- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3154
توضيح حرية الملاحة في الخليج
خلال خطاب سياسي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو العام الماضي، حدّد اثني عشر "شرطاً أساسياً" لإيران، إلّا أنه لم يشِر إلى إنهاء "تهديدات النظام للنقل البحري الدولي" إلاّ بصورة عابرة. ولكنّ الاستيلاء على ناقلتي نفط أجنبيتين إلى جانب الأحداث الأخيرة الأخرى أظهرت أن هذه التهديدات حقيقية للغاية ويجب معالجتها بصراحة في أي مفاوضات مستقبلية، جنباً إلى جنب مع برنامج إيران النووي، وترسانتها الصاروخية، وأنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار. وإلاّ، فإن التفسيرات المتباينة لقوانين البحار المعمول بها ستفسح المجال أمام مزيد من الاستخدام الخاطئ والاشتباكات العسكرية المحتملة.
اختلاف الأطر القانونية السارية
يشكّل العبور من مضيق هرمز موضع خلاف رئيسي. فتاريخياً، كانت السفن الأجنبية التي تعبر البحار الإقليمية والمضائق الدولية ملزمةً بمجموعتين من القواعد: "اتفاقية جنيف" لعام 1958 بشأن "البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة"، و"اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" ("الاتفاقية") التي سُنّت لاحقاً في عام 1982. ولكن "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" حظيت بالأولوية على "اتفاقية جنيف" لعام 1958 عندما دخلت حيز التنفيذ في عام 1994.
تجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة تشكّل طرفاً في الاتفاقية القديمة لكنها لم توقع على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، إذ تعتبر واشنطن أنّ "الاتفاقية" الأخيرة تعكس القانون الدولي العرفي وتلتزم بمعظم أحكامه، ولكنها تعترض على بعض الأحكام، كما لا تسمح "الاتفاقية" بالتصديق الانتقائي.
أمّا إيران فهي إحدى الدول الموقعة على "اتفاقية جنيف" من عام 1958 غير أنها لم تصادق عليها قط. كما وقّعت طهران بشكل مشروط على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" من دون التصديق عليها. فمثلها مثل الولايات المتحدة، لا توافق إيران على بعض الأحكام الواردة فيها. وفي الوقت نفسه، صدّقت إيران على القانون البحري الوطني الخاص بها في عام 1993، والذي يسمح بـ "المرور البريء" في ظل ظروف معيّنة، ولكنه لا يتضمن أي إشارة إلى "المرور العابر" عبر مضيق هرمز ولا يعترف به كمضيق دولي (إقرأ القسم التالي للاطلاع على مناقشة أكمل حول هذه المصطلحات).
ويكمن أحد التغييرات الرئيسية في "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" في زيادة نطاق البحار الساحلية للبلدان من ثلاثة إلى اثني عشر ميلاً (4.8 إلى 19.3 كيلومتراً) بحرياً. وقد عارضت الولايات المتحدة بشدة على هذا الحكم في البداية لكنها قبلته في معظم السياقات - باستثناء عند التعامل مع المضائق والممرات الدولية الأخرى. ومن الناحية العملية يعني ذلك أنّ واشنطن لا تعترف بحق الدول الساحلية في تنظيم المرور أو الحد من الأنشطة في هذه الممرات المائية. وبدلاً من اعتبار النقل بدون عوائق حقاً جديداً بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" أو حقاً تعاقدياً بشكل عام، ينظر المسؤولون الأمريكيون إليه كممارسة دولية راسخة منذ أمد طويل، تتّبعها جميع الدول التي تسعى إلى الإبحار عبر المضائق الدولية أو التحليق فوقها.
يشار إلى أنّ سلطنة عُمان، الدولة التي يقع ساحلها على الجانب الآخر من مضيق هرمز، صادقت على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار". ولكن مثلها مثل إيران، تطلب من السفن الحربية الأجنبية إعطاء إشعار مسبق بمرورها قبل عبور المضيق - وهو مطلب لا تعترف به الولايات المتحدة.
المرور البريء مقابل المرور العابر
لكي تحدّد الدول كيفية مرور سفنها عبر المياه الإقليمية أو المضائق الدولية، فهي تعتمد على مفهومين: المرور البريء (المدوّن بموجب الاتفاقيتين) والمرور العابر (الذي أدخلته "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"). فبعض الدول تطبّقهما بشكل مختلف عن غيرها، وفقاً لتفسيراتها للقانون الدولي والمحلي.
