زيادة غير عادية في عديد "قوات الحشد الشعبي"، بالأرقام
تنمو "قوات الحشد الشعبي" بسرعة على الأصعدة كافة، ابتداءً من الميزانية ووصولًا إلى القوى البشرية المعتمدة والتدريب والبرامج الاقتصادية. ويبدو أن هذه القوات قلقة من بروز هذا النمو جليًا وتحاول الحد من معدله.
لم يصادق مجلس النواب العراقي بَعد على الشكل النهائي لمشروع الموازنة الجديدة الممتدة على سنوات عدة من عام 2023 إلى عام 2025، لكن من شبه المؤكد أنها ستشمل زيادة كبيرة في عديد "قوات الحشد الشعبي"، أي القوة الأمنية الجديدة التي أُنشئت بعد عام 2014 بقيادة رئيسها فالح الفياض الذي صنّفته الولايات المتحدة على قائمة انتهاكات حقوق الإنسان، ورئيس عملياتها عبد العزيز المحمداوي المدرَج على قائمة الإرهاب الأمريكية (والمعروف أيضًا باسم أبو فدك، رئيس ميليشيا "كتائب حزب الله" المدعومة من إيران)..
نُقلت علنًا بعض الخلافات حول مدى سرعة نمو القوى البشرية المعتمدة في "قوات الحشد الشعبي". وأفاد تقرير صادر عن اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي في 17 نيسان/أبريل أن القوى البشرية المعتمدة في "قوات الحشد الشعبي" ازدادت بنسبة 95 في المئة في موازنة عام 2023، وتضاعف تقريبًا عدد عناصرها من 122 ألفًا إلى 238 ألفًا. واعترض فالح الفياض على هذه الأرقام في مقابلة مع قناة "يو تي في" (UTV) في 18 نيسان/أبريل (الشكل 1)، حين زعم أن عدد العناصر المخصصة من القوى البشرية ارتفع من 170 ألفًا في عام 2021 (في آخر موازنة مصرَّح بها قَبل هذه الموازنة) إلى 204 آلاف فقط، أي بنسبة 20 في المئة من سنة إلى أخرى، وهي لا تزال زيادة كبيرة (على سبيل المقارنة، ازداد في مشروع الموازنة عدد العاملين في وزارة الدفاع بنسبة 6 في المئة وفي وزارة الداخلية بنسبة 3 في المئة).
بدأت الخلافات حول حجم "قوات الحشد الشعبي"، أي قواها البشرية المعتمدة وقواها البشرية المعبأة فعليًا، منذ زمن طويل. وكما ورد بالتفصيل في الفصل الثالث (من الصفحة 55 إلى الصفحة 64) من دراسة "معهد واشنطن" بعنوان "التكريم من دون الاحتواء: مستقبل "الحشد الشعبي" في العراق"، تم تَعَمُّد إبقاء عديد القوى البشرية المسجَّلة في "قوات الحشد الشعبي" غامضًا على مدى السنوات المتتالية، ولطالما تجاوز العدد الفعلي الأرقام المسجَّلة. ومن المثير للاهتمام أنه حتى هذه الموازنة، وهي الأولى في ظل "حكومة المقاومة" برئاسة محمد شياع السوداني، اكتفت "قوات الحشد الشعبي" بالسعي إلى تسجيل عدد أعضاء يتراوح بين 160 ألفًا و170 ألفًا، وتَمثَّل هدفها الأساسي في إدراج بين 25 ألفًا و35 ألفًا تقريبًا من المقاتلين غير المسجلين في جدول الرواتب الرسمية. وسواء أارتفع عدد العناصر إلى 204 آلاف (كما يزعم الفياض) أو على الأرجح إلى 238 ألفًا (كما يزعم مجلس النواب ويوضح مشروع الموازنة)، تنمو "قوات الحشد الشعبي" بشكلٍ يتجاوز إلى حدٍ كبيرٍ هذه الطموحات السابقة.
