- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3933
وفاة قيادي (آخر) من مخضرمي "حزب الله"
على غرار سلفه الذي قُتل مؤخراً، كان لإبراهيم عقيل تاريخ حافل بقتل أمريكيين وأوروبيين وإسرائيليين ولبنانيين وغيرهم ممن يُنظَر إليهم على أنهم عقبات أمام طموحات "حزب الله"، وسوف يكون من الصعب تعويض خبرته كقائد عسكري وإرهابي.
بعد أقل من شهرين على مقتل القائد البارز في "حزب الله" فؤاد شكر، تمكنت القوات الإسرائيلية من القضاء على خلفه ورفيقه في السلاح منذ فترة طويلة، إبراهيم عقيل. كما قتلت الغارة الجوية التي نُفذت في 20 أيلول/سبتمبر في بيروت نحو عشرين قائداً آخر في قوات "الرضوان" الخاصة التابعة لـ "حزب الله".
وعلى غرار شكر، ارتقى عقيل في صفوف "حزب الله" خلال "مسيرة "إرهابية امتدت لعقود، بدأت بهجمات أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأمريكيين. ففي نيسان/أبريل 1983، لعب دوراً رئيسياً في التفجير الذي نفذه "حزب الله" للسفارة الأمريكية في بيروت. وفي العام الماضي، في الذكرى الأربعين لذلك الهجوم، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان تواجده. وفي السنوات الأخيرة، قاد عقيل «وحدة العمليات التابعة لـ "حزب الله"»، وكان جزءاً من الثلاثي الذي قاد "مجلس الجهاد"؛ وبالتعاون مع طلال حمية، قاد "منظمة الجهاد الإسلامي"، وهي جناح "حزب الله" المسؤول عن الأنشطة الإرهابية الدولية. كيف تطورت مسيرته بعد بدايتها الدموية في عام 1983؟ وكيف سيؤثر أحدث استنزاف في القيادات العليا لـ "حزب الله" على قدراته؟
سلسلة من الضربات المدمّرة
كانت ضربة 20 أيلول/سبتمبر مجرد الأحدث في سلسلة من العمليات العسكرية والاستخباراتية الناجحة التي شنتها إسرائيل ضد "حزب الله". فبعد مقتل شكر في غارة جوية في بيروت في تموز/يوليو، شنت إسرائيل هجوماً استباقياً استهدف مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لـ "حزب الله" في أواخر آب/أغسطس، قبل ساعات فقط من أنباء عن نية الحزب مهاجمة تل أبيب. وفي أوائل أيلول/سبتمبر، قامت قوات خاصة إسرائيلية بمداهمة منشأة إيرانية في سوريا، ودمرت مصنعاً تحت الأرض لإنتاج الصواريخ لـ "حزب الله". وبعد أيام، شنت إسرائيل غارة جوية استباقية أخرى استهدفت قاذفات الصواريخ التي كانت معدة للإطلاق على تل أبيب. وفي الأسبوع الماضي فقط، انفجرت أجهزة نداء ملغمة وأجهزة اتصال لاسلكية تابعة لـ "حزب الله" في ثلاثة بلدان، مما أسفر عن مقتل أو إصابة العديد من عناصر "الرضوان"، ومقاتلين آخرين من "حزب الله"، فضلاً عن مقاتلين مرتبطين بهم في سوريا والعراق، وحوالي أربعين مقاتلاً حوثياً يمنياً كانوا في لبنان أثناء وقوع الانفجارات.
ومع تعطل اتصالاتهم، قرر عقيل وقادة آخرون من "حزب الله" عقد اجتماع شخصي تحت مبنى سكني في بيروت، معتقدين على ما يبدو أن تجمعهم تحت الأرض مع استخدام المدنيين كدروع بشرية من شأنه أن يحميهم. لكنهم كانوا مخطئين.
"بيروت الغربية المتوحشة"
في نيسان/أبريل 1985، كتب محللو "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية تقريراً بعنوان "بيروت الغربية المتوحشة"، وصفوا فيه كيف أصبح الجانب الغربي من المدينة يعج بمعارك يومية على الأرض تنطوي على استخدام السيارات المفخخة، وقذائف الهاون، والقذائف الصاروخية. كما حذر التقرير من أن "بيروت الغربية اكتسبت سمعة كونها المدينة الأكثر خطورة في العالم للأجانب، وخاصة الأمريكيين والأوروبيين". وكان أحد الأشخاص الرئيسيين وراء هذه العنف هو إبراهيم عقيل، (المعروف أيضاً باسم تحسين).
ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، "أدار" عقيل تفجير السيارة المفخخة ضد السفارة الأمريكية في بيروت في نيسان/أبريل 1983. وفي تموز/يوليو من نفس العام، أفادت بعض التقارير أنه قام بتجهيز سيارة مفخخة أخرى استهدفت رئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزان لكنها باءت بالفشل. وفي تشرين الأول/أكتوبر، ووفقاً لـ "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية، كان عقيل مشاركاً رئيسياً في التفجير المميت الذي استهدف ثكنات "مشاة البحرية الأمريكية". كما ساعد عقيل في توفير المتفجرات لعناصر "حزب الله" الذين نفذوا سلسلة من التفجيرات في باريس بين عامي 1985 و1986، بما في ذلك تفجير متجر "غاليري لافاييت". وعندما أُلقي القبض على العميل محمد حمادي في مطار فرانكفورت وبحوزته زجاجة نبيذ مليئة بالمتفجرات السائلة كانت موجهة لخلية باريس، ساعد عقيل في تنظيم اختطاف مواطنين ألمان في لبنان لضمان إطلاق سراحه.