وينطبق المرور البريء على الملاحة عبر البحار الإقليمية لبلد ما، أو عبر مضيق دولي يربط "جزءاً من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبحر إقليمي لدولة أجنبية". ويُعتبر المرور طاهراً طالما تحترم السفن الأجنبية (بما فيها السفن الحربية) جميع لوائح السلامة الخاصة بالدولة الساحلية، أي تلك التي تمتثل لـ "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، وطالما تحجم عن تشكيل أي تهديد للدولة. وبهدف توضيح هذا المطلب الأخير، أدخلت "الاتفاقية" قائمة بالأنشطة التي يمكن اعتبارها "مخلّة بالسلم أو حسن النظام أو أمن الدولة الساحلية"، لو حصلت داخل المياه الإقليمية أثناء المرور البريء (المادة 19). كما يمكن لدولة ما أن توقف مؤقتاً المرور البريء في مناطق محددة من بحارها الإقليمية لأسباب أمنية (المادة 25)، ولكن لا يمكن تطبيق هذا الحكم بطريقة تمييزية تخصّ بلدان فردية معيّنة دون سواها. والأهم من ذلك، لا ينطبق هذا الحكم على المضائق الدولية (المادة 45).
يُقصد بالمرور العابر الملاحة المستمرة والسريعة عبر المضائق التي تربط منطقتين في أعالي البحار و/أو المناطق الاقتصادية الخالصة لبلدين أو أكثر. وتصنّف الولايات المتحدة مضيق هرمز ومنافذه على هذا الأساس. ووفقاً لذلك، تطبّق السفن الأمريكية لوائح المرور العابر عند دخولها إلى الخليج العربي/الفارسي - ولكن كما ذُكر سابقاً، تعتبر واشنطن ذلك ممارسة دولية راسخة وليس حقاً تعاقدياً ممنوحاً بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".
ويوفّر المرور العابر حقوقاً أوسع نطاقاً من المرور البريء فيما يتعلق بالملاحة. وتوضح المادة 39 كيف يُتوقع من السفن العابرة تجنب أي نشاط يهدد "سيادة الدولة الساحلية أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي" على النحو المحدد في "ميثاق الأمم المتحدة". ومع ذلك، تعلن "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" بوضوح أنّه لا يجوز "عرقلة" المرور العابر عبر مضيق دولي (المادة 38)، وأنّ البلدان الساحلية لا تستطيع تعليقه لأي غرض كان، بما في ذلك التدريبات العسكرية (المادة 44).
وعند توقيع "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، أعلنت إيران أنها ستطبق الشروط الجديدة على الدول التي كانت طرفاً في اتفاقية عام 1982 فحسب. أمّا بالنسبة لدول أخرى مثل الولايات المتحدة، فستطبق "اتفاقية جنيف" من عام 1958. وبالتالي، يمكن تفسير هذا النهج على أنه تمييزي، وهو أمر محظور بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".
ولضمان سلامة الملاحة وأمنها عبر الممرات المائية الدولية مثل مضيق هرمز، تقسّمها "المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة" باستخدام نظام من ممرات العبور وخطط فصل حركة الملاحة الساحلية. ويمنح مثل هذا النظام الدول الساحلية حقوقاً تنظيمية على السفن التي ترفع أعلاماً أجنبية أكثر مما يمكن أن تمارسه في أعالي البحار (على سبيل المثال، فيما يتعلق بمخاطر التلوّث)، ولكن أقل مما يوفره حق المرور البريء في البحار الإقليمية. وفي مضيق هرمز، تقع هذه الممرات بكاملها في المياه العُمانية. أمّا في الخليج العربي/الفارسي، فتمر في الغالب عبر المياه الإيرانية.
ولم يتم تسليط الضوء على مواطن الضعف في النظام الحالي سوى في الأسبوع الماضي، عندما استولت القوات الإيرانية على ناقلة ترفع العلم البريطاني رداً على استيلاء البحرية الملكية البريطانية، في وقت سابق، على سفينة يشتبه بأنها كانت تنقل نفطاً إيرانياً إلى سوريا، وهو ما يُعد خرقاً للعقوبات الأوروبية ضدها. ووفقاً لتسجيل حصلت عليه شبكة "سي أن أن"، قامت فرقاطة بريطانية بالقرب من مكان الحادثة بإبلاغ طاقم الناقلة بما يلي: "أثناء مروركم العابر في مضيق دولي معترف به، يجب ألا يتم تعطيل أو اعتراض سبيل أو عرقلة أو إعاقة مروركم، وفقاً للقانون الدولي." ورداً على ذلك، زعمت القوات الإيرانية أنها لم تكن تنوي اعتراض سبيل الناقلة، بل لتفتيشها فقط "لأسباب أمنية".
التداعيات العسكرية
تتباين الآراء حول ما إذا كانت "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" تسمح للسفن العسكرية الأجنبية بإطلاق الطائرات واستعادتها أثناء المرور العابر. ويشكّل ذلك نقطة خلاف رئيسية عندما تبحر ناقلات أو سفن حربية على متنها مروحيات عبر مضيق هرمز. فوفقاً لمبدأ المرور العابر، تستطيع الطائرات العسكرية الأمريكية أن تحلّق فوق المضيق في تشكيل قتالي مقروناً بتشغيل المعدات العادية، في حين قد تمر السفن الحربية بطريقة تَتسق مع الممارسات الملاحية الملائمة والمعنية بحماية القوات.
