- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3010
أخذ الأمور برويّة عند «معبر نصيب الحدودي» الأردني مع سوريا
خلال مؤتمر صحفي عُقد في عمّان في 2 آب/أغسطس، صرّح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن إعادة فتح «معبر نصيب (جابر) الحدودي» مع سوريا "سيعتمد على الوقت الذي نضمن فيه مصالحنا وأمننا". وأشار كلامه إلى أن الفوائد المحتملة لاستئناف التجارة ستكون ثانوية بالنسبة للمملكة، حتى مع اقتصادها المتعثر. وعلى الرغم من التكهنات العامة الكبيرة بأن عمّان فضلت هزيمة المتمردين في جنوب غرب سوريا من أجل التعجيل بإعادة فتح طريق تجاري مزدحم سابقاً، إلّا أن الحكومة تتوخى الحذر. يشار إلى أنّ الأمر الأكثر أهمية لتحقيق ازدهار طويل الأمد في الأردن هو مهمة إصلاح هيكل الرسوم الجمركية للبلاد وتحسين مناخها الاستثماري بحيث يمكنها زيادة جودة البضائع المصدرة وكميّتها بمجرد استئناف حركة المرور على الحدود.
مخاطرة مقابل مكافأة
تشير دراسة البيانات التجارية الأردنية إلى أن إعادة فتح الحدود بسرعة لن توفر تنمية اقتصادية كافية لتبرير اتخاذ مخاطر أمنية حقيقية. فالصادرات المباشرة إلى سوريا لم تشكل أكثر من 4% من صادرات الأردن منذ عام 2010، وبلغت أعلى مستوياتها في زمن الحرب (عام 2011) حيث سجّلت مستوى أعلى من أي سنة ما قبل الحرب باستثناء عام 2007. ولم يكن فقدان السوق السورية بنفس أهمية الخسارة الكبيرة التي لحقت بالتجارة إلى العراق في 2014-2015. بالإضافة إلى ذلك، لم يتكبد الأردن خسارة كبيرة في إجمالي الجمارك والعائدات الضريبية الدولية منذ إغلاق الحدود السورية في عام 2015، على الرغم من دور «معبر نصيب» كمحور تجاري إقليمي.
ويقيناً، أن إعادة فتح الحدود من شأنه أن يحسّن الاقتصاد المحلي في البلدتين الأردنيتين المجاورتين جابر والرمثا، مما يزيد من فرص العمل للعمال الذين قدموا الخدمات لمنطقة التجارة الحرة سابقاً. ومع ذلك، ستتطلب هذه المناطق إنشاء بنية تحتية جديدة وضمان أمن إضافي لمنع وصول الجهاديين بسهولة من سوريا. كما يتعين على الأردن أن يفكر في التداعيات السياسية والدبلوماسية المترتبة على كونه أول بلد في الائتلاف المناهض للأسد يقوم بتطبيع العلاقات مع سوريا، ذلك التطبيع الذي تقول دمشق بأنها ستتطلبه من أجل استئناف التجارة.
الدور الضئيل لـ «معبر نصيب» في التجارة الشاملة
بسبب قلة الموارد الطبيعية والقاعدة الصناعية الضعيفة، يعتمد الأردن بشكل كبير على الواردات ويواجه عجزاً تجارياً سنوياً يتراوح بين 10 و14 مليار دولار. وقبل عام 2011، كان العجز يتراوح بين 8 و10 مليار دولار، عندما قدمت مصر للمملكة الغاز المدعوم الذي خفض تكاليف الطاقة إلى حد كبير. وتشكل المعادن (الفوسفات والبوتاس)، والسلع الزراعية، والملابس، والكيماويات، والمنتجات الصيدلانية أهم صادرات الأردن. أمّا الملابس فتمثّل أكبر فئة تصدير، حيث بلغ مجموعها 1.5 مليار دولار في عام 2017.
وخلافاً للفكرة السائدة، لم يؤدي "الربيع العربي" واندلاع الحرب السورية إلى إعاقة حجم الصادرات الإجمالي من الأردن (بما في ذلك إعادة التصدير). وفي الواقع، تُظهر بيانات "البنك الدولي" و"دائرة الإحصاءات" في الأردن أن إجمالي صادرات البلاد قد ارتفع من حوالي 7 مليار دولار في عام 2010 إلى نحو 8 مليار دولار في عام 2011، ليصل إلى أقصاه في عام 2014 حيث بلغ 8.4 مليار دولار - أي بزيادة 20% عن مستواه قبل الحرب. وحتى بعد قيام عمّان بإغلاق «معبر نصيب (جابر)» في عام 2015 بسبب انتصارات المتمردين السوريين على طول الحدود، كانت الصادرات الإجمالية لا تزال أعلى بنسبة 7% عمّا كانت عليه في عام 2010 (7.8 مليار دولار في عام 2015 و 7.5 مليار دولار في عامي 2016 و 2017).
