- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3992
ينبغي على الملك عبد الله أن يقدم لترامب مقترحات عربية عملية بشأن غزة
على الرغم من أنه ينبغي على الرئيس تجنب الضغط على حليف مهم في قضية محفوفة بالمخاطر مثل إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، إلا أن الملك عبد الله الثاني سيجد نفسه مضطرا لتقديم رؤيته حول مستقبل غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وذلك لتفادي المواجهة مع واشنطن.
عندما يصل الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض غدًا، ستكون هذه هي المرة الرابعة على التوالي التي يكون فيها أول زعيم عربي يُدعى لزيارة رئيس أمريكي جديد. ومن الطبيعي أن تكون هذه الزيارة مصدر فخر للأردن، وتأكيدًا على عمق العلاقة بين البلدين، كما تشكل الزيارة فرصة ذهبية لمناقشة مجموعة كاملة من القضايا التي تؤثر على استقرار المملكة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، تحمل زيارة هذا الأسبوع في طياتها شعورًا لا تخطئه العين بالتوجس أيضًا. فكون الملك أول زائر يعني أنه سيكون أيضًا أول من سيواجه مباشرة مقترح ترامب المثير للجدل بإخلاء قطاع غزة من سكانه، وهو موضوع سيهيمن بلا شك على الاجتماع.
عند معالجة هذه المسألة الحساسة، سيتعين على الملك الموازنة بين مصالح الأمن القومي الأردني والسياسة الداخلية المضطربة وبين الحاجة إلى الحفاظ العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن. غير أن تحقيق هذا التوازن سيكون في غاية الصعوبة على الأرجح إذا لم يطرح الملك على ترامب حلولًا عملية واستباقية لمعالجة الوضع في غزة بالتنسيق مع الدول العربية الأخرى.
التعاون الاستراتيجي يتجاوز التوترات السابقة
على مدى عقود، شكلت العلاقات بين الولايات المتحدة والأردن التوجه الاستراتيجي للمملكة، وكانت بمثابة دعامة رئيسية لاستقرارها وأمنها في منطقة مضطربة للغاية. وقد ساهمت هذه العلاقة في ردع مختلف الخصوم الإقليميين الذين كانت لهم أطماع في الأردن في مراحل مختلفة. كما أن المملكة تُعد من أكبر المستفيدين من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية عالميًا، والتي جرى تعزيزها مؤخرًا عبر مذكرة تفاهم لمدة سبع سنوات وُقِّعت في عام 2022. وفي العام الماضي، حصلت المملكة على 1.65 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية (بما في ذلك 845 مليون دولار كدعم مباشر للميزانية، وهو ما يمثل حوالي 6 في المئة من إجمالي ميزانية الدولة) إلى جانب 425 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي.
وقد حققت هذه الشراكة فوائد كبيرة للولايات المتحدة أيضًا، حيث منحت واشنطن حليفًا عسكريًا فعالًا وموثوقًا في المشرق العربي إلى جانب إتاحة وصول القوات الأمريكية والأصول الجوية الأمريكية إلى قواعدها. وعلاوة على ذلك، كانت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عنصرًا مهمًا في بنية الأمن الإقليمي.
ومع ذلك، شهدت العلاقة فترات من التوتر، بما في ذلك مرحلة برود خلال فترة ولاية ترامب الأولى. وعلى الرغم من أن الملك كان أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأمريكي في عام 2017، إلا أن مقاربة ترامب للقضايا الإسرائيلية الفلسطينية أفضت إلى حدوث توترات واضحة بين البلدين. وفى حين لم تعارض عمان علنًا "صفقة القرن" لعام 2020، إلا أنها رفضت بشكل قاطع المقترحات المتعلقة بضم أجزاء من الضفة الغربية. كما لم تتحمس عمان
وعندما أعلنت الإدارة الأميركية عن "صفقة القرن" في عام 2020، لم تعارضها عمان صراحة، لكنها أوضحت أن مقترحاتها بشأن ضم أراض واسعة النطاق في الضفة الغربية غير مرحب بها، كما لم تكن متحمسة لاتفاقات "إبراهيم". ومع ذلك، استمرت المساعدات والعلاقات العسكرية الأميركية دون انقطاع.
أجندة أردنية متكاملة.
اعتاد الأردن على مواجهة الأزمات وأثبت مرونة ملحوظة في التكيف مع الظروف الصعبة، متجاوزًا في العديد من الأحيان توقعات الأصدقاء والأعداء بشأن زواله الوشيك. ومع ذلك، وضعت التحديات الراهنة المملكة أمام واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخها الحديث.
