- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاختطاف بغرض الاقتصاد العشوائي في سوريا
مقابلات حول الابتزاز في مناطق سيطرة النظام.
يصعب أحيانًا تصوّر ما تعنيه الحالة المزرية للاقتصاد السوري لمن يعيشون هناك. إذ يتدفق حوالي 100 صهريج وقود عبر الحدود اللبنانية إلى سوريا، لكن هناك نقص في الغاز ويحدّ هذا النقص من قدرة الأسر على تدفئة منازلهم، مع العلم أنّ هذه الأسر تواجه أصلًا، في المناطق التي يسيطر عليها النظام، انقطاعًا حادًّا في الكهرباء يستمر لساعات. فالاستحمام محدود، هذا إن لم يكن معدومًا. وبات الماء الساخن سلعة متاحة فقط لمن لديهم الوسائل المادية والوساطات اللازمة. ففي هذه الأثناء، يتم عرض شوادر من "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" للبيع على "فايسبوك"، كما تبيع النساء شعرهن لإطعام أسرهن، وهذان مجرّد مثالَين فقط على نوع الابتكار التجاري اللازم للتغلب على المصاعب الكثيرة في بلد لم يعرف سوى الحرب طوال العقد الماضي.
وخلال الصيف، انهارت الليرة السورية، فيما تستمرّ العقوبات الأمريكية في ردع الدعم الدولي لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وفي الوقت نفسه، أدّت جائحة فيروس كورونا أيضًا إلى تفاقم انهيار البنية التحتية الاقتصادية للبلاد. وفيما يبحث السوريون عن وسائل مدرّة للدخل، تمكّن الضبّاط الذين يوظفهم النظام من الحصول على الأموال من خلال الابتزاز.
وتتمثل إحدى الطرق الروتينية لهذا الابتزاز في الاحتجاز القسري للأفراد الذين يتعيّن على عائلاتهم بعد ذلك رشوة الضبّاط للحصول على حقوق الزيارة أو التوصّل إلى الإفراج عن أحبائهم. وقد سلّط تقرير صدر في كانون الثاني/يناير الضوء على حجم مخطط الابتزاز، الذي ظل عنصرًا أساسيًا في ترسانة تكتيكات النظام لسنوات، لكنه بات صارخًا بشكل خاص في ضوء الحرب المستمرة في البلاد والاقتصاد المنهار.
وقد استطلع التقرير الذي أعدّته "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"- أكثر من 1200 سجين وعائلة. وقال المشاركون في الاستطلاع إنّ الرشاوى ارتفعت إلى حوالي 3 ملايين دولار في أحد السجون، على الرغم من تفاوت المبالغ. وقد بلغت رسوم الزيارة أو الإفراج عادةً بضعة آلاف من الدولارات أو أقل، لكنّ الرشاوى ستزداد للعائلات التي تعيش خارج سوريا، لتصل إلى حوالي 30 ألف دولار. وقد سلّط التقرير الضوء على قدرة هذا التدفق النقدي على تغذية جهاز الأمن والنظام في البلاد من خلال حرّاس وقضاة وعسكريين ووسطاء يسهّلون المفاوضات - وهو تناقض صارخ مع متوسط الراتب السنوي للقطاع العام الذي يبلغ حوالي 24 دولارًا، بحسب صحيفة "قاسيون" السورية. وبحسب التقرير، فإنّ "الجيش العربي السوري هو الجهة الرئيسة المسؤولة عن هذه الأنواع من الاعتقالات".
وتحدّث معهد واشنطن مع مدني يعيش في غرب سوريا الخاضع لسيطرة النظام، والذي قدم سياقًا حول كيفية تأثّر المدنيين العاديين بمخططات الابتزاز هذه التي تظل دعامة أساسية في الحياة اليومية. كما تحدّث المعهد مع مسؤول مخابرات شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية لأنّه غير مخوّل بالتحدث علنًا، وقد كان هذا الشخص قادرًا في بعض الأحيان على تأكيد انتشار المخطط، ولكنه يكشف أيضًا عن مسار المخطط قد تتغيّر مع تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد. وقد تم تحرير الإجابات واقتضابها بشكل طفيف، مع العلم أنّها أُخذت من الحوارات التي جرت بين كانون الأول/ديسمبر وشباط/فبراير.