وتضيف الغواصات طبقة أخرى من التعقيد. فبموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، يُطلب منها أن تطفو على سطح المياه خلال المرور البريء في البحار الإقليمية (المادة 20)، ولكن الآراء تنقسم حول ما إذا كان بإمكانها النزول تحت سطح المياه أثناء المرور العابر. وغالباً ما تبقى الغواصات الأمريكية تحت المياه أثناء مرورها عبر مضيق هرمز وممرات الشحن غرب المضيق، كوسيلة لممارسة حقها في المرور العابر.
ولا تنص "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" صراحةً على شرط تقديم الدول إشعار مسبق بمرور سفنها الحربية عبر المياه الأجنبية. لذلك، ففي حين تلتزم السفن العسكرية الأمريكية بأحكام المرور البريء عند تنقلها عبر البحار الإقليمية الأجنبية (على عكس الممرات المائية التي يغطيها المرور العابر)، إلّا أنها لا تقدم عموماً إشعاراً بمرورها.
من جهتها، تحتفظ «القوات البحرية» التابعة لفيلق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بحضور قوي غير متكافئ في مضيق هرمز والخليج العربي/الفارسي، مدعية أنها تستجوب كل سفينة تدخل الخليج عبر الجهاز اللاسلكي وترصد حركة الملاحة عن كثب باستخدامها الطائرات المسيّرة أو القوارب الصغيرة. إلّا أن هذا "الرصد" يتّخذ أحياناً شكلاً عدائياً. إذ كثيراً ما يشير المسؤولون الإيرانيون إلى فرض الإرادة على السفن الحربية الأجنبية باعتباره "نصراً". والآن بعد تصنيف "الحرس الثوري" الإيراني كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، يبقى حقه القانوني في الانخراط في مثل هذه الأنشطة غير واضح. تجدر الإشارة إلى أنّ "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" تسمح للسفن والطائرات التي تقوم بالمرور العابر بالانحراف عن "نمط نشاطها الطبيعي" إذا ما واجهت ظروفاً قاهرة أو محنة شديدة (المادة 39، الفقرة 1 ج). ويبدو أن الأسلوب التهديدي الذي تتبعه الزوارق السريعة المسلحة أو الطائرات المسيّرة في مضيق هرمز الضيق يندرج تحت هذا التعريف، مما يسمح باتخاذ إجراءات دفاعية.
الخاتمة
لا تعترف طهران بالمرور العابر في أي جزء من مياهها الإقليمية أو في مضيق هرمز، وفرضت قيوداً على المرور البريء أيضاً، ويهدف ذلك جزئياً إلى تحدي الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، تنص المادة 23 من القانون البحري الإيراني لعام 1993 على أن التشريع يحل محل جميع القوانين واللوائح السابقة. وبينما يدّعي بعض الخبراء أنّ هذه الصيغة تشير فقط إلى القوانين المحلية، إلّا أن الوثيقة لا تتضمن أي إشارة إلى كيفية تفسيرها في ضوء "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" أو أي قانون دولي آخر. وينبغي إيضاح هذه المسألة. فالطريقة الوحيدة لتجنب التوترات في المستقبل تتمثل في وضع اتفاقية إقليمية تشمل القوى البحرية العالمية مثل الولايات المتحدة مع توضيح القوانين البحرية التي تحكم مضيق هرمز ومنافذه.
وفي غضون ذلك، يتعين على الولايات المتحدة مواصلة ممارستها العرفية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، أي ممارسة حرية الملاحة في مناطق "المطالبات البحرية المفرطة" مثل مضيق هرمز، ويعني ذلك الممرات المائية حيث تؤمن بأن الدول الساحلية تمارس فيها عدداً كبيراً من المطالبات. ومع ذلك، ينطوي الإبقاء على الترتيبات الحالية إلى أجل غير مسمى على خطر التصعيد في المستقبل بالنظر إلى التزام الولايات المتحدة بحرية الملاحة وسياسة إيران الرئيسية الكامنة في إخراج أمريكا من الشرق الأوسط. وفي أحسن الحالات، فإنّ أي تغيير إيجابي في سلوك إيران سيكون قصير الأجل دون اتفاق شامل وشفاف. وفي أسوأ الحالات، قد يؤدي غياب مثل هذا الاتفاق إلى مواجهة عسكرية أوسع.
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن. ويود أن يشكر آشلي روش، مستشار قانوني سابق في "مكتب المحيطات والشؤون البيئية والعلمية الدولية" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، لمراجعته هذا المرصد السياسي في مرحلة المسودة وتقديم آرائه كخبير.