- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كان يتعين على الولايات المتحدة قيادة مساعي الاستجابة لفيروس كورونا، وبدلاً من ذلك، ارتقت الصين إلى مستوى التوقعات
في تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، تستضيف السعودية قمة دول "مجموعة العشرين". لكن بالنظر إلى الأزمة الراهنة، أعلن السعوديون مؤخراً أنهم سيعقدون قمة افتراضية لقادة دول "مجموعة العشرين" هذا الأسبوع "من أجل وضع استجابة منسّقة لجائحة «كوفيد-19» وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية".
ولا شكّ في أن القمة الافتراضية ضرورية للخروج باستجابة على جائحةٍ تتخطى كل حدود. ومع ذلك، فهذه إشارة إلى زمنٍ تجد فيه الولايات المتحدة نفسها بعيدة كل البعد عن تنظيم استجابة عالمية أكثر تنسيقاً. وتاريخياً، كان المجتمع الدولي يتطلع إلى الولايات المتحدة من أجل تولي القيادة، ونحن الأمريكان، كنا لنكون في المقدمة، فنضع المعايير، وأفضل ممارسات الاحتواء، ونعمل على وضع مقاربات مشتركة من أجل السفر، ونحدد النواقص الطبية، ونشارك المعلومات حول تطوير اللقاحات والتجارب وإعداد رزم التحفيز.
وفي عالم يمكن أن تنتقل فيه الأسباب المرضية بسرعة فائقة، لا تزوّدنا مقاربة "أمريكا أولاً" بالكثير من الحماية. فاعتقاد الرئيس ترامب بأن السيادة القومية والمصلحة الوطنية هما الأسمى - وأن كل دولة تسعى وراء مصالحها الخاصة ستعزّز السلام والرفاه لأنه لا يوجد أحد مهتم بشنّ حرب - يتجاهل دروس التاريخ وحقائق عالم مترابط تسوده العولمة. حتى أن الافتراض الأساسي لمقاربة ترامب إزاء العالم، والداعي إلى اعتناء كل دولة بنفسها، يتجاهل وجود مخاطر تهدد جميع البشر ونحن غير محصنين ضدها.
وليس من المفاجئ ألا تجد حلفاءك إلى جانبك حين تحتاج إليهم بعد أن تكون قد وبّختهم. وبالمثل، ليس من المستغرب أن تملأ دول أخرى الفراغ حين تتخلى الولايات المتحدة عن القيادة. فقد رأينا ذلك في الشرق الأوسط، وخاصةٍ في سوريا، حيث ملأ الروس الفراغ حتى أنهم يضاعفون الآن كارثة إنسانية.
ونلاحظ ذلك الآن في الصين التي، في أعقاب الكارثة، استجابت بجهد وفعالية أكبر للجائحة سواء داخل البلاد أو خارجها. وننقل في هذا السياق عن أورسولا فون دير لاين، رئيسة "مفوضية الاتحاد الأوروبي"، التغريدة التي كتبتها في 18 آذار/مارس: "تحدثتُ مع رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ الذي أعلن أن الصين ستوفر 2 مليون كمامة جراحية، و200 ألف كمامة من نوع "أن 95" و50 ألف أداة اختبار. وفي كانون الثاني/يناير، ساعد "الاتحاد الأوروبي" الصين من خلال التبرع بـ 50 طناً من المعدات. واليوم، نحن ممتنون للدعم الذي تقدمه الصين. فنحن بحاجة إلى دعم بعضنا البعض في أوقات الحاجة".
إن الإشارة إلى فيروس كورونا المستجد على أنه "فيروس صيني" لن يغيّر واقع أن الصين تتعاون مع الآخرين وتتصرف كقائد عالمي، بينما لا تتصرف الولايات المتحدة على هذا النحو. ومن المرجح أن ينسى الآخرون أن الافتقار إلى الشفافية الصينية في وقت مبكر من انتشار الفيروس (ناهيك عن نظام يعاقِب على الإبلاغ عن الأخبار السيئة) يكاد يكون من المؤكد أنه عزّز من حدّة الوباء على الصعيد العالمي. لكن لا يمكن إنكار واقع أن الصين تتعاون الآن مع دول أخرى لاحتواء انتشار الفيروس (ويمكننا أيضاً الاستفادة من العمل مع الصينيين وغيرهم لتخفيف بعض النقص في الأقنعة وأدوات الاختبار).
وما يجب أن يقلقنا هو واقع أنه بعد انتهاء الجائحة، قد تبذل الصين جهوداً إضافية لملء الفراغ في قيادة العالم. ولن تضرّ أفعالها بمصالح الولايات المتحدة فحسب، بل ستهدد قيم حقوق الإنسان والمجتمعات المنفتحة بشكل عام. وقد يبدو من المستغرب أن نقول ذلك في الوقت الذي لدينا في واشنطن إدارة لا تتشارك قيماً مماثلة في علاقاتنا مع الآخرين - وأهدرت إلى حد كبير قوتنا الناعمة - قوة الجاذبية. غير أن الولايات المتحدة لا تزال بالنسبة للكثيرين رمز اللياقة والانفتاح والأمل.
وفي حين أن العمل للحفاظ على دورنا على الصعيد الدولي أمر ضروري، يجب أولاً وضع مقاربة قوية للتعامل مع الفيروس والاستجابة له محلياً. ولكن من الحماقة الاعتقاد بأننا سنحصل على جميع الإجابات، وليس هناك فائدة من العمل مع الآخرين، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بتوقع ما قد يحصل بعد. ويتمثل أحد الأسباب في أن الوباء لم يشهد بعد تفشياً كبيراً في العديد من الدول الواقعة في نصف الكرة الجنوبي - علماً بأن عدداً كبيراً منها فقير أو لا يملك الوسائل الكافية للتعامل مع الجائحة. وهذا ما قد يصيبنا قريباً، وإذا لم نتدارك الوضع، فمن المرجح أن تظهر الجائحة من جديد حتى بعد انحسار تفشيها.
على كل حال، يجدر بالرئيس ترامب وكبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية المشاركة في القمة الافتراضية لقادة دول "مجموعة العشرين" المقررة هذا الأسبوع، لكن ليس فقط بغرض الإصغاء. عليهم اقتراح فرق عمل من أجل تطوير أفضل الممارسات؛ وتحديد النقص في الأدوية، بما فيها الأدوية المضادة للفيروسات التي تثبت فعاليتها في العلاج؛ واختبار لقاح وتوزيعه؛ وتلبية الحاجات الاقتصادية المشتركة. ولربما الأهم من ذلك، عليهم التركيز أيضاً على العمل الجماعي لوضع حزمة من المساعدات المالية والتقنية والطبية التي ستكون ضرورية لمساعدة تلك البلدان الفقيرة التي لم تشهد بعد تفشي المرض.
ولم يفت الأوان بعد لتولي الولايات المتحدة زمام الأمور. لكن لسوء الحظ، ستبقى التكاليف المترتبة عن عدم القيام بذلك محسوسة لفترة طويلة جداً.
دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن.
"واشنطن بوست"