- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3183
تغيير قواعد اللعبة: برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم
قد ينصب اهتمام العالم على الهجمات الإيرانية التي استهدفت ممرات الشحن وإمدادات الطاقة في الخليج، لكن الجمهورية الإسلامية تدأب أيضاً ببطء بل بعزمٍ على تكثيف جهودها النووية. ففي السابع من أيلول/سبتمبر كرر المتحدث باسم "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية"، بهروز كمالفاندي، التأكيد على أن بلاده تنوي تطوير برنامج لتخصيب اليورانيوم بإنتاج يزيد عن خمس مرات مما سبق الإشارة إليه، وذلك لنشر أجهزة طرد مركزي متطورة نحو تحقيق ذلك الهدف طويل الأجل، وربما حتى لإعادة فتح منشأة التخصيب التي تشبه الخندق في فوردو. وقد هدد هو وغيره من المسؤولين مراراً وتكراراً باتخاذ مثل هذه الخطوات إذا أثبتت أوروبا أنها غير قادرة على ضمان المكاسب الاقتصادية التي تتوقعها إيران بموجب الاتفاق النووي، في الوقت الذي أثببت فيه الجمهورية الإسلامية حتى الآن التزامها تجاه ذلك التهديد.
وقد أشار كمالفاندي أيضاً إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب سيشهد زيادة كبيرة في الشهر المقبل - الأمر الذي يشكل مصدر قلق خاص للمسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين والخليجيين لأن هذه المواد، إذا تم تخصيبها بصورة أكثر، تكون قابلة للاستخدام في سلاح نووي. ورغم أن ادعاءات إيران حول أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وبعض الإجراءات الأخرى قد تعتبر جزئياً نوعاً من التبجّح، إلا أن قدراتها التخصيبية المعروفة كافية لإقلاق المجتمع الدولي.
ما يُمكن أن تفعله إيران
عندما ألغت الولايات المتحدة في أيار/مايو بند الإعفاء الذي يسمح لإيران ببيع اليورانيوم المخصّب عند بلوغ السقف المنصوص عليه في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لم يبقَ أمام القيادات الإيرانية سوى خيارين: إما التوقف عن التخصيب كلياً، أم تخزين اليورانيوم المخصّب بما يتعدّى الحد المفروض في «الخطة» المذكورة. ومنذ ذلك الحين، زادت إيران بتحدٍ معدل إنتاجها الشهري من اليورانيوم المخصّب، وعززت مستوى التخصيب من الحد الأعلى المشترط في «خطة العمل الشاملة المشتركة» بنسبة 3.67٪ إلى 4.5٪ (للحصول على شرح أكمل لنسب التخصيب هذه والقضايا التقنية الأخرى، انظر المرصد السياسي 3126).
واليوم تتوفر أمام الإيرانيين عدة خيارات لتكوين مخزون من شأنه أن يقصّر المدة اللازمة لتجاوز العتبة النووية، إذا اختاروا لاحقاً إنتاج يورانيوم صالح لصنع الأسلحة النووية:
تشغيل عدد أكبر من أجهزة الطرد المركزي من نوع "آي آر-1" (IR-1): في ذروة برنامجها النووي كانت إيران تشغّل 10204 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول من طراز "آي آر-1" في منشآتيها ناتانز وفوردو. وبموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» كان يقتصر عليها تشغيل ما يقرب من نصف هذا العدد (5060 جهاز)، مما يعني أن لديها القدرة الاحتياطية لإعادة تشغيل الكثير من هذه الأجهزة وبالتالي زيادة كمية اليورانيوم المخصب المنتج كل شهر.
ويتمثّل أحد القيود في هذا الإطار بأجهزة "آي آر-1" غير الفعالة بالمقارنة مع أجهزة الطرد المركزي الحديثة التي تتعطل في كثير من الأحيان. ومنذ دخول «خطة العمل الشاملة المشتركة» حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016، استبدلت إيران 546 جهازاً منها، أو بمعدل يزيد عن 30 جهازاً شهرياً. وعند أخذ هذه الأعداد المستبدلة في عين الاعتبار، قد يصل عدد الأجهزة الإضافية التي لا تزال متوفرة للاستعمال ما يصل إلى 4600 جهاز (وأقل من ذلك إذا تآكل بعضها في التخزين). وإذا زادت إيران بسرعة من أعداد أجهزة الطرد المركزي في منشأة ناتانز إلى ما كانت عليه قبل التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فقد يكون لديها ما يكفي من آلات الاستبدال لما يزيد عن عام بقليل. ولا يشمل هذا العدد أجهزة "آي آر-1" التي يزيد عددها عن 8000 جهاز والتي جرى تركيبها قبل «خطة العمل الشاملة المشتركة» ولكن لم يتم تشغيلها، ربما للتفاخر/للعرض أو للاستفادة من قطعها.
زيادة إنتاج اليورانيوم المخصّب: تستطيع إيران أيضاً زيادة حجم إنتاجها الشهري دون استخدام المزيد من الأجهزة. وحتى مع العدد المحدود من أجهزة الطرد المركزي المسموح باستخدامها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فلديها القدرة على إنتاج ما يزيد عن 100 كغم من اليورانيوم المخصب شهرياً إذا ما أرادت ذلك. وبدلاً من ذلك، كان متوسط إنتاجها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» حوالي 4 كيلوغرامات شهرياً.
لا بدّ من الإشارة إلى أن إيران قد بدأت بالفعل برفع هذا المعدل. فوفقاً لأحدث تقرير صادر عن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" قد تنتج إيران حالياً نحو 30 كلغم [من اليورانيوم المخصب] شهرياً - وهذه زيادة كبيرة، ولكنها لا تزال أقل بثلاث مرات من المجموع الذي تستطيع إنتاجه دون إضافة أي جهاز طرد مركزي إلى أجهزتها العاملة.
ومع ذلك، هناك متسع من الوقت. وقد قاس تقرير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" الصادر في آب/أغسطس المخزون الإيراني الحالي بـ 241.6 كيلوغرام، والذي يضم نسبة 3.67٪ و 4.5٪ من اليورانيوم المخصب، وهو ما يمثل جزءاً صغيراً فقط مما هو ضروري [لصناعة] سلاح نووي إذا تم تخصيب هذه المادة [للاستخدام] في الأسلحة النووية. وبالمعدل الحالي البالغ 30 كلغم شهرياً، ستحتاج إيران إلى عدة سنوات لإنتاج مواد كافية لسلاح [نووي] واحد - على الرغم من أن الجدول الزمني سيتقلص بشكل كبير إذا ما زاد الإنتاج كما هو متوقع.
استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة: تفضّل إيران تحديث أجهزة الطرد المركزي لديها من "آي آر-1" إلى ماكينات أكثر فعاليةً وأقل هشاشة. وبموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يُسمح لإيران باختبار بعض أجهزة الطرد المركزي في الوقت الحاضر، سواء بشكل فردي (أجهزة "آي آر-4" IR-4 و" آي آر-5" IR-5 و"آي آر-6" IR-6 و" آي آر-8" IR-8) أو بشكل مجموعات تعاقبية من عشرة أجهزة طرد مركزي (أجهزة "آي آر-4" و"آي آر-6" و" آي آر-8"). ومع ذلك، أشار آخر تحديث لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في 8 أيلول/سبتمبر إلى أن إيران كانت تقوم بتركيب 22 جهاز من نوع "آي آر-4"، وجهاز واحد من نوع "آي آر-5"، و 30 جهاز "آي آر-6"، وثلاثة أجهزة "آي آر-6" للاختبار، والتي ستكون خارج نطاق حدود «خطة العمل الشاملة المشتركة».
ويمنع الاتفاق النووي إيران من تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتجميع اليورانيوم حتى كانون الثاني/يناير 2027. ومع ذلك، أبلغت طهران "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بأنها ستبدأ قريباً بتشغيل ماكيناتها من نوع "آي آر-2 م" (IR-2m). وقبل التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، كانت قد قامت بتركيب 1008 من هذه الآلات دون أن تبدأ بتشغيلها، وكانت تختبر 162 جهاز آخر. يُشار إلى أن أجهزة "آي آر-2 م" قادرة على إنتاج ما بين ثلاثة وخمسة أضعاف من كمية اليورانيوم المخصّب الذي تنتجه أجهزة "آي آر-1"، علماً بأن قدرة إيران على التشغيل الكامل لهذه الأجهزة لا تزال غير واضحة.
