- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3615
عودة القائد السابق توفر فرصاً جديدة في الصومال
على إدارة بايدن أن تَتَشجع من علاقات الرئيس الصومالي المقبل مع الإمارات العربية المتحدة وانفتاحه كما يبدو تجاه تعزيز مكافحة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل.
في 15 أيار/مايو، اجتمع أعضاء "البرلمان الاتحادي في الصومال" لانتخاب حسن شيخ محمود رئيساً، بعد مرور خمس سنوات على انتهاء شَغله هذا المنصب في الفترة 2012-2017. وسيحل محل محمد عبد الله محمد، المعروف أيضاً باسم "فرماجو"، الذي هزمه في انتخابات عام 2017.
ويتولى حسن شيخ محمود الحُكم في وقت صعب للغاية. فقد شابت الانتخابات العرقلة التي مارسها فرماجو وإساءة استخدامه السياسي لقوات الأمن، بالإضافة إلى التقارير عن عمليات شراء ضخمة وشاملة للأصوات. وفي الوقت نفسه، لا يزال "الجيش الوطني الصومالي"، وقوات حكومة الولاية، والمليشيات العشائرية، و"حركة الشباب المجاهدين" التابعة لتنظيم «القاعدة» يقاتلون من أجل السيطرة على البلاد - في الواقع، أدى تصاعد الاشتباكات السياسية والعسكرية منذ عام 2020 إلى إفساح المجال أمام "حركة الشباب" لكي تزداد قوة.
ولحسن الحظ، تمنح عودة حسن شيخ محمود إدارة بايدن فرصاً جديدة لتعميق شراكتها مع مقديشو وتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة. وبالنظر إلى موقع الصومال الاستراتيجي على خليج عدن، فقد شكلت البلاد حلقة وصل لتهريب الأسلحة والنشاط القتالي الذي يؤثر على كل من الشرق الأوسط وأفريقيا. و"حركة الشباب" هي أكبر جماعة تابعة لتنظيم «القاعدة» وأفضلها تمويلاً، وقد قدّرت "الأمم المتحدة" مؤخراً أن عدد مقاتليها يصل إلى 12000 فرد وأن إيراداتها تصل إلى 10 ملايين دولار شهرياً. كما أن الجماعة التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الصومال تبني قوتها بشكل تدريجي أيضاً. وتشكل الحكومة الصومالية شريكاً لا غنى عنه في محاربة هذه الجهات الفاعلة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتقبل الرئيس الجديد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو هدف رئيسي لإدارة بايدن.
دورة مفجعة من الانتخابات
على الرغم من عقد آمال الكبيرة على وصول فرماجو إلى السلطة في عام 2017، إلا أن فترة ولايته أصبحت استبدادية بشكل متزايد وودية مع الجهات الفاعلة السيئة في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من انتهاء ولايته في 8 شباط/فبراير 2021، فقد رفض السماح بإجراء انتخابات على مدى أشهر، وصمد لأطول فترة ممكنة من أجل كسب الوقت وتوطيد الدعم.
وشكّل استخدام فرماجو للقوة مشكلة أيضاً. ففي أوائل عام 2020، قام بنشر 700 جندي صومالي درّبتهم تركيا في منطقة جدو على أمل الحصول على دعم سياسي هناك، مما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة مع قوات ولاية جوبالاند. كما أرسل قوات لإخضاع ميليشيا "أهل السنة والجماعة" الصوفية التي كانت متحالفة مع الحكومة سابقاً في ولاية جلمدج. وفي غضون ذلك، تلاشت وتيرة العمليات الخاصة بالكيان الوحيد الذي لا يزال ينشط في محاربة "حركة الشباب" - أي "لواء دنب" الذي أنشأته الولايات المتحدة، وهو وحدة قوات العمليات الخاصة الرئيسية في الصومال - بعد سحب إدارة ترامب للقوات الأمريكية في كانون الثاني/يناير 2021. وبعد ثلاثة أشهر، اشتبكت القوات الحكومية والمعارِضة في مقديشو، مما تسبب في نزوح ما بين 60,000 و 100,000 شخص. وفي تشرين الأول/أكتوبر، أمر فرماجو قوات "دنب" ووحدات الجيش الأخرى بالقضاء على معقل "أهل السنة والجماعة" في بلدة جوري عيل، حيث يستمر القتال بشكل متقطع - وقد حدث ذلك دون تواجد القوات الأمريكية لكي لا تعمل على منع اتخاذ هذه الخطوة.
