- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2676
وزير الدفاع الإسرائيلي يفاجئ الجميع بإعلانه عن مشاريع في منطقة رئيسية في الضفة الغربية
في 17 آب/أغسطس، اتّخذ وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أول خطوة جوهرية له في القضية الفلسطينية منذ أن أصبح وزيراً للدفاع قبل ثلاثة أشهر. فبينما تميل خطابات ليبرمان الملتهبة إلى الإلقاء بظلالها على أعماله البناءة، فقد اتخذ بالفعل خطوة هامة من خلال تمكين الفلسطينيين من الانخراط في النشاط الاقتصادي في بعض أجزاء المنطقة (ج) من الضفة الغربية، الأمر الذي كان مستحيلاً في السابق. وينعكس ذلك في [تخصيص] أحد عشر مشروعاً تتراوح ما بين إقامة منشأة طبية وتشييد مساكن في مواقع متاخمة للمنطقتين (أ) و (ب). وعلى الرغم من أنه قد يجري القيام بالمشاريع فقط ضمن مساحة جغرافية محدودة في المنطقة (ج)، إلا أنها ستشكّل بالتأكيد سابقة مثيرة للاهتمام.
وفي السنوات الأخيرة، شكلت قضية زيادة إمكانية الوصول الاقتصادي الفلسطيني إلى المنطقة (ج) إحدى أكثر القضايا المثيرة للجدل بين إسرائيل والفلسطينيين، علماً أن هذه المنطقة تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية على الرغم من أنها تشمل نسبة صغيرة فقط من سكانها وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. (أما بالنسبة إلى المناطق الأخرى في الضفة الغربية، فإن المنطقة (أ) تغطي 18 في المائة من الأراضي وتتكون من مناطق حضرية تخضع للسلطة الأمنية والسيطرة المدنية الفلسطينية، والمنطقة (ب)، التي تمثل نسبة 22 في المائة المتبقية، وتشمل المدن والقرى المجاورة للمناطق الحضرية والتي يتولى فيها الفلسطينيون مسؤولية الشؤون المدنية والحفاظ على النظام العام).
ومن بين المشاريع التي أعلن عنها ليبرمان، إنشاء منطقة صناعية غرب مدينة نابلس، لكي تشكل ممراً اقتصادياً بين أريحا والأردن وذلك بدعم من تمويل ياباني، فضلاً عن إقامة مستشفى في بيت ساحور (قرب بيت لحم)، وتوسيع البناء السكني في خطط فلسطينية رئيسية موافق عليها لمدينة قلقيلية وغيرها من المدن والقرى القائمة. ويبدو أن ليبرمان يفضّل أيضاً إقامة المزيد من المشاريع في المنطقة (ج).
خطوات اقتصادية في غياب الدبلوماسية
تشير الخطوة التي اتخذها ليبرمان في 17 آب/أغسطس، بدعم واضح من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أنه سيدعم تركيز "جيش الدفاع الإسرائيلي" ("الجيش الإسرائيلي") على اتخاذ خطوات تعمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال فترة الركود الدبلوماسي. وعلى وجه الخصوص، قاوم "الجيش الإسرائيلي" ضغوط من القوى الأكثر يمينية داخل الحكومة الإسرائيلية للحد بشدة من تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين رداً على موجة عمليات الطعن التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وعادة ما يعتقد مسؤولو "الجيش الإسرائيلي" أن أي رد فعل مفرط لن يؤدي سوى إلى تفاقم الوضع، ويشعرون بالارتياح من تبديد عمليات الطعن. بيد، إن النهج البراغماتي الذي يتبعه "الجيش الإسرائيلي" على ما يبدو قد يشير إلى مسار دبلوماسي أكثر نشاطاً، حتى مع إشارة نتنياهو علناً في الوقت الحالي إلى عدم كفاية "السلام الاقتصادي"، وهو المصطلح الذي ارتبط به منذ سنوات، إلا أن واقع الركود الدبلوماسي يعني أن المسؤولين الإسرائيليين الرئيسيين يفضلون اتخاذ خطوات اقتصادية على الأرض.
لكن العنف لم يختفِ تماماً. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، قدِم مرتكبو ثلاث هجمات مميتة من قرى مجاورة للخليل هي دورا ويطا وبني نعيم، كما أوضح ليبرمان على الخريطة في مؤتمره الصحفي في 17 آب/أغسطس. وبالتالي، لم تتم الموافقة على أي مشاريع في تلك القرى. وقال ليبرمان أيضاً إن "الجيش الإسرائيلي" سيكون أكثر نشاطاً في جميع أنحاء مدينة الخليل، موضحاً أنه سيؤيد نهج "الترغيب والترهيب". وأعلن "إن هدفنا هو الاستمرار في إفادة أولئك الذين يرغبون في التعايش معنا وإعاقة أولئك الذين يريدون أن يؤذوا اليهود"، مضيفاً أن "كل من هو على استعداد للتعايش سيكون رابحاً في هذا السياق وكل من يتخذ مسار الإرهاب سيخسر".
العواقب المحتملة من عمليات الهدم في المنطقة (ج)
على الرغم من الخطوات الواقعية التي أشار إليها ليبرمان، إلا أن عمليات هدم ما يقرب من مائتي منزل في المنطقة (ج) هذا العام على أساس افتقارها للتصاريح اللازمة، قد تشوب أي ثناء دولي للإسرائيليين على مبادراتهم. وقد توسع نطاق الانتقادات المتعلقة بذلك والموجهة إلى إسرائيل لتشمل وزارة الخارجية الأمريكية، التي شكا موظفوها علناً من عدم توفر التصاريح القانونية في المنطقة (ج)، وبناء على ذلك فإن عمليات الهدم تثير تساؤلات حول التزام إسرائيل بحل الدولتين. ومن هنا، يمكن مواجهة نتنياهو في هذه المسألة عندما يتوجه في الشهر المقبل إلى [نيويورك] لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما سيفعل على الأرجح.
