- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاحتجاجات الإيرانية والهجمات على إقليم كردستان العراق: محاولة لتحييد الأنظار عن الاضطرابات المحلية
تعكس الهجمات الإيران المتكررة على إقليم كردستان العراق جهود النظام الإيراني لصرف الانتباه عن المعارضة الداخلية وتعطيل الدعم الخارجي للمعارضة.
على مدار الشهرين الماضيين، حافظت حركة الاحتجاج الشعبي في إيران على زخمها. ويسلط نطاق هذه الاحتجاجات الضوء على طبيعتها الشاملة إذ شارك فيها سكان من أكثر من 140 مدينة وقرية من 31 محافظة إيرانية. وحتى الآن، حصدت هذه الاحتجاجات نحو 15820 معتقلًا و344 قتيلًا من المدنيين، بمن فيهم 52 طفلًا، إلى جانب 40 عنصرًا أمنيًا.
ولكن على الرغم من الطابع الشعبي والجامع الذي يغلب على الاحتجاجات، واصل النظام الإيراني تركيز جهوده على تصويرها على أنها حركة انفصالية بطبيعتها. وقد كان جزء من هذه السردية السبب وراء الهجمات التي شنّتها إيران على "إقليم كردستان العراق" مستهدفةً الأحزاب الإيرانية الكردية والتي أودت بحياة مدنيين من بينهم نساء وأطفال. وثمة عدة أسباب واضحة تبرر استهداف النظام الإيراني المتكرر للإقليم – فطهران تسعى إلى جذب الاهتمام الدولي، على أمل حلّ النزاعات الداخلية من خلال العمل الخارجي وتجنّب شرذمة إيران وتغيير هويّتها الداخلية وفي محاولةٍ منها لمنع الحركات المعارضة من التعاون على نطاق واسع.
آراء الأكراد العراقيين بالاحتجاجات الإيرانية
في ما مضى، كانت كردستان كيانًا واحدًا، لكنّها انقسمت بموجب معاهدة دولية إلى أربعة أجزاء وهي الشمال، والجنوب، والشرق والغرب. وبالنسبة إلى الجزأين الجنوبي والشرقي، فهما أقرب بكثير من الناحية الجغرافية والثقافية والاقتصادية والدينية، ويتشاركان حدودًا تمتد على آلاف الكيلومترات، ما يسهل عليهما فهم مشاكل وصراعات بعضهما البعض.
ومع ذلك، قد نظر سكان "إقليم كردستان العراق" إلى الهجمات الإيرانية التي استهدفت الجماعات المعارضة الكردية-الإيرانية بشكلٍ مختلف عن أي مشكلة أخرى. فالنظام الإيراني استهدف الإقليم لتحييد الانتباه عن الصراعات الداخلية والاحتجاجات التي عمت الشوارع، وخطط حتى لإضفاء طابع عسكري على الاحتجاجات إلى أن اكتسبت العدائية التي استخدمها مصداقية خارج حدود البلاد.
كما يدرك أكراد العراق أيضا أن الاحتجاجات الحالية عبر الحدود نشأت نتيجة الإحباطات العميقة للسكان وليس بناءً على تعليمات حزب سياسي أو معارضة إيرانية. فطيلة سنوات، تظاهر الإيرانيون احتجاجًا على الأزمات الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان وتردي الأوضاع المالية. لكن الاحتجاجات التي هزت البلاد هذا العام انفردت بطابعها الشمولي حيث جمعت الرجال والنساء والشباب وكبار السن من كافة الأعمار والإثنيات.
وبينما سخّرت قوات الأمن الإيرانية كامل قدراتها بكافة الطرق الضرورية لوضع حدّ للاحتجاجات وإخلاء الشوارع من المتظاهرين، لا يزال أبرز القادة الإيرانيين يخشون تأييد أفعال القوات الأمنية علانيةً حيث أنه حتى بعد مقتل مئات الأشخاص وجرح الآلاف، تبين أن طهران عاجزة عن تقليص نطاق هذه الاحتجاجات. ولغاية الآن، لم تتمكن القوات الأمنية من منع اتساع رقعة الاحتجاجات وتفاقم حدتها.
أما في العراق، فتسود نظرة شعبية متضامنة مع الاحتجاجات الإيرانية على الرغم من التناقضات القائمة حيال جوانب محددة من أفعال المحتجين، ولاسيما أنّ أغلبية سكان "إقليم كردستان العراق" من المسلمين وبعض المحتجين في إيران يركزون على إزالة الرموز الدينية. وهذا أمر يتعارض مع قناعات العديد من سكان الإقليم لكنّهم يغضّون الطرف عنه للإبقاء على دعمهم للمحتجين.
وفي ظل قلة الخيارات المتاحة داخليًا، سعت إيران إلى تقويض الاحتجاجات عبر محاولة نقل رمزيتها إلى خارج الحدود. ويتجلى المثال الأحدث على ذلك في الضربة التي وجهتها إلى "إقليم كردستان العراق" وخلّفت عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى، معظمهم مدنيين بمن فيهم نساء وأطفال.
وصحيح أنّ مقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني من مدينة سقز في المنطقة الكردية من إيران كان الفتيل الذي أشعل الاحتجاجات، لكنّ إيران استغلّته من أجل استهداف عدة مواقع في "إقليم كردستان العراق" الذي يشكل قاعدة لأحزاب المعارضة الكردية-الإيرانية، بالأخص كوية في أربيل وزركويز في السليمانية وبرده. وخلال الجولة الأولى من القصف، قُتل 18 شخصًا، من بينهم امرأتان، إحداهما كانت حاملًا وخسرت جنينها، وجُرح أكثر من خمسين آخرين.
وفي ضربة ثانية نفذتها إيران في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد مرور 43 يومًا على الهجوم الأول، استخدمت مرة أخرى الصواريخ والطائرات المسيرة لقصف كوية وزركويز، متسببة بمقتل مدنيين وجرح ستة آخرين. استهدفت الضربة الأخيرة اليوم أيضًا الأحزاب الكردية الإيرانية، حيث أصاب اثنين من الصواريخ الثلاثة مخيمات اللاجئين المجاورة لمقر الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وهذه حتمًا ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إيران عسكريًا الأحزاب المعارضة المتمركزة قرب حدودها. تجدر الملاحظة أن الهجمات الإيرانية على الأحزاب الإيرانية-الكردية في "إقليم كردستان العراق" بدأت في جبال قنديل عام 1984. بعد ذلك، نقلت هذه الأحزاب مواقعها إلى كوية بموجب اتفاق أبرمه ممثل "الحزب الديمقراطي الكردستاني-الإيراني" مصطفى هجري، والمسؤول عن قاعدة "حمزة" بمساعدة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني (رحمه الله).
وقد نص الاتفاق على إحجام إيران عن مهاجمة الأحزاب الكردية الإيرانية أو العراقية، التي لديها مكاتب في كوية. وفي نهاية المطاف، انقسمت الأحزاب الكردية الإيرانية وتمركزت في مناطق مختلفة من الإقليم، وعمدت تدريجيًا إلى إثبات رفضها لاستخدام العدائية داخل إيران ودعمها الاحتجاجات السلمية.
وبقي هذا الاتفاق نافذًا لغاية العام 2017 عندما هاجمت إيران مقر "الحزب الديمقراطي الكردستاني-الإيراني"، متسببةً بسقوط 18 قتيلًا وعشرات الجرحى. وردًا على الاعتداء، صرح الحزب بأننا "لا نواجه الإرهاب بالإرهاب." وبعد أربعة أيام على الحادثة، طلب الحزب مقاطعة شاملة في المدن الكردية الإيرانية، وقد استجاب عدد كبير منها لطلبه.
ولدى الحزب في"إقليم كردستان العراق" أربع قواعد: واحدة في كوية وأخرى في ديغالا واثنتان في بحركة، وما بين 10 و12 ألف عنصر من قوات "البيشمركة" العسكرية. علاوةً على ذلك، لكل من "حزب كوموله" الشيوعي، و"زحمت كيشان كوموله" و"شوريش كران كوموله" – وهي في الأساس ثلاثة فروع لحزب "كوموله" انفصلت إلى ثلاثة أحزاب – ثلاث قواعد في زركويز في السليمانية وهي تضم أكثر بقليل من ألف عنصر من قوات "البيشمركة." كما يملك "حزب حرية كردستان" ثلاث قواعد في برده و250 عنصرًا من قوات "البيشمركة."
ومن الجدير بالذكر أن الأحزاب الإيرانية الكردية صارت اليوم بعيدة كل البعد عن الأحزاب المعارضة الإيرانية الوحيدة. فالمعارضة الإيرانية تنقسم في الواقع إلى أربع مجموعات: الجمهوريون في أوروبا، وأنصار نظام الشاه الذين تتمركز أغلبيتهم في الولايات المتحدة وأوروبا، و"مجاهدي خلق" في ألمانيا، والأحزاب الكردية في "إقليم كردستان العراق." وفي حين استهدفت إيران في مراحل مختلفة جميع هذه المجموعات، تبقى الأحزاب الإيرانية الكردية الأكثر عرضة للهجمات لأنها متمركزة بالقرب من الحدود مع إيران. وتأمل إيران أن تحوّل الهجمات التي تنفذها ضد الأحزاب الكردية في الإقليم الاهتمام الداخلي والخارجي عن المعارضة الواسعة الانتشار داخل حدودها.
هل ما تشهده إيران احتجاجات أم ثورة؟
على الرغم مما سبق، وبالنظر من الخارج إلى الحركة التي تشهدها إيران، يبدو أن جاذبيتها الواسعة النطاق تظهر مدى قوتها. فللمرة الأولى، يقف الشيعة في الجبهة الأمامية من الاحتجاجات إلى جانب السنة وغيرهم من النخب الدينية. على سبيل المثال، في مدن على غرار عيلام، حيث يشكل الشيعة أغلبية السكان، يبدو أن رقعة موجات الاحتجاجات تتسع أكثر فأكثر.
وتتميّز موجات الاحتجاجات الجارية عن سواها من الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرًا دول الشرق الأوسط بفضل استمراريتها ولامركزيّتها. في الواقع، إنها تعيد أكثر فأكثر إلى الأذهان ذكريات الاحتجاجات التي هزت إيران عام 1979 ونجحت في الإطاحة بنظام الشاه. لكن الحركات الاحتجاجية الحالية لم تحقق النتائج المرجوة. فاليوم، كما في عام 1979، يبدو أن القوات الأمنية والمحتجين على السواء متمسّكون بمعارضتهم للاحتجاجات، كما أن أي تغيير في النظام السياسي الإيراني سيستغرق وقتًا أطول بكثير من المتوقع.