- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إخفاقات قوات "اليونيفيل" أصبحت مميتة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية
Also published in "تابليت"
أظهر مقتل جندي إيرلندي من جنود حفظ السلام مؤخراً ومن جديد أن هذه البعثة الدولية هي تجربة فاشلة ومكلفة، وأنه ينبغي تخفيض عدد قواتها بشكلٍ جذري عندما يحين وقت تجديد ولايتها هذا الصيف.
في أواخر كانون الأول/ديسمبر، قُتل جندي إيرلندي من جنود حفظ السلام في لبنان. وكان الجندي يخدم في "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل")، وهي منظمة أُنشئت عام 1978 لتحقيق الاستقرار بين إسرائيل وأعدائها على الحدود اللبنانية، وهم: أولاً، "منظمة التحرير الفلسطينية"، ثم تنظيم "حزب الله" الإرهابي المدعوم من إيران. ويمثل وجود "اليونيفيل" في جنوب لبنان، والمؤلَّف من حوالي 10 آلاف جندي من 48 دولة، أكبر تركيزٍ لقوات حفظ السلام بالكيلومتر المربع الواحد في العالم. ولكن بعد مرور خمسة وأربعين عاماً على نشر هذه القوات "المؤقتة"، لا يزال وضع المنطقة الحدودية بين إسرائيل ولبنان هشاً، بحيث يتعرض جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل لتهديداتٍ متزايدة.
وتم اتهام سبعة مشتبه بهم في جريمة القتل، إلا أن "حزب الله" لم يسلّم سوى واحداً منهم إلى "الجيش اللبناني". ولكن إذا استندنا إلى التجارب الماضية، يمكن الجزم أنه لن يتم إجراء أي تحقيقٍ موثوقٍ به، ناهيك عن مساءلة في مقتل جندي حفظ السلام، والسبب بسيط: "حزب الله" يسيطر على لبنان، الذي يُعتبر بالأساس دولةٌ فاشلة، وما يسمّى بـ "مؤسساته"، لا سيما الأجهزة الأمنية.
ولا شك في أن "حزب الله" كان مسؤولاً عن مقتل جندي حفظ السلام. فلا تسيطر هذه الميليشيا بإحكامٍ على المنطقة التي وقعت فيها عملية القتل فحسب، بل في رصيدها أيضاً تاريخٌ من التحريض ضد قوات "اليونيفيل" ومهاجمتها، والتي تتمثل جزء من مهمتها في مساعدة "الجيش اللبناني" على ضمان "خلو جنوب لبنان من أي أفراد مسلحين أو عناصر مسلحة أو أسلحة" غير تلك التابعة للجيش اللبناني و"اليونيفيل".
وكان الهدف من هذه المهمة، المنصوص عليها في "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701" (2006)، منع "حزب الله" من إعادة التسلّح بعد حربٍ مكلفةٍ ضد إسرائيل استمرّت 34 يوماً وأسقط فيها التنظيم أكثر من 100 صاروخ يومياً على الدولة اليهودية. وتمت زيادة عدد قوات "اليونيفيل" بواقع خمسة أضعاف، من ألفين إلى أكثر من 10 آلاف جندي لحفظ السلام، من أجل تحقيق هذا الهدف. إلا أن المهمة لم تنفذ غايتها قط، وعمد "حزب الله" منذ ذلك الحين إلى تجديد ترسانته بالكامل. واليوم، يُعتقد أن "حزب الله" يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة ويعمل بشكلٍ ناشط على تطويرها إلى ذخائر دقيقة التوجيه.
وتعترف "اليونيفيل" علناً في تقاريرها نصف السنوية إلى مجلس الأمن بفشلها في حظر الأسلحة المخصصة لـ"حزب الله". وبينما تقرّ القوة بالمزاعم المتعلقة بـ "عمليات نقل الأسلحة إلى جهاتٍ من غير الدول" في لبنان، أي "حزب الله"، تقول "اليونيفيل" إنها "ليست في وضعٍ يسمح لها بإثبات" هذه المزاعم. ونظراً لمدى انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في معقل "حزب الله"، يشكّل هذا الفشل الدائم في رصد عملية تسليم أسلحة واحدة على الأقل، ناهيك عن نسبها للتنظيم، مقياساً جيداً للفشل الذريع لمهمة "اليونيفيل". وعلى الرغم من ذلك، تواصل واشنطن ضخ مئات الملايين من الدولارات في هذا المشروع الفاشل وشريكها المحلي، "الجيش اللبناني".
ومنذ عام 2006، تم استهداف دوريات "اليونيفيل" بشكلٍ متكرر بقنابل "حزب الله" المزروعة على جوانب الطرق في جهدٍ سرعان ما تبيّن أنه نجح في ثني البعثة بشكلٍ استباقي عن تنفيذ مهمّتها. لكن في السنوات الأخيرة، تم استهداف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بشكلٍ متزايد من قبل التنظيم الإرهابي الذي يحكم لبنان ويحكم سيطرته على المنطقة التي أُنشئت "اليونيفيل" لحمايتها.
