- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إعادة نشر القوات الأمريكية في الصومال هي الخطوة الصحيحة
Also published in "ذي هيل"
ازداد خطر الإرهاب في الصومال في ظل غياب القوات الأمريكية، الأمر الذي تطلب من إدارة بايدن إعادة إقامة علاقات قوية مع العناصر المحلية المتواجدة على الأرض.
في أعقاب الانتصار الذي حققه حسن شيخ محمود في الانتخابات الصومالية في 15 أيار/مايو، سمح بايدن لحوالي 500 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية بإعادة الانتشار في الصومال. وتناقض هذه الخطوة ما قامت به إدارة ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2020، حين سحبت القوات المتمركزة في البلاد والبالغ عددها 700 عنصر.
واتخذ الرئيس بايدن الخطوة الصحيحة عندما أعاد القوات الأمريكية لدعم شركاء الولايات المتحدة في الصومال، بينما تزداد التحديات التي يواجهونها في القتال ضد جماعة "حركة الشباب المجاهدين" الإرهابية التابعة فكرياً لتنظيم «القاعدة». وتوجّه هذه الجماعة تهديدات إلى الولايات المتحدة، كما تخطط لشن هجمات على أهداف أمريكية، على غرار المؤامرة التي أُحبطت في عام 2020 لاختطاف طائرة وتحطمها بمبنى في مدينة أمريكية. علاوةً على ذلك، تندرج هذه الجماعة ضمن المنظمات الإرهابية التي تحظى بأفضل تمويل، إذ بلغت إيراداتها 180 مليون دولار على الأقل في عام 2020 (وفي هذا السياق، تجدر الإشارة أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يمتلك أكثر من 50 مليون دولار من الاحتياطيات). ويشكل السماح لهذه الجماعة بالنمو خطراً كبيراً على الأمريكيين داخل الولايات المتحدة وخارجها.
لحسن الحظ، تكبدت "حركة الشباب المجاهدين" خسائر كبيرة في وجه "لواء دنب" الذي دربته الولايات المتحدة، وهو وحدة المغاوير الرئيسية التي أنشأتها واشنطن في الصومال. ويبقى "لواء دنب" القوة القتالية الوحيدة في الصومال القادرة على تنفيذ أعمال هجومية ضد "حركة الشباب"، ومنذ مغادرة القوات الأمريكية، تعثرت جهود محاربة الجماعة. وستساعد عودة القوات الأمريكية التي طال انتظارها في تنشيط "لواء دنب".
ظهرت "حركة الشباب" في عام 2006 كفصيل قتالي متشدد تابع لجماعة إسلامية أخرى. وساعدت "الحركة" في الاستيلاء على مقديشو في ذلك العام، ثم شنت حرب عصابات على "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" التي انتفضت لمواجهتها. ونما عدد أفراد هذه "البعثة" إلى أكثر من 20 ألف عنصر من ستة بلدان، وطردت "حركة الشباب" من أهم المدن الصومالية بحلول عام 2011.
إلا أن "حركة الشباب" بقيت تسيطر على بعض المناطق الريفية في جنوب وسط الصومال. وركزت "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" على الاحتفاظ بالمدن التي حررتها، ولكن "الجيش الوطني الصومالي" - أي القوات المسلحة الرمزية لحكومة الصومال المعترف بها دولياً - كان عاجزاً عن محاربة "حركة الشباب". وفي الواقع، يتم تنظيم ألويته على أسس عشائرية، وهي تخضع لمصالح القبائل المحلية بدلاً من بذل جهد وطني لمحاربة العدو المشترك.
وتم تشكيل "لواء دنب" للاستفادة من نجاحات "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال". وباشرت القوات العسكرية الأمريكية، إلى جانب شركة "بانكروفت غلوبال" (Bankroft Global) للتدريب العسكري، بتنفيذ برنامج "دنب" في عام 2012، وهدفت بشكل مدروس إلى إنشاء قوة متعددة القبائل ذات بنية قيادية معزولة تحميها من أوجه قصور "الجيش الوطني الصومالي" الأكبر حجماً. وأدى التدريب الصارم للطلاب العسكريين في "دنب"، وبناء علاقات وثيقة مع العناصر الأمريكية، والحرص على النأي بـ"دنب" عن المؤسسة السياسية الصومالية الفاسدة، إلى إنشاء وحدة قوية من القوات الخاصة، قوامها ما يقرب من 1000 عنصر اعتباراً من العام الماضي. وبالفعل، وجدتُ أن "لواء دنب" حرر 29 بلدة وقرية من الجماعة الجهادية في الفترة 2019-2020.
باختصار، دربت الولايات المتحدة قوة قتالية هجومية على محاربة "حركة الشباب"، من خلال التزام بسيط قام به 700 جندي لتأدية دور غير قتالي.
وهدد انسحاب القوات الأمريكية من الصومال بفقدان هذه المكاسب. ويعتمد "لواء دنب" إلى حدٍ كبيرٍ على المعلومات الاستخبارية والخدمات اللوجستية والمعدات التي توفرها الولايات المتحدة، وقد أدت الخسارة المفاجئة لهذه الأصول إلى شل عملياته. وتوقف التدريب عملياً من أواخر عام 2020 حتى تموز/يوليو أو آب/أغسطس من عام 2021. وفي الوقت نفسه، استهدفت "حركة الشباب" هذه الوحدة بعدائية أكبر. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، على سبيل المثال، زعمت مسؤوليتها عن مقتل 12 عضواً من "دنب" في هجومٍ وقع بالقرب من "قاعدة باليدوغلي الجوية"، التي هي المقر الرئيسي لـ"لواء دنب".
وفي ظل غياب البنية القيادية المعزولة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، بدأ السياسيون الصوماليون في إساءة استخدام الوحدة من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وتَمثّل الانتهاك الأكثر فظاعة في تورط "دنب" في هجوم حكومي ضد ميليشيا "أهل السنة والجماعة" الحليفة سابقاً لـ"حركة الشباب" في جوري عيل. حتى أن هذه الخطوة دفعت الحكومة الأمريكية إلى إعادة النظر في دعمها للوحدة.
والنمط الذي يتضح هو أن "لواء دنب" يشكل ثروة إذا تلقى دعماً أمريكياً. ومن دون هذا الدعم، تكون الوحدة في حالة ركود أو تعطي نتائج عكسية. وقد يتمكن "لواء دنب" يوماً ما من الاعتماد على نفسه ويصبح قادراً على القيام بعمليات مستمرة دون تدخل أمريكي كبير. ولكن الصومال يحتاج حالياً إلى دعم الولايات المتحدة، من أجل ضمان قدرة واشنطن على محاربة العدو المشترك لكلا البلدين بشكلٍ فعال.
وتشكل عودة القوات الأمريكية إلى الصومال تطوراً مرحباً به سيؤدي إلى إعادة تنشيط الجهود المبذولة لهزيمة "حركة الشباب". وفي الواقع، تشكل هذه العودة أيضاً إقراراً ضمنياً بأن نهج "تخطي الآفاق" الذي نادت به إدارة بايدن - أو ضرْب الجماعات الإرهابية دون أي جنود ينشطون في العمليات على الأرض - لن يفي وحده بالهدف. وتتطلب مكافحة الإرهاب بقوة وجود صلات متينة بين العناصر الأمريكية والمحلية على الأرض. وسيصبّ الانسحاب أخيراً في مصلحة أعداء الولايات المتحدة، كما حصل مؤخراً في أفغانستان. أما الوقوف إلى جانب شركاء واشنطن، فسيولّد ما يلزم من العزيمة المشتركة والقدرة على التكيف لمحاربة أعداء الولايات المتحدة.
عيدو ليفي هو زميل مشارك في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن ومؤلف مشارك لـ دراسة حديثة حول المساعدة الأمنية الأمريكية للصومال.