أعادت زيارة الرئيس الإيراني رفيعة المستوى إلى بكين التأكيد على حدود العلاقة بين البلدين، وربما ستعزز عدم اهتمام طهران بالتوصل إلى حل وسط في القضية النووية.
عندما زار إبراهيم رئيسي بكين في الفترة 14 - 16 شباط/فبراير، كانت هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ خمس سنوات، وأول "زيارة رسمية" منذ عقدين. وفي اجتماعاتهما وبياناتهما اللاحقة، بدا رئيسي والرئيس الصيني شي جين بينغ، حريصين على التخفيف من التوترات التي برزت قبل شهرين بعد زيارة شي إلى المملكة العربية السعودية. وكانت الخلاصة الرئيسية أن الوضع الراهن يطغى على علاقة الصين مع إيران.
ومع ذلك، يشكل هذا الوضع الراهن في الغالب حالة إحباط مستمر لطهران. فقد وقّع مسؤولون إيرانيون وصينيون رفيعو المستوى حوالي عشرين وثيقة تهدف إلى تعزيز العلاقات في مجالات مثل التجارة والسياحة والاتصالات والزراعة، بهدف دعم اتفاقية التعاون التي أمدها خمسة وعشرين عاماً والتي توصلوا إليها في عام 2021. ووفقاً لإيران، بلغ إجمالي الصفقات الجديدة 10 مليارات دولار، ولكن دون تقديم أي تفاصيل، ولم يتم الإعلان عن أي استثمارات أو مشاريع كبيرة. في المقابل، أسفرت زيارة شي للمملكة العربية السعودية في كانون الأول/ديسمبر عن اتفاقات قيمتها 50 مليار دولار وفقاً لبعض التقارير.
وتعكس الإعلانات التجارية المخيبة للآمال شكوى إيرانية قائمة منذ فترة طويلة. فقد أشار رئيسي، قبل مغادرته إلى بكين، إلى ضرورة تصحيح "تخلف" العلاقة الثنائية، في انتقاد سياسي على الأرجح لسلفه وانعكاس لتوقعات طهران التي لم تتحقق. فقد نضب الاستثمار الصيني في الجمهورية الإسلامية. على سبيل المثال، تشير البيانات الإيرانية إلى أن استثمارات أفغانستان في البلاد فاقت استثمارات الصين خلال العام الأول من ولاية رئيسي، وهو مبلغ مذهل بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم. كما تباطأت الواردات الصينية من السلع الإيرانية غير النفطية (على الرغم من زيادة مشتريات النفط بشكل كبير، مما يوفر لطهران مصدراً حيوياً للإيرادات). وينبع تردد بكين من عدة عوامل، من بينها التهديد بالعقوبات الأمريكية، وبيئة الأعمال الكئيبة في إيران، والرغبة في الحفاظ على توازن مع دول الخليج.
لكن رئيسي لم يغادر بكين خالي الوفاض. فالصور الفخمة لاستقباله هناك قد تؤمن له دعماً ضئيلاً من قبل بعض الدوائر الانتخابية في إيرن، مما يجعله الزعيم القادر أخيراً على تحقيق استراتيجية المرشد الأعلى علي خامنئي القائمة على "التطلع إلى الشرق". وكان رئيسي يأمل أيضاً كما يُفترض وضع حد لخمسة أشهر من الاضطرابات الداخلية وإعطاء صورة عن عودة الأمور إلى طبيعتها، على الصعيدين المحلي والدولي.
بالإضافة إلى ذلك، رحبت طهران بلا شك بتعليقات شي بشأن برنامجها النووي. فوفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الصينية، أشار شي إلى أن حكومته "ستواصل المشاركة البناءة في المفاوضات المتعلقة باستئناف الاتفاق النووي، ودعم إيران في حماية حقوقها ومصالحها المشروعة، والعمل على تسوية مبكرة وملائمة للقضية النووية الإيرانية". ويتوافق هذا الموقف بشكل وثيق مع موقف طهران، الذي يؤكد أن إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة" لعام 2015 ما زال ممكناً وقيد المناقشة مع الأطراف الغربية. وفي المقابل، أوضح الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون منذ أشهر أن مثل هذا الاتفاق ليس "مطروحاً على الطاولة" حالياً نظراً للتطورات المتعددة وهي مواقف إيران من تحقيق "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" الذي أدى إلى انهيار المحادثات في أيلول/سبتمبر، ودعم طهران العسكري للحرب الروسية في أوكرانيا، والقمع المتزايد الذي يمارسه النظام في الداخل.
بالإضافة إلى ذلك، أكد البيان المشترك لشي ورئيسي أن الدولتين "تقفان بحزم ضد جهود بعض الحكومات لتسييس عمل [«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»]". وتؤيد هذه اللغة حجة إيران بأن تحقيق "الوكالة" في المواد النووية غير المصرح بها ليس مناسباً، وهي بمثابة تحذير واضح قبل أسابيع فقط من اجتماع مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" لمناقشة هذه المسألة. ومن المرجح أن يؤدي الدعم السياسي المقدم من الصين، إلى جانب مشترياتها المستمرة من النفط الإيراني، إلى زيادة عدم اهتمام طهران بالتوصل إلى حل وسط.
وبالنسبة لواشنطن، تستمر بكين في موقفها من القضية النووية باتباعها نمط مقلق. ولطالما افترض المسؤولون الغربيون الظروف التي ستدفع الصين إلى استخدام نفوذها الكبير لدفع إيران باتجاه التوصل إلى حل وسط، ولكن إذا كانت تصريحاتها العامة هذا الأسبوع هي أي مؤشر، لم يتم الوصول بعد إلى هذه النقطة.
ووفقاً لذلك، على الولايات المتحدة تكثيف جهودها لتعطيل صادرات النفط الإيرانية إلى الصين. كما على واشنطن وشركائها استخدام القنوات الدبلوماسية للتأكيد لبكين على أن البرنامج النووي الإيراني غير المقيد يُشكل مخاطر على المصالح الصينية في المنطقة.
هنري روم هو زميل أقدم في معهد واشنطن. وتم نشر هذا التنبيه السياسي تحت رعاية "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع للمعهد حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط".