- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الاتفاق الإسرائيلي - الإماراتي خطوة أساسية للسلام ورسالة بالغة الأهمية للفلسطينيين
لا نسمع الكثير من الأخبار السارّة من الشرق الأوسط، ولا سيما مؤخراً، في خضم اليأس بشأن [الانفجار الذي وقع في] بيروت والصراعات الإقليمية وويلات وباء "كوفيد -19". ولكنّ الثالث عشر من آب/أغسطس شهد تطوّراً واعداً، إذ أعلن الرئيس ترامب عن اتفاقية سلام تاريخية من شأنها تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل.
وما كان يحدث تحت الطاولة سيُصبح الآن مطروحاً على الطاولة. فبإمكان الاعتراف علناً بالتعاون الأمني ولن يكون هناك ضرورة لتواجده في الظل. وستكون الشركات الإسرائيلية قادرة على العمل علانية في الإمارات، وسيتمكن الإسرائيليون من السفر مباشرة إلى الإمارات باستخدام جوازات سفرهم الإسرائيلية. وسيتم استبدال الاتصال الدبلوماسي الإسرائيلي غير الرسمي عن طريق "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" في أبو ظبي بسفارة في الإمارات.
لكن لماذا الآن؟ من الواضح أن هذا الخطوة كانت الطريقة الوحيدة لوقف عملية الضم الإسرائيلية لأراضي في الضفة الغربية مخصصة لإسرائيل في خطة ترامب. وقد يبدو الأمر مفاجئاً لأن الإمارات لم تكن في طليعة المساعي الدبلوماسية لصنع السلام ولم تكن لها علاقة جيدة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ومع ذلك، فبما أن ولي العهد الأمير محمد بن زايد وقادة إماراتيين آخرين يعتقدون (ربما بشكل صحيح) أن الضم الإسرائيلي سيقضي حتى على إمكانية إقامة دولتين وعلى السلام الإسرائيلي الفلسطيني، فقد قرروا عرض [المصطلح السياسي المعروف بـ] التطبيع. ويبدو أنهم فهموا أن هذه الخطوة ستحافظ على خيار حل الدولتين (حتى لو لم يحدث ذلك في أي وقت قريب) وستمنع إيران (وربما تركيا أيضاً) من استغلال الغضب الذي من المرجح أن ينتج عن عملية الضم لخدمة أهدافهما في المنطقة.
لكنّ هذه الأمور لا توضح الصورة الكاملة. فالإمارات تواصلت مع إدارة ترامب وعرضت إقامة سلام رسمي مع إسرائيل مقابل إحجام الأخيرة عن عملية الضم. وفي الوقت نفسه، كما أوضح لي مسؤولون، فهمَتْ الإمارات من المحادثات مع الإدارة الأمريكية أن السلام الرسمي سيتيح لها الوصول إلى الأسلحة الأمريكية التي كانت محظورة عليها سابقاً، مثل الطائرات المتطوّرة بدون طيار. وحتى الآن تم رفض منح الإمارات هذه الأسلحة بسبب التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. وفي حين أن هذه الميزة كانت ضرورية لتلبية متطلبات الأمن والردع الإسرائيلية، إلّا أن قضية السلام كانت مدرجةً أيضاً في الحسابات. وفي هذا الصدد، كانت الولايات المتحدة قد زوّدت مصر بأسلحة متطورة بعد أن وقّع الرئيس أنور السادات على اتفاق سلام مع إسرائيل. وبالمثل، لم تحصل الأردن على طائرات "إف-16" إلى أن أبرم العاهل الأردني السابق الملك حسين معاهدة سلام مع إسرائيل.
