- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأقليّة العربيّة في إسرائيل وانتخابات الكنيست
تجري في التاسع من نيسان 2019 الانتخابات البرلمانيّة في إسرائيل، وهي الانتخابات البرلمانية الحادية والعشرين في تاريخ البلاد. يصل عدد من لديهم حق التصويت 6.3مليون مواطن، منهم أبناء الأقليّة العربيّة في إسرائيل الذين يشكّلون خمس مجمل مواطني إسرائيل. وخلال انتخابات الكنيست العشرين التي جرت في آذار/مارس 2015، مثّل الأقليّة العربيّة تحالف واسع لأربعة أحزاب عربيّة أو أحزاب عربية - يهودية مشتركة، خاض الانتخابات تحت اسم "القائمة المشتركة" (The Joint List)، وقد حاز هذا التحالف على ثلاثة عشر مقعداً من أصل 120 في الكنيست، وهو أعلى مستوى تمثيل للعرب منذ قيام إسرائيل، رغم أن نسبة التصويت وصلت %63.7 فقط ممن لديهم حق التصويت في المجتمع العربي، مقارنة بالنسبة القطريّة التي وصلت %72.3 وحوالي %76 في المجتمع اليهودي. ومن المتوقع في انتخابات الكنيست المقبلة أن تتنافس عدة قوائم على التمثيل العربي في الكنيست، لكن حسب جميع استطلاعات الرأي فإن التمثيل العربي سينحصر في إطار الأحزاب التي مثلت العرب في الدورات السابقة. ومع ذلك، فإن التصدع الذي أصاب القائمة المشتركة والاهتمام المتزايد بمقاطعة الانتخابات يوحي بأن التمثيل العربي في انتخابات الكنيست المقبلة سوف يتقلص على الأرجح.
مع إعلان تقديم موعد الانتخابات التي كان من المفروض إجرائها في تشرين الثاني 2019، حدث انشقاق داخل صفوف "القائمة المشتركة"، حيث انسحبت الحركة العربيّة للتغيير من القائمة، وبائت جميع المحاولات لرأب الشرخ بالفشل، وأدّى ذلك إلى تفكك القائمة المشتركة إلى قائمتين تضم كل منهما حزبين من الأحزاب الأربعة التي شكّلت القائمة المشتركة. القائمة الأولى تضم حزب "الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة"، القائم على أسس الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحزب "الحركة العربيّة للتغيير"، والمتميز بشخص رئيس الحزب ذي الشعبيّة والكاريزما، الدكتور أحمد الطيبي – الذي كان مستشار لرئيس السلطة الفلسطينيّة السابق، ياسر عرفات.
أمّا القائمة الثانية فتتكون من "القائمة العربيّة الموحّدة" – الجناح السياسي للحركة الإسلاميّة الجنوبيّة (الحركة الإسلاميّة الشماليّة معرّفة في إسرائيل على أنها خارجة عن القانون منذ عام 2015)، وحزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، والذي يمثّل التيّار القوميّ والعلمانيّ في المجتمع العربيّ، والذي يطالب بأن تصبح إسرائيل دولة كلّ مواطنيها وليس فقط دولة يهوديّة - كتعرفيها في وثيقة الاستقلال - أو دولة الشعب اليهودي كما هي مُعرّفة في قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" (Basic Law: Israel as the Nation-State of the Jewish People) والمعروف باسم "قانون القوميّة" الذي تمّت المصادقة عليه في تموز العام الماضي.
رغم تفرّقها في الانتخابات على مرّ السنين، باستثناء الفترة ما بين 2015-2018، إلّا أن الأحزاب العربيّة تناضل من أجل ذات القضايا الّتي يعاني منها المواطنون العرب منذ عقود: تقسيم غير عادل للميزانيّات (مشكلة تعاني منها قطاعات مختلفة في إسرائيل، أبرزها الأقليّة العربيّة)، إقصاء العرب في مجالات عديدة في الحيّز العام الإسرائيليّ (مثل قضية التمثيل في القطاع الحكومي بحيث يتناسب مع نسبة من السكان). وفى هذا الإطار، يجب أن تتعامل هذه الأحزاب أيضًا مع حقيقة أن أعضاء الكنيست الذين ينتمون إليها لا يُعتبرون شركاء طبيعيين أو شرعيين في الائتلافات الحاكمة، وذلك على الرغم من وجود بعض النماذج من السياسيين العرب الذين تم انتخابهم للكنيست كأعضاء في كلا من حزب الليكود والعمل.
