً ثانياً من المساعدات وهو الآلية العاملة عبر الحدود. ففي عام 2014، وافق مجلس الأمن الدولي على خطة لإرسال المساعدات من العراق وتركيا والأردن مباشرة إلى الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا. لكن حبل الإنقاذ هذا تعرض للتهديدات منذ قيامه. وأصرّ نظام الأسد على أن الآلية هي انتهاك لسيادته، بينما وافقت عليها موسكو بصورة مؤقتة فقط، في وقت كان فيه النظام ضعيفاً بشكل خاص قبل التدخل العسكري الروسي عام 2015. وقد بلغت سنوات من التحديات التي طرحتها موسكو أوجها في النهاية عندما هددت باستخدام حق النقض في الأمم المتحدة، مما دفع مجلس الأمن إلى تقليص عدد المعابر الحدودية من أربعة إلى اثنين في كانون الثاني/يناير 2020، ومن ثم إلى معبر واحد في تموز/يوليو.
وأدّى إلغاء القسم العراقي من الآلية إلى ترك شمال شرق سوريا معتمداً إلى حدّ كبير على نظام الأسد لتلقي المساعدات التي توفّرها الأمم المتحدة. واستمرت شبكة محدودة من المنظمات غير الحكومية في توفير المساعدات من العراق من أجل تقديم معونات تساهم في إنقاذ حياة السوريين، لكن غالباً ما يتعين عليها العمل تحت المراقبة ولا يمكن زيادتها لتصل إلى المستوى الكافي. أما السكان في شمال غرب سوريا فقد يجدون أنفسهم قريباً في الوضع نفسه إذا مارست روسيا مجدداً حق النقض في تموز/يوليو، عندما تكون آخر نقطة دخول في آلية الأمم المتحدة عبر الحدود (باب الهوى) قيد التجديد.
من الذي يموّل، وما الذي يتم تمويله
في هذا المشهد المجزأ، يمثل التمويل تحدياً كبيراً. فوفقاً لتحديث التمويل الإقليمي لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" من شباط/فبراير، تمت تلبية احتياجات 7٪ فقط من اللاجئين السوريين في تركيا بشكل كاف من خلال مساعدة الأمم المتحدة في عام 2020 (على الرغم من سد بعض هذه الفجوة بحوالي 6.5 مليار يورو دفعها "الاتحاد الأوروبي" لأنقرة منذ عام 2016 مقابل مساعدة أكبر في منع عبور اللاجئين غير المنظم إلى أوروبا). وكان أداء السوريين في لبنان والأردن أفضل قليلاً (تم تحقيق 17.5٪ و 15.4٪ من أهداف تمويل "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" هناك، على التوالي)، بينما تلقى المحتاجون داخل سوريا 55٪ فقط من التمويل المستهدف للأمم المتحدة.
وبالنظر إلى الدور المفترض لموسكو كحَكَم في توزيع المساعدات في الصراع، قد يتوقع المرء أن تكون التزامات المساعدات الإنسانية الروسية في سوريا كبيرة، لكن العكس هو الصحيح. فبمساهمة إجمالية موثقة من الأمم المتحدة بلغت 23.3 مليون دولار في عام 2020، كانت مشاركة روسيا 0.5٪ فقط من المساعدات التي تنسقها الأمم المتحدة. وفي المقابل، تبرعت الولايات المتحدة بأكثر من 1.5 مليار دولار بينما تبرع أعضاء "الاتحاد الأوروبي" بنفس المبلغ بصورة جماعية.
يجب أن تؤخذ هذه الأرقام في الاعتبار بينما يستعد "الاتحاد الأوروبي" لاستضافة "مؤتمر بروكسل الخامس" في 29-30 آذار/مارس لجمع الأموال ومناقشة الحلول للكارثة الإنسانية، وبينما تقوم إدارة بايدن بمراجعة سياستها في سوريا. وفي مؤتمر بروكسل السابق في حزيران/يونيو الماضي، تعهد المانحون بتقديم أكثر من 7.7 مليار دولار، لكن الأمم المتحدة قدرت أن ما يقرب من 10 مليارات دولار كانت مطلوبة لتلبية الاحتياجات الإنسانية السورية بالكامل في عام 2020. ومن المتوقع أن تنمو هذه الاحتياجات في عام 2021، لذا فإن المؤتمر القادم يمثل فرصة حاسمة لجمع المزيد من الأموال ووضع أهداف واقعية لكيفية توزيعها على مَنْ هُم في أمس الحاجة إليها.
ومنذ عام 2011، وفرت الدول الأوروبية ودول أمريكا الشمالية حوالي 90٪ من المساعدات الإنسانية للسوريين، لذلك تتمتع هذه الدول بالقدرة على الضغط على وكالات الأمم المتحدة العاملة ضمن أراضي النظام للحدّ من استيلاء الأسد على المساعدات. يجب على هذه الجهات المانحة أيضاً إعداد بدائل مشتركة لإطار عمل الأمم المتحدة في حال عدم تجديد قرار المساعدات العاملة عبر الحدود في تموز/يوليو. يجب أن تقوم بتشكيل جبهة موحدة وتوجيه رسالة واضحة تماماً إلى موسكو: سيتم إرسال المساعدات مباشرة إلى السكان المحتاجين في محافظة إدلب شمال غرب البلاد في ظل وجود قرار من الأمم المتحدة يُبقي المعبر القريب مفتوحاً أو في غيابه. وقد تشكو موسكو من إمكانية تحويل المساعدات إلى الجماعات الجهادية، لكن الحقيقة هي أن هذا هو نظام توصيل المساعدات الأكثر مراقبة في العالم، وإغلاق معبر باب الهوى سيجعل المراقبة أكثر صعوبة. وبدلاً من ذلك، إذا تمّ الحفاظ على إطار عمل الأمم المتحدة، مع الأمل بتحسينه، يجب تشجيع الدول الأعضاء على توفير تمويل إضافي للعمليات الإنسانية.
تشارلز ثيبوت، زميل زائر في معهد واشنطن، هو دبلوماسي فرنسي محترف خدم في الجزائر وسوريا والعراق وبلجيكا وألمانيا. كالفين وايلدر هو باحث مساعد في "برنامج جيدولد" حول السياسة العربية التابع للمعهد.