- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2981
الاحتجاجات الاقتصادية في الأردن: إعادة صياغة الإصلاحات
في 30 أيار/مايو، اندلعت احتجاجات في جميع أنحاء الأردن ضد مشروع قانون ضريبة الدخل المقترح وارتفاع أسعار السلع الأساسية. وبعد أربعة أيام، قبِل العاهل الأردني عبدالله الثاني استقالة رئيس الوزراء هاني الملقي وكلّف وزير التربية والتعليم عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة خلفاً للملقي. وتعهد الرزاز على الفور بسحب قانون ضريبة الدخل وبدأ بمشاورات مع "مجلس الأمة"، والأطراف المعنية، والنقابات للبحث في سبل للمضي قدماً. لكن في الوقت الذي تراجعت فيه المظاهرات، لا يزال يتعين على رئيس الوزراء القادم مواجهة التحدي الكبير المتمثل بمعالجة الدَيْن العام الذي لا يمكن تحمله في البلاد - وفي خضم ذلك، تخفيف الغضب العام من إجراءات التقشف المتشددة والتدابير المدرّة للدخل.
وبالفعل، تُقدم الولايات المتحدة مساعدات قياسية إلى عمّان، كما أن حلفاء المملكة في الخليج تعهدوا بتقديم حزمة مساعدات إضافية بقيمة 2.5 مليار دولار لتخفيف الضغوط المالية الفورية. وتتمثل المهمة الآن تعزيز فعالية هذه المعونة الجديدة ومساعدة الحكومة الأردنية على إعادة التفاوض بشأن التزاماتها تجاه "صندوق النقد الدولي".
احتجاجات سلمية ذات تركيز ضيق
اندلعت المظاهرات في عدة مدن، وكانت أكبرها خارج مكتب رئيس الوزراء في العاصمة عمّان. وشاركت مجموعة كبيرة من الأردنيين، بمن فيهم أعضاء نقابات وطلاب ومواطنين من الطبقة المتوسطة الهادئين عادةً. لكن الأحزاب الإسلامية واليسارية المعارضة التي نظمت تاريخياً مثل هذه المظاهرات كانت غائبة عموماً.
وقد ركّز المحتجون بشكل حصري، مع بضعة استثناءات، على مطالب اجتماعية واقتصادية محلية. ولم يتطرقوا إلى قضايا السياسة الخارجية، بما فيها القضية الفلسطينية.
ومنذ البداية، اعتمد البلاط الملكي لهجةً تصالحية، وأوعز الملك على الفور إلى الحكومة بتجميد ارتفاع الأسعار. وفي وقت لاحق، خلال لقائه مع الصحفيين، هاجم العاهل الأردني المسؤولين الحكوميين الفاسدين ضعيفي الأداء، ودعم حق الشعب في الاحتجاج، واستشهد بوالده الراحل من خلال التعبير عن تضامنه مع "أبناء وبنات الشعب الأردني". وفي 4 حزيران/يونيو، تمّ إرسال ولي العهد الأمير حسين إلى موقع التظاهرات المركزية، حيث حث الأجهزة الأمنية على "حماية المواطنين... والسماح لهم بالتحدث والتعبير عن آرائهم".
وعلى الرغم من أعدادهم الكبيرة، حافظ المتظاهرون على تحركهم السلمي إلى حدّ كبير خلال الاحتجاجات التي دامت ثمانية أيام، باستثناء بعض المشاحنات الصغيرة. وركزت هتافاتهم على الحكومة وإجراءاتها الاقتصادية، متجنبةً عموماً أي انتقاد للنظام الملكي. بدورها، كان أداء قوات الدرك التي راقبت الاحتجاجات محترفاً، حيث لم تصدر أي تقارير عن وقوع إصابات خطيرة أو القيام بحملة اعتقالات واسعة النطاق. وأشار كلا المعسكرين بوضوح إلى نواياهما السلمية - حتى أن المتظاهرين كانوا ينظفون الشوارع عند نهاية كل يوم، في حين قدمت لهم الشرطة زجاجات مياه.