وبعد فشل فرماجو في تأمين بقائه السياسي باستخدام القوة، لجأ - مَثله مثل العديد من المرشحين الرئاسيين الآخرين البالغ عددهم ثمانية وثلاثين مرشحاً - إلى الرعاة الأجانب الأثرياء مثل قطر والإمارات العربية المتحدة على أمل شراء طريقه نحو النصر. وأرسل البلدان الملايين إلى المتنافسين في انتخابات عام 2017، وزاد كلٌ منهما مساهماته إلى ما تتراوح بين 50 و100 مليون دولار في الدورة الحالية. وقد تبدو هذه المبالغ طائلة في إحدى أفقر دول العالم، ولكنها اعتُبرت ضرورية لأن الصومال طبّعت حالياً شراء التصويت التنافسي للنواب البالغ عددهم 329 والذين تم اختيارهم مسبقاً. وفي الواقع، تبلغ تكلفة كل صوت رئاسي ما بين 100,000 و 300,000 دولار مدفوعة سلفاً، بالإضافة إلى الوعد بدفع مبلغ قدره200,000 دولار إضافي أو أكثر إذا فاز المرشح. وربطَ فرماجو مصيره بقطر وسعى إلى كسب المزيد من الدعم المالي والعسكري عبر إقامة علاقات جيدة مع إريتريا وإثيوبيا وتركيا، بينما حظي حسن شيخ محمود بدعم إماراتي إلى جانب بعض الدعم من مصر وكينيا.
وفي ظل هذا النزاع السياسي والعسكري العنيف، عززت "حركة الشباب" سيطرتها على الأراضي في الجنوب، وزادت قوتها، وأعدّت نظاماً ضريبياً متطوراً أكثر من أي وقت مضى، وقدّمت خدمات ضرورية - لا سيما تسوية المنازعات - بشكل أكثر كفاءة من الحكومة. وتُواصل الجماعة أيضاً تهديد الأهداف الأمريكية والتخطيط لشن هجمات ضدها في بعض الأحيان، وقد تحاول تنفيذها إذا ازدادت ثقتها بمكانتها.
أما بالنسبة للجماعة المحلية التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، فتُواصل بناء قوتها من منطقتها المحصورة في جبال غالغالا على الرغم من مواجهة ضغوط من "قوة أمن بونتلاند" الأكثر فعالية والمدعومة من الولايات المتحدة. وفي الواقع، أصبحت هذه الجماعة على نحو متزايد نقطة تقاطُع لوجستية مهمة بين "المحافظات" الأساسية لتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا وتلك الواقعة في غرب أفريقيا ووسطها.
نافذة لتجديد التعاون
إن الإطاحة بفرماجو تمنح واشنطن فرصاً جديدة للسعي إلى تحقيق المصالح المشتركة على عدة جبهات. واستغل الرئيس بايدن ذلك بالفعل من خلال إعادة نشر القوات الأمريكية في الصومال بعد وقت قصير من فوز حسن شيخ محمود. وكما جاء في الوصف المفصَّل الذي أورده الكاتب في مقال مرافق، فهذه خطوة مهمة ستُنشّط القتال ضد "حركة الشباب" من خلال تفعيل" لواء دنب" مجدداً. وفي الواقع، ساهمت عملية عزل "دنب" المتعمد عن سوء الاستخدام السياسي وعلاقات هذه الوحدة الوثيقة مع العناصر الأمريكيين من جهة أخرى في تميّزها عن بقية الجيش الصومالي ومكّنتها من تنفيذ أعمال هجومية فعالة ضد "حركة الشباب". وفي المقابل، فإن وحدة المغاوير الصومالية، أو "النسور"، المذكورة أعلاه التي دربتها تركيا تتمتع بالمهارة، ولكنها تفتقر إلى نظام منفصل للقيادة والسيطرة من شأنه أن يمنع إساءة استخدامها، مما يؤدي إلى نشرها بانتظام من أجل تحقيق مكاسب سياسية (على سبيل المثال، حادثة جدو عام 2020).
