- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3269
تحديات بانتظار سلطان عُمان الجديد مع انتهاء فترة الحداد
في 20 شباط/فبراير انطلقت حقبة جديدة في عُمان. ففي 11 كانون الثاني/يناير، أدّى السلطان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد اليمين الدستورية رسمياً، لكنه بقي صامتاً وبعيداً عن الأنظار إلى حدّ كبير خلال فترة الحداد التي استمرت أربعين يوماً عقب وفاة ابن عمه السلطان قابوس. والآن وقد شارفت هذه الفترة على نهايتها، أصبح بإمكانه وضع بصمته على السياسة العمانية بحرية.
ومما يثير الاهتمام أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو [سيزور عمان يوم الجمعة] حيث سيترأس أول وفد دولي لمقابلة السلطان هيثم في فترة ما بعد الحداد. وعندما تمّ تحديد موعد الاجتماع في بادئ الأمر، رأى بومبيو على الأرجح أن ذلك يشكل فرصة للتعرف على السلطان الجديد، فضلاً عن القيام بزيارة رمزية للتعويض عن إرسال وفد أمريكي على مستوى منخفض لتقديم التعازي بعد وفاة السلطان قابوس. ومع ذلك، قد يكون للسلطان هيثم والوزير بومبيو الكثير للتحدث عنه حالياً. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، اندلعت مواجهات بين القوات السعودية وسكان محليين مدعومين من عُمان في محافظة المهرة الحدودية اليمنية. وقد تكون تلك المواجهة الاختبار الإقليمي الأول للسلطان هيثم، ومن شأن تحديد الجهات الفاعلة التي تساعده على اجتياز هذا الاختبار أن يسهل على واشنطن تمييز مراكز القوة المستقبلية في حكومة عُمان التي غالباً ما تكون [تشكيلتها] ضبابية.
خلاف المهرة
في 17 شباط/فبراير، ادّعت مجموعة من المحتجين المحليين أن قوات أمنية جديدة مدعومة من السعودية كانت قد وصلت إلى معبر "شحن" الحدودي بين عُمان واليمن، مما أثار تجدد الصراع مع أولئك الذين يعارضون الوجود السعودي في محافظة المهرة. وقد تمّ تداول وجهة النظر هذه على نطاق واسع عبر تطبيق "واتساب" كما نقلتها قناة "الجزيرة". وأشار سكان محليون آخرون إلى أن المحتجين أنفسهم أثاروا المواجهة.
ويعود سياق هذه الحادثة إلى أواخر عام 2017 عندما نشرت السعودية قوات في محافظة المهرة للقيام بعمليات مكافحة التهريب، بإشارتها إلى مخاوف من حصول الحوثيين على قطع صواريخ إيرانية متقدمة وأسلحة أخرى عبر الحدود. وقد نفى المسؤولون العُمانيون حدوث مثل هذا التهريب.
وأشارت مجموعة المحتجين في المهرة بقيادة اللواء علي سالم الحريزي، القائد اليمني الذي كان مسؤولاً سابقاً عن العمليات الحدودية المحلية، إلى أن عدد القوات السعودية يتجاوز بكثير ما هو ضروري لتنفيذ عمليات مكافحة التهريب. ومن وجهة نظرهم، ينتهك الوجود السعودي المهيمن أسلوب حياتهم وقد يكون مقدمة لإقدام الرياض على بناء خط أنابيب نفط يمرّ عبر المحافظة. وفي الواقع، كانت المملكة قد طلبت من اليمن وسلطنة عُمان إمكانية الوصول إلى البحار المفتوحة في العقود الماضية، ويعتقد المحتجون في المهرة أن هذا لا يزال الهدف السعودي، مشيرين إلى الوثائق المسربة وتقارير عن نشاط هندسي في عام 2018 كمؤشرات على ذلك [الطموح].
