- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإخوان المسلمون: أزمة تنظيمية وتراجع القدرات
بعد أن كانت ذات يوم حركة سياسة مهيمنة، تسببت الأزمات الداخلية المستمرة في جماعة الإخوان المسلمين في انقسام الجماعة وانحسارها عن دائرة الضوء.
على مدى السنوات الماضية، واجهت جماعة الإخوان المسلمين المصرية عدة أزمات، لا سيما في مواجهة الضغوط الكبيرة المفروضة عليها من قبل الحكومة المصرية. كما واجهت الجماعة أيضا تحديات داخلية متزايدة دفعتها لمضاعفة جهودها، وذلك في وقت تستمر فيه في طرح نفسها كجماعة سياسية معارضة. ومن ثم، يجدر النظر في القرارات الداخلية التي اتخذتها الجماعة -التي كانت قوية يوما ما - والتي دفعتها لتصبح على هامش الحياة السياسية المصرية. وفي هذا السياق، يمكن أن توفر دراسة التحولات التى طرأت على أيديولوجية جماعة الإخوان وهيكلها التنظيمي مؤشرا على قابليتها للاندماج السياسي أو الاجتماعي.
لطالما كانت التحديات التنظيمية التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة عاملاً حاسماً في تشكيل علاقاتها مع الدولة لعدة عقود، فطوال تاريخ الإخوان، كانت الإخفاقات التنظيمية الداخلية بارزة في جميع الأزمات التي مرت بها الجماعة. ومع سعيها لتقلد مكانة حركة دولية، ازداد الوضع سواء، حيث واجهت الجماعة صعوبات في التعامل مع الحكومات الوطنية.
من المؤكد أن الدولة المصرية مارست ضغوطا كبيرة على الإخوان، ففي نهاية حقبة حسني مبارك، وبعد عزل الرئيس محمد مرسي من منصبه في عام 2013، أصبحت الحكومة حاليا تتبنى سياسة ممتدة لمكافحة التنظيم عبر تمديد تصنيفه ككيان إرهابي، وهي سياسة تقوم على أن وجود الحركة يمثل تهديداً للدولة ومصدراً للتطرف، وتزييف للوعي الاجتماعي على مدى 90 عاما.
ومع ذلك، تعثرت الجماعة أيضا بسبب الانشقاقات الداخلية، فبعد عام 2013، انزلقت الجماعة في أزمة تنظيمية نتيجة الإطاحة بها من السلطة، وهو ما ترتب عليه حدوث انقسامات داخلية بلغت ذروتها في عام 2021، حيث انقسمت الجماعة إلى تيارين أساسيين ومجموعات صغيرة أخرى. ومع انتقال قيادة الجماعة للخارج، انكشف عدم لياقة نظامها الداخلي للوضع الجديد، وبدأت تعاني من مأزقين، يتمثل الأول في ارتباط النزاع بين الفِرق المختلفة بالخلاف حول صلاحيات المجلسين (الشورى المصري أو الشورى العام) في إسناد القيادة، أما الثاني، حيث تواجه الجماعة تنسيقاً أمنياً إقليمياً يحول دون تكاملها التنظيمي. وفي ظل هذه الأوضاع، استمر الخلاف حول ملء الفراغ التمثيلي للجماعة مشكلة دائمة.
تراجعت مكانة القيم داخل جماعة الإخوان، فعلى الرغم من رسوخ مبدأ السمع والطاعة داخل الجماعة وتصوير مخالفته نوعاً من العصيان والفساد الأخلاقي، لم يطرأ أي تحسن على الاستقرار الداخلي داخل جماعة الإخوان المسلمين.
وفي ما يتعلق بأيديلوجية الجماعة، وبشكل عام، استخدمت الجماعة حجج مفكريها المركزيين مثل حسن البنا وسيد قطب، حيث ركنت الجماعة، منذ نشأتها، إلى إرشادات حسن البنا في نسختها الأولية عن السلطة والحكم والدولة، وذلك رغم عدم كفايتها للتعامل مع التغيرات المتواترة في النظام العالمي والدولة القومية. وعوضا عن إيجاد حلول عملية للتعامل مع تلك التحديات، رأى فريق من الجماعة الابتعاد عن العمل السياسي والاكتفاء بالوعظ والإرشاد دون ظهور خطة لهذا التوجه.
