- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
وقف دوامة العنف في الشرق الأوسط
Also published in "نيويورك ديلي نيوز"
تحاول «حماس» تغيير قواعد اللعبة، وتسعى لإظهار قدرتها على التأثير على السلوك الإسرائيلي عبر تهديداتها. وسيكون من الحكمة أن تتعاون إدارة بايدن مع مصر لإنهاء هذه الجولة من الأعمال العدائية. ولكن من الضروري أن تضع استراتيجية شاملة لغزة ولـ «حماس» ما لم تكن تريد تكرار ما يحصل الآن. وفي البداية، يجب أن يصبح إطلاق «حماس» للصواريخ غير شرعي على المستوى الدولي.
تنبع المشاهد المحتدمة التي نراها في غزة وإسرائيل من واقع جديد واحد: محاولة حركة «حماس» تغيير قواعد اللعبة، وسعيها لإظهار قدرتها على التأثير على السلوك الإسرائيلي عبر تهديداتها. ويقول قادة «حماس» في الواقع، "قوموا بأي خطوة تغضبنا في القدس أو في أي منطقة أخرى، وسنطلق وابلاً من الصواريخ العشوائية على المدن الإسرائيلية".
[وبطبيعة الحال] لن تقبل إسرائيل بهذا الواقع الجديد وستعمل على إعادة تطبيق مبدأ الردع من خلال فرض ثمن باهظ جداً على «حماس». وكما هي العادة مع الحركة، سيدفع الفلسطينيون في غزة ثمن الطموحات السياسية لـ «حماس».
ما هو الدافع وراء أفعال «حماس»؟ ببساطة، يرى قادتها فرصة للسيطرة على عباءة القيادة الفلسطينية، معتقدين أن ثلاثة عوامل أوجدوا فرصة وضرورة للقيام بذلك الآن.
أولاً، أدّت الصدامات المتصاعدة في القدس، بما فيها مواجهات المسجد الأقصى، إلى استقطاب الأنظار وتحريك المشاعر. فالفلسطينيون والإسرائيليون يتنازعون على المدينة وعلى حرم المسجد الذي يعتقد المسلمون أن النبي محمد انتقل منه إلى الجنة، في حين يعتبر اليهود الإسرائيليون أنه موقع المعبدَيْن اليهودييْن التاريخييْن، صهيون الصهيونية الموقر. وبالتالي كلاهما يرى أنه أساسي لصلوات الديانتيْن.
وعند النظر إلى رد الفعل على فتْحْ "نفق القدس" بالقرب من المسجد الأقصى في عام 1996، وتجولْ أريئيل شارون في الحرم القدسي - جبل الهيكل عام 2000، وأزمة أجهزة الكشف عن المعادن في عام 2017 المتعلقة بالدخول إلى الحرم، يتبيّن باستمرار أن الحرم هو نقطة التوتر الأبرز في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وفي حين أن الدين والقومية متشابكان، يدرك قادة «حماس» أنه لا يمكن لأي رمز فلسطيني آخر للقومية أن يثير مثل هذا الغضب.
ثانياً، أدى إلغاء محمود عباس للانتخابات المزمعة، الأولى منذ عام 2006، إلى إحباط عميق بين الفلسطينيين. وقد تعرّض رئيس "السلطة الفلسطينية" لموجة من الانتقادات لأن الفلسطينيين لم يتمكنوا من الإقتراع منذ عام 2006، وظن أن بإمكانه استمالة إدارة بايدن والجمهور الفلسطيني من خلال الإعلان عن إجراء انتخابات. ورد الفلسطينيون بحماسة على هذا القرار حيث أفادت بعض التقارير عن قيام 93 في المائة من الفلسطينيين الذين يتمتعون بحق التصويت بالتسجيل للمشاركة في الاقتراع. ولكن في ظل ازدياد احتمال تكرار سيناريو عام 2006 حين فازت «حماس» في الانتخابات، وبعد أن انقسمت «فتح» مؤخراً مرة أخرى إلى ثلاث لوائح وحافظت «حماس» على انضباطها لخوض الانتخابات بقائمة واحدة فقط، بحث عباس عن ذريعة لإلغاء الانتخابات.
