- تحليل السياسات
- منتدى سياسي
زعيم عربي في إسرائيل: حوار مع منصور عباس
شاهد مقابلة بالفيديو مع زعيم أول حزب عربي ينضم إلى الائتلاف الإسرائيلي الحاكم.
مقتطفات من مقابلة مع
عضو الكنيست
الدكتور منصور عباس
رئيس حزب "راعام"، "القائمة العربية الموحدة"
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
منتدى السياسات
10 شباط/فبراير 2022
في 10 شباط/فبراير 2022، استضاف معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حدثاً عاماً عبر الإنترنت مع عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس حزب "راعام" أو "القائمة العربية الموحدة" الدكتور منصور عباس. و "راعام" هو أول حزب عربي إسرائيلي في تاريخ البلاد الذي يشارك في الائتلاف الحاكم.
بعد ملاحظاته الافتتاحية، أُجريت مقابلة مع عضو الكنيست عباس من قبل ديفيد ماكوفسكي زميل "زيغلر" المميز في المعهد، وروبرت ساتلوف المدير التنفيذي للمعهد ورئيس كرسي "هوارد پ. بركويتس" لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وقد خاطب عضو الكنيست عباس هذا الحدث باللغة العبرية. وتم تحرير المقتطفات أدناه من الترجمة الإنجليزية من أجل السياق والقواعد والوضوح.
شاهد المقابلة بالصوت الأصلي
.
الملاحظات الافتتاحية لعضو الكنيست منصور عباس
نحلم بالكثير من المعجزات التي نحاول تحقيقها. نسعى إلى خلق مستقبل جديد، وحاضر جديد، نتمكن من خلالهما التغلب على الصعوبات والتحديات لكي نمضي قدماً في مسار متفائل.
إذا تحدثنا عن التمييز العنصري على سبيل المثال، فهو ليست مشكلة أحادية البعد بين شخصين فحسب، بل مشكلة قائمة بين مجموعات مختلفة. ولا يتجلى ذلك في قرية صغيرة فقط، بل على مستوى المدينة أيضاً في أوساط مجموعات متنوعة في المجتمع الإسرائيلي - اليهود الشرقيون، واليهود الأشكناز، واليهود السفارديم، واليهود المتدينون، واليهود العلمانيون. وتذكرني هذه النظرة دائماً بهذه المقاربة الإنسانية. وإذا نجحنا في حلّ مشكلة واحدة، بين اليهود والعرب على سبيل المثال، فسيكون لذلك تداعيات على المجتمع الإسرائيلي بأكمله.
وإذا نظرنا إلى السياسة العربية داخل دولة إسرائيل، فلطالما اعتبرنا أنفسنا حزباً معارضاً. وبغض النظر عما إذا كان معسكر اليسار أو اليمين هو الذي يتزعم الحكومة، فقد رأينا أنفسنا دائماً في صف المعارضة. وقد قلنا دائماً أننا نريد شراكة أولاً ومن ثم ندرس كيفية الاستمرار. نريد رؤية التغيير وبعد ذلك نبحث في كيفية تقديم المساعدة.
لكن الآن يقول حزبِي، "راعام" ("القائمة العربية الموحدة")، عكس ذلك تماماً. فهو يقول في الواقع إنه من المستحيل المضي قدماً نحو إجراء تغيير مماثل من جانب واحد فقط. نقول إنه لا يمكنك توقُّع حدوث تغيير إذا كنا دائماً نعارض بعضنا البعض وإذا لم نتحدث مع بعضنا البعض بطريقة جادة. واليوم ترى "القائمة العربية الموحدة" أنه رغم هذه الخلافات، نريد أولاً وقبل كل شيء أن نؤسس شراكة ونعالج نقاط الخلاف ضمن هذه الشراكة. وهذا ما يسمح لنا من جهة بالاستعداد لبناء علاقات مع الأشخاص الذين نختلف معهم، وأن هذه الشراكة تولّد اهتماماً لدى الجانبين لمعالجة نقاط الخلاف. ولا يجب أن تكون الفرضية الأولى أنك محق، بل أنك ترغب في التوصل إلى تسوية لحل مشكلة ما.
