- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تعزيز الشفافية بشأن الجوانب العسكرية لبرنامج إيران النووي
لطالما تمّ اعتبار رفض إيران الصراحة بشأن ما تقوم به في مجالي البحث والتطوير المتعلقة بالأسلحة النووية - والمعروفة بعبارة "الأبعاد العسكرية المحتملة" في لغة المحادثات الدبلوماسية - كإحدى أصعب العقبات التي تحول دون التوصل الى اتفاق. وبدلاً من مواجهة هذه المسألة، اتّخذ المفاوضون قراريْن رئيسيَيْن تجنّبا معالجة القضية بشكل فعال.
أولاً، فصل المفاوضون من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، أو «مجموعة الخمسة زائد واحد»، بين تنفيذ الاتفاق - ورفع العقوبات - وبين الحلّ الكامل للمخاوف المتعلقة بالنشاطات العسكرية ذات الصلة. ثم ترك المفاوضون لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وإيران حرية تحديد كيفية معالجة تلك المخاوف. ووقّعت «الوكالة» وإيران اتفاقيتين جانبيتين؛ الأولى "خارطة طريق" لتسوية المخاوف الدولية بشأن النشاطات ذات الصلة بالأسلحة، والثانية وثيقة تحدّد حرية وصول «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لمنشأة بارشين [العسكرية] الإيرانية.
وتصرّ «وكالة الطاقة الذرية» على بقاء هذه الاتفاقات سرية، معتبرة الأمر روتينياً، على الرغم من أنه سيجعل تقييم التعاون الإيراني أكثر صعوبة. ولكن كان قد تم الإعلان عن الاتفاق الشامل السابق بهذا الشأن بعد فترة وجيزة من التوصل إليه في آب/أغسطس 2007. ويمكن بالتأكيد تقديم المزيد من الشفافية، على الأقل لمجلس محافظي «الوكالة»، وذلك دون الكشف عن التفاصيل التي تهدّد أمن إيران.
وليس من الواضح ما إذا كان غياب هذه الشفافية هو قرار سياسي أو تقني. فقد تكون إيران قد وافقت على الاعتراف ببذلها جهود تسلح في الماضي ولكن طلبت التكتّم على الموضوع. ولكن من الأرجح أن تكون إيران قد رفضت تغيير السياسة التي تعتمدها منذ فترة طويلة والمتمثلة في إنكار قيامها بأبحاث في مجال الأسلحة النووية، وذلك إما لحفظ ماء الوجه أو لحماية الموظفين والمرافق المخرطين في هذه الأبحاث. وفي كلتا الحالتين، من غير المرجّح أن يكون تقييم «وكالة الطاقة الذرية» لعمل إيران في مجال التسلّح - والذي ينبغي تقديمه في 15 كانون الأول/ديسمبر - مُرضياً.
لدى إيران القليل من الحافز لتخفيف عنادها بشأن قضية التسليح في المستقبل، حتى لو اقترحت التعاون الإجرائي مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لتلبية متطلبات الاتفاق المعلن في تموز/يوليو، وهذا الأمر ليس مجرد مسألة ذات أهمية تاريخية: فجهود المفتشين الهادفة إلى التأكد من عدم استئناف إيران لأبحاثها في مجال الأسلحة النووية، ستتعثر بسبب غياب الصراحة بشأن العمل الذي قامت به في الماضي وحرية الوصول إلى الموظفين والمرافق ذات الصلة.
ومع مضيّ الاتفاق النووي قدماً، ينبغي أن يفكّر واضعو السياسات في كيفية معالجة نقاط الضعف المعروفة بخصوص الأعمال ذات الصلة بالشؤؤن العسكرية التي أُجريت في الماضي. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تكون مفيدة:
أولاً، يتعيّن على «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن توضح ما سيتمّ تأكيده حول الأنشطة الماضية التي قامت بها إيران وما لن يتمّ تأكيده. فتحديد "المجاهيل والأمور المعروفة" مهمّ لتحديد خطّ أساس [أي حد أدنى] لعمليات التقييم في المستقبل. وتحقيقاً للغاية نفسها، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين عقد اجتماع لخبرائهم في مجال الأسلحة النووية لتحديد - على أكمل وجه ممكن - الفهم المشترك والدقيق حيال تقدّم تسلّح إيران في الماضي.
ثانياً، ينبغي على مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» - الذي من المقرر أن يراجع تقرير المفتشين الذي سيقدَّم في 15 كانون الأول/ديسمبر - أن يطلب بأن يقوم المدير العام لـ «الوكالة» يوكيا أمانو بكشف النقاب علناً عن اتفاقاته مع إيران - أو على الأقل إتاحتها للدول الأعضاء في المجلس. وعلاوةً على ذلك، ينبغي على مجلس المحافظين أن يحدّد سقفاً عالياً للمصادقة على النتائج التي تتوصل إليها «الوكالة»، مع الحرص على تسليط الضوء على المخاوف التي لم تتمّ معالجتها. ولا ينبغي أن تتردّد «الوكالة» ودول «مجموعة الخمسة زائد واحد» في تأخير تنفيذ الاتفاق النووي - المتوقع في أوائل 2016 - ودفع إيران إلى المزيد من الشفافية إذا ما رأت أنّ التعاون الإيراني غير كافٍ.
ثالثاً، يجب على الولايات المتحدة وحلفاؤها استثمار جهد كبير في رصد المواقع والمنظمات والأفراد المشاركين في جهود تسلّح إيران في الماضي ووضع آلية منتظمة لتبادل هذه المعلومات. ويشكل حظر الاتفاق الدولي على البحوث الإيرانية المستقبلية في مجال المتفجرات النووية إحدى النقاط القوية، إلا أن «الوكالة» ستحتاج إلى المساعدة للتحقق من أنّ إيران تلتزم بتعهداتها.
رابعاً، إذا لم تضمن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» حرية وصول المفتشين على وجه الخصوص إلى المواقع النووية الإيرانية، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها استخدام الحكم المدرج في الاتفاق الدولي والذي يتطلب من إيران إدخال المفتشين إلى المواقع المشكوك فيها لضمان حرية وصول كافية للمنشآت والموظفين ذوي العلاقة بالبحوث السابقة في الأسلحة النووية. وينبغي الاعتراض على التأكيدات الإيرانية بأنه لن يتمّ السماح بإجراء أي مقابلات مع علماء نوويين أو بتفتيش المواقع العسكرية، وذلك خشية أن تصبح قيوداً فعلية على أنشطة «الوكالة».
وبالمعنى الدقيق، إن تحقيق «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في الأبحاث الإيرانية بشأن الأسلحة النووية وتطويرها يتعلق بالماضي. لكنه يتعلق أيضاً بالمستقبل، حيث أن فهم تقدم إيران المحرز نحو صنع قنبلة نووية ورسم خرائط شبكات المنشآت والموظفين المشاركين في هذه الجهود، يمكن أن يساهم في درء أي محاولة اختراق نووية في السنوات المقبلة.
مايكل سينغ هو زميل أقدم في زمالة "لين- سويغ" والمدير الإداري في معهد واشنطن. سيموند دي غالبير هو دبلوماسي فرنسي وزميل زائر في برنامج أوروبا في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية". وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"