- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أفيتار: حصة في الصراع على المنطقة ج
يشكل إقامة مستوطنة في موقع بؤرة "أفيتار" عقبة رئيسية أمام أي خطط لإقامة دولة فلسطينية.
لا يُعتبر الاتفاق المبرم في 30 حزيران/يونيو 2021 حول مستقبل بؤرة أفيتار الاستيطانية المنطقة /ج في السامرة نجاحًا سياسيًا فحسب لحكومة بينيت، وإنما استيلاء إسرائيليًا على موقع استراتيجي يطّل على مفترق تبوح وطريق السامرة السريع، ما يعرقل استمرارية أي دولة فلسطينية.
في منتصف أيار/مايو، وردًا على مقتل الفتى يهودا غيتا من يشيفا على يد إرهابي فلسطيني في وسط السامرة، أنشأ "مجلس السامرة الإقليمي" بؤرة استيطانية جديدة على هضبة تبعد 2 كيلومتر شرق المفترق، حيث أقام نحو 60 منشأة خفيفة، علمًا بأن نحو 50 عائلة مع أطفالهم يعيشون هناك أساسًا يعتقدون أن بإمكانهم بناء منزلهم الدائم على الموقع، كما نقل رئيس المجلس الإقليمي مكتبه المؤقت إليها.
وعلى الفور، عمد "مجلس السامرة الإقليمي" إلى تصنيف الموقع على أنه مستوطنة وليس بؤرة استيطانية، وتفاعلت وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية مع ذلك أيضًا، علمًا بأنها غير ملمة بدقة التعريفات القانونية الخاصة بالضفة الغربية. وفي حين تُعتبر إقامة مستوطنة إجراءًا قانونيًا، وفق القانون الإسرائيلي، إلا أن إقامة بؤرة استيطانية هو فعل غير قانوني.
وسرعان ما أصدرت "الإدارة المدنية الإسرائيلية" أمرًا بترسيم الحدود مانعةً إنشاء مبانٍ وجلب معدات إلى الموقع، فضلًا عن أمر بإيقاف العمل، وهو إجراء تمهيدي لأمر التدمير والإخلاء. وتجدر الإشارة إلى أن الإجراءات القانونية التي تتخذها هذه الإدارة تستند إلى قوانين التخطيط والبناء.
وعلى غرار الكثيرين من الموالين لنتنياهو، لا شكّ في أن المجلس مسرور بطرح تحدي التعامل مع "مستوطنة إسرائيلية" وإخلائها أمام الحكومة الجديدة بقيادة نفتالي بينيت وإثبات أنها حكومة يسارية تخون القيم الوطنية التي يصونها اليمين الإسرائيلي. وكانت خطة الموالين لنتنياهو تتمثل في إقامة حدث إعلامي والتسبب بصدام بين القوات الأمنية وآلاف المستوطنين من شأنه أن يترسخ في ذهن الرأي العام ويلحق الضرر بالتحالف الهش. وبحكمة سياسية كبيرة، جرى التوصّل إلى صيغة تسمح بالإخلاء الطوعي للمستوطنين من الجبل والإبقاء على الموقع كمخيّم عسكري لمدة 3 أشهر ستجري في خلالها دراسة معمقة لوضع حقوق ملكية الأراضي واحتمال إقامة مستوطنة هناك. وبعد التدقيق، ستُحال المسألة للمناقشة في الحكومة.
ومع ذلك ، فإن الحل يثير مسألة التأثير المحتمل لهذا القرار النهائي ، وما إذا كان ينبغي فهم هذا السؤال فقط كإجراء تقني لـ "حقوق ملكية واضحة". تتطلب الإجابة على هذا السؤال توضيح التاريخ القانوني والواقع الإداري للمنطقة ج.
وعملًا بالاتفاق الانتقالي بين دولة إسرائيل و"منظمة التحرير الفلسطينية" الموقع في أيلول/سبتمبر 1995، تتحمل "السلطة الفلسطينية" كامل المسؤولية وتتولى السلطة ضمن المنطقتين أ وب اللتين يعيش فيهما الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، في حين أن المنطقة ج التي تضم مناطق ومراكز عسكرية ومناطق حدودية ومستوطنات إسرائيلية ومعظم المناطق غير المأهولة – لا تزال تحت سلطة ومسؤولية الحكومة العسكرية الإسرائيلية.
يقوم القانون العقاري في المنطقة (ج) من الضفة الغربية على التشريع العثماني الذي سبق الحرب العالمية الأولى، وتشريع الانتداب البريطاني الذي حكم الأراضي لغاية عام 1948، والتشريع الأردني الذي استمر لغاية عام 1967 وأوامر الإدارة العسكرية الإسرائيلية التي حكمت المنطقة على مدى السنوات الأربع والخمسين الماضية.
وبموجب القانون العثماني، تنتمي الأراضي كافة إلى السلطان وهو يمنح السكان حق استخدامها مقابل رسم. وعلى مر السنوات، خصّت الحكومة العثمانية ضباطًا ومسوؤلين في الحكومة بملكية بعض الأراضي – وجرى تسجيل هذه الأراضي على أنها أراض خاصة بسجل الأراضي (الطابو)، في حين تمّ تسجيل سائر حقوق السكان المحليين في سجلات الضرائب فحسب. لذا في الواقع، إن أي أرض غير مسجلة كأرض خاصة هي مملوكة للحكومة (أراضي الدولة).
وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وبدأ الانتداب البريطاني، الذي تلاه حكم الأردنيين، بعملية رسم الخرائط وتسجيل حقوق استغلال الأراضي. وجرى وقف العمل بهذا الإجراء في عام 1967، بعد استيطان نحو 40 في المئة فقط من أراضي المنطقة وتسجيلها في سجل الأراضي.
هذا وكانت الحكومة العسكرية الإسرائيلية بدأت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بتحديد مواقع أراضي الدولة العثمانية وتسجيلها في سجلات الأراضي. وترأست نائبة المدعي العام في ذلك الوقت، المحامية بليا ألبيك، فريقًا قانونيًا قام بتفقّد ودراسة المنطقة بالاستناد إلى خرائط وصور جوية جديدة وقديمة، وقام بجولات في مختلف الأراضي ونفذ إجراءًا عامًا يقوم على مبدأ "إعلان الأراضي أراضي دولة" – ما سمح بالإصغاء إلى مزاعم ملكية الفلسطينيين وقبولها. ولم يُستكمل هذا الإجراء حتى تاريخه، سواء بسبب مدى تعقيده أو بسبب التغيرات الجيوسياسية التي جرت في المنطقة.
واليوم، يتعين على أي فلسطيني يرغب في تسجيل ملكيته للأرض، في المنطقة ج، استنادًا إلى الحقوق الواردة في سجلات الضرائب، أن يثبت أن الأرض مستخدمة منذ عام 1967 أو أن استغلال الأرض كان ممنوعا بسبب الحكم الإسرائيلي. وفي حال تبين أن الأرض أو جزءًا منها لم يكن مستخدمًا، أو لم تكن مناسبة للزراعة، يطالب مفوض الأملاك الحكومية بملكية الأرض، في إطار إجراء قانوني يمكن في نهايته تسجيل الأرض على أنها مملوكة للحكومة.
أما الأراضي الشاسعة في المنطقة/ ج ، التي خلص فريق الاستطلاع التابع لوزارة العدل إلى ضرورة إدراجها ضمن عملية الإعلان، رغم أن الإجراءات العامة لم تُستكمل بعد، فتُعتبر ضمن "الأراضي التي يطالب بها المفوض" أو كما هو متداول "أراضي الاستطلاع".
ويزعم المستوطنون أن الأرض المحيطة ببؤرة أفيتار الاستيطانية هي "أرض استطلاع" – غير مملوكة لجهة خاصة، بل للحكومة (الإدارة العسكرية) – حتى لو كانت حقوق استخدام الأرض غير مسجلة بعد. وأعدّ المستوطنون دعوة قانونية تترافق مع آراء خبراء وأدلة تعكس على ما يبدو أن الأرضي بور لم يصر إلى زراعتها منذ عام 1967 وبالتالي هي أرض تستحق إعلانها أرضًا للدولة (الإدارة المدنية)، ولذا يمكن الموافقة على إقامة مستوطنة جديدة. ويستخدم المستوطنون أيضًا مستندات قديمة تثبت أن "الإدارة المدنية" بدأت في السابق بعملية "الإعلان" في هذه المنطقة، ولكنها لم تُستكمل بعد.
ويسعى "مجلس السامرة الإقليمي" الى دفع القائد العسكري لإصدار أمر قضائي خاص بصلاحية الاستيطان الجديد، علمًا بأنه جرى إعداد خطة رئيسية مفصلة وتقديمها إلى لجان التخطيط المعنية. وبالطبع، لا يمكن للجان البدء بمناقشة هذه الخطط إلى حين إصدار القائد العسكري أمرًا قضائيًا خاصًا بالمستوطنة.
وناهيك عن المسائل الإجرائية والقانونية والسياسية، يُطرح هنا سؤالان رئيسيان يتعلقان بسلوك الحكومة: هل يجدر بالحكومة أن تسمح وتعزز الغزو وإقامة المستوطنات بشكل غير قانوني، مع الأخذ في الحسبان مطالب العامة بإخلاء مناطق شاسعة للغاية من أرض الدولة التي غزاها على نحو مماثل البدو في منطقة بئر السبع؟ ويبقى السؤال الكامن، الذي لم يتمّ طرحه في خلال الجدالات العامة في إسرائيل: هل سيعرقل السماح بإقامة مستوطنة إسرائيلية في الموقع قيام دولة فلسطينية مستقبلية؟
ويمكن فهم الأهمية الاستراتجية لمفترق تبوح من خلال الصراع على السلطة بين "السلطة الفلسطينية" ومستوطنين إسرائيليين من أجل السيطرة على المنطقة ج. وحاليًا، تطبّق "السلطة الفلسطينية"، بدعم وتمويل من المنظمات غير الحكومية وحتى من عدد من الحكومات الأوروبية، خطة لبسط السيطرة على المنطقة ج. حتى أنها تدير وتسجّل حقوق الملكية، ظاهريًا في الأراضي المملوكة للدولة، من دون الحصول على تراخيص بناء من سلطات "الإدارة المدنية". وتواجه "الإدارة المدنية" صعوبة في تطبيق قوانين التخطيط والبناء، لا سيما لأسباب سياسية، وقد أحجمت عن تدمير مباني الفلسطينيين. من جهة أخرى، يحاول المستوطنون أيضًا بسط سيطرتهم على الأراضي وإقامة مزارع وأحياء سكنية على أراضي الدولة، من دون الاستحصال على تراخيص قانونية. وسواء لأسباب سياسية أو أمنية، تطبق "الإدارة المدنية" القانون على الإسرائيليين بسهولة أكبر. وغالبًا ما تحصل الخلافات بين الرعاة الفلسطينيين والمزارعين الإسرائيليين وكذلك بين المزارعين الفلسطينيين والرعاة والسكان الإسرائيليين، ويضطر الجيش الإسرائيلي إلى الوقوف بين المتشددين ومنع إلحاق أي أضرار بالممتلكات وزهق الأرواح.
وتقع بؤرة أفيتار الاستيطانية الناشئة على قمة هضبة تطل على مفترق تبوح الرئيسي الذي يربط حركة المرور الفلسطينية والإسرائيلية على الطريق الجبلي (الطريق 60) بين جنين ونابلس في الشمال ورام الله وبيت لحم والخليل في الجنوب. وتجدر الملاحظة أن الطريق 505 – طريق السامرة السريع –يُعتبر المحور الرئيسي لتنقل الإسرائيليين من غوش دان وأرئيل إلى غور الأردن. ويكون مفترق تبوح مزدحمًا على مدار الساعة جراء حركة مرور الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء.
وبحسب المفهوم الرسمي الإسرائيلي، تكتسي سيطرة إسرائيل على هذا المفترق الاستراتيجي أهمية كبيرة، سواء لجهة أمن الحياة الروتينية أو لمنع دخول قوات عسكرية أجنبية من الشرق عبر غور الأردن إلى عمق دولة إسرائيل عند اندلاع حرب ما.
وفي إطار الاقتراحات المختلفة التي جرى طرحها في خلال مفاوضات الوضع الدائم في مؤتمر كامب ديفيد في عام 2000، وقمة طابا في عام 2001 ومؤتمر أنابوليس في عام 2008 واقتراح رئيس الوزراء أولمارت في عام 2009 –كان الحديث يتجه نحو نقل السيطرة على مفترق تبوح إلى الفلسطينيين.
وفي صفقة القرن التي طرحها الرئيس دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير 2020، كان المفترق والمنطقة المحيطة به جزءًا من دول فلسطين المستقبلية، ومُنح الإسرائيليون حلًا بديلًا للتوجه إلى غور الأردن عبر طريق التفافي من المقرر أن يعبر منطقة المستوطنات الإسرائيلية.
ثمة سبب استراتيجي وراء اختيار قادة مستوطني السامرة هذه الهضبة لإقامة مستوطنة أفيتار الجديدة. إن اعتراف الحكومة بالمستوطنة الجديدة سيُحكم قبضة إسرائيل على المفترق الاستراتيجي وسيقلل من إمكانية الترويج لحل بديل يسمح لإسرائيل بالوصول إلى وادي الأردن دون قطع طريق المرور الفلسطيني الرئيسي. وبالمثل ، فإن وجود مستوطنة مدنية إسرائيلية هناك يتطلب إخلاء أو إعادة توطين المدنيين من خلال خطة تهدف للفصل الجغرافي بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى لا يمنع ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقبلية وللحفاظ على استمرار السيطرة على الأراضي شمال الضفة الغربية. باختصار، إن إقامة مستوطنة في أفيتار سيحول دون ديمومة فلسطين التي ستؤدي إلى إقامة دولة مستقبلية في إطار حل الدولتيْن.