- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3104
الديناميكيات بين «حزب الله» وإيران: وكالة وليس شراكة
في الوقت الذي تزيد فيه الولايات المتحدة العقوبات على إيران ووكلائها، عادت النقاشات التقليدية المحيطة بتصنيف «حزب الله» كشريكٍ أو وكيلٍ لإيران إلى الظهور في بيروت وواشنطن. والسؤال هو هل على واشنطن اعتبار هذه الجماعة جهة لبنانية فاعلة أو فرعاً عسكريّاً إيرانيا ً؟
عندما زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبنان في الشهر الماضي، وصف الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل «حزب الله» بأنه حزب لبناني غير إرهابي له قاعدة شعبية، وأفادا بأنّ العقوبات الأمريكية تلحق الضرر باقتصاد لبنان. كما اعتبر عدداً من المحللين في واشنطن أيضاً أنّ دور «حزب الله» كوكيلٍ إيراني مباشر هو "مفهوم خاطئ شائعٌ تجعله كلّ من طهران وواشنطن يدوم"، على حد تعبير مقال نشرته مؤخراً مجلة "فورين بوليسي". لكنّ هذه الفكرة تُنكر وقائعَ تاريخية تثبت ارتباط «حزب الله» العضوي بـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، وقد تسمح للمنظمة الإرهابية بالتهرّب من العقوبات وغيرها من العواقب.
ليست شراكة
إن ارتباط «حزب الله» بإيران هو أكثر عضويةً من مجرّد شراكة متساوية، وكانت هناك عدة مناسبات على مدار تاريخ الجماعة التي أثّرت فيها طهران مباشرةً على قراراتها أو أعطتها بشكلٍ صارخ أوامر محددة. ويمكن أن يؤخذ في عين الاعتبار تدخّل «حزب الله» في المعركة من أجل حلب عام 2015. فحتى ذلك الحين، كانت الجماعة تبرّر لأنصارها تدخلها في سوريا على أنه ضروريّ لحماية حدود لبنان والقرى الشيعية والمزارات الشيعية في دمشق. واستمر هذا الأساس المنطقي إلى أن أمرَت إيران «حزب الله» بالقتال في حلب - مدينة غير شيعية قليلة المزارات وبعيدة عن الحدود اللبنانية. وعندما خسر «حزب الله» الكثير من محاربيه في تلك المعركة، لم يكن قادراً على تبرير تضحيته للشعب اللبناني، بما فيه المجتمع الشيعي.
وإلى جانب التأكيد على أنّ إيران هي التي أمرت بالانتشار في حلب، أقرّ عددٌ من المقاتلين والمسؤولين في «حزب الله» في محادثاتٍ ومقابلاتٍ خاصة أنّ القائد العسكري للجماعة في ذلك الوقت مصطفى بدر الدين قد رفض في البداية إرسال قوّاته إلى هناك. واعتقد معظم الذين تمّت مقابلتهم أنّ قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني قد أَجبرَ بدر الدين على التصرف عكس إرادته، وأمر بقتله في النهاية عام 2016. وبعد ذلك، أفادت التقارير بأنّ سليماني بدأ يدير أدنى تفاصيل العمليات العسكرية لـ «حزب الله». وكما قال أحد المقاتلين لكاتبة هذا المقال عام 2017، "كان واضحاً للكثيرين منّا أنّ أولوية [سليماني] كانت حماية الإيرانيين، وأنه يمكن التضحية بـ [مقاتلي «حزب الله»] وكافة [الشيعة] غير الإيرانيين". وشكا عددٌ من المقاتلين الآخرين من تخلي حلفائهم الإيرانيين عنهم في ساحة المعركة. وأدّت مثل هذه الحوادث ظاهرياً إلى وقوع الكثير من الخسائر [في الأرواح] في صفوف «حزب الله»، وفي وقت لاحق رفضَ بعض المقاتلين القتال تحت قيادة القادة الإيرانيين.