وتروي أحدث تقارير الأمم المتحدة قصةً مروّعًة عن تزايد المضايقات والاعتداءات على القوة. وتنجح هذه التهديدات وأعمال العنف التي يرتكبها عادةً رجالٌ "بلباسٍ مدني" في منع "اليونيفيل" من الوصول إلى المواقع العسكرية الخاصة بـ"حزب الله" في جنوب لبنان.
وبالطبع، تنفي الميليشيا مسؤوليتها عن مقتل جندي حفظ السلام. فقد وصف مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا الحادث بأنه "غير متعمّد". إلا أن صور المركبة التي مزقها وابلٌ من الرصاص والمحاولة الواضحة لفتح أبواب السيارة بالقوة تشير إلى اغتيال الجندي في رسالةٍ واضحة تكشف عداء "حزب الله" المتزايد تجاه "اليونيفيل".
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل أربعة أشهر فقط من هذا الهجوم، انتقد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله علناً تعديلاً في آخر تمديدٍ لولاية "اليونيفيل". فقد سمحت اللغة التي اعتمدها مجلس الأمن في آب/أغسطس 2022 للمهمة بـ "تنفيذ عملياتها بشكلٍ مستقل"، وهو تعديلٌ وصفه نصر الله بأنه "فخ" إسرائيلي و"انتهاك للسيادة اللبنانية". فبالنسبة لـ"حزب الله" وأنصاره، كانت هذه الرسالة من أوضح ما يكون.
وبطبيعة الحال، كانت اللغة الجديدة التي تجيز عمليات "اليونيفيل" المستقلة ضروريةً ليس بسبب "حزب الله"، ولكن بسبب الديناميكية المختلة بين "اليونيفيل" و"الجيش اللبناني". وتتوقع الأمم المتحدة من "الجيش اللبناني" إجراء "دوريات منسّقة ومساعِدة" للمهمة، بالإضافة إلى "حماية تحركات «اليونيفيل» ووصولها". ولكن بالتواطؤ مع "حزب الله"، يقوم "الجيش اللبناني"، الذي تلقى 236 مليون دولار من التمويل الأمريكي عام 2021، بعرقلة عمليات "اليونيفيل" ووصولها بشكلٍ متكرر.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، منع "الجيش اللبناني" "اليونيفيل" من "توسيع رقعة وجودها خارج الطرق الرئيسية والمراكز البلدية"، مدّعياً بشكلٍ لا يصدَّق أن طرق الدوريات المقترحة هي إما عبارة عن أملاك خاصة أو ذات أهمية استراتيجية للجيش. ومن بين هذه المواقع المحظورة مواقع المنظمة غير الحكومية البيئية المزعومة التابعة لـ"حزب الله" المعروفة بـ "أخضر بلا حدود"، التي تشكّل فعلياً قواعد عسكرية ومداخل مكشوفة لأنفاق الهجمات التي تشنها الميليشيا على إسرائيل. والأسوأ من ذلك أن "الجيش اللبناني" والحكومات المتعاقبة في بيروت ترددت في التعاون على صعيد التحقيقات ومحاسبة مرتكبي العدد المتزايد من الاعتداءات على أفراد الأمم المتحدة. كما رفضت الحكومة اللبنانية و"اليونيفيل" بنفسها التعاون في التحقيق في مقتل متلقي منحة المجتمع المدني الأمريكية عام 2021 وأحد منتقدي "حزب الله" لقمان سليم الذي اختُطف على بعد أمتار قليلة من نقطةٍ تابعة لـ "اليونيفيل" في جنوب لبنان.
وتواصل واشنطن تقديم مساعدة عسكرية كبيرة وغير مشروطة لـ "الجيش اللبناني" على الرغم من تواطئه وتنسيقه وعدم تصادمه المستمر والإشكالي مع "حزب الله". وتعمل إدارة بايدن أيضاً على ابتكار آلية عبر الأمم المتحدة لدفع مخصصات نقدية لـ "الجيش اللبناني"، أي القوة ذاتها التي تعمل بالتواطؤ مع "حزب الله" وبالنيابة عنه وتعرقل عمل "اليونيفيل".
وبعد مرور أربعة عقود، من الواضح أن وضع مهمة "اليونيفيل" أصبح غير مقبول. فالمهمة ليست غير فعّالة فحسب، بل أن نشرها يشكل محركاً رئيسياً للاقتصاد في جنوب لبنان، بحيث تعمل على توظيف مؤيدي "حزب الله" وناخبيه وإعالتهم. كما أن الكلفة المترتبة عن المهمة كبيرة، بحيث تبلغ 500 مليون دولار في السنة، بما فيها مبلغ 125 مليون دولار تدفعه واشنطن. هذا والمهمة معرّضة أساساً للمخاطر. وخلال الحرب القادمة المحتمة بين إسرائيل و"حزب الله"، ستعمل هذه الوحدة المؤلفة من 10 آلاف جندي على تزويد الميليشيا بدرعٍ بشري رائع.