وقد جاء في البيان الرسمي الذي اصدرته الرياض حول المواجهة الحالية ما يلي: "حاولت بعض الشخصيات المعروفة التي ترأست جماعات الجريمة المنظمة والتهريب ... تعطيل جهود ... بوقف وضبط عمليات التهريب" في المهرة. ومع ذلك، ستعارض عُمان وصف هذه "الشخصيات" - في إشارة واضحة إلى الحريزي ومعسكره - كمجرمين. فلطالما اعتبرت مسقط منطقة "شحن" كجزء من محور نفوذها؛ وتماماً كما منح السعوديون جوازات سفر وحرية السفر إلى سكان المهرة بالقرب من حدودهم عند الطرف الشمالي من المحافظة، لطالما منح العُمانيون سكان المهرة الامتيازات نفسها على طول الحدود الشرقية للمحافظة، إلى جانب الدعم الاقتصادي والإنساني الكبير.
وكان آخر تصعيد كبير بين القوات السعودية والمحتجين في المهرة قد حدثَ في أيار/مايو 2019. وخُمدت شرارة ذلك الصراع في غضون أيام قليلة، وقد يتكرر ذلك السيناريو هذه المرة - وبالفعل، لا يصطف بعض سكان المهرة وراء الحريزي رغم استيائهم من الوجود السعودي. ومع ذلك، فإن الشائعات بأن السعوديين يجلبون قوات يمنية من محافظات أخرى لمساعدتهم، إذا كان ذلك صحيحاً، قد تؤدي إلى تفاقم المشاعر المعادية للسعودية وتعزيز مكانة الحريزي.
وعلى هذا النحو، يمكن لهذا الوضع أن يؤدي إلى صراع بين شركاء أمريكا في المنطقة، سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل. وقد تنظر كل من السعودية وعُمان إلى مثل هذا الصراع بمثابة تهديد وجودي: فبالنسبة للرياض، إن عملية التهريب المزعومة عبر الحدود العمانية تجهز الحوثيين بالصواريخ التي أطلقوها بشكل متكرر على الأراضي السعودية؛ وبالنسبة لمسقط، فإن وجود قوة عسكرية سعودية على حدودها أثناء الانتقال الهش للقيادة أمر مثير للقلق. ولا تريد أي من الحكومتين صراعاً، لكن من غير المحتمل أن تتراجع أي منهما عن حماية مصالحها.
ما يهم الولايات المتحدة
مما يثير استياء المراقبين الخليجيين، أن الوفد الذي أرسلته إدارة ترامب لتقديم التعازي في الشهر الماضي لم يتخلف فقط عن الحضور خلال الأيام الثلاثة المخصصة لتقبل التعازي، بل ترأسه أيضاً وزير الطاقة الأمريكي عوضاً عن مسؤول أقدم وأرفع شأناً. في المقابل، أرسلت بريطانيا ودول أخرى وفود رفيعة المستوى. ولاحظ العمانيون بلا شك المستوى المنخفض للوفد الأمريكي، على الرغم من أن بإمكان توقيت الزيارة الأخيرة لبومبيو ومضمونها أن يقطعا شوطاً طويلاً نحو إصلاح ما حدث.
وعندما يصل وزير الخارجية الأمريكي يوم الجمعة بعد زيارته إلى السعودية، فإن إحدى القضايا التي قد يتمّ التطرق إليها هي خطة ترامب للسلام الإسرائيلي - الفلسطيني التي تم إصدارها مؤخراً. وكانت سفيرة عُمان في واشنطن قد حضرت حفل الإعلان عن الخطة في 28 كانون الثاني/يناير إلى جانب نظيريها الإماراتي والبحريني، لكن حضورها كان على الأرجح بسبب العرف الخليجي أكثر من دعمها للخطة. وبالتالي، من المحتمل أن يحاول بومبيو اكتشاف رأي السلطان الجديد حول هذا الموضوع.
ومن المؤكد أن الوضع في اليمن سيكون على جدول الأعمال، بما في ذلك التوترات في المهرة. وإذا لم يثر السعوديون والعُمانيون القضية الأخيرة مباشرة مع واشنطن، فيجب على المسؤولين الأمريكيين طرحها. فالعلاقات الخليجية متوترة بالفعل بشكل خطير بسبب الصدع المستمر مع قطر، وبالتالي فإن السماح للتوترات العُمانية -السعودية بالتفاقم يمكن أن يضعف الأمن الإقليمي ويعيق الجهود الرامية إلى حل الأزمة اليمنية. وتتمتع المملكة حالياً بمكانة جيدة لتوجيه حكومة هادي والفصائل الجنوبية في اليمن نحو المحادثات، في حين قد تكون عُمان قادرة على التأثير على الحوثيين بطرق إيجابية. لذلك يجب على المسؤولين الأمريكيين بذل كل جهد ممكن لتخفيف التوترات.