وعلى الرغم من نمو الاستياء، أظهر سليماني القليل من التسامح إزاء التحدي اللبناني. وقال أحد القادة: "عندما ازدادت الشكاوى وأخّرت قيادة «حزب الله» تحقيق مطالب سليماني بإرسال المزيد من المقاتلين إلى حلب، أوقف الرواتب لمدة ثلاثة أشهر، أو إلى حين قيام الحزب بتنفيذ مطالبه". ورغم أن معظم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم كانوا ينفرون منه، إلّا أنّهم أعربوا أيضاً عن الاحترام والخوف، مدركين أنّ العلاقة تشبه علاقة ربّ العمل بموظفيه أكثر من كونها علاقة شراكة.
وبالإضافة إلى القتال في حلب بناءً على أوامر إيران، تورّط «حزب الله» في مؤامراتٍ وهجمات إرهابية خارج لبنان في السنوات الأخيرة من خلال هيئة خاصة تُدعى "وحدة العمليات الخارجية". وقد خدم الكثير من هذه المؤامرات أهداف السياسة الخارجية الإيرانية بينما ألحق الضرر بصورة «حزب الله» كحركة "مقاومة". لكن هذه الديناميكيات تذكّر بأولى مراحل «حزب الله»، عندما هاجمت الجماعة الوحدات الأمريكية والفرنسية من "القوة المتعددة الجنسيات" عام 1983. فوفقاً لإحدى وجهات النظر، كانت تلك الهجمات مدفوعة بمعنويات قومية ضد المحتلين الأجانب وسرد "المقاومة" المشابه. إلا أنّ التدخل الشديد والمُثبَت للعناصر الإيرانية في تلك العمليات يعطي صورةً أكثر اختلافاً - حيث كانت طهران مدفوعة جزئيّاً بالرغبة في الانتقام من قيام الولايات المتحدة بتجميد أصولها وفرض حظرٍ على الأسلحة، ورغبتها في الثأر من فرنسا التي قدّمت حق اللجوء إلى رئيس وزراء الشاه السابق بعد ثورة عام 1979.
وقد خطفَ «حزب الله» أيضاً العديد من الأجانب في لبنان بين عامَي 1982 و 1991 - وهي نزعة بدأت بعد قيام الميليشيات المسيحية باختطاف أربعة من العاملين في السفارة الإيرانية أثناء تنقلهم إلى شمال لبنان. وفي عام 1986، هاجم «حزب الله» قوات حفظ السلام الفرنسية في جنوب لبنان. وفي حديثه عن الهجوم في مقابلة أُجريت معه عام 2005، أشار السفير الفرنسي السابق في لبنان فرناند ويبو إلى أنّ إيران كانت تحاول جاهدةً إرغام باريس على الحد من شحنات الأسلحة إلى العراق وطرد المنشقّين الإيرانيين. وبناءً على ذلك، أمرت «حزب الله» باستهداف الوحدات الفرنسية التابعة لـ "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان"، مما أدى إلى سحب باريس لطاقمها من هذه القوة.
إنّ تدخل الجماعة مؤخراً في اليمن إلى جانب الثوّار الحوثيين المدعومين من إيران هو مثال واضح آخر على كيفية جرّها إلى تنفيذ أنشطة إقليمية مزعزعة للاستقرار لا صلة لها أبداً بأمن لبنان أو بسياسته المحلّية. وأفادت وسائل الإعلام المختلفة عن مقتل مقاتلين من «حزب الله» أثناء قيامهم بعمليات هناك، كما أقرّ زعيم الجماعة حسن نصر الله نفسه بوجودهم في تصريحات مصوّرة نُشرت على شبكة الإنترنت.
التغييرات الديموغرافية الإيرانية مرتبطة بلبنان
كان أحد أهداف طهران في سوريا والعراق هو إنشاء جسر بَرّي يربط إيران بمعقل «حزب الله» في جنوب لبنان، وبالوكالة بالحدود اللبنانية-الإسرائيلية. وشكّل «حزب الله» وأنصاره جزءاً لا يتجزأ من هذا المسعى.