كما تناضل الأحزاب السياسية أيضا ضد المستوى المتدنّي للخدمات العامة في البلدات العربيّة، نقص الأراضي المتاحة للبناء ومشكلة البيوت غير المرخصة والمهددة بالهدم في البلدات العربيّة لعدم وجود خرائط تخطيط هيكليّ للكثير من البلدات العربيّة، بالإضافة إلى مأساة العنف والجريمة المنظّمة وانتشار السلاح غير المرخّص في المجتمع العربيّ على ضوء ظاهرة عدم تصدّي الشرطة والحكومة في إسرائيل لهذه الظاهرة في حين هناك ظاهرة في استخدام زائد للقوة من قبل الشرطة (Over-Policing) تجاه المواطنين العرب. جُلّ جهود النّواب العرب تتّجه لمعالجة مشاكل وتحديّات المجتمع العربيّ المذكورة وغيرها.
رغم ذلك، فإنّ نسبة المشاركة العربيّة في انتخابات الكنيست في العقدين الأخيرين أقلّ بشكل واضح، أحياناً بنسبة من المشاركة في المجتمع اليهودي، وأقلّ بحوالي %25 من نسبة مشاركة المواطنين العرب أنفسهم في انتخابات المجالس المحليّة والبلديّات. فخلال الانتخابات المحليّة الأخيرة التي جرت في تشرين الأول 2018، أدلى أكثر من أربعة أخماس العرب في معظم القوائم الانتخابية بأصواتهم، بينما من المتوقع حسب دراسات واستطلاعات عديدة نشرت في الشهر الأخير أن تكون نسبة المشاركة في انتخابات الكنيست القريبة حوالي %50 فقط في صفوف الجماهير العربيّة.
إثر الإعلان عن نسبة التّصويت المنخفضة المتوقّعة خلال الانتخابات المقبلة، والحديث المتزايد حول مقاطعة الانتخابات، وانطلاق حملة في البلدان العربيّة تنادي بالمقاطعة، جاءت ردّة فعل الأحزاب العربيّة المتأخرة لمحاولة تشجيع المواطنين العرب على التّصويت دون أن تقرّ هذه الأحزاب بمسؤوليتها عن تدنّي مستوى ثقة الجمهور بها ودون الاعتذار عن أخطائها.
ينقسم المقاطعون للعملية الانتخابية إلى أربعة أقسام: القسم الأول، وهم المبدئيون أو العقائديّون، وهؤلاء هم المنتمون لحركة أبناء البلد بالإضافة إلى الحركة الإسلاميّة الشماليّة والمتبنين لفكر الحركتين والمتعاطفين معهما. تُقدّر نسبة كلّ هؤلاء بحوالي ربع الناخبين من عرب إسرائيل. كلا الحركتين ترفضان الواقع الإسرائيلي والاندماج فيه وتدعوان إلى عدم المشاركة في انتخابات الكنيست، مع تأييد المشاركة في الانتخابات المحليّة. الحركة الإسلاميّة الشماليّة تمّ حظرها في تشرين الثاني 2015، ويرجع ذلك جزئيًا إلى رأي الحكومة بأن الحركة كانت تقف خلف تأجيج الاحتجاجات وأعمال العنف في المسجد الأقصى آنذاك.
يضم القسم الثاني من المقاطعين هؤلاء الّذين خابت آمالهم من الأحزاب العربيّة وأعضائها. تنبع خيبة الأمل هذه من سوء أداء النواب العرب بنظر الجمهور العربي، حيث تشير دراسة نشرت في جامعة تل أبيب أواخر آذار 2019 أن %42 من المستطلعين العرب في الدراسة يرون أن أداء النواب العرب سيء، %24 منهم يرونهم سيء جداً.
أما القسم الثالث، فهو يضم المقاطعون الذين لا يؤمنون بقدرة النواب العرب على تمثيلهم وتحصيل حقوقهم لانعدام قدرتهم على التأثير على عمليّة صنع القرارات ووضع السياسات في الدولة، لكونهم مهمّشين سياسياً وبلا أمل للانضمام والمشاركة بأي ائتلاف حكوميّ يتشكل بعد الانتخابات. ومع ذلك، تشارك الغالبيّة الساحقة من هؤلاء ومن المجموعتين الأخريين تشارك في انتخابات السلطات المحليّة باعتبارها مكوّنة من أعضاء محليين معروفين للناخبين بشكل شخصيّ بعكس غالبيّة المرشحين لانتخابات الكنيست، بالإضافة إلى كون السلطات المحليّة العربيّة هي المزوّد الأساسيّ للخدمات للمواطن العربيّ في إسرائيل وأحد المشغّلين البارزين في المجتمع العربيّ.
يشمل القسم الأخير من المقاطعون هؤلاء الّذين لا يثقون أن نيّة النوّاب العرب هي خدمة مصالح المواطنين العرب، بل يرون أنهم يسعون وراء خدمة مصالح شخصيّة وحزبيّة. نسبة المنتمين إلى هذه المجموعة ازدادت بشكل ملحوظ خلال العامين الأخيرين، على ضوء صراعات بين مكوّنات القائمة المشتركة على التناوب بين أعضاءها، وذلك في أعقاب استقالة النائب باسل غطاس من التّجمع الوطني الدّيمقراطيّ، إثر إدانته في قضية أمنيّة. أزمة التّناوب أدّت إلى تعطيل اتفاق التناوب الّذي كان متّفقاً قبل انتخابات 2015 لأكثر من عام وسبّبت ضرراً كبيراً لعمل القائمة ووقفت وراء انشقاقها قبيل انتخابات 2019. تلك الانشقاقات أدت إلى انخفاض مستوى الثّقة الجماهيريّة بالأحزاب وقياداتها ونوّابها، كما أدت إلى ارتفاع نسبة العازمين على مقاطعة التصويت كنوع من العقوبة لنّواب الأحزاب العربيّة..
وبالنظر إلى الميل المتزايد إلى مقاطعة الانتخابات، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن عدد مقاعد الكنيست التي يشغلها سياسيون عرب سوف يتأثر نتيجة هذه المقاطعة، فحسب نتائج الاستطلاعات الأسبوعيّة لإحدى عشرة وسيلة إعلام إسرائيليّة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، من المرجح أن تفوز الأحزاب العربية بما بين 10 إلى 11 مقعدًا في الدورة الحادية والعشرين للكنيست، وذلك المقارنة بالثلاثة عشر مقعدًا التي حصلت عليها سابقًا ما يعني تراجع بنسبة من التمثيل العربيّ.
وتشير الاستطلاعات إلى أنّ تحالف الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة والجبهة العربيّة للتغيير سيتجاوز العتبة الانتخابيّة (نسبة الحسم The Electoral Threshold) البالغة %3.25 من مجمل الأصوات، ما سيمكنه من الحصول على تمثيل في الكنيست، حيث تتوقع معظم الاستطلاعات حصول هذا التحالف على 7-8 مقاعد. أمّا تحالف القائمة الموحّدة، فإنّه ما زال في دائرة خطر عدم تجاوز العتبة الانتخابيّة، ما يشير إلى احتمال (ضئيل إلا أنه موجود) لمزيد من انخفاض بعدد النواب العرب في الكنيست.
إنّ وجود الأقليّة العربيّة على هامش الحيّز العام في إسرائيل لا يضرّ فقط بمصالح الأقليّة العربيّة، إنّما يضرّ كذلك بمصالح إسرائيل كدولة ومجتمع. فاندماج مواطنيها العرب في شتى مجالات الحياة سيعود بفوائد سياسيّة، دبلوماسيّة واقتصاديّة وفوائد أخرى كثيرة، لأنّ الأقليّة العربيّة في إسرائيل الّتي يعرف أبنائها الثقافتين العربيّة والإسرائيليّة قادرة على أن تكون جسراً في تسوية الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ وفي تنمية علاقات إسرائيل مع دول الجوار، ما سيساهم في تعزيز العمليّة السلميّة في الشرق الأوسط، ويعزّز من مكانة إسرائيل إقليمياً ودولياً، على الصّعيد السّياسيّ-الدبلوماسيّ وعلى الصّعيد الاقتصاديّ.
من أجل ذلك، من الحريّ بالقيادة الإسرائيليّة التوقّف عن تهميش العرب، والبدء بذلك في الحيّز السّياسي. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، يتوجب على قيادات الأقليّة العربيّة في إسرائيل المطالبة بالاندماج السّياسيّ، والسّعي من خلال ذلك لتحسين ظروف المواطنين العرب في إسرائيل، بالإضافة إلى طرح أنفسهم كجزء من الحل لا كجزء من الصراع بين إسرائيل - الدولة التي هم مواطنوها - والشعب الفلسطيني - الّذين هم جزء منه. من الأفضل للقيادات والجماهير العربيّة المشاركة الفعّالة والاندماج. هذا جزء أساسي من حل مشاكلهم، والأفضل أن يكونوا جزءً من الحلّ على أن يكونوا جزءً من المشكلة.