- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2592
عيوب في انتخابات «مجلس خبراء» القيادة في إيران
في أعقاب انتخابات «مجلس خبراء» القيادة («المجلس») في إيران التي أُجريت في 26 شباط/ فبراير، أصدرت وزارة الداخلية الإيرانية النتائج الكاملة على موقعها الإلكتروني، في حين أصدرت وكالات الأنباء الوطنية والمحلية بياناتها الخاصة، والمختلفة أحياناً. وبالإضافة إلى الطبيعة غير الاعتيادية للانتخابات نفسها (انظر المرصد السياسي 2571 باللغة الانكليزية، "إجراءات الانتخابات الايرانية")، تظهر النتائج المبلغة بعض الأوجه الغريبة.
العيوب
في 29 شباط/ فبراير أعلن وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي أن نسبة المشاركة على الصعيد الوطني بلغت 62 في المائة في يوم الانتخابات، قائلاً: "أشكر الله على منحنا فرصة إضافية للإظهار للمجتمع الدولي، حماسة الشعب من أجل الديمقراطية الدينية، وخاصة لتلك الدول التي تدّعي أنها ديمقراطية". و يعتبر العديد من المسؤولين الإيرانيين أن المشاركة في الانتخابات، وخصوصاً النسبة التي تخطت 60 في المائة، تمنح الشرعية للنظام.
كما حذرت الوزارة الإيرانيين من الاعتماد على مصادر غير رسمية لنتائج الانتخابات. بيد أن هذه التحذيرات تطرح إشكالية بحد ذاتها لأن النتائج التي أعلنت عنها الوزارة نفسها لم تكن شفافة بالكامل حتى الآن. إذ إن بيانات انتخابات «مجلس الخبراء» الواردة على الموقع الإلكتروني باللغة الفارسية، والذي يشكل مصدراً رئيسياً للمعلومات للإيرانيين ولوكالات الأنباء التي تديرها الدولة، تشوبها عدّة عيوب. على سبيل المثال، تظهر هذه البيانات حصول بعض المرشحين على أكثر من 120 في المائة من الأصوات المدلى بها في منطقتهم، وفي أربع محافظات مجموع سكانها 15 مليون نسمة، تُظهر البيانات 22 مليون صوت. من جهتها، تقدم "وكالة أنباء فارس" الشبه الرسمية، بيانات أكثر وضوحاً من تلك الواردة على موقع الوزارة الإلكتروني، والتي تفتقر إلى صفحة تلخص نتائج الانتخابات لـ «مجلس الخبراء» لجميع المحافظات البالغ عددها 31 محافظة.
اضغط على الصورة لمشاهدة الجدول الكامل.
وتنقسم المنافسة على العضوية في «مجلس الخبراء» على عدّة محافظات، ويمكن للناخبين أن يكتبوا أسماء عدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد في محافظتهم. إلا أن العديد من هذه السباقات الانتخابية كانت محددة سلفاً من قبل «مجلس صيانة الدستور»، الهيئة القوية التي تشمل اثني عشر عضواً والتي تقرر من يمكنه أن يتنافس في الانتخابات وتتحقق من النتائج، فضلاً عن العديد من المسؤوليات الأخرى. وهذا العام، أدت عملية التدقيق في الأيديولوجيا التي قام بها «مجلس صيانة الدستور» إلى الإعلان عن عدم أهلية غالبية المرشحين الذين تقدموا بطلبات للترشح. ونتيجة لذلك، تمتعت ست محافظات في الأصل بنفس عدد المرشحين والمقاعد المتاحة (وإن تم في بعض الحالات إضافة مرشحين إضافيين في وقت لاحق)، في حين شملت ثماني محافظات أخرى مرشحاً واحداً أكثر من عدد المقاعد المتاحة.
وبالطبع، من شأن هذه العوامل أن تؤدي إلى تقلص إضافي في معدلات اشتراك الناخبين في انتخابات «مجلس الخبراء»، والتي كانت تاريخياً عبارة عن السباق السياسي الأقل شعبية في إيران. فالمواطنين على حق في النظر إلى هذه الهيئة على أنها ذات طابع فخري إلى حد كبير تكمن وظيفتها الرئيسية في اختيار خليفة المرشد الأعلى، مما يعني أن لها تأثير ضعيف على حياتهم اليومية. لكن نظراً إلى السن المتقدم لآية الله علي خامنئي، من المرجح أن يفترض العديد من الإيرانيين أنه سيتم اختيار خليفته خلال الولاية المقبلة لـ «المجلس» والتي تمتد على ثماني سنوات. بالإضافة إلى ذلك، قام النظام بتأجيل انتخابات «المجلس» لمدة عام ونصف تقريباً لتتزامن مع الانتخابات البرلمانية الأكثر شعبية، مما ضمن أساساً الإقبال على التصويت حتى في المحافظات التي لا يبدو فيها السباق الانتخابي تنافسياً.
