- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3316
تصاعد التوترات في جنوب سوريا يشير إلى المزيد من هجمات النظام
خلال الأيام القليلة الماضية، تصاعدت التوترات في درعا، المحافظة في جنوب غرب سوريا التي تشترك في حدود مع إسرائيل والأردن، إلى مستويات خطيرة. ويبدو أن الجيش السوري وحلفائه من الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران، الذين يستفيدون إلى حدٍّ ما من اتفاق وقف إطلاق النار شمالاً في محافظة إدلب، هم على استعداد لاستئناف القتال العنيف ضد الجماعات العربية السنية في الجنوب، كما يتضح من وصول تعزيزات عسكرية كبيرة. وتتكون هذه الوحدات بشكل أساسي من الفرقة الرابعة، وتشمل فيلق النخبة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، والقوات الخاصة من الفرقة الخامسة عشرة. وتنضم هذه الوحدات إلى القوات المسؤولة عادة عن المنطقة: اللواءان 52 و 38 من الفرقة التاسعة.
وإلى جانب سلسلة طويلة من الاغتيالات في المنطقة ومحاولات النظام المتزايدة لاقتحام البلدات المحلية، تخلق عمليات الانتشار العسكري انطباعاً بحدوث انفجار عنيف في المستقبل القريب. وقد تنتقل المواجهات حول درعا وبسهولة إلى المحافظتين المجاورتين: القنيطرة إلى الشمال الغربي (على طول حدود مرتفعات الجولان) والسويداء إلى الشرق (موطن مجتمع درزي كبير).
التهدئة الفاشلة تُحدّد المرحلة
تنبع الأزمة الراهنة من عدم قدرة نظام الأسد على إعادة بسط سيطرته على محافظة درعا بعد أن استعادها من عدد لا يحصى من الفصائل المتمردة/الثائرة في تموز/يوليو 2018. وحالما اختارت الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن عدم دعم المتمردين/الثوار المحليين الذين ساعدوهم من قبل، قامت روسيا بتسهيل عودة الجيش السوري إلى المناطق التي خسرها في وقت سابق من الحرب من خلال إبرام اتفاق "تسوية الوضع" مع مجموعات عديدة. وبموجب هذه الاتفاقات، طُلب من المتمردين/الثوار تسليم أسلحتهم الثقيلة مقابل حصانتهم من الاعتقال وإعفائهم من الخدمة العسكرية الإلزامية (على الرغم من أنه تمت دعوة العديد منهم للتجنيد في الميليشيات الموالية للأسد، أو لإيران، أو روسيا في كثير من الأحيان). أما الذين اختاروا ترك منازلهم فقد نُقلوا إلى جيب إدلب على الحدود التركية.
ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال العديد من المعاقل تحت سيطرة الفصائل المتمردة/الثائرة السابقة التي حافظت على سلاسل قيادتها القديمة ووسّعت صفوفها، وتتفاخر بأنها تضم [اليوم] آلاف المقاتلين في الإجمال. وهذا هو الحال في الأقسام الداخلية لمدينة درعا، وبعض البلدات إلى الشرق (مثل بصر الحرير)، ومناطق مختلفة إلى الغرب (مثل طفس، نوى، اليادودة، سحم الجولان، وأجزاء من حوض نهر اليرموك الذي كانت تسيطر عليه في السابق جماعة تدور في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية»).
وحتى الآن، منعت الوساطة الروسية النظام السوري من شن هجوم شامل، و أبعدت المتمردين/الثوار من الإعلان عن تمرد جديد. على سبيل المثال، كان المبعوثون الروس على اتصال بمجلس المعارضة "مهد الثورة [السورية]" في مدينة درعا في أعقاب حوادث مسلحة؛ كما أنهم يتصرفون كوسطاء للقادة الدروز المحليين وخصومهم العرب السنة في منطقة حوران، الذين يشاركون في حروب عصابات تشمل عشرات من عمليات الخطف.
ومع ذلك، تحدث مناوشات عنيفة كل يوم تقريباً، وأصبحت التظاهرات الشعبية ضد النظام روتيناً مسائياً في العديد من الأماكن، حيث تطالب الحشود بإخراج رجال الميليشيات الشيعية وتُحذر الجيش من شن هجوم. وفي الأسبوع الماضي، اجتمع أعضاء "اللجان المركزية" من جميع أنحاء المحافظة في اجتماع طارئ للمطالبة بتمسك روسيا بالتزاماتها بـ "تسوية الوضع" وبمنع الأسد من شن هجوم. وعلى الرغم من أن موسكو أجبرت الوحدات السورية الزاحفة على التراجع من بعض المناطق، إلا أن قوات الأسد [المنتشرة] عند أطراف العديد من البلدات الأخرى، لا تزال مستعدة للهجوم حيث تتواجد على مسافة قريبة بما يكفي لقصف هذه البلدات بقذائف المدفعية إذا أرادت ذلك (كما حدث في سانامين في أوائل آذار/مارس).
وفي الوقت نفسه، تتعرّض عناصر الجيش للهجوم على الطرق بصورة متكررة، حيث قُتل تسعة من ضباط شرطة النظام على يد مسلّح واحد داخل مخفرهم في قرية المزيريب في الخامس من أيار/مايو. والمشتبه به هو زعيم جماعة متمردة/ثائرة وقّعت على اتفاق تسوية مع الروس؛ وبعد ذلك، قامت القوات السورية بقتل ابنه وصهره، مما دفعه إلى الانتقام. وتحت ضغط من روسيا، قام بعض سكان البلدة باقتحام منزله في أعقاب حوادث القتل وأحرقوا الدار، لكنهم لم يسلّموا زعيم الجماعة إلى سلطات النظام.
وعلى نطاق أوسع، يفيد ناشطون سياسيون محليون أن شهر نيسان/أبريل وحده شهد خمس وعشرين محاولة اغتيال ضد عناصر الجيش السوري، أسفرت عن مقتل أربعة عشر فرداً منهم. كما استهدفت الهجمات عناصر من ميليشيا "الفيلق خامس - اقتحام" التي شكّلتها روسيا من خلال تجنيد متمردين/ثوار سابقين. ووفقاً لمنظمة "جسور" السورية المعارضة ومقرها تركيا، نفذت جهات فاعلة مختلفة ما لا يقل عن 384 محاولة اغتيال في المحافظة بين حزيران/يونيو 2018 ونيسان/أبريل 2020، كانت 92 بالمائة منها ناجحة. وتم توجيه حوالي 135 من محاولات الاغتيال نحو المتمردين/الثوار الذين انضموا إلى النظام، في حين استهدفت 205 محاولات أخرى وجهاء محليين اعتبرتهم الأجهزة الأمنية للأسد "غير موثوقين". وفي الحالة الأخيرة، يبدو أن عناصر المخابرات الجوية ووكالات أخرى قد انخرطت في حملة منهجية للقضاء على المتمردين/الثوار السابقين البارزين، وغالباً ما كانت تقوم بهجماتها عندما يتوقف الضحايا المستهدفون عند أحد حواجز الطرق العديدة للجيش السوري. ولم يعد العديد من سكان الجنوب يخرجون من قراهم خوفاً من مواجهة مثل هذه الهجمات. وبالإضافة إلى زيادة التوترات المحلية، أدت أعمال العنف إلى تقليص التجارة بشكل كبير وساهمت في ارتفاع معدل البطالة في درعا الذي يبلغ حوالي 50-60 في المائة.
درعا ترغب في حكم ذاتي مشابه لما يتمتع به الدروز
لا يبدو أن الغالبية العظمى من سكان درعا يرغبون بالدخول في صراع كبير آخر. إذ يدركون أنهم في وضع غير مؤاتٍ عسكرياً، كونهم منقسمين إلى فصائل تفتقر إلى الأسلحة المناسبة دون توقّع الحصول على مساعدة خارجية. وانعكس هذا الشعور في مقطع فيديو نشره في 13 أيار/مايو أحد قياديي التمرد/الثوار السابقين المعروفين، ويدعى أدهم الكراد، حثّ فيه الجيش على الانسحاب من أطراف درعا، قائلاً: "إن فُرضت علينا الحرب فنحن لها ولكننا لا نريدها". وبحسب موقع "المدن" الإخباري، أكّد الكراد أن الأهالي يسعون "لاتفاق لا يُقهر فيه أهل الجنوب، اتفاق يضمن كرامتهم". ومن جانبهم، طالب القادة الميدانيون التابعون لنظام الأسد بنزع سلاح الفصائل المحلية فضلاً عن الحصول على ضمانات تُمكّن قوات النظام من دخول جميع المناطق دون عوائق.
