- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
وهم الانتخابات المبكرة في العراق
في 30 تموز/يوليو، أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن الانتخابات المبكرة في العراق ستجري في السادس من حزيران/يونيو 2021. وعقب هذا الإعلان، أطلقت أطراف سياسية مختلفة وابلًا من التصريحات في وسائل الإعلام العراقية، حيث طالب البعض بانتخابات "أبكر" حتى. وشمل هذا المعسكر الرئيس ورئيس مجلس النواب و"بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" و"المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" إضافةً إلى عدد كبير من قادة الأحزاب السياسية.
وتنقسم إجابات الأحزاب كالتالي: رحبت الأحزاب الشيعية بالإعلان وسط طلب البعض تقريب الموعد، في حين كان ترحيب الأطراف السنّية مشروطًا بـ"عودة النازحين داخليًا إلى منازلهم واستخدام بطاقات الهوية البايومترية و سحب الميليشيات من مناطقهم". أما الأحزاب الكردية، فاختارت عدم إصدار أي تصريحات سواء داعمة للإعلان أو معارضة له. مع ذلك، يتوقّف الكثير على مشاركة الأحزاب السياسية ودعمها الفعال وكذلك على حل البرلمان في المرحلة المقبلة، وقد يكون دعمها الفعال أقلّ موثوقية مما تشير إليه التصريحات العلنية.
خارطة طريق الانتخابات
كما لاحظ المراقبون السياسيون، لا يتمتع رئيس الوزراء بالصلاحية الدستورية لتحديد موعد للانتخابات؛ بدلًا من ذلك، كان إعلانه مجرد "تصريح سياسي" و"تنفيذ وعود". وعليه، أعلن الرئيس برهم صالح تمتعه بالصلاحية الدستورية لتحديد موعد الانتخابات وأصدر بيانًا في 3 آب/أغسطس يحدّد خارطة طريق للانتخابات المبكرة. وتشمل الخطوات طلب الحكومة حلّ البرلمان، والتصويت من قبل البرلمان ومن ثم إقدام الرئيس على تحديد موعد للانتخابات في غضون شهرين من حل البرلمان الحالي. وفي بيانه، استشهد الرئيس بالمادة 64 من الدستور العراقي.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل لدى الأحزاب السياسية في العراق النية حقًا في خوض انتخابات مبكرة؟ تواجه الانتخابات المبكرة العديد من التحديات، يتطلب الكثير منها أن تمضي الأحزاب السياسية قدمًا ضمن أطر عمل قانونية مثيرة للجدل أو غير مكتملة. ومن شأن قدرة الحكومة الاتحادية على تبديد المخاوف التالية أن تُحدث فرقًا كبيرًا في نجاح الانتخابات المبكرة أو تأخيرها.
حل البرلمان: يعتقد المراقبون السياسيون أن الأحزاب السياسية غير جدية في حل البرلمان. فحتى الآن، لم يحدد المجلس موعدًا للاجتماع وتعاملوا مع المسألة ببيانات دعم وتأييد واهية.
على سبيل المثال، دعم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الإعلان ودعا إلى "عقد جلسة برلمانية بحضور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والأحزاب السياسية"، غير أن أحدًا لم يعمل على بلورة هذه الدعوة ولم يُقدم هو نفسه على تحديد موعد لهذه الجلسة. ويعتقد المراقبون أن معظم الأحزاب السياسية راضية عن مستوى التمثيل الذي تحظى به حاليًا. فمن شأن أي انتخابات جديدة أن تقلّص نفوذها، وبالتالي لا رغبة حقيقية لديها للسعي وراء نتيجة قد تضرّ بمصلحتها.
فالنواب الحاليون غير تواقين لخسارة وظائفهم وما ينتج عنها من رواتب ومنافع أخرى، حيث ما من ضمانة أنهم سيحتفظون بمناصبهم أو حتى سيستمرون في المشاركة بالعملية السياسية في حال مضت الحكومة قدمًا في الانتخابات المبكرة.
إنجاز قانون انتخابي: ما يعيق الانتخابات المبكرة أيضًا هو إطار عمل قانوني غير واضح. فقد عجز البرلمان عن إنجاز القانون الانتخابي الجديد الذي تمّ تمريره في 24 كانون الأول/ديسمبر 2019. ولا تزال أهم مكونات القانون – آلية توزيع الدوائر الانتخابية – غير مكتملة. وخلال نقاشات متكررة شهدتها الأشهر الثمانية الماضية، اقترح أعضاء البرلمان دوائر انتخابية صغيرة تضمّ بين 4 و5 مقاعد بدلًا من مقعد واحد. ويهدف الاقتراح إلى توفير فرصة أفضل للأحزاب المتوسطة الحجم بتخطي النسبة الضرورية لدخول البرلمان.
ونظرًا إلى هذه الضبابية المحيطة بهذه الانتخابات، تدعم بعض الأحزاب التخلي التام عن القانون الجديد والعودة إلى القديم الذي لا يزال نافذًا. فالنظام الجديد قد يكلّف الأحزاب الشيعية خسارة ستة مقاعد في بغداد لصالح السنّة.