أسباب اقتصادية
على الرغم من أن الأردن صمد أمام احتجاجات "الربيع العربي" عام 2011، إلا أن الاضطرابات الإقليمية الناتجة عنه أضرّت باقتصاد المملكة بشدة. وحتى عند قيام عمّان بزيادة الإنفاق العام الذي لا يمكن تحمله أساساً، ارتفعت أسعار الوقود في المملكة بشكل كبير. وغرقت شركة "الكهرباء الوطنية المساهمة العامة" في ديون هائلة بعد خسارة الغاز الطبيعي المدعوم من مصر، حيث تمّ إغلاق خط أنابيب سيناء عقب الهجمات الإرهابية المتكررة. وجاءت الصدمات الإضافية على شكل الحرب في سوريا (التي كلّفت الأردن شريكاً تجارياً رئيسياً)، وعدم الاستقرار في العراق، وتدفق اللاجئين الذي تطلب المزيد من الإنفاق الحكومي.
ورداً على ذلك، تعهّد «مجلس التعاون الخليجي» في عام 2011 بتقديم 5 مليارات دولار إلى الأردن، على شكل معونات ومنح إنمائية يتمّ توزيعها على مدى خمس سنوات. ومع ذلك، كان لا يزال على الأردن الاقتراض بشكل كبير من الأسواق المحلية والدولية لسدّ العجز في ميزانيته. وحين تراجع تصنيفه الائتماني، تدخلت الولايات المتحدة وزودته بقروض إضافية بقيمة 3.75 مليار دولار. ومن أجل معالجة عجز شركة "الكهرباء الوطنية المساهمة العامة" وغيرها من الإصلاحات الهيكلية، وقّع "صندوق النقد الدولي" على اتفاق مبدئي مع عمّان بقيمة 2 مليار دولار للفترة 2012-2015، وهو اتفاق نفذت المملكة شروطه بنجاح. وتطلب البرنامج أن يعمل الأردن على إلغاء إعانات الوقود، مما أجج جولةً عنيفة من الاحتجاجات في أواخر عام 2012.
وعلى الرغم من أن قروضاً كهذه قد ساهمت في إرساء الاستقرار في الحساب الجاري للأردن، إلّا أن نسبة دينه إلى "الناتج المحلي الإجمالي" تجاوزت حالياً 95 في المائة. وتستحوذ خدمة هذا الدين على أكثر من 10 في المائة من ميزانية عمّان البالغة 13 مليار دولار وستستمر في الزيادة. وفي عام 2016، سعى الأردن و"صندوق النقد الدولي" إلى معالجة هذه المشاكل من خلال برنامج وصلت قيمته إلى 773 مليون دولار امتد حتى عام 2019 وتطلّب فرض المملكة ضرائب إضافية. وقد دخلت أولى هذه الإجراءات حيز التنفيذ أخيراً في كانون الثاني/يناير من العام الجاري، حيث تمّ فرض ضريبة على السلع الاستهلاكية الشائعة مثل السجائر والملابس تراوحت بين 10 و 16 في المائة. كما خفضت عمّان الدعم على الخبز، وهي خطوة لم يوصِ بها "صندوق النقد الدولي". وحاولت المملكة التخفيف من أثر هذه الإجراءات على أحوج مواطنيها من خلال برنامج التحويل النقدي إلى الفقراء، ولكن الخطة لم تخصص سوى القليل جداً من المال لعدد محدود جداً من المواطنين ولم تنجح في تهدئة الشكاوى العامة الأوسع نطاقاً.
وفي هذا السياق اندلعت الاحتجاجات في 30 أيار/مايو. ورغم أن مشروع قانون ضريبة الدخل لم يكن ليؤثر على غالبية الأردنيين بسبب عتبة الدخل العالية التي يفرضها، إلا أن هذا الإجراء لم يُفسَّر بشكل جيد وصدر دون مشاورات سابقة.
تحديات سياسية
يُعتبر استبدال رؤساء الوزراء مقاربة أردنية حقيقية تمّت تجربتها لضمان عدم تحوّل الاضطرابات [إلى انتفاضة] ضد النظام الملكي. ومن عدة نواحٍ، يُعتبر الرزاز بديلاً طبيعياً. فهو يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة هارفرد ويتمتع بسيرة مهنية مميزة شملت العمل في "البنك الدولي" وتبوأ مناصب قيادية في القطاعين العام والخاص، وبنى سمعةً كمصلح قدير تقنياً. وكان أداؤه في وزارة التربية والتعليم - حيث قاد دفة إصلاحات مهمة في إحدى أكثر المؤسسات المحافظة والمناهضة للإصلاح في المملكة - السبب الفعلي وراء إعلاء شأنه. وفي خضم ذلك، أثبت أنه محاور فعال ضمن النظام البيروقراطي ومع عامة الشعب، وهي مهارة افتقر إليها الملقي الذي لم يحظى بشعبية.
