- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2629
وجهات النظر الروسية حول الشرق الأوسط: تقرير عن رحلة
"في أيار/مايو، قام الكاتبان جيمس جيفري وآنا بورشفسكايا بزيارتين منفصلتين إلى روسيا - السيدة بورشفسكايا في زيارة توجيهية والسفير جيفري كعضو في "المسار الثاني [غير الرسمي] لبرنامج التبادل دارتموث كيترينغ". وقد ركز الحوار الأخير لبرنامج "دارتموث كيترينغ" الذي عُقد في موسكو وزافيدوفو، على قضايا أمريكية - روسية واسعة النطاق مثل أوكرانيا والحد من التسلح، والتعاون في مجالات غير دبلوماسية. وضم المحاورون الروس مختلف الخبراء في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الثنائية. وكان بعضهم مسؤولون في الحكومة الحالية (على سبيل المثال، قدّم نائب وزير الخارجية إحاطة [للمشاركين في الحوار])، في حين كان هناك آخرون من الأكاديميين والدبلوماسيين السابقين، أو مسؤولين عسكريين متقاعدين. وفيما يلي انطباعات الكاتبيْن من إتصالاتهما المختلفة".
على الرغم من الجمود المتصور ووجهات النظر العالمية المتضاربة حول بعض القضايا مثل النزاع في أوكرانيا، إلا أن الانطباع الرئيسي من الزيارة هو أن المسؤولين والخبراء الروس متفائلون عموماً في ما يخص التعاون الأمريكي الروسي بشأن قضايا الشرق الأوسط. وقد نتج هذا الموقف عن الاتفاق النووي مع إيران والتركيز مؤخراً على المساعي المشتركة في سوريا.
توافق حول سوريا؟
من الواضح أن التفاؤل حول الوضع في سوريا تأثر بالمحادثات المستفيضة التي أجراها وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف حول هذا الموضوع. على سبيل المثال، اختير مؤخراً أحد رؤساء "حوار كيترينغ"، وهو فيتالي نومكين، كمستشار في المفاوضات السورية التي تجريها الأمم المتحدة برئاسة ستيفان دي ميستورا.
غير أنه تم التحدث عن أطراف أخرى في الحرب في سياق أقل مؤاتاة. فغالباً ما تم غض النظر عن تركيا والمملكة العربية السعودية بعبارات مهينة، من خلال إعطاء الانطباع الواضح بأن أنقرة لا تزال مسؤولة بطريقة أو بأخرى عن إسقاط الطائرة النفاثة العسكرية الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي (كما عبّر أحد الروس عن تعاطفه العلني مع مطالبة سوريا بمحافظة هاتاي التركية، حيث أُسقطت الطائرة). ومن ناحية الرياض، تم وصفها على أنها إسلامية جداً، وأن اقتصادها يعتمد على النفط وسيواجه [بعض] المشاكل.
من المثير للاهتمام أن المناقشات الروسية الرسمية حول سوريا كما ورد في وسائل الإعلام الخاضعة لرقابة الدولة تتجاهل إلى حد كبير البُعد السني / الشيعي. فوفقاً لهذه النظرة التبسيطية المشوّهة، تدور الحرب بين الحكومة الشرعية برئاسة بشار الأسد والمعارضة الإرهابية.
مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار
أشار معظم المتحدثين أن للولايات المتحدة وروسيا هدفين مشتركين في المنطقة هما: محاربة الإرهاب وتعزيز الاستقرار. ولا شك أن الروس صادقون فيما يتعلق بالهدف الأوّل، على الرغم من أنهم حققوا نتائج ضعيفة في جهودهم لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، مما يتناقض بصورة غريبة مع نجاحهم الكاسح في محاربة القوات الأخرى التي تقاتل نظام الأسد. ومع ذلك، بالكاد تقع عمليات محاربة الإرهاب على رأس أولوياتهم، كما أن تحديدهم لمفهوم "الاستقرار" يختلف كثيراً عن معظم وجهات النظر الأمريكية الخاصة بالمنطقة.
إن أحد أسباب ذلك يعود إلى أن المشاركين الروس في "حوار كيترينغ" اعتبروا أن استراتيجية واشنطن المفترَضة للسعي إلى تحقيق الاستقرار من خلال تعزيز الديمقراطية كانت لها نتائج عكسية. ولم يبذل المشاركون الأمريكيون أدنى جهد للدفاع عن هذه المقاربة المزعومة التي تتمحور حول الديمقراطية خلال اجتماعات دامت ساعات، وأشاروا عدة مرات إلى أن هذا التعزيز للديمقراطية لم يشكل سياسة الولايات المتحدة لسنوات. بيد، لم تفعل هذه الحقائق شيئاً يذكر لإقناع الروس بالتراجع عن نظريتهم.
إلا أن الموضوع الذي حظي باهتمام أكبر هو وجهة النظر الروسية العامة التي تعتبر أن الطريق الصحيح لتحقيق الاستقرار هو تعزيز العلمانية. ونظراً لسجل بشار الأسد في سوريا، لم يربطه [الروس] بشكل واضح بأي من المفهومين، لكن يمكن استنتاج الكثير من دفاعهم المتكرر عن هذا الموضوع. وكانوا أكثر اندفاعاً عندما صنّفوا جمهورية إيران الإسلامية على أنها علمانية في الصميم إلى حد ما، حيث وصف أحد المشاركين مشهداً "علمانياً" مؤثراً يضم فتاة جالسة في القسم الخلفي من دراجة نارية وهي تحتضن سائقها الذكر. ورأوا بوضوح أن جناح الرئيس حسن روحاني آخذ في التصاعد في الجهاز السياسي الإيراني، لكنهم لم يتكلّموا كثيراً عن المرشد الأعلى و «حرسه الثوري».
إن النقطة التي يبدو أنهم فشلوا في فهمها هي دفاعهم عن فرض إحدى القيم الغربية - وهي العلمانية - على النسيج الاجتماعي والديني والثقافي المعقّد في الشرق الأوسط. ويمكن القول إن هذا حل خاطئ لمعضلة الاستقرار، تماماً كهاجس الديمقراطية الذي تدّعيه أمريكا. ويصبح التشديد على العلمانية مهم بشكل خاص في ظل مشكلة التطرف المتنامية التي تعاني منها روسيا في الداخل. وتحاول السلطات حل هذه المشكلة عبر قمع الدين، من بين أمور أخرى، لكن الخبراء الروس في شمال القوقاز يشيرون إلى أن التربية الإسلامية ردعت في الحقيقة الأفراد في تلك المنطقة عن الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعبارة أخرى، إن الجهل بالإسلام هو ما يؤدي إلى التطرف.
وجهات النظر الروسية حول سياسة الولايات المتحدة
إن المشاركين الروس في "حوار كيترينغ"، الذين يحتل بعضهم مناصب عليا في قطاع الطاقة، أكدوا أيضاً على أن الإنتاج الجديد للطاقة في الولايات المتحدة سوف يغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. حتى أن أحدهم هنّأ زملاءه الأمريكيين على تحوّل بلدهم إلى "المملكة العربية السعودية الجديدة". ولم يتم وضع حد لهذا التفاؤل من خلال بذل جهود لشرح الفوائد المحدودة والمؤقتة للنفط والغاز المحدودين في الولايات المتحدة ، أو لشرح واقع الدور الذي يؤديه الشرق الأوسط في سوق النفط والغاز العالمي، والذي يبقى أساسيّاً في الوقت الحاضر وسيصبح أكثر أهمية على الأرجح بحلول عام 2030.
إن إحدى مشاكل هذا الموقف الروسي هي أنه يفتح المجال أمام نظرة مناسبة لـ "عالم بديل" من الدوافع الأمريكية. فبينما يبدو أن الولايات المتحدة ما زالت تؤدي دورها التقليدي في احتواء التوسع الإقليمي في منطقة التأثير الروسية (على سبيل المثال، من خلال تقوية حلف شمال الاطلسي وإصدار عقوبات تتعلق بأوكرانيا)، كان الروس في حيرة بعض الشيء بسبب تردد إدارة أوباما عن القيام بالأمر نفسه في الشرق الأوسط، الذي يشكل جزءاً من الساحة الأمريكية التي تتوسع منذ أربعة عقود. ولشرح هذا التفاوت، يبدو أن الروس يفترضون أن أمريكا خففت من اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وأعادت تركيز معظم انتباهها الإقليمي على الإرهاب، وقبلت بالفكرة بأن الاستقرار هو الهدف الأساسي هناك، رغم فشل المقاربة المزعومة لتحقيق هذا الهدف، أي تعزيز الديمقراطية. ويكمن الخطر في أن ذلك قد يوحي زيادة المصالح المشتركة مع روسيا عن الحد الذي قد تكون عليه وخاصة في الإدارة الأمريكية المقبلة.
الساحة المحلية
[لوحظ] أن الكثير من الروس، خارج دوائر موسكو الرسمية، يشكون من المعاناة الاقتصادية وغيرها من المشاكل التي تؤثر عليهم شخصياً، مثل عدم تمكنهم من السفر إلى تركيا ومصر. ففي أعقاب حادثة إسقاط الطائرة العسكرية في تشرين الثاني/نوفمبر، علّقت الحكومة الروسية السفر من دون تأشيرة إلى تركيا؛ وفي ذلك الشهر نفسه، علّقت جميع رحلات الطيران إلى مصر، بعد أن أسقطت جماعة تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» طائرة ركاب روسية كانت تغادر سيناء. ويقيناً، بإمكان الروس الإستفادة من فرص سفر أخرى في المنطقة. فعلى سبيل المثال، بإمكان المرء أن يرى الآن إعلانات في شوارع موسكو عن تنظيم رحلات إلى المغرب، ربما لأن العاهل المغربي الملك محمد السادس قد زار مؤخراً العاصمة موسكو للمرة الأولى منذ سنوات، وذلك لتحسين العلاقات بين البلدين. إلا أنه يبدو أن كل هذا لا يعتبر مواساة كافية، نظراً للقيود المتزايدة في أماكن أخرى.
وفيما يتعلق بسوريا، تحاول السلطات قدر الإمكان ألا تتحدث كثيراً عن الضحايا، سعياً إلى إقناع الناس على ما يبدو أن روسيا لا تخسر شيئاً من خلال تدخلها هناك. وفي الواقع، إن الحديث الآن عن سوريا وأوكرانيا وقضايا خارجية مماثلة يغدو هامشياً. لذلك، يستطيع أي مسؤول أن يتحدث عن الخسائر الروسية في سوريا من دون أن يذكر الـ 224 مواطناً الذين قُتلوا في حادثة الطائرة في سيناء في تشرين الأول/أكتوبر، بعد وقت قصير من بدء تدخل فلاديمير بوتين للدفاع عن الأسد. حتى أن السلطات بدأت تخفف من تسليط الضوء على مقتل الضابط في قوات "السبيتسناز" الخاصة ألكسندر بروخورينكو؛ ففي آذار، دعا هذا الأخير إلى قصف مركزه في تدمر بعد أن أحاطت به قوات تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأشادت وسائل الإعلام الحكومية ببطولته. بيد، لا يفضّل الشعب الروسي هذا النوع من البطولة، كما قال عالم الاجتماع دنيس فولكوف الذي يعمل في "مركز ليفادا" المستقل لاستطلاعات الرأي. وسبق أن كتب هذا الباحث الإجتماعي في مقال نشرته "مؤسسة كارنيغي" في تشرين الأول/أكتوبر: "فيما يتعلق بسوريا، على غرار القضايا الداخلية والخارجية الأخرى، تأخذ الحكومة الروسية الرأي العام في عين الاعتبار، ليس لأن هذا الرأي يهمها بحد ذاته، بل للتخفيف من التكاليف المترتبة عن تنفيذ سياستها".
توصيات سياسية
إذا تعاطت الإدارة الأمريكية الجديدة مع شؤون الشرق الأوسط بطريقة أكثر تقليدية، أي كما تُعامل الإدارة الحالية أوكرانيا والقوقاز والبحر الأسود والبلطيق، قد يتفاجأ الروس من المقاومة الكبيرة لجدول أعمالهم. وكما ذُكر أعلاه، من خلال تحديدهم استقرار المنطقة بتعزيز العلمانية، فهم يحاولون بيع مفهوم خارجي إلى منطقة دينية إلى حد كبير. وأسوأ من ذلك، إنهم يساوون أنفسهم بقوتين يُزعم أنهما علمانيتان، هما الأسد وإيران اللذان يزعزعان استقرار المنطقة إلى حد كبير. ويشكل هذا وصفةً لنشوب اشتباك قد يكون أكثر خطورة حتى مما هو عليه في أوكرانيا، حيث تهيمن القدرات العسكرية والمصالح السياسية الروسية. ومرة أخرى، يبقى خطر سوء التقدير الروسي في الشرق الأوسط مرتفعاً، لأنه يبدو أن موسكو تعتقد أن معظم المصالح الجيوستراتيجية الأمريكية في هذه المنطقة آخذة في التلاشي بالتوازي مع تراجع اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وأن كل ما يهم واشنطن هو جدول أعمال مكافحة الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، إن الوضع في الداخل يزداد سوءاً. فالاقتصاد الروسي مستمر في التراجع. وتحاول محطات التلفزيون الخاضعة لرقابة الدولة أن تُلهي الناس عبر برامج مثل "وداعاً أمريكا" الذي يتنبّأ بسقوط "الإمبراطورية المقلّمة بالنجوم"، لكن الكثير من الروس توقفوا عن مشاهدته. وبعضهم يتجاهل الحقائق ويتركز في أمور أخرى في حياته. وربما يفوز بوتين في الانتخابات مرة أخرى، لكن حكومته أقل استقراراً مما تبدو عليه. ومن المفارقات، إنه يسعى إلى الحوار مع الغرب لأنه عرّف حكمه فيما يتعلق بالغرب، وبالتالي فهو بحاجة إليه.
ورداً على ذلك، على الغرب أن يصدّ جدول أعمال الكرملين الخاص بالشرق الأوسط، إنما ضمن إطار عمل المشاورات الشاملة على الأصعدة الرسمية والبحثية والأكاديمية وعلى صعيد المسار الثاني [غير الرسمي]. وفي هذه الفترة المتقلبة والمنطقة المضطربة، لن يؤدي سوء التفاهم وعدم القدرة على التواصل إلا إلى زيادة المخاطر الحتمية.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولونز" في معهد واشنطن، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى ألبانيا والعراق وتركيا. آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في المعهد.