تنمو أيضًا ميزانية "قوات الحشد الشعبي"، وإن على نحو أبطأ من نمو عديدها. ففي موازنة عام 2023، ارتفعت ميزانية "قوات الحشد الشعبي" من 2.16 مليارات دولار في آخر موازنة مصرَّح بها (في عام 2021) إلى 2.6 مليارات دولار في موازنة عام 2023، ومن المقرر أن يتكرر ذلك في عامَي 2024 و2025. وتبلغ نسبة هذه الزيادة 23 في المئة، وقد تكون أقل من الزيادة المتراوحة بين 40 و95 في المئة (كحد أدنى) في القوى البشرية، لأن بعض الأعضاء المسجلين الإضافيين كانوا مدرَجين سابقًا ضمن الموازنة كعاملين بدوام جزئي غير مسجلين.
وفي حين أن قائمة الأجور قد لا ترتفع اليوم ارتفاعًا شديدًا، سيكون لزيادة عديد "قوات الحشد الشعبي" "امتدادًا" كبيرًا يطال الالتزامات الجديدة المتعلقة بالمعاشات التقاعدية المخصصة لمقاتلي "قوات الحشد الشعبي". في 25 أيار/مايو، ذكّر فالح الفياض المشاهدين بأن "قانون الخدمة والتقاعد" الخاص بـ"قوات الحشد الشعبي" على وشك الانتهاء، مشيرًا إلى أن "هذا القانون سيؤمّن حقوق المقاتلين ومناصبهم ورواتبهم، ما سيجعلهم موظفين دائمين". ( الشكل 2).
لم يتضح حتى الآن لماذا لا يجوز أن يغطي "قانون الخدمة والتقاعد العسكري" الساري في العراق (أي القانون رقم 3 لعام 2010) "قوات الحشد الشعبي" التي تندرج ضمن "قوات الأمن العراقية". وتشمل التفسيرات أن "مقاتلي "الحشد الشعبي" سيُدعَون جهاديين بموجب القانون الجديد... وستكون "قوات الحشد الشعبي" من مؤسسات الدولة التي لا تفقد صفتها الجهادية أو خلفيتها الدينية". ويشير تفسير آخر إلى أن "قوات الحشد الشعبي" تريد مكانة منفصلة وامتيازات أكثر من قوات الأمن الأخرى على صعيد أنظمة الخدمة والتقاعد الخاصة بها، تمامًا مثلما طوّرت نظامًا قضائيًا عسكريًا منفصلًا من أجل حماية أعضائها عن المساءلة الخارجية.
في السياق عينه، يشكل تضمين الاستثمار الرأسمالي والنفقات السرية لـ"قوات الحشد الشعبي" جانبَين أخيرَين مثيرَين للاهتمام من جوانب زيادة عديد "قوات الحشد الشعبي". في 22 أيار/مايو 2023، كشف عباس الزاملي، رئيس الكتلة البرلمانية التابعة لـ"منظمة بدر"، عن "إضافة 400 مليار دينار عراقي (أو 305 ملايين دولار) إلى الموازنة الاستثمارية لـ"هيئة الحشد الشعبي"" لتستخدمها "شركة المهندس العامة" الجديدة التابعة لها. (الشكل 3). قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في 23 أيار/مايو 2023 إن مجلس الوزراء صوّت للموافقة على "شمول "هيئة الحشد" بالنفقات السرية" عبر إضافة مبلغ 1.5 مليار دينار عراقي (أو 1.2 مليون دولار). وهذا الامتياز لا يحظى به حتى الآن سوى "جهاز المخابرات الوطني العراقي" (الشكل 4)..
تشير هذه التطورات مجتمعةً إلى مضاعفة عدد مقاتلي "الحشد الشعبي" المسجلين تقريبًا وتزويدهم بمنافع حكومية طويلة الأجل، بالإضافة إلى توسيع الأعمال المدنية والقواعد الصناعية الخاصة بـ"قوات الحشد الشعبي"، وأخيرًا إلى الترتيبات غير المسبوقة على صعيد جمع المعلومات الاستخبارية من دون رقابة. وكما يوحي الغموض الذي تعمّد فالح الفياض إضفاءه على أرقام التوظيف، تقلق "قوات الحشد الشعبي" التي تنتحل تسمية "المقاومة" من بروز ازدياد عديدها بسرعة كبيرة على نحو جلي، حتى في ظل تخصيص ميزانية ضخمة وغير مسبوقة لها. ومع ذلك، من المستحيل إخفاء السرعة الفائقة التي يزداد بها حجم "قوات الحشد الشعبي".