فعلى الرغم من خطة الإصلاح الاقتصادي ووجود إدارة مالية مسؤولة، لا يزال الوضع الاقتصادي في الأردن مزريًا. أما على الصعيد السياسي، فقد أدت حرب غزة إلى عودة جماعة "الإخوان المسلمين" إلى الواجهة، حيث تبنوا خطاب حركة "حماس" واستغلوا الغضب الشعبي من العمليات العسكرية الإسرائيلية لصالحهم. ويتحمل الأردن جزءًا من المسؤولية عن هذا الواقع، حيث لجأ المسؤولون الأردنيون إلى توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل خلال الحرب، معتبرين أن هذا النهج ضروري لاحتواء الغضب الشعبي. غير أن هذا الخطاب لم يقتصر على امتصاص الغضب الشعبي، بل ساهم أيضًا في تعزيز نفوذ "الإخوان المسلمين" داخل الشارع الأردني. وقد أدى هذا التوجه إلى تراجع الدعم الأمريكي للحكومة الأردنية في بعض الأوساط السياسية بواشنطن، حيث أبدى مشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي انزعاجهم من المواقف الأردنية خلال الحرب. ومن الملاحظ أن الأردن لم يكن بمنأى عن قرار إدارة ترامب الأخير بوقف بعض المساعدات الخارجية.
وعلى الصعيد الأمني، لا تزال التهديدات في محيط الأردن تشكل مصدر قلق متزايد. فمع اندلاع حرب غزة، كثفت إيران جهودها لزعزعة استقرار المملكة من خلال تهريب المزيد من المخدرات والأسلحة إلى الأردن والضفة الغربية وإسرائيل. وقد ساهمت الضربات الموجعة التي تلقتها طهران ووكلاؤها في المنطقة العام الماضي من تخفيف هذا الضغط إلى حد ما. لكن الواقع الجديد في سوريا أثار قلق عمّان بشأن استقرار جارتها الشمالية والأيديولوجيا الإسلامية للسلطة الحاكمة حاليًا. كما تُثير المؤشرات حول احتمال سحب إدارة ترامب للقوات الأمريكية من سوريا مزيدًا من القلق. بالإضافة إلى ذلك، قد يمتد تصاعد عدم الاستقرار في الضفة الغربية إلى الأردن في نهاية المطاف، وهو تهديد يزيد تعقيده التوتر الشديد في العلاقات السياسية بين عمان وإسرائيل.ورغم العلاقات الأمنية القوية بين الجارتين، فإن التوترات الشديدة بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء نتنياهو قد أثرت سلبًا على قدرتهما على احتواء الخلافات وإدارتها. وفي الوقت نفسه، بات حل الدولتين - الذي يُعد حجر الأساس للدبلوماسية الأردنية - أكثر بُعدًا من أي وقت مضى.
أزمة غزة تطغى على القضايا الرئيسية الأخرى
لسوء الحظ، قد تُهمش جميع هذه القضايا الثنائية الهامة بين البلدين إذا تمحور اجتماع ترامب والملك حول اقتراحه بشأن غزة، كما هو متوقع. وعندها سيواجه الملك معضلة حقيقية، فمن ناحية، لا تستطيع عمان الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة حول هذه المسألة، حيث إن تداعيات ذلك قد تؤثر بشكل كبير على الأمن والاستقرار الاقتصادي للمملكة.
ومن جهة أخرى، لا يمكن لعمّان أن توافق على الأفكار التي أعلن عنها ترامب الأسبوع الماضي، حيث تتعارض بشكل جذري مع المواقف الأردنية الراسخة ومع التوجهات التي تبناها الملك عبد الله شخصيًا. وقد أدى الرفض الشعبي الأردني القاطع لهذه المقترحات إلى تضييق هامش المناورة السياسية أمام الملك، مما قد يدفع بعض الأطراف الداخلية إلى تصعيد الدعوات لمراجعة معاهدة السلام مع إسرائيل إذا تم المضي قدمًا في تنفيذ تلك المقترحات. والأهم من ذلك أن اقتراح ترامب يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي للمملكة. فالتوازن الديموغرافي لا يزال من أكثر القضايا حساسية داخل الأردن، ومن شأن قبول اللاجئين من غزة أن يثير غضب جميع الدوائر الانتخابية. فالمحافظون يخشون من أن يهيمن عدد السكان الفلسطينيين الكبير أصلًا في الأردن على الشؤون الداخلية، في حين يخشى آخرون من أن يؤدي إخلاء غزة من السكان إلى نهاية التطلعات الوطنية الفلسطينية. الأمر الواضح هنا، هو أن نقل سكان غزة إلى الأردن سيوفر لـ"حماس" فرصة لإعادة تأسيس موطئ قدم لها في المملكة، وهو ما دأبت السلطات على مكافحته بجدية منذ طرد قادة الحركة الإرهابية في عام 1999.