وهذا ما فعله مدّعياً أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالاقتراع في القدس الشرقية. لكن الجمهور فهم الخدعة وراء هذه الخطوة، بينما رأت «حماس» الفرصة المتاحة.
ثالثاً، أدركت «حماس» أنها تفقد صورتها كقائدة للمقاومة، وبدلاً من ذلك أصبحت حامية الوضع الراهن. فعلى مدى العامين الماضيين، توصلت إلى اتفاق مع إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة بحكم الأمر الواقع والذي يُعرف باسم "الترتيب". وفي إطار هذا الاتفاق، ستقدّم إسرائيل بعض التنازلات الاقتصادية التدريجية في مجالات تتراوح من بناء مشاريع بنية تحتية في غزة وإلى مناطق صيد الأسماك مقابل عدم تنفيذ «حماس» أي هجمات. وفي حين استغلت الحركة هذا الوقت لتعزيز ترسانتها من الأسلحة، إلّا أنها كانت تخضع لضغوط متزايدة من قبل «حركة الجهاد الإسلامي» المدعومة من إيران وغيرها لعدم قيادتها الهجوم ضد إسرائيل.
وكل هذه العوامل تحفز «حماس» [للقيام بعمل ما]. إلّا أن إسرائيل لن تقبل بسهولة بالنهج القتالي المتشدد الجديد لـ «حماس»، بل ستفرض ثمناً باهظاً مقابل ذلك. ولسوء الحظ، فمع تغلغل قادة «حماس» ومقاتلوها عن عمد في مناطق مكتظة بالسكان، وغالباً ما يتخذون مراكز قيادتهم داخل المستشفيات أو المساجد، ستكون هناك خسائر مدنية رهيبة في الأرواح. وسيكون عدم التماثل الأساسي في هذا النزاع جلياً حيث أنذر الإسرائيليون مسبقاً السكان المقيمين فوق الأهداف العسكرية بإخلاء المباني، بينما تستخدم «حماس» عشوائياً قذائف ضد المدنيين. فهي تحاول إبراز صورتها كحامية للشعب الفلسطيني، لكن الأنفاق التي حفرتها تهدف إلى حماية أسلحتها ومقاتليها وليس الشعب الفلسطيني.
وقد تنتقد الحكومات العربية إسرائيل على أفعالها في القدس وعلى القصف، إلا أنها حذرة جداً من رغبة «حماس» في زعزعة استقرار العلاقات الإسرائيلية-العربية. وباستثناء إيران وتركيا وقطر، يرى القادة ما تعنيه «حماس» بالنسبة للمنطقة - وتتمتع بعض الدول مثل مصر بنفوذ فعلي لرسم مسار أفضل. وقد لعبت مصر دوراً فعالاً في صياغة قرارات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» على مدى السنوات العديدة الماضية.
وسيكون من الحكمة أن تتعاون إدارة بايدن مع مصر مجدداً لإنهاء هذه الجولة من الأعمال العدائية. ولكن من الضروري أن تضع استراتيجية شاملة لغزة ولـ «حماس» ما لم تكن تريد تكرار ما يحصل الآن. في البداية، يجب أن يصبح إطلاق «حماس» للصواريخ غير شرعي على المستوى الدولي. وناهيك عن ذلك، على الإدارة الأمريكية حشد جهد دولي لإعادة بناء غزة شرط نزع سلاح «حماس». وسيكون الهدف هو توضيح العرض المقدم لسكان غزة بتنفيذ حملة إعادة إعمار ضخمة بشكل علني ومتكرر. لكن لا يمكن بذل مثل هذه الجهود الهائلة طالما تكون «حماس» قادرة على إثارة الصراع متى شاءت وتدمير الاستثمار. بعبارات أخرى، لا يمكن قياس ارتفاع الثمن لـ «حماس» من الناحية العسكرية فقط.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن، حيث يعمل دينيس روس كمستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المميز. وهو المؤلف المشارك مع دينيس روس للكتاب "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "نيويورك ديلي نيوز".