وفي سوريا، يمتدّ هذا الجسر من البوكمال على الحدود العراقية، مروراً بدير الزور في الشمال الغربي، ومن ثم إلى ساحل البحر المتوسط العلوي وصولاً إلى الحدود اللبنانية. وبهدف ربط هذه الممرات وتعزيزها، تعيّن على إيران و«حزب الله» إجراء تغييرات ديموغرافية عدوانية في بعض المناطق - أي دفع السنّة السوريين شمالاً إلى إدلب أو عبر الحدود إلى داخل لبنان، وإحضار الشيعة السوريين والأجانب لإعادة توطينهم على أراضي الممرات. وحالياً، على سبيل المثال، أصبحت بلدة القصير الواقعة على الحدود السورية خالية من السنّة وخاضعة تماماً لسيطرة «حزب الله».
وقد سعى «حزب الله» إلى إجراء تغييرات مماثلة في أجزاءٍ من لبنان، حيث ركّزت جهوده لتوطيد الجسر البري الإيراني على بناء مجموعة من الروابط: بين الجنوب وبيروت عبر بلدات سنّية ساحلية؛ وبين الجنوب وسهل البقاع عبر بلدات سنّية ومسيحية إلى الجهة الغربية؛ وبين البقاع والساحل عبر مناطق درزية في قضاء الشوف. وأشارت سلسلة من المقالات على الموقع الإلكتروني اللبناني "جنوبية" إلى أنّ شركة "تاجكو" قد تسهّل هذا الجهد. وهذه الشركة التي أنشأها إخوان عائلة تاج الدين - الذين أدرجت الحكومة الأمريكية العديد منهم على لائحة الأنشطة المرتبطة بـ"حزب الله"- تُعنى بعددٍ من المشاريع السكنية الواقعة في مناطق استراتيجية من لبنان. وغالباً ما تقيم في أماكن السكن المعنيّة عائلات شيعية تريد الانتقال من الجنوب والبقاع والضاحية إلى شققٍ جديدة بأسعار مقبولة. وفي الوقت نفسه، اتّهم السكّان المحلّيون في البلدات المتضررة «حزب الله» باستخدام المشاريع لفرض وجوده العسكري وتجنيد الرجال السنّة والمسيحيين الفقراء والعاطلين عن العمل في "سرايا المقاومة اللبنانية"، وهي ميليشيا غير شيعية أنشأتها الجماعة للتعامل مع العمليات والاشتباكات المرتبطة بالأمن الداخلي.
ويبدو أيضاً أنّ «حزب الله» ينقل عناصر من مشروعه للصواريخ الدقيقة ومنشآتٍ عسكرية أخرى إلى مناطق الجسر البرّي في لبنان بناءً على طلب إيران، وبشكلٍ أساسي منطقة الدروز في الشوف والمنطقة السنية في البقاع الغربي. وتكهنت تقارير مختلفة بأن علي تاج الدين قد يكون متورطاً في هذا المسعى، مشيرةً إلى عملية شرائه الأخيرة لأكثر من ثلاثة ملايين مترٍ مربّع من الأراضي في الدلهمية.
الخاتمة
ما زال الكثيرون في بيروت وواشنطن وأوروبا يعتقدون أنّ روابط «حزب الله» بإيران تشكّل شراكةً استراتيجيةً، وأنّ هذه الجماعة تعتمد على طهران ولا تدين بالفضل لها. غير أن هامش «حزب الله» من عملية صنع القرار المستقلة لطالما كان صغيراً ويتراجع بسرعة في ظل النهج التدخلي لسليماني. وفيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالديناميكيات السياسية اللبنانية، ما زالت إيران ترى نصر الله وبعض كبار المسؤولين الآخرين في «حزب الله» بمثابة مراجع موثوقة، لكن أياً منهم ليس هو في النهاية صانع قرار بشأن القضايا المهمة.
وبينما يحتدم الخطاب الأمريكي ضد إيران، لا شك في أنّه سيتم تقديم المزيد من الحجج حول الاختلاف بين «حزب الله» وإيران، إلا أنّ الأدلة السابقة والحديثة تُظهر خلاف ذلك. وكما أشار نصر الله بنفسه بشكلٍ مشين في ملاحظاتٍ سابقة: "أنا فخورٌ بكوني عضواً في 'حزب ولاية الفقيه ' "، وهو إقرارٌ علني نادر بإذعان جماعته الكامل لإرادة المرشد الأعلى في إيران.
حنين غدار هي زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في "برنامج جيدولد" للسياسة العربية في معهد واشنطن.