لقد تأسست منطقة التجارة الحرة عند «معبر نصيب» للمرة الأولى في الفترة 1975- 1976 لتسهيل التجارة والاستثمارات بين الأردن وسوريا، ووقّع البلدان على اتفاقية محدّثة في عام 2001. ومع ذلك، لم تشكّل الصادرات إلى سوريا سوى جزءاً صغيراً من إجمالي صادرات الأردن، حيث تراوحت بين نسبة عالية بلغت 286 مليون دولار في عام 2011 و43.7 مليون دولار في العام الماضي. بعبارة أخرى، لم تتجاوز صادرات الأردن إلى سوريا 3.67% من إجمالي صادراتها منذ عام 2010، ولم تنخفض إلا بنسبة 0.5٪ في عام 2017. وكما ذكرنا سابقاً، كان الانخفاض في التبادل التجاري مع العراق بعد عام 2015 أكبر بكثير، وذلك عندما استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على جزء كبير من البلاد وأصبح العبور محفوفاً بالمخاطر. وبلغت صادرات الأردن إلى العراق 1.16 مليار دولار في عام 2014 (14٪ من مجموع صادراتها)، لكن بحلول عام 2017 انخفضت إلى 500 مليون دولار (7%).
وقبل "الربيع العربي"، أثبت الأردن أيضاً أنه منطقة عبور موثوقة للبضائع القادمة من مصر والخليج إلى الشمال، ومن أوروبا وتركيا إلى الجنوب. وبلغت قيمة هذه البضائع العابرة 14.6 مليار دولار في عام 2011، ولكنها انخفضت باستمرار خلال الحرب، لتصل إلى 5.3 مليار دولار في عام 2017. غير أنّ هذا الانخفاض لم يسبب خسارة كبيرة في الإيرادات الحكومية. فقد تراجعت رسوم الجمارك والحدود من 327 مليون دولار في عام 2014 إلى 287 مليون دولار في العام الماضي، مما يمثل أقل من 0.15% من إجمالي الإيرادات السنوية للأردن. وهذا الفارق البالغ 40 مليون دولار يشمل أيضاً انخفاض حركة المرور إلى العراق، لذلك يمكن أن يعزى جزء بسيط فقط من هذا الانخفاض إلى إغلاق «معبر نصيب».
علاوة على ذلك، استمرت صادرات الأردن في النمو إلى المملكة العربية السعودية (أكبر سوق عربي لها) وإلى الولايات المتحدة (أكبر سوق عالمي لها). فمنذ عام 2014، أرسلت المملكة الهاشمية ما بين 800 مليون و1.1 مليار دولار من السلع الاستهلاكية والمواد الخام إلى السعودية كل عام، أي ما بين 10-12% من إجمالي صادراتها. وبعد سريان اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن عام 2011، ارتفعت الصادرات الأردنية بنسبة 67%، لتصل إلى أكثر من 1.5 مليار دولار في العام الماضي، أي 21% من إجمالي الصادرات.
نهج أفضل
ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجّع رئيس الوزراء عمر الرزاز وحكومته الجديدة على تبني إصلاحات في مجال الاستثمار والجمارك، التي من شأنها أن تعزز النمو وزيادة الإيرادات، بينما تأخذ في الوقت نفسه المزيد من الوقت للتحضير لإعادة فتح حدود آمنة. ومن خلال اعتماد توصيات "صندوق النقد الدولي" بشأن تبسيط الرسوم الجمركية وزيادتها، بإمكان الأردن أن يدر دخلاً إضافياً قد يصل إلى حوالي 400 مليون دولار - أي ما يعادل 1% تقريباً من "الناتج المحلي الإجمالي" للبلاد، وأكثر من ضعف ما يجنيه في الوقت الحالي من الرسوم الجمركية ورسوم الحدود. كما سيؤدي إصلاح النظام الضريبي المعقد المتعلق بالاستثمارات إلى تحسين بيئة الأعمال في المملكة. وكل ذلك يمكن أن يحدث بينما يستمر الرزاز بالتشاور مع مجموعة واسعة من الأردنيين حول قانون ضريبة الدخل المثير للجدل الذي أطاح بسلفه في حزيران/يونيو.
وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة مساعدة عمّان على استقصاء «معبر نصيب»، وتحديد البنية التحتية والإجراءات الجديدة التي ينبغي تنفيذها من أجل تحقيق أقصى قدر من التجارة والأمن. وقد استثمر البنتاغون مئات ملايين الدولارات في "البرنامج التعاوني للحد من الخطر" وغيره من البرامج لتأمين حدود الأردن مع سوريا والعراق منذ عام 2011، مثل وضع حواجز مادية وتحسين قدرة المملكة على اكتشاف التهريب المحتمل لأسلحة الدمار الشامل. يجب تحديث هذه الجهود نظراً للوضع المتطور في سوريا والنداءات المتزايدة لإعادة فتح الحدود.
وأخيراً، إذا كان اللاجئون السوريون يسعون إلى العودة الطوعية إلى منازلهم في حمص، فإن الأردن ليس بحاجة إلى إعادة فتح «معبر نصيب» لهذا الغرض. وبدلاً من ذلك، يمكنه إرسالهم عبر «معبر الرمثا»، الذي سبق وأن تم استخدامه من أجل تزويد السوريين بالمساعدة الإنسانية خلال الحرب. ويمكن لمكتب "المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" وفرق المعونة ذات الصلة تسهيل هذه العملية بتمويل إضافي من الولايات المتحدة. كما أنّ إعادة ولو جزء صغير من اللاجئين السوريين في الأردن، الذي يبلغ عددهم 1.3 مليون لاجئ سوري، سيساعد المملكة أيضاً على خفض نفقات الطاقة والتعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية التي أثقلت كاهل اقتصادها المتعثّر.
بين فيشمان، هو زميل مشارك في معهد واشنطن، وشغل سابقاً منصب مدير لشؤون الأردن في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي.