- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
لفيروس كورونا تأثيرات معاكسة على السياسة التركية في سوريا وليبيا
اعتباراً من 16 نيسان/أبريل، أبلغت الحكومة التركية عن وقوع أكثر من 74,000 حالة إصابة بفيروس كورونا و 1,643 حالة وفاة. وبفضل تقدم خدمات الرعاية الصحية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن معدل الوفيات في البلاد منخفض نسبياً عند حوالي 2 في المائة، مقارنة بالمعدلات في ألمانيا [على سبيل المثال]. وعلى الرغم من أن التأثير الصحي العام لمرض "كوفيد-19" لم يظهر بعد، إلّا أنه يبدو أن تركيا تحقق أداءً أفضل من العديد من البلدان الأخرى في الوقت الحالي (على سبيل المثال، يبلغ معدل الوفيات في إيطاليا حوالي 12 بالمائة).
ومع ذلك، فإن تأثير الوباء على السياسة الخارجية لتركيا على المدى القريب هو مجرد خليط متنوع. ففي سوريا، كانت أنقرة تدعم الثوار ضد نظام الأسد لسنوات. لكن قبل شهرين، هدد القتال بين القوات التركية والسورية في إدلب بمحو آخر بقايا اتفاقية عام 2018 التي تم التوصل إليها بوساطة روسية والتي منحت أنقرة وشركائها المحليين السيطرة على معظم المحافظة. وفي 27 شباط/فبراير، قُتل ثلاثة وثلاثون جندياً تركياً عندما هوجمت وحدتهم هناك - وهو أكبر عدد من الضحايا في صفوف القوات التركية في يوم واحد في سوريا خلال النزاع بأكمله. وبعد ذلك، وقفت روسيا جانباً بينما شنت تركيا هجوماً كثيفاً تمحور حول الطائرات بدون طيار ضد الجيش السوري وشركائه المدعومين من إيران. وإجمالاً، أفادت التقارير أن القوات التركية أسقطت ثلاث طائرات سورية، ودمرت عدداً من الدبابات والمروحيات، وقتلت المئات من أفراد الجيش السوري والميليشيات.
وفي أعقاب محادثات مكثفة أُجريت في موسكو، توصل أردوغان وفلاديمير بوتين إلى اتفاق آخر لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 6 آذار/مارس. وبالنظر إلى الأضرار الجسيمة التي ألحقتها الحملة التركية بقوات نظام الأسد، فمن المحتمل أن يتجنب النظام انتهاك الاتفاقية على المدى القصير، ويكسب الوقت لاستعادة قوته. ومن جانبها، أعلنت أنقرة في 5 نيسان/أبريل أنها ستحد من عملياتها العسكرية عبر الحدود للمساعدة في احتواء الوباء.
ولكن حتى مع تراجع احتمالات التصعيد الوشيك في سوريا، فقد يحدث عكس ذلك في ليبيا، حيث لا تزال تركيا تخوض حرباً بالوكالة ضد الخصمين الإقليميين مصر والإمارات العربية المتحدة. وتدعم أنقرة "حكومة الوفاق الوطني" المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، بينما تدعم القاهرة وأبو ظبي الجنرال خليفة حفتر، الذي تحاول قواته الاستيلاء على العاصمة. واستمرت مصر والإمارات في تنفيذ غارات جوية نيابة عن حفتر وتزويد جيشه بالأسلحة والطائرات المسيرة التي تشتد الحاجة إليها. وكانت المساعدة المماثلة التي قدمتها أنقرة إلى "حكومة الوفاق الوطني" حاسمة في الآونة الأخيرة: فقد استعادت الحكومة مؤخراً ست بلدات بالقرب من طرابلس، وهو [نصر] لم يكن ليتحقق لولا الدعم الجوي التركي.
وأحد العوامل وراء الاختلاف بين ما يجري في سوريا وليبيا هو أن سوريا تقع بجوار تركيا، مما يثير مخاوف بشأن آثار العدوى المحتملة [من فيروس كورونا] على آلاف القوات البرية التي حشدتها أنقرة بالقرب من الحدود. وليس هذا هو الحال في ليبيا، التي تقع عبر البحر الأبيض المتوسط وتتطلب عدداً صغيراً نسبياً من المستشارين والأسلحة التركية لإحداث فرق، وتقليل المخاوف المتعلقة بالوباء.
كما تشعر أنقرة بأنها مضطرة أيضاً لمواكبة التصعيد الأخير في الدعم المصري -الإماراتي، والذي حدث وسط فشل جهود وقف إطلاق النار وفرض حظر دولي على توريد الأسلحة. على سبيل المثال، عندما بدأت أنظمة الدفاع الجوي التي وفرتها تركيا في الحد من فعالية حملة الطائرات بدون طيار بقيادة الإمارات ضد طرابلس، شنت قوات حفتر هجمات عشوائية بالصواريخ والمدفعية ضد أهداف مدنية في العاصمة وحولها. ومؤخراً، أفادت بعض التقارير أن الجيش التركي بدأ نشاطاً جوياً مكثفاً فوق شرق البحر المتوسط في السابع عشر من نيسان/أبريل، شمل استخدام ثلاث طائرات ناقلة. وتشير هذه التطورات، مقترنة بالمخاطر العسكرية المحدودة نسبياً لمضاعفات فيروسات كورونا في ليبيا، إلى أن المزيد من التصعيد التركي أمر لا مفر منه - وربما يكون قد بدأ بالفعل.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب "إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط". دنيز يوكسل هي مساعدة باحثة في المعهد.