شؤون عائلية
قد توفر زيارة بومبيو أيضاً رؤية حول السياسة الخارجية للسلطان الجديد والآلية وراء صنع قراره. فمع انتهاء فترة الحداد، قد يبدأ قريباً في إجراء تغييرات هيكلية أو شخصية في هذا الاتجاه. لذلك ينبغي على واشنطن أن تراقب كبار المسؤولين العُمانيين مثل رئيس جهاز الاتصالات والتنسيق بالمكتب السلطاني منذر السعيد، ووزير المكتب السلطاني سلطان النعماني، ووزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي، والوزير المسؤول عن شؤون الدفاع بدر البوسعيدي. وكان هؤلاء المسؤولين أساسيين في تنفيذ الأجندة الإقليمية للسلطان قابوس، ومن المحتمل أن يكونوا من بين الأوائل الذين تم التشاور معهم في قضايا مثل المهرة وخطة ترامب للسلام، على افتراض احتفاظهم بمناصبهم في عهد السلطان الجديد.
وتبرز قضية ملحة أخرى وهي الدور الذي قد يسعى هيثم إلى أن تضطلع به عائلته. فقد اشتهر السلطان قابوس بتهميشه العائلة باستثناء واحد: عندما عيّن طارق بن تيمور - والد هيثم - رئيساً للوزراء في بداية عهده. وسرت شائعات بأن طارق خطط لانقلاب قبل أن يسبقه قابوس بهذه الخطوة في عام 1970. وبعد وفاة رئيس الوزراء في عام 1980، تولّى قابوس نفسه هذا المنصب وطبّق حكماً مباشراً شارك فيه عددٍ قليل من أفراد عائلته. وعند وفاته الشهر الماضي، لم يكن لديه زوجة أو أشقاء أو أولاد.
في المقابل، من المرجح أن يقوم السلطان الجديد بتمكين أفراد عائلته [وإشراكهم في الحكم] بدلاً من تهميشهم، بمن فيهم شقيقاه: أسعد بن طارق، الذي يقال إنه مقرب من هيثم وكان أيضاً مرشحاً ليكون سلطاناً؛ وشهاب، شقيقه الأصغر سناً. أما زوجته السيدة عهد، فقد تقبلت التعازي من الزوجات البارزات للعديد من حكام الخليج نيابة عن زوجها. فهل ستبقى وراء الكواليس أم تضطلع بدور أكثر علنية على غرار دور الشيخة موزا في قطر؟ أما بالنسبة لأولاده الأربعة، فمن المرجح أن يلعب نجلاه دوراً أكثر بروزاً: حيث تفيد الخبيرة في الشؤون الخليجية كريتسين ديوان أن ذي يزن (مواليد 1990) عاد إلى السلطنة من لندن لمساعدة والده منذ توليه الخلافة؛ لكن ليس من الواضح إن كان بلعرب (مواليد 1995) سيعود أيضاً.
وقد تتمكن واشنطن من تحديد هوية بعض الجهات الفاعلة الرئيسية في عملية صنع القرار المستقبلية في سلطنة عُمان من خلال الأشخاص الذين سيُشركهم السلطان في الاجتماع مع الوفد برئاسة بومبيو. ولكن في النهاية، قد تستغرق العديد من الأدوار التي يضطلع فيها الحرس القديم وأقرب أفراد عائلة هيثم، وقتاً أطول لتثبيتها، بما أن السلطان قد يدقق بعناية في توزيعها بينما يرسّخ قدميه في الحكم بمرور الوقت. وقد تكون كيفية تعامله مع الوضع المتوتر بشكل متزايد في المهرة مع السعودية مؤشراً أسرع على شكل حكمه، وما إذا كان سيعتمد على الولايات المتحدة.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.