ورغم المخاطر والجدل الذي يثيره اقتراح الرئيس، إلا أنه نجح في تسليط الضوء بشكل مفيد على الفشل العربي الأوسع نطاقًا في التوصل إلى حلول واقعية للمشاكل العملية المرتبطة بإدارة الحكم وإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب. فباستثناء الإمارات العربية المتحدة - التي انخرطت في مناقشات مفصلة وعملية حول غزة - اكتفت معظم الحكومات العربية بتكرار المواقف التقليدية حول ضرورة قيام دولة فلسطينية، ومطالبة السلطة الفلسطينية بتولي دور قيادي في القطاع. هذه المواقف معقولة في الظروف العادية، لكنها لا تعالج تعقيدات وفداحة التحدي الذي تواجهه غزة اليوم. كما لم تقدم الحكومات العربية حلولًا واضحة لأسئلة مصيرية، مثل: كيف ستضمن الأطراف عدم استعادة "حماس" للسلطة؟ وكيف يمكن إصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة تأهيلها وتمكينها بسرعة كافية لتلعب دورًا حقيقيًا في غزة؟ وكيف ينبغي للمجتمع الدولي أن يتعامل مع التحديات المعقدة المتعلقة بإعادة الإعمار والأمن التي ستبرز إلى الواجهة بمجرد انتهاء الحرب؟
لا يمكن للرئيس ترامب أن يطلب من الأردن تقديم جميع هذه الحلول بمفرده، إذ لا يملك حدودًا مباشرة مع غزة، كما أنه يفتقر إلى الموارد اللازمة. وبالنظر إلى حساسية القضية الفلسطينية والتوترات التي تشوب العلاقات العربية، فإنه من غير الممكن لأي دولة بمفردها أن تتخذ موقفًا مغايرًا في هذا الشأن. فالمطلوب هو نهج عربي منسق، يجمع بين الرؤية العملية والتفكير الاستراتيجي، وقد وضع اقتراح ترامب الكرة في ملعب الدول العربية لدفعها نحو تقديم بدائل واقعية.
ما يمكن للملك - وما يجب أن يفعله - هو تقديم رؤية عملية لما يمكن للأردن المساهمة به في غزة، وفقًا لقدراته المتاحة. كما يبدو تقييم ترامب بأن إعادة إعمار القطاع ستستغرق أكثر من عقد من الزمن يبدو واقعيًا، لذا سيحتاج الملك إلى توضيح كيفية تنفيذ عملية إعادة الإعمار المطولة دون تشريد السكان أو حرمانهم من الحياة الكريمة. لذلك من الأفضل أن يكون الملك محددًا في القضايا التالية:
- زيادة تواجد الأردن في غزة، حيث تحتفظ المملكة بالفعل بمستشفيات ميدانية.
- المشاركة في المجالين المدني والأمني في غزة في مرحلة ما بعد الحرب بطريقة تتيح إعادة الإعمار من دون نقل الفلسطينيين.
- المشاركة في تعزيز الإصلاح الفلسطيني، والذي يستلزم تقديم اقتراحات ملموسة لتوضيح مسألة خلافة السلطة الفلسطينية، ومكافحة الفساد، وبناء قدرات قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وغير ذلك من الأمور.
- تعزيز التعاون الأردني مع إسرائيل والولايات المتحدة لمكافحة تهريب الأسلحة.
- التنسيق مع الزعماء العرب الآخرين لإبلاغ الرئيس أن نهجًا عربيًا أكثر شمولًا وتكاملًا سيظهر قريبًا بشأن المهام الرئيسية مثل هزيمة "حماس"، وإصلاح السلطة الفلسطينية، وإدارة عملية إعادة الإعمار. وينبغي إيلاء اهتمام خاص بإشراك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي من المقرر أن يزور واشنطن الأسبوع المقبل بشكل مبدئي.
جميع هذه المهام معقدة وتنطوي على مخاطر سياسية. ومع ذلك، إذا لم يُظهر الأردن استعداده للتحرك الاستباقي، فمن غير المرجح أن يؤثر ذلك على نهج الرئيس ترامب تجاه غزة.
ومن جانبها، يجب على الإدارة الأمريكية أن تكون حساسة للتحديات التي يواجهها الأردن، وأن تمارس الضغط عند الحاجة، ولكن دون دفع المملكة إلى نقطة الانهيار. يعد الأردن حليفًا بالغ القيمة، ولا يمكن المجازفة باستقراره أو معاهدة السلام مع إسرائيل. لذلك، ينبغي الحفاظ على المنافع المتبادلة للعلاقات بين الولايات المتحدة والأردن.
غيث العمري هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "مؤسسة روزاليند وآرثر جيلبيرت" ضمن "برنامج «عائلة إروين ليفي» حول العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل" في معهد واشنطن.