والآن فإن المعادلة القاضية بتخفيف متطلبات التفوّق العسكري حين تتوصل دولةٌ ما إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، ستُطبَّق مجدداً على دولة الإمارات. وتتمثل الفكرة بالتأكيد على الرسالة القائلة بأنّ السلام مع إسرائيل يُفترض أن يعود بفوائد اقتصادية وأمنية طويلة الأجل، حتى لو كان ذلك على المدى القصير، كما يَتوقع قادة الإمارات على الأرجح، إلّا أن هذا السلام يعرّضهم لتهديدات من إيران والإسلاميين المتطرفين. وبالطبع، ربما لعبت الغريزة الأمريكية بالانخراط بشكل أقل في الشرق الأوسط دوراً في قرار الإمارات، خاصة إذا كانت أبو ظبي تعتقد أنها يجب أن تصبح أكثر قدرة على الدفاع عن نفسها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كان التطبيع جائزةً كافية لمنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المضي قدماً بعملية الضم؟ هذا محتمل، ولكنّ الجدير بالملاحظة هو أنه قال مؤخراً إنّ "مسألة تطبيق السيادة [الضم] مطروحة في واشنطن". لقد كانت هذه طريقته في إخبار قاعدته اليمينية بأنه لا يمكنه المضي قدماً في عملية الضم إذا رفضت إدارة ترامب ذلك. وقد أدركت قيادة الإمارات ذلك أيضاً، وعملت على منح الإدارة الأمريكية سبباً للتعبير عن رفضها. وفي الواقع، سمح القادة الإماراتيون الآن لهذه الإدارة بالإفتخار بدور سياساتها في تحفيز السلام بين إسرائيل والعرب - حتى لو لم يتم شمل الفلسطينيين.
[ولا يُخفى] أن الفلسطينيين لن يستحسنوا قرار الإمارات. فبالنسبة لهم، سيمنح هذا القرار إسرائيل فوائد السلام دون اضطرارها إلى إنهاء احتلالها. وفي حين أن هذا صحيح بالتأكيد، إلّا أن التطبيع يجب أن يشير أيضاً للفلسطينيين إلى أن الآخرين لن ينتظروهم. فمن خلال تركيزهم فقط على مظالمهم وسرديتهم وموقفهم المتمثل في عدم بدء أي مفاوضات أو تقديم مقترحات مضادة [لتلك التي يعرضها الطرف الآخر] في المفاوضات، فإن ذلك سيؤدي إلى استمرار إضعاف موقفهم. ومع انتشار فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء المنطقة، ستزداد الرغبة في الاستفادة من العمل مع الإسرائيليين في مجموعة واسعة من الاحتياجات، بما فيها الرعاية الصحية والتكنولوجيا والوصول إلى المياه والأمن السيبراني.
ولكن بغض النظر عن الدوافع الكامنة وراء قرار التطبيع، فمع ذلك إنه يمثل مساهمة مهمة في بناء السلام بين العرب والإسرائيليين. فقد أدّى إلى إيقاف عملية الضم الإسرائيلية، التي كان من شأنها أن تقضي على الأرجح على أمل [حل] الدولتين. كما أنه يتجاوز عتبةً ليقول فعلياً: "كفى تقاليد وعادات ومعاداة فطرية - سوف نصنع السلام لأنه يخدم مصالحنا، ويمكن للآخرين قبوله أو رفضه". (وقد لا يتّبع الآخرون عملية التطبيع على الفور، لكن الحواجز التي تحول دون قيام التطبيع قد تآكلت). بإمكان الدول العربية البناء على هذا الاتفاق ودعم الفلسطينيين من خلال التوضيح بأنها ستحذو حذو الإمارات إذا قلّصت إسرائيل نشاطها الاستيطاني ووسعت الأراضي التي يمكن للفلسطينيين ممارسة السلطة عليها. لكن على القادة الفلسطينيين أن يدركوا أيضاً أنه إذا اتخذ الإسرائيليون خطوات إيجابية دون استجابة الفلسطينيين عليها، فقد يستمر القادة العرب في المضي قدماً في خطوات التطبيع.
وفي هذا الزمن الحزبي [في الولايات المتحدة]، لا بد من النظر إلى هذه المسألة انطلاقاً ممّا هي عليه فعلياً: إنها خطوة إيجابية على نحو غير متوقع.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
"واشنطن بوست"