- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3111
تجديد الإعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران (الجزء الثاني): الطاقة والتجارة مع أفغانستان
"هذا المرصد السياسي هو الثاني في سلسلة من جزأين حول كيفية تعامل واشنطن مع المواعيد النهائية للإعفاءات. وقد بحث الجزء الأول مجموعة أدوات الإعفاءات الأمريكية وكيفية انطباقها على البرنامج النووي الإيراني ".
من بين الدول التسع التي حصلت على إعفاءات تستثنيها من العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة في إيران، يُعتبر العراق الأكثر عرضةً للخطر. فاعتباراً من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، منحت واشنطن إعفاءات مؤقتة تسمح لبغداد بشراء الغاز الطبيعي والكهرباء في ثلاث فرص، مرةً واحدة لمدة خمسة وأربعين يوماً ومرتين لمدة تسعين يوماً. واشتُرط ذلك بإعداد البلاد خطة لتخفيض اعتمادها على الإمدادات الإيرانية. ويتماشى هذا المطلب مع هدف العراق الطويل الأمد المتمثل في زيادة قدرتها على توليد الطاقة، والاستفادة من الغاز الذي تهدره البلاد من خلال الاحتراق من أجل توفير الوقود لمحطات الطاقة.
ووفقاً لذلك، وبدلاً من التعامل مع مسألة الإعفاء على أنها شأن يتعلق بسياسة إدارة ترامب إزاء إيران، سيكون من الأفضل لهذه الإدارة أن تصوّرها على أنها وسيلة لمساعدة بغداد على تحقيق أهدافها الخاصة في مجال الطاقة بسرعة أكبر. وسبق أن أحرزت الحكومة العراقية الكثير من التقدّم في الاحتفاظ بالغاز المشتعل بمساعدة استثمارات من شركة "شل" ناهزت قيمتها مليارَي دولار تم استثمارها في شركة "غاز البصرة"، لكن استمرار الواردات من إيران والعقبات البيروقراطية العنيدة حالت دون إحراز المزيد من التقدم.
بعض الإعفاءات النفطية لا تزال ذات قيمة مؤقتة
بينما يخضع قطاع الكهرباء في العراق لقوانين وأنظمة كثيرة، يتمّ تداول إمدادات النفط من قِبل الشركات في السوق الحرة. ولا يتناسب ذلك مع نموذج تنظّم فيه الإعفاءات الأمريكية السرية كمية النفط التي يمكن لدولة ما استيرادها من إيران.
لكن الوضع مختلف بالنسبة للدول الثمان التي مُنِحت بطبيعة الحال إعفاءات نفطية أمدها 180 يوماً في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهي الصين واليونان والهند وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا. وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للتو أنه لن يتمّ تمديد هذه الإعفاءات بمجرد انتهاء صلاحيتها في 2 أيار/مايو. فحين مُنحت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كان القرار يعتمد على القلق من تعرُّض أسواق النفط لاضطرابات بدونها، وربما يتسبب في ارتفاع الأسعار، مما يصبّ بالتالي في مصلحة إيران إلى حدّ كبير.
ومع ذلك، ارتفعت أسعار النفط الخام بنحو 40 في المائة منذ أدنى مستوياتها المسجلة في كانون الأول/ديسمبر، وقد ترتفع أكثر خلال الصيف المقبل مع تنامي الطلب. وكانت السعودية والإمارات قد تعهدتا بزيادة إنتاجهما. فإذا رفعتا الإنتاج إلى المستويات التي وافقت عليها "منظمة الدول المصدرة للنفط" ("أوبك") في أواخر عام 2018، فسيؤدي ذلك إلى زيادة 0.8 مليون برميل يومياً إلى السوق، ليعوّض بالكامل عن خسارة النفط الإيراني (ومن المحتمل أن تواصل طهران تصدير على الأقل جزء من إنتاجها الحالي البالغ مليون برميل في اليوم حتى بعد انقضاء مدة جميع الإعفاءات). وفي الوقت نفسه، تشهد أسواق النفط نقصاً في الإمدادات، وقد ترتفع أسعار الوقود في الولايات المتحدة ما إن يبدأ الأمريكيون رحلاتهم البرية خلال عطلات الصيف. ولو مَنحت الإدارة الأمريكية جولة إضافيةً من الإعفاءات وانتظرت حتى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لانقضائها، لكان بإمكانها الاعتماد على قدرات إضافية لخطوط الأنابيب لتزويد السوق بأكثر من مليون برميل يومياً من نفط ولاية تكساس. وعموماً، من شأن السوق العالمي أن يحظى بإمدادات أكبر بحلول نهاية العام الحالي ما لم ينهار الإنتاج في دول رئيسية أخرى إلى جانب فنزويلا (على سبيل المثال، ليبيا والجزائر اللتان تجدر متابعتهما).