ومع ذلك، فإن درعا هي المنطقة التي انطلقت منها الانتفاضة لأول مرة في عام 2011. لذلك، في حين يأمل السكان العرب السنة في الغالب في منع الأعمال العدائية الواسعة النطاق، إلّا أنه يبدو أنهم مصممون أيضاً على تجنب العودة إلى الوضع السابق، ويفضّلون الحصول على قدر من الاستقلال عن الحكومة المركزية - وهو هدف يبدو أنه تعزز من خلال تفاعلاتهم مع الدروز. فعلى الرغم من التوترات التاريخية مع الطائفة الدرزية، توجّه آلاف اللاجئين العرب السُنة من منطقة حوران للاحتماء في السويداء، عاصمة الدروز، وفي المدن الأصغر حجماً على مدى العقد الماضي. وهناك تعلّموا بشكل مباشر كيف نجح الدروز في منع النظام من التحكم بشؤونهم، أو الحفاظ على وجود عسكري كبير في مناطقهم الجبلية، أو إجبار شبابهم على الخدمة في الجيش السوري. وعلى الرغم من انقسام القيادات الدرزية بسبب المنافسات والأجندة المتناقضة، إلّا أن هذه القيادة أبقت قواتها خارج التمرد/الثورة في حين شكّلت مجموعة فعالة من وحدات الدفاع عن النفس التي تصدت لكل من الاستفزازات الحورانية من درعا، وتوغلات تنظيم «الدولة الإسلامية» من المناطق الصحراوية المحيطة (وقد استؤنفت هذه التوغلات الأخيرة في الأسابيع االقليلة الماضية). كما أحبطت محاولات إيران و «حزب الله» لزرع جذورٍ لهما حول السويداء.
ويريد القادة المحليون في درعا تكرار هذا النموذج في مجتمعاتهم، بحيث سيقْسِمون الولاء للنظام، ولكن فقط طالما لا يكون هذا الأخير كثير التدخل في شؤونهم. فهم لا يريدون أن يقوم المسؤولون الصارمون بإدارة محافظتهم عن بُعد؛ ولا يريدون القتال لصالح الأسد على الخطوط الأمامية البعيدة؛ ويريدون من روسيا أن تضمن هذه التنازلات. بعبارة أخرى، يريدون تجنب مصير محافظة القنيطرة حيث فرض النظام إرادته على السلطات المحلية وقام «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بتعبئة الميليشيات المحلية لإنشاء مواقع استفزازية على التلال الاستراتيجية المطلّة على إسرائيل.
ويبدو أن الأسد يعتبر هذا التصور غير مقبول. وقد يشجعه الروس على مضض على الحوار، ولكن في هذه المرحلة يبدو أنه يفضّل ما يعتقد أنه سيكون من السهل استعادة محافظة درعا بأكملها.
الخاتمة
عند السعي لإخضاع السكان المدنيين، يميل الجيش السوري إلى الاعتماد على القوة النارية المتفاوتة بدلاً من هجمات المشاة. وإذا تم تطبيق هذه التكتيكات العشوائية في درعا، فقد يكون عدد القتلى مرتفعاً جداً. ومن شأن مثل هذه الحملة أيضاً أن تتسبب بتدفق موجة جديدة من اللاجئين في كافة الاتجاهات - أي إلى حدود إسرائيل والأردن، وإلى معاقل الدروز في الجبال أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، من شأن هذه الديناميات أن تمّهد الطريق أمام إيران لتقوية وكلائها المحليين (على سبيل المثال، "الكتيبة 313") وإغراء الشباب العاطلين عن العمل بالرواتب [لحثّهم على الالتحاق بهم] - وربما يكون من بين هؤلاء بعضٌ من السبعة آلاف متمرد/ثائر سابق الذين كانوا يتلقون المساعدة من "جيش الدفاع الإسرائيلي". وهذا بدوره قد يمنح «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» فرصةً لتعزيز انتشارهما في ريف درعا الغربي المواجِه للجولان، الذي يشكل خط أحمر إسرائيلي قائم منذ فترة طويلة.
إهود يعاري هو "زميل ليفر الدولي" في معهد واشنطن ومعلق محنك في التلفزيون الإسرائيلي.