- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2652
وجهة النظر الإسرائيلية تجاه مبادرات السلام الدولية
"في 8 تموز/يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي بمشاركة عوديد عيران، مايكل أورين وميراف ميخائيلي. وعيران هو دبلوماسي إسرائيلي سابق كان قد ترأس فريق التفاوض مع الفلسطينيين في عام 1999-2000. وأورين هو عضو الكنيست من "حزب كولانو" الذي يشارك في تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وميخائيلي تمثل "حزب العمل" المعارض في الكنيست. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
عوديد عيران
يعود التاريخ الطويل للنشاط الدبلوماسي الدولي المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي إلى حرب الأيام الستة. ولم يتوقف هذا النشاط سوى خلال فترات المفاوضات الثنائية المباشرة بين إسرائيل ومصر أو الأردن أو الفلسطينيين، وهي محادثات نتجت عن قرارات القيادة من كلا الجانبين، وليس عن مبادرات خارجية.
أما بالنسبة إلى الموجة الأخيرة من الجهود لتدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد بدأت خلال فترة هدوء في النشاط بين الطرفين. إذ أطلق البرلمان الأوروبي هذه الموجة عبر الموافقة على معايير الوضع النهائي في صيف عام 2014، وسارع الدبلوماسيون الفرنسيون إلى تحويل هذه المبادئ التوجيهية إلى قرار لمجلس الأمن الدولي، لم تتم المصادقة عليه بعد معارضة إسرائيل في البداية والفلسطينيين في وقت لاحق. هذا وساعد تجديد مبادرة السلام الأمريكية أيضاً على إحباط عملية المصادقة عليه، على الرغم من فشل جهود الوساطة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في نهاية المطاف.
وفي الآونة الأخيرة، أطلق الفرنسيون مبادرة جديدة تتميز بمؤتمرات دولية متعددة حول الصراع. كما أطلقت روسيا ومصر بهدوء جهود مماثلة، فيما يواصل الفلسطينيون محاولاتهم لكسب القبول في الهيئات الدولية.
وتقليدياً رفضت إسرائيل الجهود الدولية للسلام، وفضلت التفاوض الثنائي المباشر. وهذا أمر نابع من خوفها من ألا يعتمد المجتمع الدولي مقاربة متوازنة بشأن هذه القضية. بيد أن الوقت ليس في صالح إسرائيل، لذلك قد يكون من المفيد إعادة النظر في موقفها هذا. على سبيل المثال، إذا وافق الفلسطينيون غداً على القبول بالحاجز الأمني في الضفة الغربية كحدود مع عملية تبادل الأراضي، فإن أي حكومة إسرائيلية ستواجه صعوبات جمة من أجل إجلاء 80 ألف مستوطن يعيشون وراء هذا الحاجز، لا سيما في ضوء الصعوبات في إعادة توطين 7000 مستوطن تم إجلاؤهم من قطاع غزة في عام 2005.
ونظراً إلى هذا الواقع والاحتمالات الضعيفة لاستئناف المفاوضات الثنائية، فقد حان الوقت لكي يضع المجتمع الدولي مبادئ توجيهية لقرار مستقبلي حول النزاع. كما ينبغي إعادة النظر في المعارضة الإسرائيلية التقليدية للمبادئ التوجيهية الدولية للتوصل إلى حل الدولتين، ما دامت هذه المبادئ التوجيهية قادرة على أن تساعد إسرائيل عند إطلاق المفاوضات في المرة المقبلة. إذ يمكن للمعايير الخارجية أن توفر مقياساً مفيداً لإجراء محادثات مباشرة.
وبالطبع لا يزال السؤال حول من سيصيغ هذه المبادئ التوجيهية وحول مضمونها سؤالاً مطروحاً. فلا يمكن لإسرائيل أن تقبل المبادئ التوجيهية الفرنسية، ولكن يمكنها أن تُبقي على قسم منها وتُحسّن القسم الآخر. وبالمثل، فإن الانخراط مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الوقت الذي يفكر فيه في إصدار المبادئ التوجيهية يمكن أن يجعلها أكثر قبولاً بالنسبة إلى إسرائيل.
