- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3367
سلطان عُمان ينقل بعض صلاحياته إلى الحكومة الجديدة
بعد مرور ثمانية أشهر على حكمه، شكّل سلطان عُمان حكومة جديدة - وهو أول "مجلس وزراء" يعيّنه بالكامل. وستؤدي المراسيم المتعددة التي أصدرها السلطان هيثم هذا الأسبوع إلى تقليص حجم الحكومة، وتنصيب حكومة تكنوقراطية ذات خبرة ملفتة للنظر، وتفويض صلاحيات كبيرة لبعض الوزراء. وتمثل التعيينات تحولاً واضحاً عن أسلوب الحكم الشخصي للغاية الذي كان قائماً في عهد السلطان الراحل قابوس والانتقال نحو نموذج أكثر مؤسسية. وفي الوقت نفسه، يُظهر المجلس الجديد التزاماً بالاستمرارية من حقبة قابوس من خلال الاحتفاظ بالعديد من الوزراء، ولكن مع تركيز ملحوظ على الاقتصاد والمالية.
ما هي الصلاحيات التي تم تفويضها؟
من أبرز المراسيم الثمانية والعشرين التي اتخذها السلطان هيثم، هي تنازله عن مناصب وزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية ورئيس "المصرف المركزي"، ومنحها لمسؤولين آخرين، وفي بعض الحالات لأشخاص من خارج العائلة المالكة. ويتماشى هذا التفويض للسلطة - وهو أمر نادر بين القادة المستبدين - مع جهوده السابقة للابتعاد عن إضفاء الطابع الشخصي على الدولة. ففي شباط/فبراير، على سبيل المثال، نصّ أحد مراسيمه الأولى على إزالة الإشارة إلى السلطان قابوس من النشيد الوطني، واستبدالها بكلمات سائدة بدلاً من اسمه. ثم، في 9 آذار/مارس، عيّن شقيقه شهاب بن طارق نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع، ليحل فعلياً محل الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع، بدر بن سعود البوسعيدي (الذي أُحيل على التقاعد). ووفقاً لجهات اتصال عُمانية، فإن ذلك جعل السيدّ شهاب وزير الدفاع الفعلي، لكن مع لقب أعلى شأناً، في حين بقي السلطان قائداً للقوات المسلحة.
كما ساهمت المراسيم الصادرة هذا الأسبوع في رفع شأن منصبين أساسيين رئيسيين - الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية والوزير المسؤول عن الشؤون المالية - إلى وزير الخارجية ووزير المالية. وأصبح للمنصبين وزيران جديدان أيضاً، مما يعني أن السلطان انتظر لغاية إقراره تعيينات جديدة قبل تغييره الألقاب. بالإضافة إلى ذلك، أصبح ابن أخيه وأحد أفراد الجيل الثاني من العائلة المالكة، تيمور بن أسعد، رئيساً لمجلس محافظي "البنك المركزي" بدرجة وزير - وهي ترقية مهمة للشاب الذي يبلغ من العمر 39 عاماً.
ويحتفظ السلطان بمنصب رئيس الوزراء، مع ثلاثة نواب لرئيس الوزراء معينين سابقاً هم: أسعد بن طارق لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، وشهاب بن طارق المذكور آنفاً لشؤون الدفاع، وفهد بن محمود لشؤون مجلس الوزراء. وبشكل لافت للنظر، غاب السيد أسعد عن التشكيلة الأحدث لمجلس الوزراء، ويعود ذلك على ما يبدو إلى أنه لا يشغل أي منصب وزاري. وبالتالي، بينما يحتفظ بلقب نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، من غير الواضح الدور المحدد الذي سيضطلع به في الفترة المقبلة. وقبل وفاة السلطان قابوس، كان يُعتبر من كبار المرشحين للخلافة إلى جانب هيثم، الذي تمّ اختياره في النهاية.
والجدير بالذكر أن هيثم عيّن فردًا واحدًا آخر من العائلة المالكة بموجب هذه المراسيم. فوزير الثقافة والرياضة والشباب الجديد هو نجله ذي يزن بن هيثم، الذي قد يرغب السلطان في إعداده لتولي العرش في نهاية المطاف. يُذكر أن الشاب البالغ من العمر ثلاثين عاماً هو دبلوماسي منذ عام 2013؛ وفي كانون الثاني/يناير من هذا العام، عاد إلى مسقط من لندن، حيث شغل منصب سكرتيراً ثانياً في السفارة العُمانية.
وزير خارجية ووزير مالية جديدان
على الساحة العالمية، تَمثل التغيير الأبرز في استبدال يوسف بن علوي، الذي شغل منصب الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية منذ عام 1997. وحيث انشق عن "ثورة ظفار" خلال الحرب ضدّ والد قابوس في السبعينيات، إلّا أنه عكس مساره في عهد السلطان قابوس وتمت مكافأته وفقاً لذلك. ومع هذا، كان تقاعده متوقعاً إلى حدّ كبير منذ تولي هيثم السلطة، لأسباب ليس أقلها الشائعات حول خلافاتهما التي ترددت على نطاق واسع عندما كانا في وزارة الخارجية.
