- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3140
وفاة مرسي المثير للخلاف يمكن أن توحّد المعارضة المصرية
في 17 حزيران/يونيو، أعلن التلفزيون الرسمي المصري أن الرئيس السابق وأبرز شخصيات جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي توفي في المحكمة حيث كان يواجه اتهامات بالتجسس لصالح حركة «حماس» الإرهابية الفلسطينية. وبما لم يكن أي رئيس آخر في تاريخ مصر الحديث مكروهاً من المواطنين بقدر ما كان مرسي خلال فترة ولايته القصيرة بين العاميْن 2012 و2013، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أساليبه غير الديمقراطية والتي تدعو إلى المجابهة. وأكثر ما يدعو إلى إدانته، كان صياغته دستوراً عكس وجهات نظر إسلامية من دون أخذ القوى السياسية المصرية الأخرى في الاعتبار، وإصداره بياناً لتحصين أفعاله من أي طعون قانونية، وسعيه [لإعلان] ولائه لإيران. ونظراً إلى السخط والاضطرابات السياسية التي أسفرت عنها هذه الأفعال، قد يكون لموته المفاجئ عدد من التداعيات الكبيرة.
ما الذي حدث؟
وفقاً لتقرير النائب العام بشأن جلسة الاستماع، سأل مرسي القاضي إذا كان بإمكانه الكلام، ومن ثم خاطب المحكمة لمدة خمس دقائق؛ وبعد رفع الجلسة، أغمي عليه وتمّ نقله إلى المستشفى. لكنه توفي قبل وصوله إليها جراء توقف مفاجئ في القلب على ما يبدو. وعقب تلاوة صلاة الجنازة في مستشفى سجن طرة، تم دفنه بهدوء في شرق القاهرة بحضور عائلته ومحاميه فقط؛ وصلّي على جثمانه عند الفجر لتجنب أي مشاركة شعبية.
ولم تحظَ محاكمة مرسي بتغطية إعلامية كبيرة لأنها لم تكن قد وصلت إلى مراحلها النهائية. وخيّم جو إعلامي مماثل على وفاة مرسي - حيث لم تأتِ الصحف المملوكة للدولة إلى ذكر الحادثة إلا باختصار من دون الخوض في مزيد من التفاصيل، بينما نشرت صحيفة "الأهرام" اليومية الرئيسية خبر وفاته في صفحة الجرائم إلى جانب أخبار عن تجار المخدرات واللصوص.
كيف استُقبلت الأخبار؟
لمواجهة أي ادعاءات بأن الحكومة كانت مسؤولة عن قتل مرسي، ركّزت وسائل الإعلام الموالية للحكومة على أن وفاته حدث في قاعة المحكمة أمام أعين محاميه وأسر مختلفة من جماعة «الإخوان المسلمين». وذكر المذيعون على محطات التلفزيون أن سوء حالته الصحية نتج عن عناده بعدم التقدّم بطلب للحصول على إذن للعلاج خارج مستشفى السجن - وهو قرار يعزى إلى واقع رفضه الاعتراف بشرعية حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال قبول المساعدة من المؤسسات التابعة لها. بدورها، ادعت وسائل إعلام مختلفة أيضاً أن إسرائيل وقطر وتركيا وبعض الدول الأخرى في المنطقة ستستاء من خسارة مرسي لأنه كان جاسوسها في مصر. وبشكل عام، أجمع المعلقون الإعلاميون على أنه في الوقت الذي قد تثير فيه الأحداث الراهنة تهديدات أمنية محتملة في المستقبل، لا يزال [الوضع] في مصر آمناً بما يكفي لاستضافة "بطولة كأس الأمم الأفريقية" لكرة القدم التي انطلقت هذا الأسبوع.
هذا ولم تصدر الحكومة نفسها أي رد رسمي على هذه المسألة. ومع ذلك، صرح وزير الخارجية السابق عمرو موسى أن مرسي لم يكن زعيماً لجميع المصريين خلال فترة رئاسته، وأن التاريخ سيحكم على عهده بشكل سلبي - وهذا ربما أقرب تصريح رسمي سيصدر عن القاهرة بشأن وفاته.
ومن جهتها، عزت وسائل الإعلام التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين» وفاة مرسي إلى الإهمال الطبي الذي واجهه خلال فترة سجنه. حتى أن البعض منها اتهم الحكومة بقتله، مما أعاد إلى الأذهان مجموعة من نظريات المؤامرة والخلافات التي أحاطت بوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. ووفقاً لهذه الحجج، حددت الحكومة توقيت وفاته عن قصد لهذا الأسبوع لأنها اعتقدت أن المصريين سيكونون منشغلين ببدء مباريات كأس الأمم الأفريقية.
علاوةً على ذلك، اعتبر علماء الدين الموالون لجماعة «الإخوان المسلمين» أن وفاة مرسي كانت نعمة له لأنه توفي "في ساحة الجهاد" وليس في الفراش "كإمرأة". ويبدو أن وفاته أثناء مواجهة الاتهامات في المحكمة أكسبته الإرث التاريخي ولقب شهيد. وقد وصف المتحدث الإعلامي باسم «الجماعة» طلعت فهمي كفاح «الإخوان» ضد حكومة السيسي بأنه "معركة تحرير وطنية" يتعين على كافة المصريين من مختلف القوى السياسية الانضمام إليها. كما انتقدت «الجماعة» الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لعدم اتخاذها إجراءات فعالة ضد السيسي.
أما بالنسبة لسائر المنطقة، فقد صدرت أكثر ردود الفعل تعاطفاً إزاء وفاة مرسي عن محور تركيا - قطر. تجدر الملاحظة أن الرئيس رجب طيب أردوغان، والأمير تميم بن حمد الثاني وحلفاءهما في «حماس» رثوا موته.
ماذا يعني وفاة مرسي لـ «الإخوان» والسيسي؟
لوفاة مرسي ثلاثة تداعيات رئيسية على جماعته. أولاً، إنها تبدّد مسألة شائكة قسمت معارضي السيسي - وعلى وجه التحديد، عدم شعبية مرسي الواسعة النطاق النابعة من افتقاره إلى الكفاءة والموهبة القيادية بعد فوزه بالرئاسة. وللمفارقة، قد تكون جماعة «الإخوان» الفائز الأكبر، لأن عيوب مرسي كانت جزءاً كبيراً وراء عدم قدرة «الجماعة» على توطيد سلطتها واحتواء المعارضة غير الإسلامية بين عامي 2012 و2013.
وقد تؤدي وفاة مرسي أيضاً إلى حل مشكلة رئيسية واجهتها «الجماعة» منذ طردها من السلطة، ألا وهي: خسارة المحفز في أوساط الأعضاء المنتشرين في الشتات. فلتوقيت وفاته وظروفها قوة رمزية قد تبثّ في أنفسهم طاقة وشرعية جديدة لمواصلة النضال ضد الحكومة. كما أن واقع غياب مثل هذه الشخصية المثيرة للخلاف يمكن أن يمنحهم المزيد من النفوذ على الجهات الفاعلة الدولية التي أحجم العديد منها عن الارتباط بمرسي، ولكن ربما تكون الآن على استعداد للسير على خطى «الإخوان» في توجيه انتقادات أكبر إلى السيسي.
وفي الوقت نفسه، تبعث وفاة مرسي وغيره من الشخصيات التابعة لـ «الإخوان» رسالة إلى معارضي السيسي تدعو إلى اليقظة مفادها أنه مستعد للقيام بكل ما يلزم للبقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك يعني ترك خصومه يهلكون في السجن. ولا شك أن هذا الإدراك سوف يردع الكثير من المصريين من الوقوف ضده، ومن غير المرجح اندلاع احتجاجات واسعة النطاق حداداً على وفاة مرسي. وعلى المدى البعيد، سيتعين على السيسي مواجهة التحدي المتمثل بالاتحاد المحتمل بين المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية؛ غير أنه حالياً لا يزال آمناً في موقعه في السلطة.
ماذا يعني وفاة مرسي للسياسة الأمريكية؟
لا يجدر بالحكومة الأمريكية التعليق على هذا الأمر، لأن غالبية المصريين الذين يكرهون مرسي وجماعته قد يسيئون فهمها باعتبار ذلك تعاطفاً مع «الإخوان». فمرسي لم يكن يوماً صديقاً لأمريكا أو مؤمناً بالقيم الغربية، بل كان متعصباً ضد المسيحيين الأقباط واليهود. ولا يخلو من الدلالة أن الجهات الفاعلة الوحيدة في المنطقة التي رثته هي الجماعات الإرهابية الموالية لإيران («حماس» و «الجهاد الإسلامي الفلسطيني») والداعمون للتيار الإسلامي (أردوغان، قطر). وبما أن إدارة ترامب لم تتحدث قط علناً عن معاملة مرسي في السجن أو عن وضع حقوق الإنسان من قبل، فإن التزام الصمت حالياً هو المسار الأكثر حكمة التي يجدر بها اتباعه. ومن شأن أي مؤشر على التعاطف مع مرسي أن يمنح خصوم الولايات المتحدة في المنطقة حجة إضافية لتشويه سمعة حلفاء أمريكا، مما يعقد بالتالي العلاقات مع دول عربية أساسية في وقت يُعتبر فيه تشكيل جبهة موحدة ضد العدوان الإيراني ضرورياً إلى حدّ كبير.
هيثم حسنين كان زميل "غليزر" في معهد واشنطن في الفترة 2016-2017.