لنأخذ على سبيل المثال قانون الجنسية [الإسرائيلي]. نعتقد أنه قانون صعب للغاية يضرّ بالحقوق الأساسية التي يتمتع بها المجتمع العربي. فهو يعني أنني، كمواطن إسرائيلي ولكن أيضاً كعربي فلسطيني، لا يمكنني الزواج من امرأة فلسطينية عربية من الضفة الغربية. وهذا أمر صعب للغاية. لكن حالما عالجنا هذه المسألة داخل شراكتنا، نال كل جانب تقريباً ما يريد. حرصنا على ضمان معالجة حقوق هذه العائلات. ومن جهة أخرى، قامت الأحزاب التي تدعم هذا القانون بتمريره.
إنه ليس وضعاً مثالياً. فالوضع المثالي بالنسبة لنا هو أن يحل السلام في المنطقة وفي هذه الأرض المقدسة وأن نتمكن من بناء علاقات بين جميع هذه المجموعات. لكن حتى الآن، لا نزال في مرحلة انتقالية نخرج فيها من وضع غير مرغوب فيه إلى آخر مستحب. وهذا ما يتطلب منا الدخول في حلول وسط.
وبشكل عام، يحب الناس العودة إلى الماضي. فموقفنا هو أنه لا يمكنك العودة إلى الماضي ولكن بإمكانك النظر إليه لمحاولة تضميد الجراح. لا يمكنك العودة إلى الماضي بل يمكنك تعلّم العبر منه.
لا يمكن العمل معاً والعيش معاً من دون التحلي بالصبر والاستعداد للتسامح وإظهار مرونة في التعامل للتغلب على الألم والمشاكل التي واجهناها في الماضي. وهذا هو أساس أيديولوجيتي. فهي لا تقوم فقط على سياسة المصالح، ومبدأ المساومة أو الأخذ والردّ والميزانيات، بل أيضاً على سياسة قائمة على القيم.
نحن نتشارك القيم بين الديانات الثلاث ونعمل وفق القيم الإنسانية لأنه في نهاية المطاف نحن جميعاً أفراد نريد مجرد العيش على هذه القطعة من الأرض.
ماكوفسكي: كيف تقيّم دورك في الإئتلاف بعد مرور ثمانية أشهر تقريباً من تشكيل الحكومة الجديدة وما هو تقييمك للإئتلاف بحدّ ذاته؟ ما هو الإنجاز مدعاة للفخر لديك؟
إن أكثر ما أفتخر به كعضو في الإئتلاف الحاكم هو العملية بحدّ ذاتها، أي نجاحنا في إقامة هذه الشراكة. أنا فخور جداً بأننا تمكّنا من إنشاء هذا الاتصال وإعطاء الناس الأمل بأنه يمكن لليهود والعرب أن يثقوا ببعضهم البعض ويمكن أن يخلقوا إيماناً بأفضل النتائج الممكنة.
من المهم جداً أننا وفرنا الكثير من الموارد للقطاع العربي، للتعليم، للعمل، للتكنولوجيا المتقدمة، وللمزارعين. فالقطاع العربي في إسرائيل هو الأمثل اليوم للاستثمار. إذا استثمرت شيكلاً واحداً، فستستعيده في الحال لأنه مجتمع يريد التطور. وسوف يساعد الاقتصاد الإسرائيلي.
هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها حزب عربي في ائتلاف حاكم. لقد مارستُ السياسة طوال حياتي، لكن لسنوات عديدة لم أكن أرغب في الانضمام إلى الائتلاف. لذلك لم يخض الحزب تجربة حول ما يعني كونه عضواً في ائتلاف أو حتى في الحكومة. فالانضمام إلى ائتلاف يتطلب انضباطاً. عليك أن تدعم القرارات التي لا تؤيدها وسط محاولتك الحصول على تنازلات معينة. والمشكلة أن المجتمع العربي غير معتاد على ذلك.
ولطالما قلتُ إنه من الأسهل أن تكون فقط عضواً في الكنسيت ضمن معسكر المعارضة حيث يتسنى لك الحضور والذهاب متى شئت، ولا تضطر إلى اتخاذ أي خطوة تعارضها. فبإمكانك أن تبقى "طاهراً". وهذا وضع مثالي بالنسبة لي. لكن لا يوجد شيء من هذا القبيل في السياسة. فالكلمة الأساسية هي التوصل إلى حلول وسط.
