ظهرت العلامات الأولى لوباء فيروس كورونا قبل أسبوعين فحسب من دورة الانتخابات الثالثة في إسرائيل، حين تمّ حجر أربعة عشر إسرائيليًّا لمدة أسبوعيّن على متن السفينة السياحية "أميرة الألماس" قبالة ساحل اليابان. وبالنسبة إلى السياسيين في إسرائيل، أعطاهم الفيروس العُذر لإغراق الناخبين بأخبار جهودهم من أجل "إنقاذ" هؤلاء الإسرائيليين من الأسر، ما من شأنه أن يلهيهم بشكلٍ مناسب عن المشاكل التي تصيب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
إلا أنّ الوضع أصبح منذ ذلك الحين أكثر جدّيّةً بكثير، كما أثبت اثنان من كبار علماء الأحياء الدقيقة أُرسلا إلى اليابان ويخضعان حاليًّا بنفسيْهما لحجرٍ ذاتي لمدة أسبوعيْن. وفي البداية، قامت سلطات الصحة العامة بكل التجهيزات اللازمة لاستقبال الإسرائيليين المصابين بشكلٍ فعّال عند الوصول. وتمّ توجيه الحالات المشتبه بها إلى مستشفى تل هشومير، وكانت وزارة الصحة قد شيّدت في خلال مهلة قصيرة جدًّا غرفة عزلٍ ودرّبت فرقًا خاصة على التعامل مع حالات الحجر هذه. ومع إنشاء هذه الأنظمة، استطاعت إسرائيل حتى الآن التحكم بأولئك الذين احتكّوا بالمرض خاصة بعد اكتشاف ستة عشر حالة إيجابية لفيروس كورونا.
مع ذلك، يزداد خطر هذا الوباء، إذ يشكّل الإسرائيليون العائدون من الخارج والسيّاح مصدرًا أساسيًّا لإمكانية انتشار الفيروس. لذلك، يُنصَح الركّاب في "مطار بن غوريون" بعدم استخدام النقل العام للذهاب إلى المنزل، وبالبقاء في العزل التام لمدة أربعة عشر يومًا فور بلوغ المنزل. وحاليًّا، تُعطى التعليمات إلى الركّاب حول كيفية التصرّف عبر النشرات الإعلانية في المطار (أُنظر أدناه). وفي الأمس، أعلنت الحكومة عن أحدث تدابيرها التقييدية، طالبةً من الإسرائيليين ممارسة الحجر الذاتي بعد السفر إلى عدة بلدان أوروبية، بما فيها ألمانيا وإسبانيا وفرنسا. كما أُعلِن عن رفض دخول أي سيّاح سافروا مؤخرًا إلى عدة بلدان مجاورة في الشرق الأوسط. وبسبب هذه التدابير، يفوق الآن عدد المواطنين المعزولين 5000 مواطن بحسب أحدث التقديرات.
كما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تنسيقها الوثيق مع السلطة الفلسطينية لوقف المجموعة المصابة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، حيث تم تحديد سبع حالات بالفعل في منطقة بيت لحم. كما خضع أخصائيون طبيون إسرائيليون وفلسطينيون لتدريب مشترك على مواجهة التهديد، وأرسلت إسرائيل حتى الآن 250 مجموعة اختبار إلى السلطة الفلسطينية، حيث تسمح كل مجموعة بمئات الاختبارات.
تجعل هذه الجهود الاستباقية تقليص انتشار المرض عبر البلاد ممكنًا – ما يشكّل حاليًّا الأولوية القصوى بالنسبة إلى وزارة الصحة العامة. فمن المهمّ جدًّا الحفاظ على عددٍ صغيرٍ من المرضى، على غرار البلدان الأخرى، من أجل منع الضغط على نظام الصحة العامة في البلد ومنع حدوث سيناريو "الإصابات الجماعية".
نظرًا إلى الجهود الراهنة والعدد الصغير نسبيًّا من نقاط الدخول إلى البلد في إسرائيل، وعلى افتراض استمرار المرض في سلوك المنحى الحالي بوجود مجرّد مرض خفيف الحدّة أو خالٍ من الأعراض لدى حوالي 80 في المئة من الحالات، من المحتمل أن تنجح إسرائيل في عرقلة انتشار الفيروس فيما تسمح لمعظم مواطنيها بإكمال حياتهم الطبيعية. ويقتضي ذلك طبعًا اتّباع الناس المفترَض للتعليمات التي تعطيها وزارة الصحة.
تظهر منافع التدابير التقييدية في الوقت نفسه على النطاق الدولي. ففيما تمكّنت البلدان التي فرضت قدرًا كبيرًا من السيطرة على سكّانها – بما فيها الصين وفيتنام وسنغافورة – من تطبيق تدابير صارمة للتحكم بالانتشار، يُتوقَّع أن تشهد البلدان التي لم تُتَّخَذ فيها تدابير تقييدية بالقدر نفسه استمرار انتشار الفيروس لبلوغ أزمة صحّيّة كبيرة.
تتماشى التدابير التي اتخذتها إسرائيل حتى الآن أكثر مع المجموعة الأولى من البلدان، في ظل السيطرة الصارمة أكثر فأكثر على كلٍّ من رحلات السفر والمجموعات الكبيرة. فبهدف الحفاظ على هذا المستوى من الحماية، تبرز قواعد جديدة مع بداية كل يوم: ففي الوقت الحاضر، تُمنَع التجمعات الكبيرة، وأُلغيت كافة الرحلات المدرسية الدولية، وأعرض الكثيرون عن رحلاتهم إلى البلدان الأخرى. وسرى الأمر نفسه على الاقتصاد الإسرائيلي؛ فصرفت شركة الطيران الوطنية الإسرائيلية "إل عال" ألف عاملٍ ويعاني إنتاج المصانع من نقص الموادّ.
نظرًا إلى التحديات السياسية في إسرائيل في الوقت الراهن، إنّ هذه التدابير ملحوظة نوعًا ما في قدرتها على إدارة انتشار الفيروس حتى الآن. فوضعت الحكومة الإسرائيلية المؤقّتة على رأس جهود الاحتواء في البلد وزير صحّةٍ مثيرًا للجدل من حزب "يهودت هتوراة" الحريدي، ومديرًا عامًّا لوزارة الصحة ليس دكتورًا في الطب وعمل سابقًا في الشؤون الاقتصادية. وحتى الآن، تُحقق الحكومة الحاليّة نجاحًا كبيرًا في إدارة جهود الاحتواء. وفي حين أنّ هذه الجهود كانت مهمة للغاية، من المبكر جدًّا القول إذا ما كان سيتبيّن أنّ الجهود الإسرائيلية تحتوي الفيروس بشكلٍ دائم.