وحتى مع ذلك، ظهرت في العديد من المحافظات اختلافات كبيرة بين عدد الأصوات التي تم الإدلاء بها وعدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون الفائزون. إذ أعلنت بعض المحافظات عن أعداد مختلفة من الأصوات التي تم الإدلاء بها والأصوات المسموحة، بطرح الأصوات التي كانت غير مقروءة أو غير مؤهلة؛ على سبيل المثال، شملت أذربيجان الشرقية 1,790,789 صوتاً، منها207,450 صوتاً غير مسموح به، في حين شملت أصفهان1,976,061 صوتاً و283,024 صوتاً غير مسموح. بيد أن هذا لا يفسر بشكل تام التناقضات التالية:
· كان لأذربيجان الغربية ثلاثة مرشحين حصلوا على موافقة مسبقة يتنافسون على ثلاثة مقاعد، لذا يمكن للناخبين أن يكتبوا اسماً أو اثنين أو ثلاثة أسماء على ورقة الاقتراع (وفي وقت لاحق ظهر مرشح رابع في ظروف غامضة، أنظر أدناه). ووفقاً لوزارة الداخلية، تم الإدلاء بـ 1,511,652 صوتاً في المحافظة، بيد أن إجمالي عدد الأصوات لجميع المرشحين الثلاثة لم يبلغ سوى 1,466,674؛ وقد حصل المرشح الحائز على المركز الأول على822,027 صوتاً، والمركز الثاني على 397,407 صوتاً، والمركز الثالث على 247,240 صوتاً. وحتى لو كتب كل ناخب اسماً واحداً فقط على ورقة الاقتراع، وهو سيناريو غير قابل للتصديق، فإن المجموع لن يصل إلى هذا العدد، مع حساب حوالي 45,000 صوت أقل من الأصوات التي تم الإعلان عنها.
· لم يكن لأذربيجان الشرقية سوى ستة مرشحين حصلوا على موافقة مسبقة، وتنافسوا على خمسة مقاعد وحوالي 1.8 مليون صوت. وعلى الرغم من أن مجموع عدد الأصوات لجميع المرشحين تجاوز عدد الأصوات المتوقع، حصل المرشح الذي حاز على المركز الأول على743,811 صوتاً فقط، وهو رقم منخفض بشكل غريب نظراً إلى أنه يمكن للناخبين كتابة ما يصل إلى خمسة أسماء.
· لم يكن لعيلام سوى مرشحيْن تمت الموافقة عليهما مسبقاً للتنافس على مقعد واحد، ولكن من بين323,811 صوتاً، حصل الفائز على136,919 صوتاً فقط، أي أقل من نصف عدد الأصوات.
· في خراسان الشمالية، تمت الموافقة على مرشح واحد فقط للمقعد المتاح، ولكن من بين448,355 صوتاً، حصل الفائز على176,136 صوتاً فقط.
وبالإضافة إلى إشكالية مجموع التصويت، وردت أسماء بعض المرشحين الفائزين على لائحة وزارة الداخلية المعتمدة لأكثر من محافظة واحدة، في حين لم يتم إدراج آخرين على الإطلاق:
· أدرج السيد محسن سعيدي كلبايكاني على قائمتي محافظتي عيلام وخراسان رضوي، فيما أدرج محمد باقر باقري على لائحتي طهران وألبرز. وقد تم انتخاب كلبايكاني لتمثيل محافظة عيلام، في حين حصل باقري على أعلى الأصوات في ألبرز واحتل المركز الرابع من حيث عدد الأصوات في طهران.
· السيد محمد الحسيني الشاهرودي، ممثل المرشد الأعلى في محافظة كردستان، لم يكن مدرجاً على قائمة المرشحين المعتمدة من وزارة الداخلية، ولكن بعد أن أعلَن ترشيحه في 20 شباط/ فبراير، فاز بمقعد المحافظة الثاني في «المجلس».
· لم يكن جواد مجتهد شبستري على قائمة المرشحين الأصلية للوزارة، إلا أن "نقابة المعلمين" في محافظة قم دعمته في الانتخابات في أذربيجان الشرقية. ولكن في 13 شباط/ فبراير، ذكر إعلان لوزارة الداخلية أنه كان مرشحاً في غرب أذربيجان، من دون الرجوع إلى أي تسجيل سابق في أذربيجان الشرقية. وفي النهاية، فاز بالمقعد الثالث في أذربيجان الغربية، في تنافس شمل في الأصل ثلاثة مرشحين لثلاثة مقاعد. وفي الوقت نفسه، فاز والده، محسن مجتهد، عبر إعادة انتخابه في منصب في أذربيجان الشرقية.