ومع ذلك، يمكن حتماً تفهّم الحجج المتعلقة بإنهاء الإعفاءات. فالشركات في بلدين على الأقل من البلدان التي تلقت الإعفاءات - اليونان وإيطاليا - لم تستخدمها على الإطلاق، لذا لن يكون لإلغائها أي أثر اقتصادي ملحوظ. وكانت كوريا الجنوبية واليابان تتكيفان أساساً مع احتمال عدم وجود نفط إيراني في العام الماضي، لذا يجب ألا يتسبب إنهاء هذه الإعفاءات باضطرابات في الأسواق. يُذكر أنه لدى الشركات الهندية والصينية والتركية بدائل جيدة للنفط الإيراني. إذاً لماذا العمل على تمديد هذه الإعفاءات ولو بصورة مؤقتة؟
يكمن التحدي المتمثل في السماح لجميع الإعفاءات بالانقضاء على الفور في كيفية الحفاظ على التعاون السياسي المهم مع الدول المتضررة، ولا سيما البلدان الثلاثة الأخيرة. ومن بين العديد من القضايا التي تحتاج واشنطن إلى مساعدتها فيها، تحتل كل دولة مكانةً خاصة تخوّلها تسهيل أجندة الولايات المتحدة بشأن إيران: فتركيا تساهم من خلال التعاون في فرض قيود على استخدام إيران للدولار الأمريكي، بينما تساهم الهند من خلال منع النظام الإيراني من استخدام ميناء تشابهار للالتفاف على القيود المفروضة على موانئ إيرانية أخرى، في حين تساهم الصين من خلال الإشراف بصرامة على المواد النووية المستخدمة في منشأة أراك المعاد تصميمها في طهران.
وفي تموز/يوليو 2018، عبّر الموقع الإلكتروني الخاص بالمرشد الأعلى علي خامنئي عن دعمه للتحذير الذي أطلقه الرئيس حسن روحاني بأنه "إذا لم يتم تصدير النفط الإيراني، فلن يتمّ تصدير نفط أي دولة في المنطقة". وعلى وجه التحديد، تمّ وصف عبارات روحاني على أنها "ملاحظات مهمة تعكس سياسة النظام [الإيراني] ونهجه". ومن ثمّ كرّر روحاني هذا التحذير في كانون الأول/ديسمبر. يجب على المسؤولين في الولايات المتحدة أن يأخذوا هذه التهديدات على محمل الجد، وأن يراجعوا بدقة خطط الاحتمال المستبعد بقيام إيران بتنفيذ تهديداتها. وناهيك عن العنصر العسكري، قد تشمل هذه الخطط تعويضاً عن الإغلاق المحتمل لمضيق هرمز من خلال إطلاق 4 ملايين برميل في اليوم من "الاحتياطي الاستراتيجي للنفط" ومساعدة دول الخليج العربي على توسيع طاقتها الإنتاجية لخط الأنابيب بشكل عاجل. ويبلغ إجمالي صادرات النفط الخليجية حالياً، 15 مليون برميل في اليوم (5.9 ملايين من السعودية و3.4 ملايين من العراق و2.3 مليون من الكويت ومليونَين من الإمارات و0.25 مليون من قطر و0.20 من البحرين إضافةً إلى ما مجموعه مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي)، لكن خطوط الأنابيب لا تنقل سوى 7 ملايين برميل يومياً من هذا الإنتاج (4.8 ملايين من السعودية و1.5 مليون من الإمارات و0.7 مليون من العراق).