ماكوفسكي: عندما انضممتَ إلى الائتلاف، أيدكَ غالبية عرب إسرائيل وحتى أرادوا أن تكون في مجلس الوزراء. هل تعتقد أن الجمهور استبق السياسيين في المجتمع العربي؟ متى - وكيف - سيتغير ذلك؟
على الزعيم السياسي أن يتولى القيادة. لا يوجد زعيم يتم قيادته لأن مثل هذا الشخص ليس قائداً، إنه مجرد سياسي. هذا صحيح خاصة عندما يجب عليك إحداث التغيير والتقدم.
لقد كان من دواعي سروري الكبير أن أحظى بدعم الوسط العربي. ففي معظم استطلاعات الرأي العام، هناك ما لا يقل عن 60 في المائة يؤيدون ما نقوم به. حتى الأشخاص الذين لم يصوتوا لحزب "القائمة العربية الموحدة" وصوتوا للحزب الآخر، "القائمة المشتركة"، فإن ما يقرب من 45 في المائة من ناخبيهم يؤيدون ما نقوم به. والكثير ينتظرون ويرون ما يمكننا القيام به، وما يمكننا تحقيقه. وبالطبع، يعتمد ذلك على الطرف الآخر، على الأحزاب الصهيونية، وما إذا كانت ستمنحنا فرصة للنجاح. إذا نجحنا، فلا شك لدي في أن أكثر من 85٪ من الجمهور في إسرائيل سوف يدعموننا.
ماكوفسكي: قلتَ بالعبرية والعربية، إن إسرائيل ولدت دولة يهودية وستبقى كذلك - وقد أشاد بك القادة اليهود الإسرائيليون لشجاعتك وقيادتك. لماذا قلتَ ذلك؟ ماذا تقصد؟ هل كان ذلك مجرد إقرار بحقيقة أم إقرار بشرعية؟
أنا أعتبر نفسي عربي وفلسطيني ومسلم ومواطن في دولة إسرائيل. يمكن لهذه الهويات، القومية والدينية، أن تعيش معاً. وتتعايش هذه الهويات داخل الغلاف الأكبر للقيم، والإنسانية، والعدالة، والدعم المتبادل، والتسامح وقبول الآخر.
وُلِدَتْ دولة إسرائيل كدولة يهودية. كان هذا قراراً من قبل أولئك الذين أقاموا الدولة، الشعب اليهودي. الفلسطينيون لم يفعلوا ذلك. اليوم يوجد غالبية من اليهود في دولة إسرائيل وقد أسسوا تلك الهوية دون استشارتنا. الآن ما الذي سأفعله حيال ذلك؟
هناك مقاربة ترفض قبول ذلك وتحتفظ بالحق في محاربة هذه الهوية. نريد دولة لكل مواطنيها. لا أعرف بالضبط ماذا يقصدون عندما يقولون إنهم يريدون الدولة لجميع مواطنيها، ومن ناحية أخرى، إن دولة إسرائيل هي دولة لليهود. ربما أقصى ما يستطيع العرب تحقيقه هو المساواة النظرية أمام القانون ولكن ليس في الممارسة العملية.
لديّ مقاربة مختلفة. أنا أقول إنني أقبل الآخر، وأتطلع إلى المستقبل، ولستُ متعلقاً بالماضي. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع تغيير السرد التاريخي، إلا أننا نريد أن نفهم السرد اليهودي الإسرائيلي وندمجه مع السرد العربي الفلسطيني.
لطالما كانت هناك حروب وسفك دماء. فقد خاضت أوروبا حربين عالميتين وتوصلت في النهاية إلى نتيجة مفادها أنه من أجل الحفاظ على مجتمع كان عليها أن تتطلع إلى الأمام. يمكن لليهود والعرب العيش معاً عندما تضم هذه الدولة الأقلية العربية دون التضحية بهويتنا أو التنازل عن الحقوق الأولية لليهود.
لقد تساءلت الكثير من مقالات الرأي ما الذي يريده منصور عباس؟ يؤمن الكثير من الناس في المجتمع الإسرائيلي بما أقوله. لكن هناك أشخاص يشككون في أنني نوع من الطابور الخامس، أو أهدف إلى تقويض الدولة والهوية اليهودية للدولة. أنا لا أتجاهل هذه الشكوك. أنا أفهمهم. أطلب أن نمنح بعضنا البعض فرصة، أن نعطي الأمل فرصة، أن نخلق شيء جديد، شيء مختلف.
ربما في الكنيست المقبلة، حتى لو لن تكن "القائمة العربية الموحدة" هي السند لها، ستظل الأغلبية تقول إنه من المهم أن يكون أحد شركائها في الكنيست حزباً عربياً.
ما حاولتُ أن أقوله في المقابلة التي أجرَتْها صحيفة "غلوبس" هو أن النقاش الحقيقي لا يدور حول هوية الدولة القائمة، بل ما هي مكانة الأقلية العربية داخل دولة إسرائيل. هذا هو السؤال الذي سيقرر ما ستكون عليه إسرائيل وما هو نوع الهوية اليهودية التي ستكون لدولة إسرائيل. هل سيكون لها هوية يهودية إنسانية وليبرالية ومنفتحة مقبولة وديمقراطية، أم ستكون لها هوية قومية؟
أحاول أن أُظهِر لليهود والعرب طريقة جديدة للعيش معاً يُدرك فيها كل جانب نفسه كجماعة وكأفراد. فدورنا دائماً هو التأكيد على حقوق الأقلية ولكن الأغلبية لها حقوق أيضاً وعلينا الحفاظ عليها أيضاً.
ماكوفسكي: لننتقل إلى أحداث أيار/مايو - لماذا اندلعَتْ أعمال الشغب في المجتمعات المختلطة؟ لماذا قررْتَ زيارة كنيس قد تم حرقه؟ ما هي الرسالة؟
يمكن لأي شخص الإدلاء بتصريحات، ولكن دَوْر القائد السياسي هو الذهاب إلى حيث يحدث العنف - ليس فقط التلاعب بالكلمات ولكن أن تكون بنفسك هناك، أن تكون هناك شخصياً، لإخبار الناس بالتوقف. لقد اندهشنا جميعاً مما حدث، خاصة في المدن المختلطة حيث يعيش اليهود والعرب معاً، وليس في القرى المجاورة. أنا أتحدث عن الجيران الذين يعيشون في المبنى نفسه أو في الحي نفسه. لقد اندهشنا جميعاً لمعرفة سبب اندلاع العنف في تلك المدن.
لماذا فشلنا في هذه المدن؟ نحن، حكومة إسرائيل، فشلنا لأننا لم نلاحظ أبداً الهوة بين الشعبين. فجميع الخطط الاقتصادية والاجتماعية التي من المفترض أن تكون الحكومة قد روّجت لها سابقاً في الوسط العربي، أخفقت في الوصول إلى 10٪ من السكان في المجتمعات المختلطة. وبالطبع إن الحكومات المحلية في يافا واللد لم تعتبر نفسها مسؤولة. لم تعتقد أنها مضطرة للذهاب إلى الحكومة للحصول على المساعدة. نحن ملتزمون بسد هذه الفجوة.
بالطبع، وقعت هذه الأحداث على خلفية ما كان يحدث في المسجد الأقصى بالقدس والعلاقات كانت سيئة أساساً.
لقد تحققت نجاحات كبيرة في المدن والبلدات والقرى العربية. لكن لسبب ما، لم يلاحظ أحد منذ عقود ظاهرة الأحياء الفقيرة حقاً.
أتينا إلى الحكومة الجديدة وقلنا إننا نريد خطة اقتصادية واجتماعية وتعليمية. نريد بنية تحتية. نريد دور سَكَن في هذه الاحياء العربية في المدن المختلطة. ومجدداً، يمكننا أن نواصل الحديث عن أحداث أيار/مايو لسنوات ولا نفعل شيئاً. ما يهم هو كيف يمكننا تحسين نسيج العلاقات في المدن المختلطة.
ماكوفسكي: انصبّ تركيزكَ على القضايا التي تمس المجتمع العربي في إسرائيل، وليس على القضية الفلسطينية. لماذا؟
نريد أن يكون سلام هنا في الأرض المقدسة بين اليهود والعرب، وفي الموضوع الفلسطيني في الوقت نفسه. عندما ذهبنا إلى الانتخابات كان تركيزنا الأساسي على أجندة مدنية أكثر تحديداً - أخبرتُ المواطنين العرب في دولة إسرائيل أنني أريد معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإسكانية في مجتمعاتهم. لذلك، من منظور ديمقراطي، تم تكليفي بتفويض لإعطاء الأولوية لهذه القضايا.