وستبرز حاجة كبيرة إلى مهارات التواصل هذه خلال الفترة المقبلة. وقد أدّت الصورة التي ظهر بها الملقي كرئيس وزراء ينأى بنفسه وغير مبالٍ لم يقم باستشارة أصحاب المصالح خلال صياغة القانون الضريبي، إلى مفاقمة السخط العام. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أن يهدف كتاب التعيين الذي وجهه الملك إلى الرزاز إلى تسليط الضوء على الحاجة إلى مشاركة الجمهور.
وعلى الرغم من مزاياه، سيتعامل رئيس الوزراء القادم مع جمهور لا يثق بالحكومة وسيشكك في أي إجراءات اقتصادية جديدة. وكان الرزاز قد تعهد أساساً بسحب قانون الضرائب، وأوعز إليه الملك بـ"إجراء مراجعة شاملة للنظام الضريبي والعبء الضريبي، بهدف الحدّ من الضرائب الاستهلاكية غير المباشرة والتنازلية التي لا تميز بين الأغنياء والفقراء". غير أن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن ستتطلب دون شك فرض ضرائب لا تتمتع بأي شعبية من نوع أو آخر.
علاوةً على ذلك، بينما رحبت العناصر الليبرالية والإصلاحية ضمن النخبة الأردنية بتعيين الرزاز، سيتعين عليه التعامل مع قاعدة قوة محافظة راسخة أعاقت جهود الإصلاح المفترض في الماضي. وينطبق ذلك بوجه خاص على أعضاء النخبة في مجال البيروقراطية والأجهزة الأمنية والأعمال الذين سيتضررون شخصياً من أي إصلاحات قاسية.
دور الولايات المتحدة
أثبتت إدارة ترامب التزامها بالعلاقة الاستراتيجية مع الأردن عندما وافقت في شباط/فبراير على حزمة مساعدات لمدة خمس سنوات بقيمة 6.375 مليار دولار. وفي 11 حزيران/يونيو، تعهدت الكويت والسعودية والإمارات بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار خلال قمة استضافها الملك سلمان في مكة المكرمة. وسيتمّ توزيع الأموال الجديدة على شكل مزيج من الدعم المباشر للميزانية، وودائع في المصرف المركزي، وضمانات لـ"البنك الدولي" ومشاريع للتنمية.
على الولايات المتحدة دعم الأردن من الناحية الدبلوماسية خلال هذه الفترة الحساسة. فتوزيع المساعدات الخليجية سيستغرق بعض الوقت، ولم يشكّل الرزاز بعد فريقه التنموي والاقتصادي. وما إن يستلم هؤلاء المسؤولون عملهم، سيتعين على واشنطن التعاون معهم ومع نظرائهم في الكويت والإمارات والرياض لضمان استعمال المساعدات المتعهَد بها في برامج تُحفز استحداث الوظائف وزيادة النمو الاقتصادي. يجب على المسؤولين الأمريكيين أيضاً تشجيع دول الخليج على زيادة مساعداتها إذا أثبتت هذه البرامج الأولية نجاحها.
من ناحية أخرى، يجب على واشنطن أن تطلب من "صندوق النقد الدولي" تمديد برنامج مساعدته الحالي إلى الأردن من أجل منح الرزاز وقتاً لتصميم نظام ضريبي أكثر وضوحاً وأكثر استساغة. وما إن يشكّل حكومته، يجب على إدارة ترامب دعوته لزيارة واشنطن للعمل مع "صندوق النقد الدولي" على وضع جدول زمني جديد للإصلاحات الضريبية الإلزامية، فضلاً عن اتخاذ تدابير لتحسين المناخ الاستثماري في الأردن. وإذا دعت الحاجة، بإمكان الحكومة الأمريكية اقتراح تقديم عرض مؤقت لاستبدال مبلغ 173 مليون دولار المزمع تقديمه من "صندوق النقد الدولي" إلى حين عودة الأردنيين إلى المسار الصحيح.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن. بين فيشمان، هو زميل مشارك في معهد واشنطن، وقدعمل مديراً لشؤون شمال أفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي في الفترة 2011-2013.