- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3235
هل يُعتبر مقتل سليماني ذا أهمية؟ النتائج من ورشة عمل عام 2019
في نيسان/أبريل الماضي، عقد معهد واشنطن اجتماعاً مغلقاً حول طاولة مستديرة لمناقشة التأثير المحتمل إذا لم يعد قائد «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني حياً. وناقش المشاركون، الخاضعون لقاعدة "تشاتام هاوس"، الطريقة التي يمكن أن تعمل بها الخلافة في «فيلق القدس» («قوة القدس») وما الذي ستخسره إيران إذا ما أصبح سليماني غير متاح بشكل دائم، وتوصلوا إلى توافق في الآراء حول العديد من القضايا الرئيسية. واليوم، بعد رحيل القائد بالفعل، فقد تساعد استنتاجاتهم صانعي السياسة على اجتياز البحار العاصفة المقبلة، ولو أن بعض جوانب أهميته لا تزال موضع نقاشات حامية.
هل هو شخصية يتعذر الاستعاضة عنها؟
اتفق المشاركون في ورشة العمل على أن سليماني قد أصبح رصيداً استراتيجياً ذا قيمة كبيرة للحكومة الإيرانية التي يهيمن عليها «الحرس الثوري» الإيراني بسبب المزيجة الفريدة لسليماني المؤلفة من ثلاث خصائص:
- قريب من خامنئي. لا يوجد دليل على أن سليماني كان على علاقة وثيقة مع المرشد الأعلى علي خامنئي قبل تعيينه قائداً لـ «قوة القدس» في الفترة 1997-1998. ولكن بمجرد توليه هذا المنصب، سرعان ما بدأ خامنئي ينظر إليه باعتباره قدوة لمثال الجمهورية الإسلامية. وخلافاً للمرؤوسين الآخرين، كان سليماني مطيعاً للمرشد الأعلى وفعالاً إلى حدٍ كبير. وقد أثّر خامنئي على الرؤية المتعنتة التي قدمها سليماني - وتأثر به لاحقاً - والمتمثلة بحركة شيعية مسلحة عابرة للحدود في حالة اندلاع حرب مع أمريكا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية.
- مجازف. كان مقتل سليماني أمراً يمكن تفاديه بشكل واضح، إلا أنه قَبِل المخاطرة من خلال التحرّك بالقرب من التجمعات الكبيرة للأصول الجوية والاستخباراتية الأمريكية حول مطار بغداد الدولي، وذلك في الوقت نفسه على وجه التحديد الذي حذر فيه مسؤولون أمريكيون عبر الاتصالات السرية من أنهم قد يقومون بقتله. ومع ذلك، غالباً ما أدّت ميوله السابقة إلى خوض المجازفات، إلى تعزيز المصالح الإقليمية للنظام. على سبيل المثال، كان القوة الدافعة وراء التحركات المبتكرة التالية: نشر قوات عسكرية تقليدية قوية لإنقاذ نظام الأسد في سوريا، واستخدام جحافل شيعية من خارج المنطقة (أفغانستان، باكستان) للهدف نفسه، ومطالبة روسيا بالتدخل في حرب سوريا، وشحن أسلحة متطورة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، ومساعدة «حزب الله» في مشاريع الأنفاق والضربات الدقيقة في لبنان.
- صاحب شخصية ملهمة وجذابة. فضلاً عن جاذبيته كمدير علاقات وصاحب سلطة، كان سليماني محبوب الإعلام، حيث يبدو وكأنه خُلق لعصر شبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت. وكان محبوباً بشكل خاص من قبل المقاتلين الأفغان الذين دعمهم في سنواته المبكرة، كما بنى قاعدة أتباع قوية بين العرب والباكستانيين.
- ملتزم ومتسق. خلال معظم حياته المهنية كقائد لـ «قوة القدس» - فترة دامت عشرين عاماً - عمل سليماني جاهداً على رعاية علاقاته مع كبار أصحاب المصلحة في مختلف أنحاء أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا وغيرها من مناطق الصراع. وكمتحدث باللغة العربية، كان يحظى بالاحترام من الوكلاء المحليين والحلفاء - وكانوا يخشونه في بعض الأحيان.