وقد كان «مجلس صيانة الدستور» ووزارة الداخلية مسؤولان عن تدقيق القائمة الرسمية التي شملت 161 مرشحاً تمت الموافقة عليهم، وتوزيع هذه القائمة التي نُشرت في 10 شباط/ فبراير، أي قبل يوم واحد من بدء فترة حملة الانتخابات الرسمية، لذلك من غير الواضح كيف تمت الموافقة على ترشيح الشاهرودي وشبستري ومتى حدث ذلك.
عدد أصحاب المناصب يفوق عدد الوجوه الجديدة
أعيد انتخاب العديد من أصحاب المناصب (شاغلي المقاعد) لـ 49 من أصل 88 مقعداً في «مجلس الخبراء». وكان بإمكان هذا العدد أن يكون أكبر من ذلك، ولكن العديد من أعضاء «المجلس» السابق كانوا مسنين جداً وربما قرروا عدم الترشح لهذا السبب فقط. وبالإضافة إلى ذلك، فاز أربعة من أصحاب المناصب على الأقل في محافظات مختلفة من تلك التي كانوا يمثلونها في خلال الولاية الماضية. فباقر باقري ومحسن كازرونبرز مثّلا طهران سابقاً لكنهما يمثلان ألبرز حالياً. أما محمد علي موحدي كرماني والسيد ابو الفضل مير محمدي فقد مثّلا في السابق كرمان ومركزي، على التوالي، ولكن تم انتخاب كليهما في محافظة طهران لهذه الولاية.
وفي الوقت نفسه، ترشح خمسة من أعضاء «مجلس صيانة الدستور» للحصول على مقاعد في «مجلس خبراء» القيادة وفاز أربعة منهم: محمد مؤمن، ممثلاً لقم، ومحمود الهاشمي الشاهرودي ممثلاً لخراسان رضوي. وأحمد جنتي، الذي احتل المركز السادس عشر من أصل ستة عشر فائزاً في طهران، ومحسن اسماعيلي، الذي يمثل طهران أيضاً. أما الخاسر فكان محمد رضا مدرسي يزدي، الذي ترأس «المجلس» السابق. وبسبب فشله في الانتخابات، سيتوجب على «المجلس»، انتخاب رئيس جديد، وذلك ربما في أول اجتماع له في 25 أيار/ مايو.
وبالإضافة إلى محمد يزدي، لم يتمكن 4 من أصحاب المناصب من الفوز عبر إعادة انتخابهم. إذ خسر حسن محمودي في محافظة كرمنشاه، في حين خسر كل من محمد تقي مصباح يزدي وعلي مؤمن بور في طهران. أما غلام علي نعيم آبادي إمام صلاة الجمعة في بندر عباس وممثل المرشد الأعلى في محافظة هرمزكان، فلم تتم إعادة انتخابه في هذه المحافظة حيث خسر أمام سيد روح الله صدر سعداتي. وكان سعداتي في الأصل مرشحاً حصل على موافقة مسبقة في يزد، ولكن وزارة الداخلية أعلنت في 13 شباط/ فبراير الماضي أنه تحوّل لخوض الانتخابات في هرمزكان. وفي وقت سابق، أي في 9 شباط/ فبراير،أعاد المتحدث باسم «مجلس صيانة الدستور» سيامك ره بيك التأكيد على أن القانون ينص على أنه كان أمام المرشحين لـ «المجلس» مهلة حتى 11 شباط/ فبراير لتغيير المحافظة التي يترشحون عنها.
وأخيراً، من المثير للاهتمام مقارنة نتائج الانتخابات بقوائم المرشحين التي وضعها مختلف الأفراد والمنظمات في خلال الحملة الانتخابية. على سبيل المثال، دعمت "قائمة الأمل"، التي ارتبطت بقوة بالرئيسين السابقين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، فضلاً عن الرئيس الحالي حسن روحاني، ستة عشر مرشحاً في طهران، منهم خمسة عشر فائزاً. أما الفائز الوحيد في طهران الذي حصل على نسبة عالية من الأصوات من دون دعم هذه اللائحة فهو جنتي، الذي جاء في المركز الأخير. بالإضافة إلى ذلك، تم دعم ثمانية مرشحين فائزين في طهران من قوائم متعددة: كرماني المذكور سابقاً ومير محمدي، فضلاً عن محسن قمي ومحمد كاشاني وقربانعلي دري نجف آبادي ومحمد ريشهري وإبراهيم الحاج أميني النجف آبادي، وروحاني. ولم ترد أسماء هؤلاء المرشحين على "قائمة الأمل" فحسب، بل على القوائم التي نشرها مكتب روحاني و"نقابة المعلمين" في قم أيضاً. ويجدر بالذكر أن "نقابة المعلمين"عادة ما توصف بأنها منظمة متشددة جداً.
پاتريك شميت هو مساعد باحث في معهد واشنطن.