المحكمة الاتحادية: إن حركة المحكمة الاتحادية مشلولة حاليًا، حيث تعجز عن إكمال نصابها بعد تقاعد أحد القضاة. كما تعاني المحكمة جراء عجز البرلمان عن تمرير قانون جديد خاص بالمحكمة الاتحادية كما ينص عليه الدستور. فضلًا عن ذلك، حالت الخصومة الشديدة بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية دون إحراز أي تقدّم في تعيين قاضٍ بديل جديد.
ولحل هذه المسألة، اقترحت رئاسة الجمهورية مقترح جديد من تسعة أعضاء للمحكمة الاتحادية، بمن فيهم خمسة قضاة وخبيران في الفقه الدستوري وخبيران في الفقه الإسلامي. ومن بين الحلول المقترحة الأخرى، أمام هذا الاقتراح الفرصة الأفضل للنجاح نظرًا إلى الدعم الذي يحظى به من الأحزاب السياسية، غير أن ذلك يتطلب بدوره أفعالًا وليس أقوالًا.
مشاكل "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات": فكك القانون الانتخابي الجديد فعليًا المفوضية، حيث أزال 29 مديرًا عامًا من منصبهم وترك المفوضية بدون موازنة. وعلى الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها الحكومة الجديدة، لم تحصل "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" على أي مبالغ مالية على الإطلاق.
علاوةً على ذلك، تعاني المفوضية من خلل وظيفي منذ ما يقرب من السنتين. ونتيجةً لذلك، لم يتمّ تحديث القائمة الانتخابية. وفي حين طالبت الكثير من الأحزاب السياسية باستخدام بطاقات الهوية البايومترية خلال الانتخابات، لا تملك المفوضية القدرة على تحديثها بسرعة من دون تخصيص الأموال المناسبة لذلك. وناهيك عن هذه المشاكل، تعاني المفوضية تعقيدات كثيرة أخرى، وتتوقف جهوزيتها لإجراء انتخابات في أقل من سنة على قدرة الحكومة المشكوك فيها على معالجة مجموعة من المشاكل.
الأمن: يُعتبر الأمن ركنًا أساسيًا في أي انتخابات. وفي حالة العراق، تنبع المخاوف حيال الأمن من الفشل السابق في تقييد حيازة الأسلحة في البلاد. ويهدد الوضع الأمني الحالي نزاهة النظام الانتخابي وكان دفع بالكاتب السياسي سرمد الطائي إلى القول بأن "الانتخابات في ظل الفوضى الحالية والميليشيات المسلحة لن تكون عادلة، وسوف نشهد اغتيالات منظمة لأبرز المرشحين من الحركة المدنية". وكانت الجماعات المسلحة قد تدخلت في العملية الانتخابية في السابق.
الإشراف الدولي: طالب العديد من القادة، بمن فيهم الرئيس ومقتدى الصدر، بإشراف دولي على الانتخابات من أجل "منع التزوير والتلاعب في النتائج"، ويوافق آخرون على أن وجود مراقبين دوليين وإشراف "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" على الانتخابات هي خطوات أساسية لحصول انتخابات عادلة. مع ذلك، يعارض البعض أي تدخل خارجي ويعتبرون هذا الإشراف بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية العراقية، حتى أنهم يرغبون في وضع قيود على دور الدعم الفني.
الخوف من تغيير سياسي: لا يمكن معالجة المشاكل المذكورة أعلاه من دون إرادة سياسية، ومن غير الواضح ما إذا كانت الأحزاب السياسية جدية في إجراء انتخابات مبكرة. فمعظم أعضاء البرلمان يخشون ربما من أي تغيير محتمل في المجلس التشريعي، ويمكن لهذه الأطراف أن تعمل عمدًا على إرجاء أو حرف الانتخابات عن مسارها. ومن المرجح أن ترجئ الحجج الناتجة موعد الانتخابات.
الخطوات المقبلة
أقدم الرئيس ورئيس الوزراء على خطوتهما وباتت الكرة الآن في ملعب مجلس النواب. فعليهم أن يقرروا ما هي الخطوات المقبلة، لكن بالنظر إلى أدائهم خلال الأشهر العشرة الماضية، لا يمكننا أن نأمل الكثير.
تختلف التحديات المشار إليها أعلاه بطبيعتها؛ فبعضها فني والبعض الآخر لوجستي وأغلبيتها ذات طابع سياسي. صحيح أنه يمكن حل المشاكل اللوجستية والفنية، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الخلافات السياسية. فكافة المؤشرات تدل حاليًا على أن الأحزاب السياسية في العراق تخطط لوضع مصلحتها فوق المصلحة المشتركة. ونتيجةً لذلك، فإن اتخاذ أي قرار كبير بإجراء انتخابات مبكرة مستبعد ما لم يحشد داعمو الانتخابات المبكرة زخمًا. وحدها هذه الخطوة يمكن أن تخلق ظروفًا جديدة سترغم باقي الأحزاب على السعي إلى انتخابات مبكرة، حتى وإن كانت لا تعجبها هذه الظروف.