ومن جانبها، تجادل إسرائيل بأن هناك عدد قليل فقط من الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة (ج) من الضفة الغربية على الرغم من حجمها الكبير، وترى المنطقة كورقة مساومة في أي مفاوضات بشأن المصير النهائي للضفة الغربية. ومع ذلك، لا تلوح في المستقبل القريب أي مفاوضات مماثلة، كما أن مطالبات إسرائيل قد أثارت القلق بأنها تريد السيطرة على المنطقة (ج) إلى أجل غير مسمى، وهي مطالبات تدعمها العناصر اليمينية الرائدة في الحكومة مثل وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يرأس حزب "البيت اليهودي". فقد دعا بينيت علناً إسرائيل إلى ضم المنطقة (ج)، الأمر الذي أثار مخاوف الولايات المتحدة حول نوايا إسرائيل الخاصة بالمنطقة وأدى إلى زيادة عمليات التدقيق الأمريكية. وفي الواقع، يمكن لشدّة لهجة تصريحات بينيت أن تفسِّر رغبة ليبرمان في تحقيق التوازن في التحركات الأخيرة في المنطقة (ج) بخطاب حاد.
وفي حين يشير إعلان ليبرمان إلى أن إسرائيل منفتحة بالفعل على إقامة مشاريع فلسطينية انتقائية في قرى من المنطقة (ج) مجاورة للمنطقتين (أ) و(ب)، إلا أن خطاباته التي تهاجم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد تصدرت عناوين الصحف. وبالمثل، أصر ليبرمان منذ فترة طويلة على أنه يميز بين انتقاده لعباس ودعمه للسلطة الفلسطينية، والرغبة المقابلة لذلك في تفادي انهيارها. وفي اجتماعه [مع الصحفيين] استمر وزير الدفاع [في الدفاع عن رأيه] مبيناً أنه رأى المشاريع كعلامة على أن إسرائيل ستجد وسائل للوصول إلى الشعب الفلسطيني مباشرة. وأعلن أن وزارة الدفاع ستعمل على إطلاق موقع إلكتروني جديد باللغة العربية، يهدف إلى تعريف الفلسطينيين بالخطوات التي تتخذها إسرائيل لتحسين حياتهم.
أما بالنسبة إلى معارضة ليبرمان لعباس، فمن غير الواضح معنى ذلك على أرض الواقع. فإلى أن أصبح وزيراً للدفاع، كان عدد كبير من تقارير وسائل الإعلام قد اقترح أن ليبرمان يفضل محمد دحلان، منافس عباس، الذي يعيش حالياً في المنفى في أبوظبي، لقيادة السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فمنذ تولي ليبرمان منصبه الحالي، أطلعه المسؤولون الإسرائيليون الكبار بشكل واضح على أن دحلان لا يتمتع بدعم شعبي كبير من قبل الشعب الفلسطيني. ونتيجة لذلك، تراجع دعم ليبرمان الكبير لدحلان وفقاً لهذه المصادر. فقد قال وزير الدفاع للصحفيين في 17 آب/أغسطس إن اسرائيل "لن تتدخل في الشؤون الداخلية [الفلسطينية]".
الخاتمة
يفخر ليبرمان بنفسه لاستخدامه الخطاب المتشدد، ولكن يمكن أن تكون كلماته أقسى من أفعاله. فعندما كان وزيراً للخارجية خلال المبادرة الدبلوماسية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 2013 -2014، فاجأ ليبرمان المراقبين بدعمه العلني لجهود الولايات المتحدة. أما الآن، بصفته وزيراً للدفاع، أثبت ليبرمان مرة أخرى قدرته على المفاجأة من خلال تفضيله القيام بالمزيد من المشاريع في المنطقة (ج). ومن شأن هذا النهج العملي أن يتسق مع رغبته المشار إليها بأن يُظهِر بأن بإمكانه العمل مع "الجيش الإسرائيلي"، وهي سمة يحتاج الناخبين لرؤيتها إذا كان هناك احتمال بأن يدعمونه في المستقبل. هذا ولم يخفِ ليبرمان طموحاته في أن يكون رئيساً للوزراء في المستقبل.
وطالما أن الضفة الغربية هادئة، يمكن للمرء أن يتوقع من ليبرمان و"الجيش الإسرائيلي" أن يكونا على توافق تام. مع ذلك، ستخضع براغماتية ليبرمان للاختبار في ظل التطورات المحتملة، مثل تنفيذ موجة من الهجمات الإرهابية، وفي هذه الحالة سيواجه تحدياً يقوم على إيجاد أرضية مشتركة مع "الجيش الإسرائيلي". وفي مثل هذه الظروف، سيفضل الجيش على الأرجح عزل مرتكبي تلك الهجمات وخلق مسافة سياسية بينهم وبين إجمالي سكان الضفة الغربية، في حين يمكن أن يميل ليبرمان إلى شن حملة أوسع، على الأقل في منطقة معينة من الضفة الغربية. وهذا الاختلاف يمكن أن يضعه في موقف مواجهة مع القادة العسكريين في البلاد.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.