الأدوار الرئيسية في «قوة القدس»
تولى سليماني قيادة «قوة القدس» بينما كانت في حالة ركود وحوّلها إلى مصدر فعّال لإظهار القوة في أفغانستان، ثم العراق، وأخيراً في سوريا والبحرين واليمن. ومن حيث أسلوب قيادته ومحاور تركيزه، تخصص سليماني في أربعة أدوار رئيسية:
- محور التنسيق. كان سليماني مخولاً لقيادة نهج الحكومة الإيرانية بالكامل في التعامل مع التدخل الإقليمي، وذلك بمساعدة تقاربه مع خامنئي، وديناميته الشخصية، وأقدميته (في تاريخ الترقية) على قادة «الحرس الثوري» الإيراني الآخرين. ونتيجة لذلك، كان بإمكانه سحب قوات من «الحرس الثوري» والجيش التقليدي ("أرتش") [وتوجيهها] نحو عمليات مشتركة فعّالة لم يسبق لها مثيل. وكان أيضاً محاوراً رفيع المستوى لإيران مع شركاء عراقيين ولبنانيين وروس وسوريين.
- مكافح عملي. تنقّل سليماني بين بؤر التوتر بكفاءة، وحضر شخصياً وأجرى محادثات رئيسية مع الشركاء حسب الضرورة. وقد عمل في المجالين السياسي والسياسي، حيث زار جبهات القتال بينما كان يتوسط بسهولة في تعيين رؤساء الوزراء العراقيين. وكما لوحظ في ورشة عمل معهد واشنطن، فإن أكثر من شخص عراقي وصفه بأنه "آخر شخص نطلب منه المساعدة، ولكنه أول الواصلين والمنفّذين".
- رمز ظاهر لقوة «الحرس الثوري» الإيراني. قيل للمشاركين في ورشة العمل إن بروز قوة «الحرس الثوري» على مدار سنوات في المنطقة يعتمد على ركيزتين: الصواريخ، وسليماني الذي يُعتبر وجه القدرات الاستطلاعية لـ «قوة القدس».
- وجه «الحرس الثوري» الإيراني في الداخل. كان سليماني الضابط الوحيد الذي يمكنه الظهور بثقة في مواقع الاحتجاج الإيرانية التي تم فيها طرد معظم قادة «الحرس الثوري». ويبدو أن صورته الإيجابية إلى حد معقول جعلته "غير مستهجن"، وبالتالي شكّل جسراً قيّماً بين «الحرس الثوري» وسكان الريف الساخطين.
تراجع في المنحى
في المقال الذي افتتح به مارتن كريمر سلسلة "الخلافة المفاجئة" لمعهد واشنطن، كتب أن العامل الرئيسي في تقييم أهمية أي تحوّل يحصل في الشرق الأوسط يتلخص في تقرير "أين يكون القائد في قوس حياته ومسيرته ورسالته": هل هو في الوسط أم في النهاية، أم أن الأمور المهمة أصبحت وراءه؟ من الواضح أن تأثير الاستئصال ينخفض في الحالة الأخيرة.
وهنا يصبح موضوع سليماني وقصته أكثر تعقيداً، حيث كانت هناك دلائل تشير إلى أن لمسته الذهبية بدأت في التخلي عنه قبل وفاته. وفي النهاية، ربما يكون قد وقع ضحية لنجاحاته، إلى جانب إيمانه الراسخ بـ"معصوميته" وتكليفه بالمهام بشكل مفرط بسبب فعاليته في الماضي. فبحلول عام 2019، كان مرهقاً بشكل واضح وغير قادر على تفويض العديد من المهام الرئيسية في الخارج، وقد عنى ذلك تعريض نفسه بشكل متكرر لفرص استهدافه من قبل الولايات المتحدة بينما كان يتنقل في جميع أنحاء العراق ولبنان وسوريا.