وإدراكاً لهذه النواقص، هدد وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في عام 2020 باستخدام حق "الفيتو" ضد تجديد ولاية "اليونيفيل" في مجلس الأمن إذا لم يتم إجراء تغييرات في ولايتها لتحسين الوضع الأمني على طول الحدود. واستناداً إلى رد "حزب الله" العدواني حتى على أدنى تعديلٍ للغة التفويض، يمكن الاعتبار أن هذه التغييرات لم تكن على الأرجح لتحسّن أداء "اليونيفيل".
وفي غياب هذه المراجعات، ضغطت إدارة ترامب لتقليص حجم القوة ليتماشى مع مهمّتها المحدودة. لكن المعارضة الشديدة في مجلس الأمن، وخصوصاً من فرنسا، حالت دون إجراء هذا التغيير المقترَح في التفويض. وبعد انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020 الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمّر العاصمة، توقفت الإدارة الأمريكية عن الضغط، فتخلّت عن أي حديثٍ عن استخدام حق "الفيتو" ضد تجديد التفويض. وفي النهاية، اكتفت بتعزيز متطلبات الإبلاغ الخاصة بالمهمة وخفض الحد الأقصى لعدد العناصر بشكلٍ رمزي من 15 ألف إلى 13 ألف عنصر من قوات حفظ السلام.
وبينما توفر "اليونيفيل" منتدىً مفيداً للمحادثات بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني وتضطلع فرقة عملياتها البحرية بدورٍ مفيد، إلّا أن قوات حفظ السلام لن تؤدي قط دوراً في تقييد "حزب الله" أو حماية الحدود. وما زاد الطين بلّةً هو أن الحكومة اللبنانية و"الجيش اللبناني" لن يفيا بالتزامهما في الأمم المتحدة بدعم المهمة وحمايتها. فعلى الرغم من المبالغ الهائلة المقدمة لـ "الجيش اللبناني" بتمويلٍ أمريكي منذ عام 2006، لا يزال "الجيش اللبناني" رهينةً لـ"حزب الله" وسيبقى كذلك. وليس لدى رعاة "حزب الله" في طهران أي مصلحةٍ في حماية الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. ونتيجةً لذلك، لا يزال جنوب لبنان مضطرباً و"اليونيفيل" عاجزةً عن تحسين الوضع. فمنذ بضعة أسابيع فقط، أسقطت إسرائيل طائرةً مسيّرةً أخرى تابعة لـ"حزب الله" في مجالها الجوي.
وبعد ثلاث سنوات من أزمةٍ اقتصاديةٍ مدمِّرةٍ من صنع الإنسان وأشهُرٍ من الفراغ الرئاسي في بيروت، من المؤكد أن واشنطن وباريس، وهما حاملتا القلم في مجلس الأمن فيما يخص "اليونيفيل"، ستقاومان أي تغييراتٍ كبيرة في الوضع الراهن. وفي الواقع، لطالما كررت فرنسا كل عام أثناء مناقشات تجديد الولاية اللازمة التالية: "الآن ليس الوقت المناسب". ومن المؤكد أنه عندما يتعلق الأمر بلبنان، الذي يعيش حالةً دائمةً من الأزمات، لن يكون الوقت مناسباً أبداً. ولكن اليوم، ومع تهديد "حزب الله" المتزايد لـ "اليونيفيل"، ومع قيام لبنان بعرقلة المهمة بشكلٍ ناشط، أصبح من الضروري على إدارة بايدن إعادة تقييم فائدة هذا الانتشار والدعم الأمريكي غير المشروط لـ "الجيش اللبناني".
وبإمكان تقديم حجةً مقنعةً لإلغاء "اليونيفيل" بالكامل نظراً للشوائب التي تعتريها. ويمكن لواشنطن أن تفعل ذلك ببساطة عبر استخدام حق "الفيتو" ضد تجديد ولاية "اليونيفيل" هذا الصيف كما أوشكت أن تفعل وزارة الخارجية الأمريكية في عهد بومبيو. ولكن على الرغم من شوائبها، تواصل إسرائيل دعم بقاء قوة "اليونيفيل" باعتبار أن ما يسمّى بالآلية الثلاثية وفرقة العمليات البحرية والوجود المستمر لبعض قوات حفظ السلام على طول الحدود قد يكون مفيداً في تهدئة التوترات.
وفي حين أن الإدارة الأمريكية قد لا تكون قادرةً على إلغاء "اليونيفيل"، فقد حان الوقت لتقليص عدد أفرادها بما يتناسب مع محدودية وصولها في جنوب لبنان. وسيتطلب تصحيح حجم هذه البيروقراطية المؤقتة ذاتية التجدد للأمم المتحدة بعض الجهود الدبلوماسبة الحثيثة من جانب واشنطن، ولكن هذه الجهود تستحق العناء. وسيخفف تقليص قوة "اليونيفيل" من المخاطر اللاحقة بقوات حفظ السلام من دون أن يكون له تأثيرٌ يُذكر على الاستقرار على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية. وفي معرض ذلك، قد ينقل حتى رسالةً مفادها أن صبر واشنطن أمام عجز قوة "اليونيفيل" وتعنُّت بيروت بدأ ينفد.
ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" في معهد واشنطن، ومدير "برنامج السياسة العربية" التابع للمعهد، ومساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون "الشرق الأدنى". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "تابليت".