ميناء تشابهار
أصبح الإعفاء الذي حصل عليه ميناء تشابهار الإيراني بعيداً عن الأنظار بالكامل تقريباً، لكنه يتطلب معالجة دقيقة. فهذا الميناء في شرق إيران على بحر العرب، يقع على بعد أقل من 600 ميل من الحدود الأفغانية، أي على مسافة أقرب من أي مدينة إيرانية رئيسية. ومن خلال الإعلان عن إعفاء الميناء واقتراح إقامة سكة حديدية إلى أفغانستان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن: "هذا الاستثناء يتعلق بالمساعدة في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية لأفغانستان"، وهي العبارة نفسها الواردة في القسم 1244 (و) من "قانون إيران للحرية ومكافحة الانتشار".
ويُعَد الإعفاء ذا أهمية خاصة للهند. فشركة "موانئ الهند العالمية المحدودة" تدير ميناء تشابهار، وتستثمر نيودلهي 500 مليون دولار لتطويره ليصبح طريقاً للتجارة مع أفغانستان. كما تعهّد المسؤولون في الهند بالتبرع بـ 1.1 مليون طن من القمح إلى أفغانستان، وتم بالفعل إرسال سبع شحنات عبر ميناء تشابهار.
إن الإعفاء من أجل السماح بمثل هذا التبادل للمواد الغذائية يخدم بالتأكيد مصالح الولايات المتحدة، تماماً كالسماح لأفغانستان باستيراد منتجات نفطية مكررة من إيران. ولطالما استغلت باكستان دورها المركزي كبلد عبور إلى أفغانستان كميزة للضغط على واشنطن لتجاهل دعمها الضمني لحركة "طالبان". ومن شأن مساعدة الهند على زيادة خيارات العبور أن يعزز على الأرجح جنون الارتياب الذي يصيب باكستان حيال طموحات عدوّتها في أفغانستان ويقلّص المساعدات المقدّمة إلى "طالبان".
وحتى الآن، لا يُستخدم ميناء تشابهار كثيراً في التجارة الإيرانية. ففي العام الماضي، شهد الميناء مناولة 2.1 مليون طن فقط، أو 2 في المائة من إجمالي تجارة البلاد، في حين تصل سعته القصوى إلى 8.5 ملايين طن فقط. غير أن تشابهار يتمتّع بغاطس يبلغ عمقه أربعة وخمسين قدماً، مما يجعله الميناء الإيراني الوحيد المناسب لاستقبال السفن التي يبلغ وزنها 250 ألف طنّ والمستخدمة على نطاق واسع في التجارة الدولية. وبالتالي، على واشنطن التفكير في اتخاذ التدابير المناسبة قبل فوات الأوان، من خلال حصر الإعفاء إما بالميناء بحجمه الحالي أو بالتجارة مع أفغانستان فقط.
الخطوات التالية
كما هو الحال مع المسألة النووية، سيكون الجدل الدائر حول الإعفاءات على صعيد الطاقة والموانئ أكثر دراية إذا تمّ نشر جميع هذه الإعفاءات. وفي حين صبّت الإعفاءات الحالية في مصلحة الولايات المتحدة، إلا أنها قد تعود بفائدة أكبر في المرحلة القادمة إذا تمّت مراجعتها بشكل ملائم. وينطوي إنهاء الإعفاءات النفطية على بعض المخاطر من حيث الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة وضمان استمرار التعاون الدولي في مجالات أخرى من السياسة حول إيران. أما بالنسبة لإعفاء ميناء تشابهار، فيجب أن يكون مشروطاً بقيود كي لا يتحوّل إلى صمام هروب لإيران. أخيراً، لا بدّ من تعديل إعفاءات الغاز والكهرباء بالنسبة لبغداد لتتناسب مع جدول زمني ضيّق خاص باستقلال قطاع الطاقة العراقي.
پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.