وبناءً على ذلك، يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك ويحثوا الإدارة القادمة للرئيس حسن شيخ محمود - التي لديها علاقات أضعف مع تركيا - على دمج "النسور" ضمن بنية القيادة والسيطرة الخاصة بـ"دنب". وعلى واشنطن أيضاً أن تُضاعف جهودها لزيادة حجم "لواء دنب" إلى 3000 عضو، بينما لا يتجاوز عديد قواته حالياً 1000 عنصر.
ويساهم أيضاً التغيير في الحكومة في تعزيز احتمال توسيع نطاق "اتفاقيات إبراهيم" لتشمل الصومال. وتملك إسرائيل الكثير الذي يمكنها أن تقدّمه إلى الصومال على صعيد مكافحة الإرهاب والصعيد الاقتصادي، في حين أن العلاقات القوية لحسن شيخ محمود مع الإمارات العربية المتحدة - المُوقّع الأصلي على "الاتفاقيات" - يمكن أن تسهّل قنوات التواصل مع القدس وقد تضطلع الولايات المتحدة بدور الوسيط في هذا الصدد. ومن شأن ضمانات تقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، إلى جانب العديد من المنافع الإماراتية والإسرائيلية، أن تقطع شوطاً طويلاً نحو ضمان التطبيع. ووفقاً لمسؤول رفيع المستوى كان يشغل منصباً خلال فترة الولاية الأولى لحسن شيخ محمود، التقى الرئيس الصومالي برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، الذي كان يخطط على الأرجح لعقد اجتماع آخر رفيع المستوى قبل أن يخسر الانتخابات الإسرائيلية عام 2017. وبعد عملية التصويت الأخيرة، قال أحد الدبلوماسيين الصوماليين المقربين من حسن شيخ محمود لمجلة "تايمز أوف إسرائيل": "إن المجموعة التي تعارض التطبيع مع إسرائيل أصبحت في الخارج". لذلك، حان الوقت لكي يعمل الرئيس بايدن مع إسرائيل والصومال والإمارات من أجل توسيع نطاق "اتفاقيات إبراهيم".
على الولايات المتحدة أن تعزز أيضاً شراكتها مع منطقة بونتلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي، حيث يمكن الوصول بسهولة من ميناء بوصاصو الاستراتيجي إلى مضيق باب المندب وخليج عدن. وتُعَدّ بونتلاند مركزاً اقتصادياً رئيسياً للصومال - ومحوراً للتهريب من شبه الجزيرة العربية، نظراً لموقعها، مما يساعد على تأجيج الصراعات على نطاق واسع. كما أنها تشكل مقراً للجماعة المحلية التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن من الجانب الإيجابي، يتمتع رئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني بعلاقات وثيقة مع الإمارات العربية المتحدة، ويملك الإماراتيون مصالح اقتصادية كبيرة خاصة بهم في المنطقة. كما أن دني هو من حلفاء حسن شيخ محمود، حيث شغل منصب وزير التخطيط خلال فترة الرئاسة السابقة لشيخ محمود.
وتمنح هذه العوامل الولايات المتحدة فرصة للارتكاز على دعمها العسكري الحالي لـ"قوة أمن بونتلاند" من خلال تشجيع المزيد من التنسيق على الصعيدين الأمني والاستخباراتي بين بونتلاند ومقديشو، بهدف محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» والتهريب. وستكون بونتلاند أيضاً منطقة تركيز مهمة للاستثمار الاقتصادي في أي ترتيب يهدف إلى التطبيع الصومالي مع إسرائيل.
وأخيراً، بينما يعمل حسن شيخ محمود على توطيد رئاسته، على الولايات المتحدة أن تؤكد له أنها مستعدة للعمل معه سعياً لتحقيق المصالح المشتركة. وشكلت الزيارة السريعة التي قام بها قائد "القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا" الجنرال ستيفن تاونسند لتقديم التهنئة إجراءً هاماً لبناء الثقة بينما تستعد القوات الأمريكية لإعادة الانخراط في البلاد. على واشنطن أيضاً أن تحرص على تجنب الإدلاء بأي تصريحات قد تثير استعداء مقديشو خلال هذه الفترة الحساسة.
عيدو ليفي هو زميل مشارك في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن. ويود أن يشكر عبدي يوسف لمساهمته بإعطاء رؤى قيمة لهذا المقال.