لدينا العديد من التحديات داخل مجتمعاتنا العربية. نعاني من الكثير من الجرائم - هناك منظمات إجرامية تستولي على حياتنا واقتصادنا وحتى جزء من البلديات المحلية في المدن العربية. لا يمكنكَ محاولة تغيير العالم عندما لا يمكنك حتى حماية مجتمعك. أخلاقياً، لا أستطيع أن أتعامل مع جميع مشاكل العالم وأنسى القضايا المحلية أو أتركها تنزف. لذلك اتخذنا نهجاً محلياً، وما زلنا نحافظ على هذه النظرة.
أحمل هذه المسؤولية على عاتقي لأنني انتخبتُ لهذه الخطة. إذا أردتُ خطة مختلفة، فسأعود إلى الجمهور الذي اختارني وأخبره/أخبر أفراده أنني أختار الآن خطط مختلفة. إذا كان هذا مناسباً لك، حسناً. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فيمكنك اتخاذ القرار في الانتخابات القادمة.
لدينا مكانة خاصة جداً - من ناحية، نحن جزء من الشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى، كثير منا أيضاً مواطنون في دولة إسرائيل وعلينا أن نوازن بين هاتين الهويتين. وهذا الوضع الخاص يبعث الأمل في أنه إذا كان بإمكان المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل العيش والتطور معاً، وإقامة شراكة، والعمل معاً بسلام وأمن، فيمكن للشعبين العربي واليهودي أن يفعلا ذلك أيضاً.
ماكوفسكي: ما رأيك في "اتفاقيات إبراهيم"؟ كيف تؤثر هذه الظاهرة على عرب اسرائيل؟
يجب أن أكون صادقاً ومنفتحاً بشأن الفترة التي وقّعت فيها الحكومة الإسرائيلية على "اتفاقيات إبراهيم" واتفاقيات السلام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين. خلال تلك الفترة، كان حزبي "القائمة العربية الموحدة" في شراكة مختلفة مع جميع الأحزاب العربية الأخرى - أي "القائمة المشتركة"، والتي تضمنت أيضاً حزباً شيوعياً، وحزباً قومياً عربياً، وحزباً نصف قومي. لقد قرروا عدم دعم هذه الاتفاقيات، وبما أن حزب "القائمة العربية الموحدة" كان متوافقاً معهم في ذلك الوقت، فقد وافق على هذا القرار علناً، ويشبه ذلك إلى حد كبير عندما أصبحنا الآن جزءاً من الائتلاف الحاكم الحالي ونسعى جاهدين لمواءمة أنفسنا مع قراراته. لقد قلتُ لزملائي العرب في ذلك الوقت أنه لا يمكننا مجرد التصويت ضد هذه الاتفاقيات، ولكن لم يتم قبول وجهة نظري. لذلك قلتً لنفسي وللآخرين الذين اتفقوا مع موقفي أنه إذا أردنا إجراء تغيير، فلا يمكننا القيام بذلك عندما نكون محدودين، عندما لا نكون قادرين على التعبير عن القضايا التي نؤمن بها.
لذلك، يمكنني أن أقول لكم اليوم بصراحة أنه كان من الخطأ عدم التصويت على تلك الاتفاقيات، وأنا أراها بشكل إيجابي. فالعلاقات التي نتجت عن تلك الاتفاقيات آخذة في التطور، ونحن نحاول ببطء أن نجد مكاننا في هذا النظام. أحاول الابتعاد قدر المستطاع عن المشهد الدولي شديد التعقيد لأن لدي مجموعة مختلفة من الأولويات، تركز في الغالب على المستوى المحلي. لكننا ما زلنا نهدف إلى معرفة كيف يمكننا المساهمة في توثيق هذه الروابط، مع تقديم معتقداتنا بالطبع إلى طاولة المفاوضات. وإذا ظهرت اتفاقيات جديدة، فسنؤيدها بالتأكيد.
روبرت ساتلوف: شكراً لك د. منصور. قبل أن نختتم اللقاء، أود أن أطرح عليك سؤالاً أخيراً. في ملاحظاتك، وخلال حديثك مع ديفيد الذي استمر لساعة من الوقت، لم تستخدم مصطلح "الفصل العنصري". ما هو شعورك عند سماعه لوصف الوضع بين العرب واليهود داخل إسرائيل؟
لن أصف الوضع بأنه قائم على الفصل العنصري - ففي الواقع، أنا ضمن الإئتلاف، وإذا أردتُ أن أشارك في الحكومة فبإمكاني أن أكون فيها أيضاً. وبالتالي، فالمقاربة التي أعتمدها تجعلني أقدّم إجابة أكثر عمومية: أحاول عدم الحكم على ظاهرة معينة، وبدلاً من ذلك أفضل وصف الواقع بطرق موضوعية. وإذا كان هناك تمييز في مجال معين، فإننا نقول عندئذ إن هناك تمييزاً في هذا المجال المحدد.
على سبيل المثال، نقول إن هناك فجوات بين الطلاب العرب واليهود والميزانيات المخصصة لهم، ونحن نعلم أن هناك فجوات داخل المجتمع اليهودي وقطاع التعليم أيضاً. فالجميع يدرك وجود مثل هذه التفاوتات، وستجد أوصافاً موضوعية لها في الوثائق الحكومية، والتقارير الاصادرة عن مراقب الدولة أو محقق شكاوى الجمهور. لكن الجميع سينتقلون بعد ذلك إلى استخدام المصطلحات الخاصة بهم عند مناقشتها.
عادة ما أحاول ألا أحكم على الآخرين، فلا أقول مثلاً "أنت عنصري" أو "الدولة عنصرية" أو "إنها دولة فصل عنصري" أو "إن هذا ليس عنصرياً". ما أقوله هو أن دوري كزعيم سياسي يتمثل في محاولة رأب الفجوات، وتحسين التشوهات، وإقامة مجتمع أفضل وأكثر عدالة - ليس فقط بين اليهود والعرب، ولكن أيضاً بين العرب وبين اليهود.
يقول البعض إنني لطيف للغاية، وأنني لا أتحدث بصراحة كافية، وأنني لا أصف المواقف بشكل واضح. لكن عندما أنظر إلى الحي الذي أسكن فيه وإلى عائلتي، أرى أن المشكلة ليست بسيطة. لذا، إذا أردتَ التحدث عن العنصرية، فلنتحدث عن العنصرية بين الأحياء، بين المدن، بين الدول، وسترى كيف تتغير الأمور.
لقد تخصصتُ في مجال الطب، وتعلمت أن المرحلة الأولى تتمثل دائماً بتوفير حل جيد استناداً إلى التشخيص الجيد. فلا فائدة من إصدار الأحكام. أعود وأكرر أنني لا أبحث عن الأشخاص المذنبين بل عن الشركاء - عن فرصة للتعاون سوية. إذا نظرتَ بتمعن إلى الأشخاص الذين يعيشون بيننا هنا في هذه البلاد - من يهود وعرب ومسيحيين وغيرهم - أعتقد أن لدينا نظاماً ممتازاً من القيم الذي يمكننا استخدامه كأساس لبناء مجتمع أفضل.
سأختتم بالتركيز على نقطة واحدة كنت قد تحدثت عنها مع أصدقائي المقربين وأصدقائي في قيادات أحزاب أخرى في الإئتلاف: أنا لا أقترح غض النظر عما يتمّ نشره في وثائق "منظمة العفو الدولية"، أو تقارير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، أو تقارير دولية أخرى، أو حتى التقارير الإسرائيلية. إنها فرصتنا لدراسة ما يجري، والتعمق فيه، لنرى ما يمكننا إصلاحه وما يمكننا تغييره. وهذا بالطبع ينطبق على المستوى الداخلي الإسرائيلي والمستوى الفلسطيني-الإسرائيلي الأوسع نطاقاً. ومن وجهة نظري، إن المسار الصحيح هو عدم قول ما هو صواب أو ما هو خطأ، بل القيام بكل ما هو مفيد. هكذا أرى نفسي. لا أتمتع بالحق للحكم على الناس؛ ولكن لدي الرغبة في تحقيق هذا التغيير بالتعاون معهم. أنا سأتغير وأنت ستتغير. ولا يعني ذلك أنني الشخص الصالح تماماً وأنت السيئ تماماً. مصيرنا أن نعيش معاً، لكن يمكننا أن نقرر كيف سنقوم بذلك. ويمكننا مواجهة الصراعات والكراهية بالقيم التي عرضتُها مُسبقاً: السلام والأمن والتسامح. عندما نراجع أنفسنا، أعتقد أننا جميعنا نعرف الإجابة الصحيحة.