وسيكون وزير الخارجية الجديد بدر بن حمد البوسعيدي بمثابة نكهة جديدة تُضاف إلى الحكومة. فهو محبوب جداً، وقد أشار إليه دبلوماسيون أمريكيون بأنه محاور جاد ومركّز ومميّز، وشريك جيد للولايات المتحدة. ولد البوسعيدي في عام 1960 في مسقط وتلقى تعليمه في جامعة أوكسفورد، وعمل في الوزارة منذ عام 1988، بما في ذلك في منصب الأمين العام، وهو ما استلزم عمله بشكل وثيق مع بن علوي. وقد جعلته هذه وغيرها من المناصب الرفيعة التي شغلها، معروفاً في دوائر السياسة الخارجية. وعلى الرغم من أنه ليس من العائلة المالكة، إلّا أنه ينتمي إلى قبيلة البوسعيدي الكبيرة التي تنتمي إليها العائلة المالكة.
وفي الفترة المقبلة، من المتوقع أن يواصل اتباع سياسة الحياد التي تعتمدها السلطنة. ويشمل ذلك موازنة العلاقات مع الولايات المتحدة وإيران، واتخاذ القرار بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل كما فعلت الإمارات مؤخراً، وإدارة الملف اليمني المعقد على نحو متزايد، وتوجيه دفة السياسة تجاه دول أخرى في «مجلس التعاون الخليجي».
وقد يكون تعيين وزير المالية الجديد على نفس القدر من الأهمية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتردّي على نحو متزايد في عُمان. ويتمتع سلطان بن سالم الحبسي بسجل رائع: فقد شغل منصب مسؤول في وزارة المالية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ورئيس لـ "جهاز الضرائب العُماني" ونائب رئيس مجلس محافظي "البنك المركزي العُماني" ونائب رئيس مجلس إدارة "شركة النفط العُمانية" وكذلك رئيس مجلس إدارة "جهاز الاستثمار العماني". ويتمتع كبار الموظفين في الوزارة ورئيس "جهاز الضرائب" الجديد على نحو مماثل بمسيرة مهنية طويلة في القطاع المالي.
تعزيز الطابع الاحترافي
بالفعل، يتمتع معظم الوزراء الجدد أو المُعاد تعيينهم في عُمان بعقود من الخبرة كبيروقراطيين أو مهنيين مؤهلين في المجالات المعنية. على سبيل المثال، كان وزير الإعلام الجديد يشغل سابقاً منصب رئيس "الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون".
كما أن الحكومة الجديدة جديرة بالملاحظة في كيفية دمجها 26 وزارة إلى 19 وزارة. فبعض الوزارات أعيدت تسميتها فقط، مثل وزارة النفط والغاز التي أصبحت وزارة الطاقة والمعادن. وتمّ دمج وزارات أخرى مع بعضها البعض أو إدراجها في وزارة جديدة - على سبيل المثال، تمّ دمج وزارتي العدل والشؤون القانونية (بقيادة وزير الشؤون القانونية) وستندرج وزارتا القوى العاملة والخدمة المدنية في وزارة العمل الجديدة، من بين تغييرات أخرى. وتبادلت بعض المؤسسات المسؤوليات - على سبيل المثال، كسبت وزارة التراث والثقافة حقيبة السياحة ولكنها خسرت حقيبة الثقافة لصالح وزارة الشباب والرياضة، مما أسفر عن استحداث وزارة التراث والسياحة ووزارة الثقافة والرياضة والشباب.
وكما هو مشار أعلاه، يبدو أن تركيز الحكومة التكنوقراطية الجديدة ينصب على الاقتصاد. وأصبح الآن لمبادرة التطوير "رؤية 2040"، التي قادها هيثم قبل ترقيته إلى منصب سلطان، رئيساً جديداً. كما أن معظم المؤسسات التي خضعت لتغييرات على مستوى الإدارات العليا ترتبط بالاقتصاد، بما فيها وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ووزارة الاقتصاد، ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة العمل.
وعلى نطاق أوسع، يبدو أن تعيينات السلطان هيثم تكافئ أصحاب التجربة، وستُحدِّد الأشهر المقبلة ما إذا كان بالإمكان تحويل هذه التجربة إلى نتائج قابلة للقياس. وتشير الانطباعات الأولية إلى أن نهجه القائم على تعزيز المعرفة المؤسسية وإضفاء الطابع الاحترافي عليها وتمكينها هي تماماً القيادة التي تحتاجها عُمان في هذه الأوقات الحرجة.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.