وبالفعل، تعدّ أجهزة الطرد المركزي تقنية متطورة ودقيقة: فهي تدور بسرعة عشرات آلاف الدورات في الدقيقة من أجل فصل النظائر على المستوى الذري، وهذا كفيلٌ بكسر أفضل المعدات وتعطيلها. وبينما تتعطل أجهزة "آي آر-1" الإيرانية في كثير من الأحيان، لا تخلو أجهزتها الأكثر تقدماً من التعقيدات أيضاً. وقد واجه فنّيوها صعوبةً في الحصول على المواد اللازمة لمراوحها وفي العمل مع وسائد أو "مفاصل" المراوح التي تتيح لجهاز الطرد المركزي التقوّس لكي يدور بسرعة أكبر، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاج. وفي ماكيناتها المتقدمة، تقوم إيران بتجربة أجهزة طرد مركزي أعرض وأطول - وهما تحديان رئيسيان قد يستغرقان سنوات لإتقانهما.
وتتوفّر جميع هذه الخصائص في جهاز "آي آر-8"، الذي تصفه إيران على أنه أكثر أجهزة الطرد المركزي تقدماً: فهو مزود بوسائد متعددة وبطول أكبر وقطرٍ أوسع. ولكن حتى الآن لم يجرِ اختبار سوى جهاز واحد منه في كل مرة، لذلك يبقى من غير الواضح ما إذا كانت إيران قد تغلّبت على أي من الصعوبات التي تصاحب أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تكون سلسلة الماكينات ذات الترقيم الأعلى على نحو متزايد، مجرد وسيلة لإيهام العالم بأن إيران تحرز تقدماً في هذا المجال.
رفع مستويات التخصيب وإعادة فتح منشأة فوردو: بإمكان إيران أيضاً أن ترفع سقف التخصيب من 4.5٪ إلى 19.75٪، وهو المستوى اللازم لتزويد "مفاعل طهران للأبحاث" بالوقود. وحتى أن كمالفاندي ألمح إلى تجاوز هذا الرقم، رغم أنه لا يوجد مبرر فنّي فوري للقيام بذلك باستثناء الاقتراب من المواد الصالحة للاستخدام في الأسلحة النووية، وبالتالي الضغط على المجتمع الدولي. وعندما خصّبت إيران اليورانيوم إلى نسبة 19.75٪ قبل إبرام «خطة العمل الشاملة المشتركة»، كان معظم العمل يُنجز في منشأة فوردو شديدة التحصين التي بُنيت داخل جبل. وتم إيقاف جميع أنشطة التخصيب هناك بموجب الاتفاق النووي، ولكن لم يتم إعادة تصميم المنشأة بالكامل من أجل الوصول إلى أهداف أخرى كما تنصّ عليه «خطة العمل الشاملة المشتركة». وقد صرّح كمالفاندي أن إيران لا تنوي فتح منشأة فوردو في الوقت الحالي، مما يعني أن هذا الخيار يمكن أن يستخدم كوسيلة ضغط في المستقبل.
ما ينبغي أن تفعله واشنطن
سعت «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى منع إيران من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية من خلال التركيز على إمكانيات التخصيب لديها وعلى نواياها. وببساطة، كانت الفكرة هي إبطاء وتيرة أي سباق محتمل لصنع قنبلة [نووية]، ومنح المجتمع الدولي الوقت الكافي للتخلص من الدوافع السياسية التي تحفز طهران على المشاركة في هذا السباق في المقام الأول. ولهذا السبب فرضت «خطة العمل الشاملة المشتركة» قيوداً على أنشطة التخصيب الإيرانية مع سعيها في الوقت نفسه إلى التأثير على النوايا الإيرانية من خلال تخفيف العقوبات. واعتبر مؤيدو هذه المقاربة أنها حاذقة، بينما رآها معارضوها كساذجة.
وعلى النقيض من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، تفترض حملة "الضغط الأقصى" التي تمارسها إدارة ترامب أن نوايا إيران أقل مطاوعة، وأنه يجب تقليص سلوكها الخبيث عن طريق تقييد وصولها إلى المؤسسات المالية. ومع ذلك، فإن السياسة المشددة للعقوبات لا تمنع قدرة التخصيب بشكل مباشر، حيث يمكن لإيران فعل الكثير في هذا المجال حتى لو زادت العقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، أثبتت إيران بأنها قادرة على تحقيق طفرات نووية كبيرة عندما لا تكون مقيّدة بإطار عمل توصلت إليه عن طريق المفاوضات، على غرار «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بحيث تستغل هذه الفرص لتغيير قواعد اللعبة في المفاوضات المستقبلية. على سبيل المثال، خلال المحادثات مع أوروبا في عام 2003، كانت إيران تخصب اليورانيوم إلى نسبة تقل من 5٪، ولكن بحلول الوقت الذي دارت فيه محادثات «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2015، ارتفعت هذه النسبة إلى 19.75٪ - مما سمح للمفاوضين الإيرانيين بـ "التوصل إلى حل وسط" عن طريق خفض هذه النسبة إلى ما يقرب من خط الأساس الذي كان قائماً عام 2003 بدلاً من اتخاذ خطوات أكثر تشدداً مثل القضاء تماماً على برنامجها الخاص لتخصيب اليورانيوم.
واليوم تحاول إيران تغيير قواعد اللعبة مجدداً عبر التهديد باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة ومضاعفة خمس مرات خططها لتخصيب اليورانيوم في نهاية المطاف. ولكنها ليست بحاجة في الوقت الراهن أو حتى على المدى المتوسط إلى هذا العدد الكبير من الأجهزة الإضافية، - فالخطط الأساسية التي قدّمتها إيران إلى "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" تستوجب [توفير] ما يكفي من أجهزة "آي آر-1" في نطنز لتشغيل مفاعلها النووي في بوشهر. يجب على إدارة ترامب ألا تدع نفسها تنخدع بهذا التكتيك.
وربما الأكثر إثارة للقلق، أنه إذا أعادت إيران فتح منشأة فوردو أو زادت التخصيب لما يزيد عن 20٪، فقد تنظر بعض الدول مرة أخرى في القيام بعمل عسكري ضد برنامج إيران النووي، كما فعلت في عام 2012. ومع ذلك، سيلقى هذا الخيار درجة إجماع أقل اليوم. ومن بين حلفاء واشنطن في الخليج، تعتمد قطر بشكل أكبر على المجال الجوي الإيراني لرحلاتها الجوية المتجهة إلى آسيا بسبب الحصار الجوي المفروض عليها، بينما أصبحت الإمارات العربية المتحدة حذرة للغاية بشأن استفزاز طهران. بالإضافة إلى ذلك، ترى روسيا والصين وبعض الدول الأوروبية أن الانهيار التدريجي لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» هو خطأ واشنطن وليس الجمهورية الإسلامية، لذلك من غير المرجح أن تدعم هذه الدول شن ضربات [على إيران]. أما الرئيس ترامب، فقد أوضح من جانبه أنه لا يريد حرباً أخرى في الشرق الأوسط.
ونظراً لأن العمل العسكري لا يبدو مطروحاً على الطاولة، فإن الطريقة الوحيدة لنجاح حملة الضغط الأقصى هي أن تصبح المفاوضات إمكانية حقيقية. وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تخوض هذه المحادثات وفي يدها أفضل الأوراق الممكنة - على أن تضم هذه الأوراق ورقة الدعم الدولي. إن السماح للأوروبيين بإنقاذ بعض بنود «خطة العمل الشاملة المشتركة» من شأنه أن يلبّي كلا الإحتياجين، مما يمنح الإدارة الأمريكية وسيلة فعالة لجذب الدعم الأجنبي مع إبطاء خطوات إيران نحو قدرات التخصيب الخطيرة.
ومن المفارقات أن الحوافز الاقتصادية التي شملتها «خطة العمل الشاملة المشتركة» تساعد حملة الضغط التي يمارسها ترامب عبر منع طهران من تكثيف نشاطها بسرعة عالية ومنح أوروبا وواشنطن الوقت الكافي لمعرفة الخطوات التالية. ومع ذلك، كلما طالت المدة، كلما ازدادت الفرص المتاحة أمام إيران لتغيير واقع التخصيب الذي سيصبح خطاً أساسياً يستند إليه مفاوضوها في المستقبل، تماماً كما فعلت بين عامي 2003 و 2015.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.