:ضابط مخابرات عسكرية
كم مرة تشارك في هذه العملية؟ وما هو دورك وهل يستحق النتيجة؟
لم أقم بذلك شخصيًا ولن أقوم به قط.
هل تعتبر أنها ممارسة مقبولة؟
إنها ممارسة غير أخلاقية. إلّا أنّها تحدث كل يوم لكنني لن أقوم بها قط، فأنا لم أتربَ على هذا النحو، ولا أستفيد من المحتاجين، لكن للأسف أنّ هذا التفكير يقتصر عليّ فقط.
كم عدد الأشخاص الذين يأتون إليك كل أسبوع للحصول على هذا النوع من المساعدة؟
يطلب شخص واحد على الأقل المساعدة كل شهر. أنا أساعد مجانًا عندما أقدر على ذلك، لكن نادرًا ما أتمكّن من المساعدة. وفي حالات أخرى، يصرّ الناس كثيرًا وأشعر بالسوء تجاههم لذلك أحيلهم إلى شخص آخر، إلى شخص فاسد لكنّه يستطيع المساعدة بالفعل. لا آخذ قط أي هدايا أو حصّة مقابل هكذا نوع من الصفقات. تعتمد عائلتي عليّ، ففي وقت سابق من الحرب، كان عليّ أن أختار الانضمام إلى المخابرات العسكرية. فاضطررت إلى الالتحاق بالمخابرات وإلا كنت مجبرًا على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية. في سوريا، تُعتبر بضعة أشهر أو سنة في الجيش أمرًا مريعًا. فقد أتأذى، وأنا وعائلتي ما كنّا لنتحمّل ذلك. لذلك اخترت الالتحاق بالمخابرات، إلّا أنّني لا أوافق على ما يجري في مكان عملي.
كيف تتجلّى مشاركتك عادةً؟
في بعض الحالات كانوا يعتقلون شخصًا ويطلقون سراحه بعد شهر أو أكثر، لعدم وجود أي تُهم ضده، لكن بالرغم من ذلك كان الضباط يتواصلون مع عائلة الشخص المعني ويهددونهم ويخيفونهم مقابل الحصول على المال. لكن، لولا ذلك، لكان حرًّا لأنه لم يفعل شيئًا، إلّا أنّ العائلة لا تعرف ذلك. وينطبق هذا على المخالفات البسيطة، ففي بعض الأحيان يستخدمون حالات كهذه لابتزاز الناس لأنّ شخصًا ما سيخرج من دون الحاجة إلى دفع أي شيء. لذا يقولون إنه سيبقى إلى الأبد أو يعملون على تعقيد إطلاق سراحه للحصول على المال.
مدني يعيش في المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام:
كم هو شائع قيام الأسرة بالدفع مقابل الحصول على معلومات عن شخص مختف؟
هذا شائع جدًّا إذا تم القبض على شخص ما من قِبل جهاز المخابرات بتهمة الاتجار بالأسلحة أو المخدرات، من دون تورّطه سياسيًا- فهذه أمور عادية. إذ لا مجال لعائلته لمعرفة مكانه لأنّه لن يتمّ إعلامهم، حتى لو أخذوه من منزله. ولن يخبرهم المسؤولون إلى أي فرع ينتمي هؤلاء الضبّاط الأمنيون. إذ لا يُطلعون العائلة على أي شيء. لذا، تُضطرّ العائلات للذهاب والبحث عن شخص تعرفه في أوساط المخابرات أو البحث عن شخص قد يأخذ المال مقابل حصول العائلة على معلومات حول مكان ابنهم.
ما هي التكلفة على العائلات؟
فلنفترض أنّك تريد معرفة مكان وجود شخص ما لقيامه بجرم بسيط. عندها عليك دفع حوالي 10 دولارات. أما إذا أردت أن تعرف ما إذا كنت مطلوبًا من قِبل المسؤولين، فقد تدفع من 10 إلى 20 دولارًا. لا يقبل البعض تقاضي أقلّ من 100 دولار. ويستند هذا الأمر على أصلك وما إذا كنت تعرف الضابط أم لا، إذ يختلف هذا الأمر كثيرًا. أمّا إذا كنت في السجن لأسباب سياسية وأرادت عائلتك إطلاق سراحك، فلا يقلّ المبلغ عن 2000 دولار أو أكثر. وفي بعض الأحيان، إذا كنت مطلوبًا لارتكاب أعمال سياسية خطيرة للغاية، فعليك بدفع 20000 دولار أو 40000 دولار، ولكن يمكنك حلّ المشكلة بـ 500 دولار أيضًا.
هل هناك مجموعة ديموغرافية يتم استهدافها أكثر من غيرها؟
النساء والأطفال المحتجزون. وبطبيعة الحال، فإن ابتزاز تلك العائلات هو أسهل. إذ يفضل معظم الضباط الفاسدين التعامل مع أخ أو أب، وليس مع النساء، لأنّ النساء يخفن بسهولة، ما يعني أنهن يتراجعن عن صفقة ما في اللحظة الأخيرة ولا يمكنهن دائمًا دفع المبلغ المطلوب. لذا يفضلون عقد صفقات مع كبار السن من الرجال.
هل شهدت على هكذا نوع من العمليات [حيث تعيش]، أي خطف واسترجاع؟
لقد شهدت على ذلك. وإليك كيف يجري الأمر؛ يتم القبض على ابنك، فتبحث عن الضباط في الفرع الذي تعتقد أن ابنك موجود فيه. ثم تقوم بالاتصال بهم وتسأل عن ابنك، فيقول الضابط إنه سيبحث عن الابن للحصول على معلومات ثم يرجع إليك ليقول، "إنّ الضابط فُلان يعرف مكان وجود ابنك أو ما هي تهمته أو ما الذي يستوجبه إطلاق سراحه ويريد هذا القدر من المال مقابل الإفصاح عن معلومات". ويُضيف قائلًا إنّه "عليك أن تدفع المال لي لإيصاله للضابط المعني". لذا ستدفع العائلة للضابط الأوّل الذي يلعب دور الوسيط، فيأخذ هذا الأخير حصّته ويسلّم الباقي إلى الضابط المسؤول. ثم تكتشف العائلة مكان وجود ابنها أو يتم خداعها. ويقول للعائلة إنّ مخابرات القوات الجوية تقول إنّه هنا لكن المخابرات العسكرية تقول إنّه هناك. إنهّا مجرّد عملية فساد.
هل انخفضت هذه الممارسة أم ازدادت مع انتشار جائحة فيروس كورونا؟
لم تُحدث جائحة فيروس كورونا أي فرق على الإطلاق، إذ كانت هذه العملية عادية قبل عام 2011، وقد ازدادت بعد العام 2011. وتشهد هذه العمليات اليوم أعلى مستوياتها على الإطلاق. إذ لم تُحدث جائحة فيروس كورونا أي تغيير أو إبطاء أو زيادة عليها. فقد استمرّت بكل بساطة.
هل هي طريقة ليجني النظام المال في ظل العقوبات؟
ليست طريقة ليكسب النظام المال، بل هي طريقة يجني من خلالها مجتمع الاستخبارات أو المسؤولون العسكريون المال. ولم تزداد هذه العمليات بعد عقوبات [قيصر]. إذ لا تزال كما كانت من قبل. وربما سيُشجّع المزيد من المسؤولين على القيام بذلك الآن بسبب الوضع الاقتصادي. فبعض الضباط الذين أكّدوا في الماضي أنّهم لن يفعلوا ذلك قط، قد يقومون بذلك الآن لأنهم بحاجة إلى مزيد من المال بعد انهيار الليرة السورية. وربّما فاقمت العقوبات الأمر. لا أستطيع الجزم بهذا الأمر. يستفيد الضبّاط في هذه الفروع الأمنية والاستخبارية على المستوى الشخصي. فهذا نظام منهجي، ولكن لا تصبّ الأموال المكتسبة في جهود الحرب أو اقتصاد البلاد. إنّها مكاسب شخصية بحتة، لا أكثر ولا أقل.