- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إخفاقات سياسية تؤدي إلى تشكيل فوج كردي مرتبط بالحشد الشعبي في كركوك
حصل الحشد الشعبي وبالتالي إيران على نفوذ أوسع في المناطق الكردية حول كركوك.
في 11 كانون الأول/ ديسمبر، شكلت قوات الحشد الشعبي العراقية أول فوج كردي تألف من نحو 150 عنصرًا كرديًا في كركوك. وتُعتبر هذه الجهود جزءًا من مشروع أكبر وأطول أمدًا لـ "قوات الحشد الشعبي" يرمي إلى تجنيد الأكراد في صفوفها في الأراضي المتنازع عليها - والتي تعد كركوك جزءًا منها- بين "حكومة إقليم كردستان" وبغداد. ومع ذلك، يشير نجاح "قوات الحشد الشعبي" في تشكيل أفواج كردية وما نتج عنها من نمو للنفوذ الإيراني بين السكان الأكراد إلى فشل كبير في السياسة الأمريكية في العراق. ومن ثم، ستحتاج إدارة بايدن إلى عكس مسارها في ما يُنظر إليه على أنه انسحاب أمريكي بطيء إذا كانت تأمل في إبطاء نمو النفوذ الإيراني بين السكان الأكراد في العراق، والذي يُنظر إليهم تقليديًا على أنهم داعمين للولايات المتحدة.
تمثل خلفية بعض هؤلاء الأعضاء الأوائل الذين انضموا الى تلك الأفواج أهمية خاصة، حيث أن غازي جبار قائد قوات الحشد الشعبي الكردي في منطقة الدبس في كركوك، كان ضابط سابق في استخبارات "قوات البيشمركة" ويقال إنه عضو سابق في الحزب الديمقراطي الكردستاني. وتردد أن "قوات الحشد الشعبي" بصدد إجراء مفاوضات أيضًا مع أكبر القبائل الكردية في المنطقة على أمل إقناعها بالانضمام إلى القوة الميليشياوية. وحتى الآن، أعرب شامل كويخا أحمدي، زعيم عشيرة رئيسية واحد على الأقل في منطقة شوان في كركوك عن موافقته على الانضمام إلى "قوات الحشد الشعبي". إن استعداد هؤلاء القادة للانضمام إلى قوات الحشد الشعبي، وهي ذات القوات التي استولت على واحدة من أكثر مدن الأكراد العراقيين أهمية ثقافيًا وسياسيًا - كركوك - في عام 2017، تشير إلى أن قوات الحشد الشعبي قد طورت برنامجًا مقنعًا للتجنيد في المناطق الكردية خلال المرحلة الانتقالية. وفى حين ادعى رئيس قوات الحشد الشعبي فالح الفياض أن الأفواج الكردية ليست جزءًا من تنظيمه، فإن تصريحاته يمكن أن تكون ببساطة مجرد إنكار تكتيكي لقوات الحشد الشعبي.
وبشكل عام، يشير هذا التطور إلى تمدد النفوذ الإيراني في البلاد، وعلى ما يبدو فإن جهود قوات الميليشيا الشيعية لا تبدو متناسقة مع الحكومة العراقية حيث أكّد وزير الداخلية العراقي أن الوزارة ليست على علم بأي جهود تبذلها "قوات الحشد الشعبي" لتجنيد أكراد وتشكيل أفواج كردية ضمن صفوفها. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يكون لبرنامج التجنيد هذا صله بقادة في إيران. وتجدر الملاحظة أن كركوك تتمتع بموقع استراتيجي مميز بالنسبة لـ "قوات الحشد الشعبي". فهي تختزن مليارات براميل النفط وتقع على حدود إقليم كردستان وتوفر رابطًا جغرافيًا بين إيران ومحافظة نينوى. وقد شكّل تزويد النفط عملًا مربحًا بالفعل للقوات الشيعية بغية تمويل مشاريعها في العراق في الآونة الأخيرة، وحتمًا لا تعاني كركوك نقصًا في إمدادات النفط.
ويمثّل تغلغل "قوات الحشد الشعبي" الفعال بين السكان الأكراد في المناطق المتنازع عليها في أفضل الأحوال فشل السياسة والدبلوماسية الأمريكية في العراق خلال عهد إدارة ترامب التي لم تسفر حملة الضغط الأقصى التي شنتها ضد طهران سوى عن عداوة لأصدقاء واشنطن ليس فقط في العراق إنما في المنطقة بأسرها.
والأهم من ذلك، أن هذا التطور يوضح كيف أن انسحاب ترامب من العراق والعدوان البارد على إيران قد ترك أكراد العراق بدون شريك موثوق للدفاع عن أنفسهم، مما دفعهم نحو الحشد الشعبي باعتباره البديل الوحيد العملي للدعم الأمريكي. إن فشل الولايات المتحدة في التوسط في صفقة بين بغداد وأربيل سمح بنشر قوات مشتركة من الجيش العراقي والبشمركة في المناطق المحيطة بإقليم كردستان وهو ما يعني غياب الحماية للأكراد في هذه المناطق. وقد وفّر عدم حماية الأكراد في هذه المناطق فرصة ذهبية لـ "قوات الحشد الشعبي" لتصوّر نفسها على أنها في الطليعة وأنها قوة موثوقة لحماية الشعب من "داعش" ومنظمات إرهابية أخرى في المنطقة.
تجلت هذه الديناميكية في التصريحات العلنية للأكراد الذين انضموا إلى الحشد الشعبي، حيث أكّد جبار أن الأكراد انضموا إلى "الحشد الشعبي" لحماية أنفسهم من الجماعات المسلحة. كما صرّح شوان بأن تشكيل فوج كردي في المنطقة لم يكن موجهًا ضد أي أحد بل لحمايتها من الإرهابيين. أعلن أيضا أبو عماد أوغلو، وهو تركماني شيعي يتقن اللغة الكردية جيدًا. وفي هذا السياق، قال أوغلو إنه سيتمّ الإعلان عن تشكيل المزيد من الأفواج الكردية قريبًا لحماية كركوك. وبحسب تصريحات شوان، فإن عدد مقاتلي "الحشد الشعبي" وصل إلى 31 ألف مقاتل في كركوك وحدها، مضيفًا أنه تمّ استثناء الأكراد. هذا الوجود الكبير لقوات الحشد الشعبي يجعل من الصعب تجاهل مطالبهم ويجعلهم قوة حماية أكثر فعالية من أي قوة أخرى في المنطقة.
وتشكّل قرية بلكانة خير دليل على عدم تمتع الأكراد بالحماية حيث أنهم تعرضوا للمضايقة والقمع على يد القوات العراقية والسكان العرب لأكثر من عامين. وبدعم من "قوات الحشد الشعبي" والجيش العراقي، يحاول "العرب الوافدون" السيطرة على أراضٍ تابعة للأكراد في كركوك.
ويتحمل الحزبان الكرديان الرئيسيان، "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، أيضًا مسؤولية مصير كركوك. فالحزبان اللذان لديهما مقاعد في مجالس المحافظات لم يتمكنا من الاتفاق على تعيين محافظ منذ 2017. وهذا ما أطلق يد بغداد في اتخاذ القرارات، بحيث استبدلت الأكراد بعرب وتركمان في المناصب العسكرية والحكومية البارزة خلال السنوات الثلاث الماضية.
لذلك، أثبتت قوات الحشد الشعبي قدرتها على الاستفادة من الفراغ الدبلوماسي المفتوح الذي خلفته الولايات المتحدة. إلى ذلك، لا يكشف نجاح "قوات الحشد الشعبي" في تشكيل أفواج كردية فقط عن القدرات العسكرية للقوة شبه العسكرية، بل أيضًا عن نفوذها الدبلوماسي وطموحها في أن تصبح قوة بدون منازع والقوة الأكثر نفوذًا في العراق. وسيضمن ذلك وضع المسمار الأخير في نعش وجود حكومة مدنية وقيام الديمقراطية في دولة بذلت الولايات المتحدة من أجل إنجاحها دمًا وثروة.
وقد يكون الأوان قد فات كي تتخذ إدارة ترامب خطوات مجدية لوقف النفوذ المتنامي لقوات الحشد الشعبي والنفوذ الإيراني. ويبقى الأمل في أن تفهم إدارة بايدن والأخصائيون المخضرمون في السياسة الخارجية ضمنها مدى خطورة الوضع في العراق وتبذل الجهود لإعادة بعض توازن القوى بين إربيل وبغداد بغية ضمان الاستقرار والسلام في البلاد؛ وإلا سيكون العراق محكومًا بنزاع متواصل وعدم استقرار في المستقبل البعيد في ظل تنامي نفوذ قوات الميليشيات.