ولا بد من الإشارة إلى أن المجتمع الإسرائيلي ينجرف نحو الوسط اليميني منذ فترة طويلة، لذلك فإن المبادرات من جانب واحد يمكن أن تشكّل انتحاراً سياسياً بالنسبة لنتنياهو. ولكنه قد يكون قادراً على النظر فيها رداً على تهديد خارجي مثل المعايير المفروضة. وبالتالي يبقى السؤال: ما الذي سيحصل عليه مقابل ذلك. على سبيل المثال، يمكن أن تقدم له الولايات المتحدة اعترافاً من الدول العربية بإسرائيل كوطن يهودي. بيد أن الفجوة بين ما يريده الأوروبيون والعرب وما يمكن لإسرائيل أن تفعله هي على الأرجح واسعة جداً لكي تتوقع إسرائيل أن تحصل على مكافآت منها في ظل غياب التحركات الجريئة، على سبيل المثال زيادة فرص الوصول الاقتصادي الفلسطيني إلى "المنطقة (ج)"، أو السماح بإنشاء ميناء غزة، أو تجميد بناء المستوطنات.
مايكل أورين
يكمن الفرق الكبير بين الجهود الدولية التاريخية والراهنة في العلاقة بين الجهود غير الإسرائيلية المتوافق عليها والمحاولات الفلسطينية لتدويل الصراع وإضفاء الطابع القانوني عليه. فهذه الجهود الأخيرة مصممة لتدمير إسرائيل، وليس الحصول على شكل أفضل لحل الدولتين. وهذا يعني أن جهود التدويل الجديدة قد تشكّل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل. أما الجهود الدولية غير الفلسطينية، بما في ذلك معايير أوباما المحتملة، فهي ليست مواتية لإسرائيل.
ورداً على ذلك، ينبغي على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة لتغيير ظروفها بدلاً من أن تقف موقف المتفرج في وجه التهديدات الاستراتيجية. من هنا فإن مبادرة من جانب واحد تشكل أمراً حتمياً إذا أرادت إسرائيل الحفاظ على طابعها الديمقراطي واليهودي. ويمكن للوسط الإسرائيلي الواسع النطاق أن يدعم خطة تعلن أن البلاد ستقوم بعمليات البناء فقط في المناطق التي ستكون جزءاً من إسرائيل في إطار حل الدولتين. وهو أمر سيتطلب التعامل مع معارضة "حزب البيت اليهودي"، لأن نتنياهو سيخشى فقدان السلطة إذا ما ترك هذا الحزب التحالف الذي يترأسه.
ومن أجل إقناع الجمهور الإسرائيلي بهذه الخطة، سيتوجب على الوسط الإسرائيلي الحصول على دعم أوروبي وأمريكي واضح لإظهار أن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى موافقة دولية وإلى تحصين التحالف مع الولايات المتحدة. وسيحتم ذلك على إسرائيل الانخراط مع الأوروبيين والأمريكيين لضمان الدعم للتدابير التي قد لا ترقى إلى توقعاتهم. وإلا، فإن التسويق للخطوات الجديدة سيكون عملية سياسية صعبة تركز في معظمها على ضمان استحقاقات الأمن، وإعاقة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والحفاظ على دولة ديمقراطية ويهودية. إن الإسرائيليون لا يعطون الأولوية لعملية السلام ويشككون فيها لأن عمليات الانسحاب الماضية أدت إلى تردي الوضع الأمني.
وحتى في ظل غياب أي مبادرة، على إسرائيل أن تعمل باتجاه خلق وضع الدولتين مع أقصى قدر ممكن من الحكم الذاتي الفلسطيني في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والحوكمة ومسائل أخرى. وينبغي عليها أيضاً أن تساعد على تسهيل الوصول إلى المزيد من الحالات التي يفوز فيها الطرفان، والتي تحسّن نوعية حياة الفلسطينيين، مثل مشروعهم المعروف بمدينة الروابي المخطط افتتاحه في الضفة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإسرائيل أن تنسّق مع الدول العربية أو الروس لجعل الجهود الدولية أكثر مواتاة لها. وهذا من شأنه أن يبعد العديد من العوائق التي تقف أمام هذه المبادرات عبر الإظهار للعالم أن إسرائيل جادة بشأن عملية السلام.
