يخضع قيس الخزعلي، مؤسس وزعيم «عصائب أهل الحق» في العراق، لقيودٍ فرضها عليه أعضاء "المقاومة" الآخرون في "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الذي تهيمن عليه إيران بشأن مسألة كيفية الرد على الاحتجاجات الصدرية.
بعد يومٍ واحدٍ من دخول الصدريين «المنطقة الدولية» ومجلس النواب في 30 تموز/يوليو 2022، أنشأ "ائتلاف دولة القانون" الذي يرأسه نوري المالكي والذي حصل على 37 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، "اللجنة التنظيمية لدعم الشرعية والحفاظ على مؤسسات الدولة". وأصدرت هذه اللجنة بياناً جاء فيه: "ندعو أبناء شعبنا العراقي بكافة أطيافهم وفعالياتهم العشائرية والأكاديمية والثقافية إلى التظاهر للدفاع عن دولتهم... لا سيما بعد التطورات الأخيرة التي تنذر بالتخطيط لانقلاب مشبوه واختطاف للدولة وإلغاء شرعيتها وإهانة مؤسساتها الدستورية وإلغاء العملية الديمقراطية فيها" (الشكل 1).
وفي إطار هذا المجهود، حاول قسم من أعضاء من "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" - المالكي والخزعلي - التغلب على الصدر باستخدام أساليبه الخاصة عبر تنفيذ احتجاجات مضادة. وأُعيد نشر بيان "اللجنة التنظيمية" في البداية على حسابات "ائتلاف دولة القانون" مثل "نودّها دولة" و"ذكريات جنوبي". وفي غضون ذلك، أصدر قيس الخزعلي تسجيلاً صوتياً في 1 آب/أغسطس أعطى فيه تعليمات لمتظاهري "الإطار التنسيقي". وبرز الخزعلي هذه السنة كزعيم "المقاومة" المتحالف بشكلٍ وثيقٍ مع المالكي والأكثر انسجاماً مع رغبة المالكي في رؤية "الإطار التنسيقي" يتبنى موقفاً تصادمياً تجاه مقتدى الصدر، ويشكل حكومة، ويطرد الصدريين من الوكالات الحكومية. ويبدو أن المالكي والخزعلي حصلا على مرادهما، كما اتضح من خلال الجهد المبذول لتشكيل حكومة بسرعة في نهاية الأسبوع المنصرم (30 تموز/يوليو) برئاسة أحد وكلاء المالكي، وهو محمد شياع السوداني.
[وفي غضون ذلك]، اقترح معسكر آخر داخل "الإطار التنسيقي" - وبالتالي داخل "المقاومة" - اتباع نهجٍ بديلٍ وهو: إبطاء عملية تشكيل الحكومة ومحاولة إعادة التقريب بين البيت الشيعي من خلال استمالة الصدر بالإغراءات. ويقود هذه الكتلة الفرعية البديلة هادي العامري (زعيم "منظمة بدر" وكتلة «فتح» التي تتألف من 29 مقعداً ضمن "الإطار التنسيقي"، وتضمّ نواب «عصائب أهل الحق»). وما يبدو واضحاً هو أن المالكي (الذي سلّح نفسه بشكلٍ متكلفٍ للقيام بدورياتٍ في مجمعه أثناء التوغل في «المنطقة الدولية») والخزعلي قد أُضعِفا داخل "الإطار التنسيقي" وربما داخل "المقاومة"، لأن نهج المواجهة الذي اتخذاه أثار رد فعلٍ شديدٍ لدى الصدريين - كما توقع العامري.
وتحرّكَ العامري بسرعة وثقة. فبعد نصف ساعةٍ فقط من بدء قنوات "ائتلاف دولة القانون" بنشر بيان "اللجنة التنظيمية لدعم الشرعية والحفاظ على مؤسسات الدولة" في حوالي الساعة 9:30 مساءً (بتوقيت بغداد) في 31 تموز/يوليو 2022، حذّر هادي العامري من أن الاحتجاجات "قد تخرج عن نطاق السيطرة"، ودعا "الإخوة في التيار الصدري و«الإطار التنسيقي»" إلى اللجوء إلى "منطق العقل والحكمة وضبط النفس والتأني وتقديم مصلحة البلاد والعباد من خلال الحوار الجاد والبنّاء" (الشكل 2).
ويعني واقع توجيه العامري كلامه إلى "الإخوة في «الإطار التنسيقي»" أنه يضع نفسه خارج هذا "الإطار" ويُظهر استياءه من قرار شن الاحتجاجات المضادة. ويشكل ذلك أيضاً تهديداً غير مباشر للمالكي والخزعلي، بأن مجموعة العامري ستنسحب من "الإطار التنسيقي" إذا استمر الزعيمان في اعتماد نهجٍ تصعيدي.
وبعد نشر هذا البيان، شعرت شبكة "صابرين نيوز" بأنها مضطرة إلى طمأنة قواعد "المقاومة" في الساعات المبكرة من يوم 2 آب/أغسطس [بإعلانها] بأن "الإطار التنسيقي" والمقاومة بألف خير. ونقلت عن أحد المصادر في "الإطار التنسيقي" قوله: "لا صحة لوجود أي انشقاقات داخل "الإطار التنسيقي"، كما تشيعه بعض الوكالات الفاقدة المصداقية" (الشكل 3).
وبدا أن المالكي والخزعلي أدركا بسرعة أنهما تخطيا حدودهما: فلم يبذل المتظاهرون الذين يحملون أعلام "المقاومة" جهداً جاداً لاقتحام المدخل الجنوبي لـ «المنطقة الدولية»، وسرعان ما نشر الخزعلي رسالة صوتية أخرى طالبت المتظاهرين بالانسحاب. حتى أن الخزعلي شعر بأنه مضطر لإصدار بيان متملق يشيد فيه بالمؤهلات الجهادية التي يتمتع بها العامري، منهياً بيانه بهاشتاغ جاء فيه أن "العامري_شيخ_الإطار" (الشكل 4).
ولعل الأمر الأكثر إثارةً للاهتمام هو أن "كتائب حزب الله" نأت بنفسها عن دعوة الخزعلي للتظاهر، حيث كتب الحساب الإعلامي التابع لـ «كتائب حزب الله» والخاص بأبو علي العسكري: "دعوة التظاهر على أسوار «الخضراء» لا علم لنا بها" (الشكل 5).
وتشير تصرفات العامري - التي أعقبها إظهار الخزعلي بسرعة قدراً من التكريم - إلى وجود قرار داخل [أعضاء] "الإطار التنسيقي" و"المقاومة" - من بينهم مستشاريهم الإيرانيين - يقضي بأن فكرة العامري عن خفض التصعيد كانت المسار الصحيح، وأن مشورة المالكي والخزعلي أثبتت عدم اتسامها بالحكمة. ويتلاءم ذلك مع التوجهات الأوسع نطاقاً وهي: وجود رغبة إيرانية، قبل كل شيء، في إفساح المجال أمام إعادة توحيد البيت الشيعي؛ ورفض "حركة حقوق"، التي هي الجناح السياسي لـ «كتائب حزب الله»، شغل خمسة مقاعد شاغرة للتيار الصدري في البرلمان؛ وتضييق الفارق بين العدد الإجمالي لنواب المالكي والعامري؛ ورغبة المالكي (الموثَّقة في تسجيل تم تسريبه مؤخراً) في تقوية ميليشياته الخاصة لأن "المقاومة" لن تدعم مساعيه بالكامل.