من خلال استخدام خطاب قطب، صارت جماعة الإخوان أكثر اقتناعا بأن العالم الخارجي هو المخطئ، حيث اعتبر قطب أن مشكلة الإسلام تكمن في جهل المجتمع والعداء العالمي، فيما يسلم منطقياً بصلاح الفئة العصبة المؤمنة لحمل عبء الدعوة. وفي ظل هذه الأيديولوجية الموروثة من البنا وقطب، بررت الجماعة الإخفاق السياسي بعدم ملائمة البيئة وعيوب المجتمع، وغطت على أي جهود لتقييم الجماعة من الداخل، بما في ذلك مبادرة إنشاء لجنة "الأهداف والوسائل".
على أية حال، يعاني الخطاب الحالي للجماعة من ركود مُمتد وفجوة زمنية، ظهرت ملامحها في هيمنة المحنة والتضحية والرعاية الإلهية. كما تراجعت قوة الإلزام الذاتي بالبقاء في الجماعة أو الخضوع لمركز واحد، كما تشير لعدم كفاية الأفكار الميثولوجية في ضمان التماسك التنظيمي، وهو ما يشير لتحولٌ واسع في القيم التنظيمية، تم اختزاله في عمليات استنزاف للقدرات قامت بها مجموعات صغيرة من مجلس شورى الجماعة.
وفي غياب ذاكرة تنظيمية متماسكة للجماعة، فإن أي محاولة لإعادة تقييم مهمة الجماعة وأهدافها لن يتوفر لديها أي خيار سوى البدء من الصفر. وتشير البيانات المختلفة إلى أن الإطار التنظيمي للجماعة لا يتضمن نظرية إطار فكرى واضح يساهم في تقديم حلول، لكنه يعمل على تجنب النقاش حول المسؤولية والعلاقات السببية في تقييم المآل السياسي والتنظيمي. ساهمت هذه القناعات في تعطيل المسارات الإصلاحية، كما منعت الاجتهاد والتكيف مع الظروف، وتفسير الفشل في عدم تحقيق مشروع الدولة الإسلامية وعدم مبارحة مرحلة الفرد في المجتمع.
ويمكن النظر للأزمة الداخلية في جماعة الإخوان من وجهة أنها تمثل تبديداً لرأس المال الاجتماعي، حيث تعاني الجماعة باستمرار من تآكل النخبة القيادية وتسرب الأعضاء. وتكشف تجربة المنفى هذا الميل للانقسام، حيث كان من المفترض أن تساعد حرية العمل من الخارج على تجميع وتوحيد قدراتها، بل على العكس من ذلك، دخلت في انقسامات متتالية. وفي حين يكافح التنظيم للسيطرة على فروعه المتعددة، إلا أن قدراته الأيديولوجية المحدودة جعلت البحث عن مسارات للخروج من الأزمة شبه مستحيلة.
وفق هذه السياقات، لا يتمتع خطاب الإخوان بالتكيف مع الوضع السياسي، فهو يتحول من المركزية الإصلاحية للغاضبة دون القدرة على إنتاج تأويل يناسب حاجات الجماعة في البقاء أو فتح مسار للعلاقات. بدت لغة الصراع واضحة في محاولة التقارب مع الدولة، فلدى طرح فكرة الانسحاب من السياسية، استخدم البيان تعبير الصراع مرادفاً للمشاركة، ويعبر الحديث اللاحق عن المشاركة في مرحلة انتقالية (أثناء مناقشات الحوار الوطن في الخارج عام 2022) عن جانبين، اهتزاز التصور عن المرحلة المقبلة وضعف الاستعداد لتتغير، وارتكاز الثقافة السياسية على محورية السلطة والتغيير من أعلى خلافاً للأدبيات التقليدية القائمة على الإًصلاحية.
على أية حال، تفتقر جماعة الإخوان أيضًا إلى النفوذ الاقتصادي، فخلال السنوات الماضية، لم يظهر لها تأثير في السياسات النقدية أو المالية، كما لم تتمكن من تكوين شبكات للتأثير على الاستثمار الأجنبي المباشر، سوى إعداد حملات للإفراج عن المحبوسين، لم تلق استجابة من الدول أو المنظمات الدولية. مع تداخل الأزمات الأيديولوجية والاجتماعية والتنظيمية والاقتصادية لجماعة الإخوان، تتحول الحركة لجيوب معزولة ذات جماهير محدودة، وهي حالة لا تسمح لها بتوفير الجاذبية والثقل السياسي.