إن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار بالنسبة إلى إسرائيل إذا أرادت أن تبقى دولة يهودية وديمقراطية، لذا يجب أن يشكل حل الدولتين سياسة طويلة الأمل. وفي الوقت نفسه، فإن القيادة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي يدركون أن عملية إنشاء دولة فلسطينية لن تكون قابلة للتطبيق بعد.
ميراف ميخائيلي
يهتم الإسرائيليون بالقضايا المتعلقة بعملية السلام، بما في ذلك الأمن. فالتهديدات لأمنهم تخلق لديهم حالة من الشك النفسي والثقافي العميق، والتي يتلاعب بها اليمين بعد ذلك لتوليد حالة من الخوف وصرف نظر الإسرائيليين عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية اليومية. ولا تزال إسرائيل تٌعرف وفقاُ للصراع، فقد تم إقامة الأمة مرتين في ظل هذه النسخة من الصراع ومن دونه. وفي الواقع، أصبح الصراع يشكل جزءاً أساسياً من الهوية الإسرائيلية. ومن أجل تصحيح هذا الوضع، ينبغي على إسرائيل أن تسأل نفسها عما تريد تحقيقه. إذ أن قسماُ كبيراً من [ائتلاف] الحكومة لا يريد حل الدولتين، لذا يجب حل هذا النقاش أولاً.
ولا تزال شريحة كبيرة تؤمن بحل الدولتين لضمان بقاء إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. فمن الناحيتين الرمزية والمادية لا يمكن لإسرائيل أن تبقى دولة بلا حدود. وبالتالي، ينبغي عليها أن تتولى الوضع بنفسها وأن تبادر بعملية لتحقيق نتيجة مرجوة، حتى ولو لم تكن هذه النتيجة متجلية في حل الدولتين. ومع ذلك، لم يقدم رئيس الوزراء رؤية بديلة مثل ضم الضفة الغربية أو اقتراح دولة واحدة. بل يستمر في التركيز على الحفاظ على الوضع الراهن المتغيّر وتجنب قيام الدولة الفلسطينية التي يخشاها. وبدلاً من ذلك، على إسرائيل أن تحاول تعزيز السلطة الفلسطينية، وليس إضعافها.
من غير المرجح أن تنجح الجهود الدولية للضغط على حكومة نتنياهو، بل ربما تأتي بنتيجة عكسية، لأن ائتلافه يرى نفسه وإسرائيل كضحايا في النهاية، وأنه يحارب للحفاظ على احتكار وضع الضحية هذا. ويدّعي نتنياهو أنه "جيد لليهود"، ويصف خصومه المحليين والدوليين على حد سواء بأنهم غير يهود ويعارضون المصالح اليهودية. وفقاً لذلك، يصوّر أي مبادرة خارجية على أنها ضغط غير شرعي، مما يجعل العمل معها مستحيلاً من الناحية البناءة.
يجب على إسرائيل ألا تدعو إلى ممارسة الضغط الدولي عليها؛ وبدلاً من ذلك، ينبغي عليها أن تسعى للقيام بمبادرة خاصة بها. ويجب تقديم هذه المبادرة على أنها محاولة لوقف عملية تسوية تلحق الضرر بها وتحسّن صورة إسرائيل على الصعيد الدولي. حينذاك ستبدأ الجهات الفاعلة الخارجية بالضغط على الفلسطينيين للقيام بدورهم بعد أن تقوم إسرائيل بما يتوجب عليها. إن إقناع الجمهور بتجميد الاستيطان سيكون صعباً فقط إذا استمر نتنياهو في وضع القضية في إطار خاطئ. فبدلاً من أن يسأل عما ستحصل عليه إسرائيل من وقف بناء المستوطنات خارج الحاجز الأمني، عليه أن يسأل ما الذي ستحصل عليه إسرائيل نتيجة بناء المستوطنات في تلك المناطق.
أعد هذا الموجز ميتشل هوخبرغ.