وكما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية، نفذ عقيل جميع هذه الأنشطة كـ "عضو رئيسي في «منظمة الجهاد الإسلامي» التابعة لـ «حزب الله»". وبناءً على طلب عدة دول، أصدرت "الإنتربول" عدة "إشعارات حمراء" تدعو إلى اعتقاله بسبب هذه المخططات.
قيادة "حزب الله" في سوريا
بعد عقود من الزمن، "لعب عقيل دوراً حيوياً في الحملة العسكرية لـ «حزب الله» في سوريا"، وفقاً لمعلومات تم رفع السرية عنها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. وشمل ذلك "مساعدة مقاتلي «حزب الله» والقوات الموالية للنظام السوري ضد قوات المعارضة السورية". وقد عمل عن كثب مع شكر والقائد العسكري البارز مصطفى بدر الدين في هذه العمليات. وكان بدر الدين مسؤولاً بشكل عام عن المهمة في سوريا حتى مقتله في عام 2016.
وعندما أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية عقيل كإرهابي عالمي مصنّف بشكل خاص في عام 2015، أشارت إلى أن كلاً من عقيل وشُكر كانا عضوين في "مجلس الجهاد"، أعلى هيئة عسكرية في "حزب الله". وبعد وفاة بدر الدين، تولى عقيل وشُكر وعلي كراكي قيادة المهام عوضاً عنه من خلال تشكيل ثلاثي بحكم الأمر الواقع. (وحتى وقت كتابة هذه السطور، ظهرت تقارير تفيد بأن كراكي قد قُتل أيضاً. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن هذا من شأنه أن يضخم التأثير العملياتي الذي سيناقش أدناه ويقضي بشكل أساسي على دائرة القادة الكبار ذوي الخبرة، المحيطة بالأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله).
قائد "وحدة الرضوان"
وفقاً للسلطات الإسرائيلية، كان عقيل القائد العام لقوات "الرضوان" الخاصة، "المسؤول عن عمليات «حزب الله» المضادة للدبابات والمتفجرات والدفاع الجوي، إلى جانب أنشطة أخرى". وكان يركز بشكل خاص على تطوير قدرة الوحدة على اقتحام الحدود، ومهاجمة التجمعات الإسرائيلية، وزرع المتفجرات على جانب الطرق لاستهداف المستجيبين الأوائل، واختطاف الإسرائيليين وإعادتهم إلى لبنان - وهي الخطة نفسها التي استخدمتها "حماس"، صنو "حزب الله" في المحور الإيراني، بتأثير مفاجئ وبفعالية مدمرة على الحدود الجنوبية لإسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وأطلق عقيل وزملاؤه من قادة "الرضوان" على هذه الخطة اسم "احتلال الجليل". وفي الواقع، كانوا يخططون، في وقت مقتله، لشن هجوم عبر الحدود رداً على هجوم الأسبوع الماضي على أجهزة النداء، وفقاً للسلطات الإسرائيلية.
وأفادت بعض التقارير أن عقيل خطط وسهّل تنفيذ هجمات إرهابية متعددة استهدفت إسرائيل، من بينها الحادث الذي وقع في آذار/مارس 2023، حيث تسلل أحد عناصر "حزب الله" لمسافة 60 كيلومتراً عبر الحدود قبل أن يزرع عبوة ناسفة عند "مفرق مجيدو" مما أسفر عن إصابة مواطن عربي إسرائيلي. وهناك مثال آخر هو هجوم أيلول/سبتمبر 2019 الذي أطلق فيه "حزب الله" صاروخاً موجهاً مضاداً للدبابات من طراز "كورنيت" على سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية عبر الحدود. وبالإضافة إلى العديد من الهجمات على إسرائيل، شارك عقيل في العمليات الإرهابية الخارجية لـ "حزب الله" كعضو في "منظمة الجهاد الإسلامي".
التداعيات العملياتية
تشكل وفاة عقيل وحوالي عشرين من قادة وحدة "الرضوان" نكسة كبيرة لـ "حزب الله" تحت أي ظرف من الظروف، ولكن بشكل خاص بعد مقتل فؤاد شكر وحوالي 400 عنصر آخر على مدى الأشهر العديدة الماضية - ناهيك عن التفجير المروع لأجهزة الاتصالات العسكرية الأسبوع الماضي. ولا يزال الحزب قادراً على إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار نحو إسرائيل، كما أثبت خلال الأيام التي تلت مقتله، لكنه ليس مستعداً للرد الإسرائيلي الحتمي كما كان قبل بضعة أيام فقط. وبالتأكيد، يشعر العديد من مقاتلي "حزب الله" الآن بالقلق وهم يتطلعون حولهم، خوفاً من وجود جواسيس داخل التنظيم، ويتساءلون عما إذا كانت إسرائيل ستستغل الفرصة لضرب ترسانتهم من الصواريخ بعيدة المدى والصواريخ الموجهة بدقة بينما هم في وضع دفاعي. وفي الوقت نفسه، فإن تراجع القدرات العسكرية للحزب يزيد من احتمال أن يحاول تنفيذ هجمات إرهابية في الخارج. وحتى وقت كتابة هذه السطور، فإن الخصمين منخرطان بالفعل في تصعيد كبير مما سيزيد من مخاطر اتخاذ القرارات داخل الحزب - وربما بسرعة كبيرة.
ماثيو ليفيت هو "زميل فرومر-ويكسلر الأقدم" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن. وتضمن مشاريعه السابقة "خريطة الأنشطة العالمية التفاعلية لـ «حزب الله»" والكتاب الذي تم تحديثه مؤخراً بعنوان "«حزب الله»: البصمة العالمية لـ «حزب الله» اللبناني".