ووقع أيضاً بعدد من الأخطاء العلنية جداً في السنوات السابقة. فبعضها كان إخفاقات عملياتية، مثل المؤامرة الفاشلة عام 2011 التي كانت ترمي إلى قتل السفير السعودي في واشنطن [عادل الجبير]. وبعضها الآخر كان نجاحات مُكلِّفة جداً، بدءاً من وقوع عدد كبير من الضحايا في صفوف القوات البرية التي نشرها في حلب وصولاً إلى خسارة بعض النفوذ على نظام الأسد بعد دعوة روسيا إلى الدخول في الحرب.
أما المشاريع السياسية لسليماني في العراق فكانت متباينة أيضاً. فقد نجح في ضمان تولي مرشح طيّعٌ [عادل عبد المهدي] رئاسة الوزراء في العراق عام 2018، ولكن فقط بعد فشله في إدراج فالح الفياض إلى هذا المنصب وعدم نجاحه في جلب مرشحه الرئاسي المفضل. والأهم من ذلك، ارتكب خطأً فادحاً في الضغط على الزعماء العراقيين لقمع المتظاهرين الشيعة العراقيين بعنف في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. فقد تعاظم هذا التطاول وتراكمت الأخطاء التي أدت إلى وفاته، بدءاً من مقتل مقاول أمريكي في 27 كانون الأول/ديسمبر مروراً بهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد في 31 كانون الأول/ديسمبر، ووصولاً إلى جولته الإقليمية المشؤومة التي زعم أنها تهدف إلى تنظيم هجمات ضدّ أمريكا.
الخاتمة
لم تقف «قوة القدس» مكتوفة الأيدي بينما كان خامنئي يضع رهانه بالكامل على سليماني. فالقائد الجديد للقوة والأقل كاريزمية من سلفه ــ نائب القائد السابق إسماعيل قاآني ــ يَعْرِف عن كثب رؤية سليماني وسيحاول على الأرجح مواصلتها. وبالمثل، يستطيع النواب في كل دولة إعادة ترتيب العلاقات الخارجية إلى حد ما.
ومع ذلك، فإن شيئاً فريداً قد ضاع بموت سليماني. فوحدة القيادة التي تمكّن من تحقيقها قد تتدهور في المستقبل. وقد تصبح العمليات التي يضطلع بها «الحرس الثوري»، و"أرتش"، ووزارة الاستخبارات أقل تنسيقاً، وقد تعود المنافسات إلى الظهور من جديد.
ولعل الأهم من ذلك هو أن «الحرس الثوري» الإيراني سيفقد على الأرجح بعضاً من هيبته التي كانت مستثمرة بشكل مفرط في سليماني. فقد مات الوجه الذي مثّل توسّع «الحرس الثوري» في الشرق الأوسط، وقُتل سليماني في الوقت الذي كان يتنقّل فيه بسرعة في مختلف أنحاء المنطقة في محاولته تصحيح سلسلة متصاعدة من الأخطاء. وبالتزامن مع الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة في العراق ولبنان، وإيران نفسها، يمكن أن يكون موت سليماني بمثابة قوة مُحبِطة للسياسات التوسعية لـ «الحرس الثوري».
ووفقاً لذلك، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة أن يسمحوا لواقع اغتياله بالترسخ في مختلف أنحاء المنطقة قبل اتخاذهم المزيد من الإجراءات التي قد تصرف الانتباه عن هذه اللفتة المثيرة. وسواء كان ذلك من خلال العقوبات أو الضربات الحركية، فإن استهداف الشخصيات النخبوية المؤذية يجب أن يكون نموذجاً للتصدّي ضد وكلاء إيران في المستقبل، مع حرص واشنطن على عدم فرض عقوبات جماعية أو بثّ الرعب في نفوس السكان الأبرياء الذين تقوم إيران بقمعهم. ومن حيث العمليات الإعلامية، قد يكون مقتل سليماني نجاحاً ذو أهمية كبيرة ـ إلّا أن ذلك لن يتحقق ما لم تتم متابعته بسياسات أكثر دراسة تُظهر قدرة واشنطن على التوقف، والتأمل في المصالح المشتركة مع الشركاء الأجانب، والانتظار حتى انقشاع الغبار.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن.