- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
اجتماع بايدن وعباس يدور حول الرمزية وليس لتحقيق تقدم دبلوماسي
سيكون الاجتماع في حد ذاته بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هو الهدف من الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى الضفة الغربية، وكلما كان خالياً من الأحداث، كلما تم اعتباره ناجحاً.
في إطار الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، سيلتقي قريباً بنظيره، رئيس "السلطة الفلسطينية"، محمود عباس في بيت لحم. وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع أن تصدر أي إعلانات سياسية مهمة من هذه المحادثات، إلا أن واقع انعقاد الاجتماع يكتسي بحد ذاته أهمية كبيرة.
سياق مقيّد
كان بيل كلينتون أول رئيس أمريكي يزور "السلطة الفلسطينية"، حيث سافر إلى غزة في عام 1998. ومنذ ذلك الحين، ترافقت معظم الزيارات الرئاسية الأمريكية إلى إسرائيل مع لقاءات بالقادة الفلسطينيين، بما فيها زيارات جورج بوش الابن في كانون الثاني/يناير 2008، وباراك أوباما في عام 2013، ودونالد ترامب في عام 2017. وكانت هناك زيارتان استثنائيتان مدفوعتان بظروف دبلوماسية خاصة مع إسرائيل وليس بأي خلاف مع عباس وهما: زيارة بوش في أيار/مايو 2008 للاحتفال بالذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل وزيارة أوباما عام 2016 للمشاركة في الجنازة الرسمية لشمعون بيريس.
كما أن بايدن ليس غريباً عن الضفة الغربية، فقد سافر إلى هناك عدة مرات كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، من بينها كمراقب لانتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني" عام 2006. وكنائباً للرئيس الأمريكي، التقى مع عباس خلال زيارته لإسرائيل في عامي 2010 و 2016.
لكن منذ أن أصبح بايدن رئيساً، خلص هو وإدارته، وهم محقون بذلك، إلى أن أي مبادرة مهمة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ستبوء بالفشل نظراً للأجواء السياسية السائدة بين الطرفين. وهكذا، في حين اتخذ فريقه إجراءات سريعة لعكس بعض ابتعادات إدارة ترامب عن السياسة الأمريكية التقليدية - مثل إعادة العلاقات مع "السلطة الفلسطينية" واستئناف المساعدة للشعب الفلسطيني - فقد تجنب بجدية المشاحنات رفيعة المستوى.
وأحد مؤشرات هذا التحول هو عدم تلقي عباس حتى الآن دعوة لزيارة البيت الأبيض في عهد بايدن، على الرغم من زيارته في عهد الرؤساء بوش وأوباما وترامب. كما تبرز هذه الإدارة الأمريكية على أنها الأولى منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي في عدم إطلاقها مبادرة سلام خاصة بها، على الأقل حتى الآن. في عام 1991، دعا الرئيس جورج هربرت وولكر بوش إلى عقد "مؤتمر مدريد"، وأطلق بفعالية عملية السلام في الشرق الأوسط. وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، أشرف الرئيس كلينتون على العديد من المفاوضات التي بلغت ذروتها في قمة "كامب ديفيد" عام 2000 و"معايير كلينتون". وأصدر الرئيس جورج دبليو بوش "خارطة الطريق للسلام" لعام 2003 وعقد "مؤتمر أنابوليس" عام 2007. وترأس الرئيس أوباما جولات متعددة من المفاوضات، لا سيما خلال فترة جون كيري كوزير الخارجية الأمريكي. وأصدر الرئيس ترامب خطة "السلام من أجل الازدهار" في عام 2020.
وبدلاً من ذلك، سعت إدارة بايدن إلى تحقيق تقدّم متواضع بل ملموس في العلاقات الأمريكية والإسرائيلية مع "السلطة الفلسطينية"، مع التركيز على مجالات مثل الأمن والاقتصاد. لكن حتى هذه الجهود لها حدود - فالقوانين الأمريكية التي دخلت حيز التنفيذ خلال السنوات القليلة الماضية، وأبرزها "قانون تايلور فورس"، تقيّد بشدة المساعدة لـ "السلطة الفلسطينية" في ضوء الرواتب التي تدفعها رام الله للأسرى الأمنيين الفلسطينيين في إسرائيل وعائلات "الشهداء". ومن غير المرجح أن يغيّر عباس هذه السياسة في أي وقت قريب نظراً لوضعه السياسي الضعيف في الداخل.
وأدى الانهيار الأخير للحكومة الإسرائيلية إلى زيادة تعقيد الأمور. وبينما تستعد البلاد لانتخاباتها الخامسة في أقل من أربع سنوات، سيكون فريق بايدن حتى أكثر حساسية تجاه السياسة الإسرائيلية، وبالتالي من غير المرجح أن يضغط على القدس بشأن القضايا الفلسطينية.
وفي هذا السياق، تكتسي زيارة الرئيس الأمريكي أهمية كبيرة لمجرد حدوثها. وعلى الرغم من أن محادثات بيت لحم قد لا تتصدر عناوين الصحف، إلا أن تفويت فرصة لقاء عباس كان ليستقطب الاهتمام بالنظر إلى السجل المتواصل للرؤساء السابقين الذين زاروا "السلطة الفلسطينية" بدون استثناء.
ما الذي يمكن توقّعه
لضمان ألا تثير زيارة بايدن المرتقبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين جدلاً، سعت الإدارة الأمريكية إلى نزع فتيل أي مسألة شائكة محتملة قبل وصوله. فعلى سبيل المثال، مارست هذه الإدارة، من خلال "مكتب منسق الأمن الأميركي"، ضغوطاً لتسريع إنهاء التحقيق في اغتيال الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة. ومن المرجح أن تكون الضغوط الأمريكية قد لعبت دوراً مهماً في إرجاء إسرائيل لجلسة استماع من أجل المضي قدماً في إقامة مستوطنات في المنطقة "إي - ا"في الضفة الغربية المثيرة للجدل، والتي كان من المقرر أصلاً إجراؤها بعد أيام قليلة من زيارة بايدن. وقد تم معارضة المستوطنة "إي-1" بشدة من قبل الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء.
وتماشياً مع هذا النهج الحذر، من المرجح أن يكرر بايدن المواقف الدبلوماسية الأمريكية التقليدية خلال اجتماعه مع عباس - مثل الالتزام بحل الدولتين ورفض الإجراءات الأحادية الجانب - لكنه لن يشير إلى أي جهود متجددة لتحقيق هذه الأهداف. وبدلاً من ذلك، من المفترض أنه سوف يروّج لاستئناف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين ويركز على الإنجازات الملموسة وغير المثيرة للجدل والمستثناة من "قانون تايلور فورس". والمساعدات موضع البحث جوهرية وتشمل المعونات الإنسانية، ومساعدة مستشفيات القدس الشرقية، والمساعدة الاقتصادية لفلسطينيي القطاع الخاص، ومبادرات الأفراد بموجب "قانون الشراكة من أجل السلام في الشرق الأوسط" لعام 2020 على اسم نيتا لوي.
وفيما يتعلق بالرئيس الفلسطيني، سيعود اللقاء بالفائدة على عباس على الرغم من استيائه المستمر من أمرين: عدم انخراط الولايات المتحدة بشكل فعال في عملية السلام، وما يراه على أنه تخلي من قبل بايدن عن الالتزام بحملة لإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. فبعد أن تجاهله البيت الأبيض تحت رئاسة بايدن إلى حد كبير حتى الآن، سيستغل هذه الزيارة لتسليط الضوء على أن القضية الفلسطينية و"السلطة الفلسطينية" وهو نفسه ما زالوا مهمين.
ومع ذلك، يُفترض أن عباس يدرك أيضاً أنه لن تكون هناك نتائج محددة وشيكة للسياسة الخارجية. ووفقاً لذلك، قد يركز على تصوير موقف مبدئي متصلّب لجمهور محلي متشكك - وحتى ناقد. ويعني ذلك على الأرجح تكرار المواقف الدبلوماسية الفلسطينية التقليدية وتقديم مطالب محددة تتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة و"السلطة الفلسطينية"، مثل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وإعادة فتح مكتب تمثيل "منظمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن، ومطالبة الولايات المتحدة بالتوقف عن اعتبار "منظمة التحرير الفلسطينية" منظمة إرهابية. وعلى الرغم من أن مسؤولي "السلطة الفلسطينية" يدركون أن هذه المطالب لن يتم تلبيتها، إلا أنهم على الأرجح يأملون في أن يكون الخطاب الصارم كافياً لإرضاء الجمهور العام وصد هجمات «حماس» وغيرها من المعارضين.
باختصار، بالنسبة لكل من البيت الأبيض و"السلطة الفلسطينية"، فإن زيارة الرئيس بايدن إلى بيت لحم تدور حول الرمزية والتأثير على الرأي العام أكثر من الأهداف الدبلوماسية. فالاجتماع في حدّ ذاته هو الهدف، وكلما كان خالياً من الأحداث، زاد اعتباره نجاحاً.
غيث العمري هو زميل أقدم في "برنامج إيروين ليفي فاميلي" التابع لمعهد واشنطن حول "العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل".